|
جولات في تاريخ الجزائر
عادل الجباري
الحوار المتمدن-العدد: 4270 - 2013 / 11 / 9 - 23:42
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
صدر سنة 2011 عن مطبعة أنفوبرانت بفاس كتاب لمحمد أمين تحت عنوان "دراسات في تاريخ الجزائر الحديث"، والكتاب هو عبارة عن مجموعة من المواضيع التي تتطرق للتاريخ الجزائري في العهد العثماني والعهد الاستعماري،شارك بها المؤلف إما في ندوات داخل البلاد أو خارجها ، أو مقالات نشرها في مجموعة من المجلات المغربية والعربية. يقارب محمد أمين في هذا الكتاب التاريخ الجزائري بمنهجية تاريخية تركز على مواضيع أغلبها تغافل عنها المؤرخين ، فقد تناول في القسم الأول من الكتاب الذي عنونه ب"المرحلة العثمانية" ،انطلاقا من مراجع مغربية وجزائرية وأجنبية إضافة لمجموعة من الوثائق حصل عليها المؤلف من فرنسا ، سياسة التهميش العثمانية تجاه الرعايا الجزائريين،حيث يشير المؤلف إلى أن الدولة العثمانية مارست تهميشا ممنهجا تجاه الجزائريين على جميع المستويات سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي. وهي دراسة تختلف عن باقي الدراسات العربية أو المغربية التي تركز على الجوانب الايجابية في الحكم العثماني، تقدم الدولة العثمانية كمنقد للجزائر من الإيبيريين ، تسعى لنشر العدل وتوحيد العالم الاسلامي ثم تطرق المؤلف إلى وباء الطاعون الذي عرفته مدينة الجزائر نهاية القرن السابع عشر حتى منتصف القرن الثامن عشر ، محاولا الوقوف عند أسباب الوباء وعواقبه على ديموغرافية الجزائر واقتصادها ،رابطا المؤلف بين تراجع الديموغرافية ونكوص الاقتصاد، لأن العامل البشري هو المحرك للدورة الاقتصادية ،فقد أدى الطاعون لموت مجموعة من التجار والحرفيين الذين كانوا يخلقون رواجا اقتصاديا على المستوى الداخلي أو الخارجي. قارب المؤلف ضمن هذا المحور كذلك ظاهرة القرصنة كنشاط ارتبط بالبحر، محاولا استقصاء أسبابها بعيدا عن التفسيرات السطحية التي تعتبرها نوعا من اللصوصية البحرية، حيث اعتبرها المؤلف حربا حضارية غير معلنة وغير شاملة بين العالم المسيحي والعالم الإسلامي، فهي بالنسبة للمؤلف حرب استنزاف تستهدف إضعاف قدرات الخصم ، جاءت نتيجة للتطورات التي شهدها بداية العصر الحديث مع حركات الكشوفات الجغرافية وطرد الموريسكيين من الأندلس، والتخلي عن الوساطة التجارية الإسلامية في حوض البحر الأبيض المتوسط. لينتقل إلى دراسة ظاهرة الاستغلال الاقتصادي ليهود ليفرونLIVRONE للجزائر وسيطرتهم على التجارة الخارجية في الموانئ الجزائرية ، من خلال عائلتي بكري وبوشناق، اللتين وجدتا في موانئ الجزائر كل الظروف المواتية لممارسة التجارة خاصة في ظل تهميش الحكام الأتراك للعناصر المحلية، فقد تمكنت هاتين العائلتين من ربط علاقات وطيدة مع الحكام ،احتكروا بموجبها التجارة مع الخارج ،بواسطة دار بكري للتجارة في نهاية القرن الثامن عشر ثم شركة بكري بوشناق الجزائرية في المرحلة اللاحقة. وانهى محمد أمين هذا القسم الأول من الكتاب بمقاربة انعكاسات احتلال مصر من طرف نابليون على العلاقات الجزائرية المصرية.فقد فشلت إنجلترا والدولة العثمانية في إقناع الداي بإعلان الحرب على فرنسا، لكون البلدين كانت تجمعهما مصالح متبادلة، لكن ستتمكن في الأخير إنجلترا والدولة العثمانية على إكراه الداي على الوقوف إلى جانبهما ضد المصالح الفرنسية ، فيبدو أن الداي لم يكن متعاطفا بما يكفي من الحماس مع مأساة مصر، وهو ما تمثل في الإجراءات التي اتخذها ضد فرنسا مع اعتذاره المتكرر لها، فاكتفى بسجن قنصلها وبعض موظفيها الذين طلاق سراحهم بسرعة، ووقع معها معاهدة سلم سرية مع فرنسا. في القسم الثاني من الكتاب يتناول