عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4265 - 2013 / 11 / 4 - 21:20
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
الشعوب وخيار الحياة
لقد كنت أتصور أني سأكسر الجدران وأذهب بعيدا نحو الاخر فبان لي بأن الاخر هو جدار لا ينكسر ولا يمكن له أن يكون الا جدارا من حجر الاموات الذين لا يموتون الا وهم متحجرون, لقد صدمت حقا وأنا انطح أحجار الهيكل القديم الذي بني بالباطل ويقولون أن الله أمر ببنائه أنزل أبنه لكي يشيده في نفوسهم وأرواحهم قبل أبدانهم, ليكون شاهدا على أن الله أمين على وصيته وعادل في ظلمه للعباد وقد قالوا كلمة الكفر بأفواههم والله يقول {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }التوبة 30.
تيقنت تماما أننا كعرب وأعراب لسنا وحدنا من نفترض أن الرب يتعاطى السياسة كما يتعاطى لبائع المحتال بضاعته في سوق الفساد والإفساد ,الرب يبقى هو المسكين الذي نلقي في كل قذاراتنا الفكرية على عاتقه لنغسل يد الشيطان من جرائره وكذلك ما تجني أيدينا من ترهات وأفكار لنقول كم نحن أبرياء وأن ما جرى كان قدرا مقدورا وما علينا إلا أن نستسلم لرب السياسي , لرب الذي لا يعرف الرحمة ولا يمتهن الإنسانية في معناها السامي.
انقطعت أخبار صديقي ولم يعد يطل لا هو ولا محاوري انشغالا في ما يبدو بالانتخابات السياسية القادمة ونحن في أوج الحملات الانتخابية ,بادرت بإرسال أكثر من رسالة على البريد الإليكتروني لهما لكن دون جدوى, تملكني شيئا من اليأس حتى حل علينا ذات صباح بريد فيه رسالة من الاخير يبدي اعتذاره ويطلب مني أن يكون الحوار وفقا طريقة جديدة يطرح فيها موضوع وعلي ان اكتب له جوابا ليرد علي برسالة , وافقت بدون تردد .
رسالته لأولى بعد ثلاثة أيام هذا نصها(( عزيزي د عباس ... أود أن تعطيني رأيا محددا في أفضل طريقة يمكننا كأمريكيين أن نخاطب بها العقل العربي المسلم نشرح له حقيقة ما نضمره كأمة متحضرة تريد أن ترى في أصدقاءنا جهة متفهمة وقاصدة أن تمد يدها لنبني مجتمع خال من الكراهية خالي من العنف ,,, أرجو ن تشرح لي ذلك بخطوات عملية وممكنة التطبيق .. المخلص أر بي))... ما زلت أدور في فلك نفس الجدار جدار ان الأخر حضاري وإنساني تحكمه القيم مقابل أنا متهمة ابتداء بالمخالفة التي لا بد أن أتجرد منها لكي أكون جديرا بالمحاورة جدير بأن اكون محل ترحيب والحقيقة أن بواعث هذه الصورة ليست نتيجة أختلاف فكري ولا مرده تقاطع طبيعي ينم عن قراءة حقيقية للواقع بل جزم أن الأخر المحاور ما زال ظانا أنني غير قادر على أن أرتقي تكوينيا أن اكون ند له.
بقيت ليومين حائرا في كيفية الرد على هذه الرسالة الملغومة وكنت أتمنى في بعض اللحظات لو أن الحوار لم يكن أصلا لأتفادى هذه التهم المبطنة والتي أقلها الاستخفاف بعقلية شعب وأمم لها تاريخ ولها كيان وحضور في مسيرة لبشرية قبل أن يكون صاحبي هذا قد تعلم معنى الوجود ولكن قررت أخيرا أن أكتب مهما تكن ردود الفعل فليس المهم ما تثيره رسالته في وجداني بقدر ما أثبت له أن الحوار الإنساني يبدأ وينتهي في حدود الأعتراف بالأخر وليس إلغاءه, قد أكون جافا بعبارتي ولكن طرح الأمور وفق النسق الذي يفهمه هو الطريق الأسلم لأثبات عكس ما ترسخ في عقله من صورة.
