أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - قصة البغل المتهوِّر















المزيد.....

قصة البغل المتهوِّر


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4266 - 2013 / 11 / 5 - 16:06
المحور: الادب والفن
    


أدخل " حمدوك " حماره الأبيض الجميل الإسطبل العائد لمختار القرية " نوزاد " ، و ربطه على عمود خانته المعهودة التي يبيت فيها كل ليلة . بعدها ، تناول السطل الفارغ الكائن في ركن الخانة ، و ملأه بالماء من الصنبور المنصوب وسط الزريبة ، ثم وضعه تحت رأس الحمار ، الذي أناخ برأسه نحوه ، و شمَّه ، ثم بدأ يشرب ، مخرجاً كركرات بهيجة . رفع حمدوك البرذعة الخالية من على ظهر حماره ، ثم نفضها بقوة ثلاث مرات ، فتطاير منها التراب . بعدها ، قام ببرمها إسطوانياً ، و دلّاها على كتفه . عند الباب ، أوصى الصبي " عبد الله " – نجل نوزاد – بإعلاف الحمار الجائع بالشعير ، ثم نقّده ديناراً أجرة مبيت و علف الحمار لليوم الواحد في الإسطبل .
في طريقه إلى الدار ، هنأ حمدوك نفسه ، و شعر بالغبطة لأن الله قد مكّنه من بيع كل الخضر التي حصدها فجر هذا اليوم من مزرعة المرحوم والده في سوق المدينة القريبة و ذلك قبل أذان الظهر . و إعتزم تزجية بعض الوقت مع زوجته الشابة ، ليحكي لها قصة مشواره الناجح هذا ، و خصوصاً محصوله البالغ ستة دنانير بالتمام و الكمال ، و يعطي نصفه لأمه ، و النصف الثاني لزوجته ، فيزداد كنزهما الصغير الذي تجمعه له زوجته لإعداد جهاز الوليد القادم . و على ذكر الوليد القادم ، رفع حمدوك يديه إلى السماء ، و دعى ربه أن يرزقه بمولود ذكر صالح ليعينه في شيخوخته ، و ليست أنثى يحار في كيفية إيجاد زوج صالح لها عندما تبلغ .
في فجر اليوم التالي ، توجّه حمدوك إلى الإسطبل لأخذ حماره الأبيض الجميل . عند المدخل ، لاقى صاحبه نوزاد واقفاً يلف سيجارة .
- صباح الخير ، كاك نوزاد .
- صباح الأنوار ، كاك حمدوك .
- أراك اليوم أنت الذي يفتِّح الإسطبل فجراً ، أين هو المحروس ولدك عبدالله ؟ هل هو بخير ؟
- بخير ، و الحمد لله .
- هل عدت للتدخين مرة أخرى ؟
- لا يمكن ترك التدخين في بلد يحكمه شخص مثل صدام ! في كل يوم فلم كاوبوي جديد ينتهي بحرب أبدية !
- صحيح . يأتيه يومه الأسود . الله كريم .
- كاك حمدوك ، لقد بكّرت اليوم بالمجيء لأبلغك بأن حمارك قد مات ! إنا لله و إنا إليه راجعون ! البقاء لحياتك !
- ماذا تقول ؟
- أقول أن حمارك قد مات ، الله يرحمه !
- مات ؟ و كيف يمكن ذلك ؟
- لدغته أفعى أم رأسين ! و لكن إطمئن ، فقد قتلتها بالمسحاة ، و الحمد لله . تعال إلق نظرة عليها قبل دفنها ! أنها هناك ، في حوض صنبور الماء .
أسرع حمدوك نحو صنبور المياه و قد غامت الدنيا بعينيه و فار الدم في رأسه . رآها هناك : جثة حبلية مثخنة بالجراح تقبع داخل الحوض الإسمنتي المبني إزاء الصنبور .
- كاك حمدوك ، هذه أول مرة أشاهد فيها أفعى من هذا النوع . أنظر كم هي غليظة و طويلة ! و لولا أن المرحوم حمارك قد أصابها بجراح ثقيلة بسحقها بحوافره لكانت قد أفلتت من جزائها العادل هذا !
- أوووهه ! حماري الجميل ! أريد حماري ! أوووه !
هرول حمدوك نحو حماره الراقد على جنبه . ضرب بكفيه على فخذيه و هو يخر جالساً أرضاً ، مادّاً ساقيه ، ليحتضن راس حماره الميت ، و تستبد به نوبة من النحيب و الصراخ :
- حماري الأبيض الجميل ! أريد حماري ! كاك نوزاد ، أنجدني على بختك ، لقد إنكسر ظهري ! أريد حماري الجميل !
- لا حول و لا قوة إلا بالله ! كاك حمدوك ، و ما حيلتي أنا في أمر كهذا ؟ إنه القضاء و القدر ! و نعم بقضاء الله ، جلَّ و علا !
- أنا لا أدري . أنقذني ، كاك نوزاد ، أرجوك ، أريد حماري الجميل ! لقد إنهدم بيتي !
- أستغفر الله ! كاك حمدوك ، ألا ترى أن حمارك قد شبع موتاً ؟ ثم ، ما فائدة البكاء على الحمير النافقة ، ها ؟ ألا تدري أن الموت حق ، ها ؟ هيّا ، صر رجلاً ، و قم معي ندفنه ، إكراماً له ، بدلاً من إضاعة الوقت بالقعود باكياً عليه مثلما تفعل النساء الندّابات !
- ندفنه ؟ و كيف سيتسنى لي نقل الخضروات من الحقل لبيعها في المدينة فجر كل يوم ؟ ها ؟ لقد إنهدم بيتي ، و ستموت عائلتي من الجوع ! أنا فلاح فقير ! أريد حماري ! أنت المسؤول ! لقد لدغته الأفعى و هو هنا في حماك .