محمد أمين الفترة الاستعمارية في الجزائر خاصة البدايات الأولى للاستعمار ،بداية بمعالجة الضغوط الفرنسية على الجزائر إثر حادث المروحة، التي اتخذت منه فرنسا ذريعة للاحتلال ، وفرضت عليها حصارا شديدا، حيث ربط المؤلف بين الديون التي كانت مستحقة للجزائر على فرنسا ورغبتها في احتلال الجزائر، والذي تبلور مع نابليون بونابرت، فقد كان يسعى لتعويض إخفاقه في مصر باحتلال إحدى دول شمال إفريقيا، ومن أجل جلب التعاطف الأوروبي وخاصة المسيحي ظهرت فرنسا بمظهر من يريد خدمة الملاحة والوقوف في وجه القرصنة الجزائرية. قارب المؤلف في هذا القسم كذلك أوضاع الطائفة اليهودية في الجزائر بين 1830 و 1835 ، فقد شكل اليهود الطائفة التي هيمنت على النشاط التجاري قبل الاستعمار،خاصة مع العائلتين التي سبق ذكرهما ،عائلة بكري وبوشناق ،فالطائفة اليهودية في الجزائر تشهد تنوعا كبيرا نظرا لتعاقب مجموعة من الطوائف اليهودية على الجزائر ،فبالإضافة لليهود الذين استقروا قديما في الجزائر نجد توافد عدد من اليهود من الأندلس في تجاه الجزائر نظرا للتضييق على هذه الطائفة من طرف الإسبان، ثم يهود مدينة ليفرون الذين انتقلوا للجزائر لأجل ممارسة التجارة، هذا التنوع في النسيج اليهودي الجزائري كان عامل صراع واختلاف بينهم وبين من يمثلهم لدى سلطات الاحتلال الفرنسية، وهو ما استثمرته فرنسا لصالحها بالتأسيس لإدماج هذه الطائفة وإخضاعها لسلطانها، فكان القانون المنظم لاختيار ممثل الطائفة اليهودية لدى الفرنسيين كثمرة لتلك الأهداف، حيث نص الفصل الأول من هذا القانون على تعيين رئيس الطائفة اليهودية من طرف قائد قوات الاحتلال. لينتقل المؤلف لمعالجة بداية تبلور الشعور الوطني في الجزائر ، من خلال بعض أعيان مدينة الجزائر ،مركزا على شخصية احمد بوضربة ،أحد أعيان العاصمة والذي وكلوه للحديث باسمهم مع السلطات الاستعمارية ،فقد توقف كثيرا المؤلف عند هذه الشخصية من خلال وثيقة عتر عليها بفرنسا في ملف تحت إسم "ملف أحمد بوضربة" ولم يفصح الكاتب عن كل حيثيات الوثيقة التي لكونه يشير في إحدى الهوامش إلى أنه بصدد إعداد دراسة عن هذه الشخصية،والتي كانت لها إسهامات كبيرة في المفاوضات الجزائرية الفرنسية قبل إبرام معاهدة 5 يوليوز، ويشير المؤلف إلى دور هذه الشخصية في بداية تبلور الوعي الوطني الجزائري ، حتى قبل سقوط الجزائر بيد الفرنسيين، فقد كان كان يخشى من عودة الأتراك لحكم الجزائر بعد دخول الفرنسيين ،لكن الملاحظ أن المؤلف يركز فقط على المواقف الإيجابية في شخصية احمد بوضربة ،ولا يقارب دور هذه الشخصية في مساعدة الفرنسيين في تدليل الصعاب أمامهم، فقد كان واجهة من الواجهات التي استغلتها فرنسا لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية، وولي رئاسة أول مجلس بلدي بالجزائر، كما أولاه القائد الفرنسي كلوزيل إدارة أملاك مكة و المدينة. و ختم المؤلف كتابه بالحديث عن فتاوى الفقيه علي بن عبد السلام التسولي أحد علماء فاس في نوازل جزائرية من خلال مخطوط "جواب لسؤال عبد القادر بن محي الدين الجزائري"، حيث يسهب المؤلف في مجموعة من التعاريف سواء للفقيه التسولي أو للمخطوط الذي حصل عليه، مفككا عناصره ومتتبعا لمضمونه وفق منهجية أكاديمية، تستهدف استنطاق محتواه ، والذي يتطرق في غالبيته لأجوبة علماء فاس عن أسئلة ونوازل الأمير عبد القادر الجزائري. لقد جال بنا الأستاذ محمد أمين من خلال هذا الكتاب، في مواضيع متعددة تخص تاريخ الجزائر ،فرغم تباينها واختلاف مضامينها إلا أن المؤلف رتبها وفق تسلسل كرونوجي، يسهل على القارئ الانتقال من موضوع لآخر .
#عادل_الجباري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|