قبل الإجابة على سؤال المحاور وضعت نقطتين مهمتين في حسابي عندما أرد ,أولهما هل أن هذا الرجل جاد حقيقة ومهتما أن يسعى لبناء خط تواصل يؤدي بالنهاية إلى فهم مشترك وناضج للعلاقة العربية الإسلامية من جهة والأمريكية الغربية من جهة أخرى؟ , والنقطة الثانية هي هل أن هذا السعي يمثل رغبة اجتماعية شعبية أم مجرد هدف سياسي يهدف إلى تسويق مفهوم قوة المصلحة السيادينية المتحكمة بالفكر السياسي الأمريكي؟, كنت أظن قاطعا أن الخيار الثاني هو الدفع الأهم الذي يحرك مطلبه دون الإلتفات إلى المصلحة التأريخية للشعوب التي في جوهرها وحسن النية المسبقة لها يمكن أن تؤدي إلى نتائج أكثر نضجا وأسلم في السعي.
فيما عد ذلك سيصبح الحوار مجرد جسر لتمرير مفاهيم وتصورات عنصر مصلحة القوة دون أن تكون لقوة المصاح المتبادلة دور مهم في تحديد أطر العلاقة المفترضة والمقترحة من قبلي, علينا أولا أن نكسب من هذا الحوار أفق يرسم ملامح ما يمكن أن نعتمده في مقاربات للمستقبل دون أن نخسر فرصة ولو بنسبة محددة ,عليه سيكون جوابي كالآتي.
صديقي السيد أر بي, (عمت مساءا) الحقيقة كان مطلبكم جميل وفيه روح ودية وأتمنى أن تتفهم كلامي جيدا وأن تتعمق فيما لا أقوله من كلام بالمباشر عسى ولعل نصل إلى ما تبتغي أنت أولا أو لجهة التي تمثلها ,لا يهم من تكون ولكن امهم أن أكشف لك جزء من تفكيري والذي أظن أنه يمثل شريحة مهمة من شرائح المجتمع العربي والإسلامي التي يهمها أيضا أن تكون العلاقة أكثر نضجا وأشد تماسكا في بنائها بقدر ما تعزز حقيقة أننا مجتمعات نتشارك في هذا العالم الكوني رضينا بهذه الشركة أم أبينا, وقبل الإسترسال علينا أن نقدم بنقطتين مهمتين لا بد لنا نعي أهميتهما في ذلك وهما:,
• السياسة الغربية عموما والأمريكية خصوصا تعتمد على ركيزتين في تعاملها مع العرب والمسلمين, الأولى على المستوى الرأسي وأقصد به السلطوي فهي تتعامل على أن الحكومات العربية والإسلامية وهي في موقع السلطة تمثل العرب والمسلمين كحالة واقعية وهي تعلم علم اليقين أنها تتعامل مع أطر غير شرعية وفقا للفهم الأمريكي للشرعية, حيث أن الغالب الأعم منها غير ديمقراطي أو غير دستوري وبالتالي التعويل على إدامة الصلة العربية الأمريكية سوف تتعرض للاهتزاز كلما تمادت في المضي بهذا الأسلوب لأن الشعوب العربية والإسلامية برغم من صوتها المكبوت سوف تختار على المدى الطويل أن تحملكم جزء كبير من مسؤولية هذا التدهور لأنكم تعتمدون على ما يناقض منهجكم السياسي أولا وما يترتب على هذا الدعم من أثار جانبية ثانيا.