- في حماي ؟ أعوذ بالله ! ما هذا الكلام ، يا أخي ؟ إتق الله يا رجل ! هل أنا صاحب إسطبل لمبيت الحيوانات ، أم صاحب مركز شرطة كي أضع حارساً ليلياً يقف عند رأس كل حيوان لحمايته من الأفاعي المنتشرة في كل مكان ، ها ؟ خاف الله !
- و أنت ؟ ألا تخاف الله و قد تسببت بموت حماري الوحيد ، و بقطع رزقي ، و أنا رب عائلة فقير و وحيد ، و زوجتي حامل ؟ مَن الذي سيطعم عائلتي بعد موت الحمار ؟ ها ؟ قل لي ، مَن ؟
- و لماذا لا تشتري حماراً بدل هذا الميت هنا ؟
- و من أين لي بثمن حمار قوي مثل حماري الأبيض هذا في هذا اليوم الأسود ؟ ها ؟ إسمع : إما أن تعيد حماري لي ، أو تعطيني واحداً مثله . نعم ، هذا هو الحل الوحيد !
- كاك حمدوك ، أقسم لك بالله العظيم أنني لا أملك حماراً ، فأنا أتنقّل بسيارتي البرازيلي ، مثلما تعلم .
- ألا يوجد لديك حمار زائد في إسطبلك الكبير هذا ؟
- لا ، و الله . لدي فقط بغل المرحوم أخي " آزاد " ، و هو لا يفيدك مطلقاً !
- و لماذا لا يفيدني ؟
- لأنه بغل شرس خطير ! و هو – مثلما تعلم - الذي تسبب بموت المرحوم أخي آزاد عندما قذف به في لجة نهر الزاب في شهر شباط الماضي ، فمات المرحوم غرقاً ، و لم نعثر على جثته إلا بعد ثلاثة أيام . الله يرحمه !
- كاك نوزاد ، إعطني إياه قربة إلى الله تعالى ، أرجوك ! أنقذ بيتي من الجوع باعطائي إياه ، و أنا راض به بدلاً من حماري الميت ، أرجوك ! إنني خبير بترويض البغال الجامحة ، و أنا راض به . كما أعدك بتسديد فرق السعر بينه و بين حماري الميت هذا كاملاً بالأقساط . و أنا مستعد للقبول بأي سعر تسومه علي ! إعمل هذا المعروف معي فأنا المعيل الوحيد لعائلتي ، و زوجتي حامل .
- و لكنه بغل خطر !
- أنا راض به !
- على بركة الله ، و لن آخذ منك فلساً واحداً عنه . إني واهب أياه لك هبة حرة ، قربة إلى الله تعالى ! و لا تقل أنني لم أحذرك منه !
في اليوم التالي ، تعاون حمدوك و أمه و زوجته على تحميل خرج البغل بجرادل كل أنواع الخضراوات . كما حمّلوا ظهره كيساً من حنطة صابر بيـگ بغية طحنها في المدينة التي تفصلها عن قريتهم سلسلة من الجبال . ركب حمدوك البغل ، وأسند ظهره على كيس الحنطة خلفه ، و ساق البغل نحو الطريق الترابي الضيق المعهود المؤدي إلى المدينة ، و هو مبتهج بسرعة جري البغل رغم حمله الثقيل ، و حمد ربه على نعمائه في الضراء . إجتاز حمدوك ببغله أعلى نقطة من الجبل ، آخذاً الطريق الترابي الضيق المنحوت على صفحة سفح الجبل في إنحداره الملتوي نحو المدينة الكائنة على سهل الوادي تحت . فجأة تزايدت سرعة جري البغل دون لكزٍ منه . جرَّ حمدوك اللجام بيده اليمنى بقوة للإبطاء من سرعته للحيلولة دون سقوط الحمل أو تدحرج البغل ، فيما لوّح له بعصاه بيده اليسرى . و لكن البغل قفز بساقيه عدة قفزات جبارة متتابعة ، فطوّح بكيس الحنطة و بحمدوك إلى بطن الوادي السحيق ، فتهشمت جمجمته ، و مات .
بعد موته ، لم يلبث حمدوك في دار الآخرة أبعد من يومين إثنين ليشاهد المختار نوزاد و بغلة آزاد و هما يشرّفان الآخرة بمقدمهما السريع بعد موتهما معاً .
- مرحباً بك يا كاك نوزاد في دار الآخرة . كيف مت ؟
- كاك حمدوك ، لا تسألني أنا ؛ إسأل هذا البغل المتهوّر أمامك .
- يا سيد البغل المتهوّر ، كيف متَّ : أنت ، و كاك نوزاد ؟
- أمر عادي ! كل الذي حصل هو أنني أردت أستكشاف حقل للألغام بدافع الفضول ، ليس أكثر .
- إسأله ، لماذا عصى قيادتي له ، و حاد عن الشارع المستقيم المؤدي إلى معسكر الجيش الذي رمت بيعه لهم ، ليدخل وسط حقل الألغام ، فيتسبب بمقتلنا نحن الإثنين من دون أدنى ذنب ؟
- سؤال في محله . قل لي ، يا سيد البغل ، ما سبب عصيانك لأوامر كاك نوزاد مالكك ، و هو الأمر الذي تسبب بمقتله و هدر دمكما معاً ، مثلما سبق و أن تسببت بمقتلي أنا و كاك آزاد من دون ذنب ، و ذلك خلافاً للتصرف السليم و غير المتهوّر الذي تتبعه كل البغال العاقلة الأخرى ؟ ها ؟
- ليس التهوّر هو المشكلة ، أيها الفلاح الفقير حمدوك . المشكلة الحقيقية هي أنكما لم تعيا لحد الآن واقع كوني لست بغلاً البتة !
- ههههه ! لست بغلاً البتة ؛ فمن تكون ، إذن ؟
- أنا الحصان الطائر ، ملك الأجواء و الجبال و الفيافي ، على سن و رمح !
أربيل ، 5 / 10 / 2013



