|
معنى هزيمة يونيو 67
فاضل عباس
(Fadhel Abbas Mahdi)
الحوار المتمدن-العدد: 1218 - 2005 / 6 / 4 - 07:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما نتحدث عن الفكر القومي في الغرب نجد انه فكر نشأ على ثالوث اصلاحي وهو الثورة الصناعية في انجلترا والاصلاح الديني على يد لوثر والثورة الديمقراطية التي تمثلت بحركة الاستقلال في الولايات المتحدة الامريكية والثورة الفرنسية.
وبالتالي فإن الفكر القومي في الغرب قد فكك الامبراطوريات المستبدة لصالح الامم الاوروبية الديمقراطية ولكنه ايضا لم يكن فكرا منغلقا فالاصلاح الديني الغربي والذي تبنى فكرة الانسان مقياس كل شيء قد أوجد أرضية قوية نحو الجنوح باتجاه المعرفة واكتشاف قوانين الحياة.
وبالتالي فإن الفكر القومي الغربي قد نشأ اساسا نتيجة مقدمات نهضوية وأحدث نهضة على كافة المستويات، ولذلك هو لم يفشل كما فشلت فكرة القومية العربية التي اعتمدت على الارث التاريخي للدولة العربية الاسلامية وان رفعت شعارات اخرى الا انها كانت ذات طابع توحيدي (وحدة عربية) مستندة لتاريخ الدولة العربية القديمة وهي بالتالي أغفلت تشكيل انسان عربي حضاري (المحتوى الحضاري) لأنها كانت تعتمد على استكمال الحضارة السابقة وليس المبادرة بالقيام بنقلة حضارية والاختلاف الجوهري الاخر بينها وبين الفكر القومي في الغرب هو ان الاصرار على مفهوم التوحيد قد ادى الى قيادة العسكر للحركة القومية العربية بينما في الغرب كان المفكرون يقودون حركة التغييرات وعلى كافة المستويات.
ولم تكن الحركة القومية في العالم العربي تحظى باتفاق في بداية تشكيلها فبينما كان المشرق العربي (سوريا ولبنان) تعتقد بالوحدة العربية وتطلب المساعدة البريطانية والفرنسية للخلاص من الاتراك (العثمانيين)، نجد ان القيادات المصرية وبالتحديد بعد ثورة 1919 كسعد زغلول ومصطفى كامل كانت اقرب الى الاتراك بسبب رغبتها في الخلاص من الاحتلال البريطاني ولم تكن تؤيد فكرة الوحدة العربية، كما ان فكرة الوحدة العربية لم تكن تحظى بقبول شعبي بين المصريين بسبب آراء النخب الثقافية والادبية كتوفيق الحكيم وطه حسين الذي قال في اكثر من حديث في تلك الفترة »تريدون ان تتحقق الوحدة العربية، فعلى اي اساس علمي تنادون بها« وكان توجه المفكرين المصريين مع التعاون في التعليم والتبادل الثقافي وليس تشكيل امبراطورية عربية (وحدة اندماجية).
ومن هنا كان المفكرون المصريون ينطلقون من فكر وطني مصري بدون بعد عربي وحدوي وهذه الرؤية تثبت صحتها اليوم في عدم واقعية الطرح القومي والوحدة الاندماجية فهل كان طه حسين يقرأ ما سيحدث في هذه المرحلة؟ فلو تعقل العرب وسارت الامور وفق اراء المفكرين الكبار بدون حماس العسكريين لكنا اليوم نتجنب الهزائم المتتالية عسكريا وايديولوجيا.
ولذلك كانت مصر في تلك الفترة يسيطر على مجرياتها السياسية تيار ليبرالي مستنير وكانت تعيش نهضة ثقافية وعلمية وكان التعليم عاملا مهما في نضوج الرؤية المصرية وخصوصا مع تعدد المدارس الاجنبية والنظام البرلماني الذي كان سائدا والذي كان يشكل حالة خاصة في العالم العربي وبالتالي فإن مصر كانت اقرب الى الغرب منها الى المشرق العربي الذي لم يكن يمتلك مخزون مصر الثقافي والعلمي والتعليمي ولذلك وجدت الفكرة القومية المتطرفة ارضية لها في المشرق العربي ولم يكن لها مكان عند المصريين. ولكن مع انقلاب او ثورة 1952 بدأت مرحلة جديدة على الشعب المصري وهي تجذير الفكر القومي العربي من قبل عبدالناصر ورفاقه وخصوصا بعد الجلاء البريطاني عام 1954 ورفض البنك الدولي تمويل مشروع السد العالي.
وتعتبر خسارة الشعب المصري وباقي الشعوب العربية كبيرة بعد ثورة 52 فالتجربة البرلمانية والثقافية في مصر لو استمرت بدون حدث يوليو ٢٥ كانت سوف تحقق تراكما سياسيا وثقافيا وسوف تكون بقيادتها الليبرالية عنصر تغيير مهم في باقي الشعوب العربية وفي تقديري لاختلف الوضع العربي بالكامل فثورة 52 رسخت حكم الفرد ومبدأ دكتاتورية الثورة كما انها شكلت تراجعا كبيرا للتعددية الثقافية التي عرفت بها مصر قبل الثورة في مجال الادب والسياسة والثقافة العامة واخذت الهالة الاعلامية ومنظرو الثورة العمل باتجاه نزوع ثقافي احادي باتجاه فكرة القومية العربية ولكن اهم ما ميز تلك الحقبة هي حالة الفساد التي استشرت داخل الثورة بينما كان منظرو الثورة يعلنون انهم جاءوا لوقف الفساد الذي استشرى داخل الثورة بينما كان منظرو الثورة يعلنون انهم جاءوا لوقف الفساد في العهد السابق ولكن هذه المسرحية السياسية لم تستمر طويلا، ولذلك فإن هزيمة يونيو 67 شكلت بداية المراجعة المتأخرة للوضع العربي ولكنها بالمقابل كانت تعني بداية دخول العرب في مسلسل الارهاب والتطرف الاسلامي الذي أراد الانقاذ السماوي لهزيمة على الارض. ولذا فإن هزيمة 67 كانت نتيجة الخطأ الذي وقع بقيام ثورة 52 فهذه الهزيمة كانت مثل نهاية اطروحات الثورة كحل لقضايا المجتمع وهي تمثل صحة لما قاله طه حسين عن الوحدة العربية وهي تثبت اختلال وخطأ المسار المجتمعي لعدد من الدول العربية ومنها مصر، لكانت مصر منبر ليبرالي تقدمي في المنطقة العربية. ولكن المؤسف ان دولا اخرى ما زالت تسير على نهج هزيمة 67 وهي تعتقد ان الحديث عن التهديد الاسرائيلي مبرر لعدم القيام باصلاحات سياسية واستمرار قمع المتظاهرين وتكميم الافواه، فمتى سوف نعالج اثار واسباب هزيمة 67 ؟ فأحد اسباب الهزيمة هو التطرف القومي وانعدام الديمقراطية وتفشي الفساد.
#فاضل_عباس (هاشتاغ)
Fadhel_Abbas_Mahdi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
! تحالفات أم تبعية سياسية
-
كيف يمثل العمال في الهيئات والمج
...
-
كيف يمثل العمال في الهيئات والمج
...
-
الإرهاب والديمقراطية في الوعي ال
...
-
القائد يوجه العمال في عيدهم
المزيد.....
-
مشاهد توثق انفجار أجهزة -البيجر- اللاسلكية في عدد من المتاج
...
-
مصادر عسكرية رفيعة: تناقض شديد بين الجيش ونتنياهو ونخسر حرب
...
-
ألمانيا تتعهد بتقديم 100 مليون يورو إضافية لأوكرانيا في الشت
...
-
مصرع 4 أشخاص وإصابة 40 جراء حرائق الغابات في البرتغال
-
وزير القوات الجوية الأمريكية: روسيا ستواصل تهديدنا بغض النظر
...
-
قيس سعيد: جهات أجنبية تسعى لإفشال حركة التحرر الوطني في تونس
...
-
البرلمان الجورجي يتبنّى مشروع قانون حظر الدعاية للمثلية وتغي
...
-
مالي: مسلحون يهاجمون مقرا للقوات المسلحة في العاصمة والجيش ي
...
-
عاجل: عدد من الإصابات في حدث أمني غير واضح في الضاحية الجنوب
...
-
تطوير صمام قلب جديد لتفادي مشاكل عمليات استبدال الصمامات
المزيد.....
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
المزيد.....
|