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (7)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة العيد
- رفسة إسطنبول
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...
- نَجْلاء
- الخِطّة الأمنيّة العبقريّة
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 7 الأخيرة
- مهرجان الصماخات
- تطور الشعر الإنگليزي 1920 - 1950 / 6
- خروف الطاقة و سيّده
- شعشوع ، تائه الرأي
- البومة زلومة المشؤومة و خماسي الحُكم
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 5
- نمط الإنتاج الأنديزي ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إنتا ...
- نمط الإنتاج الأنديزي ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إنتا ...
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 4
- كابوس الدوّامة الإنفلاشية
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 3
- تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 2
- تطور الشعر الإنگليزي 1920-1950 / 1


المزيد.....




- تصوير 4 أفلام عن أعضاء فرقة The Beatles البريطانية الشهيرة ...
- ياسمين صبري توقف مقاضاة محمد رمضان وتقبل اعتذاره
- ثبت تردد قناة MBC دراما مصر الان.. أحلى أفلام ومسلسلات عيد ا ...
- لمحبي الأفلام المصرية..ثبت تردد قناة روتانا سينما على النايل ...
- ظهور بيت أبيض جديد في الولايات المتحدة (صور)
- رحيل الممثل الأمريكي فال كيلمر المعروف بأدواره في -توب غن- و ...
- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- رحيل أسطورة هوليوود فال كيلمر
- فيديو سقوط نوال الزغبي على المسرح وفستانها وإطلالتها يثير تف ...
- - كذبة أبريل-.. تركي آل الشيخ يثير تفاعلا واسعا بمنشور وفيدي ...


المزيد.....

- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - قصة البغل المتهوِّر