• وتعلمون جيدا أيضا في النقطة الثانية أن الشعوب العربية والإسلامية تشعر بمرارة العلاقة التأريخية معكم خاصة ومع القوى الاستعمارية السابقة وعدم قدرتها على التصديق والانفتاح والتواصل بحكم الخبرة لأنكم وإن كنتم جزءا من الحل التأريخي للإشكالية المهمة والرئيسية التي تعانيها شعوبا وبالتحديد في موردين , الأول التأريخ الاستعماري وما جنته هذه الشعوب من عوامل تعرية لمستقبلها نتيجة السلوك الاستعماري وما أسس من تراكمات تمتد من نهب حقها وأرثها الحضاري والمادي ووصولا إلى سعيكم المتواصل لتثبيت واقع ما بعد الاستعمار, والنقطة الأخرى التي تتعلق بكونكم جزء من الحل هو التقاعس في مد يد الجد في حل القضية الفلسطينية التي تشكل أحد أهم أبرز الجراحات العميقة في ذاكرة شعوبنا والتي لا يمكن للخطاب العاطفي وحسن النوايا بدون عمل جاد يسعى لحلحة حل ما فأصبحتم جزء من مشكلة بينما ننتظر منكم غير ذلك.
• وهناك نقطة أقل أهمية ولكنها ذات علاقة خاصة بالنقطتين السابقتين وهي أن مشكلتكم ليست مع الشعوب العربية والإسلامية فقط ولكنها مشكلة مستدامة مع كل الشعوب الفقيرة بإرادتها الوطنية من خلال فرض مفهوم الهيمنة وأمركة العلاقة الدولية وإعادة أنتاج عالم تتحكم فيه مصلحة القوة وحتى مع من تعتقدون أنهم أصدقاءكم التقليدين أوربا واليابان مثل حي.
صديقي السيد أر بي ,قد تعلم جيدا ما قدمت وتتفهم ما أريد أن أقوله بين السطور وهذا ما أنا متأكد منه, ولكن أود أن أستعرض لك حقائق قد لا يجرأ أحد غيري أن يقولها علنا لأنها تمثل نقدا ذاتيا ومسؤولا تجاه قضايا تأريخية محل خلاف وهي أن السيطرة والتسلط خارج إرادة الشعوب وإن نجحت أحيانا أن تفرض واقعا تستسلم له الشعوب , من المؤكد أنه مهما طال لا بد له من تلاشي إن لم يكن فشل وارتداد يحطم القوة الغاشمة تحت أي عنوان جاءت به.
نحن كمسلمين امتدت دولتنا في عصر من العصور من أسوار الصين شرقا حتى حدود فرنسا شمالا وإلى حدود وسط الصحراء الأفريقية جنوبا وتتذكر أن الخليفة هارون الرشيد كان يخاطب غيم السماء بأنها أينما حطت على الأرض فخراجها لبغداد ,كان هذا التوسع وهذا الزهو وتحت عنوان سامي هو دين الله مجرد وهم توهمه الفاتحون العرب والمسلمون لأنه بعد قرون عادت الشعوب كل إلى هويته فلا الصين أصبحت عربية ولا حتى السودان الذي هو يدعي العروبة والإسلام يمثل في جزء مهم منه العرب والإسلام ,هذ الحال تكرر مع إمبراطورية بريطانيا العظمى التي كانت لا تغيب الشمس عن أراضيها بل إنزوت وعاد كل شيء لأصله , لأن الشعوب تستكين فترة ولكن لا تموت.
لقد أبتلعت الشعوب تلك غطرسة القوة بل وأبتلعت حتى من كان يمثل رمزا قويا لها ,جنوب أفريقيا ونيو زيلندا وأستراليا وحتى أمريكا كانت مظهر من مظاهر قوة بريطانيا العظمى وأن الحكومات فيها كانت تمثل مصالح بريطانيا بشكل خاص في زمن ما أصبحت وبقوة التاريخ وبفعل حقيقة بقاء الشعوب مجتمعات تبحث عن هويتها ومصالحها بعيدا عن منطق مصالح بريطانيا وذاب البريطاني في مجتمع السود الأفريقي مثلا أصبح أفريقيا وإن كان أبيض اللون لكنه يفكر ببلده ومجتمعه لأن بريطانيا أصبحت بنظره دولة أخرى قد تتعارض مصالحها مع مصالح بلده ,هكذا حصل مع العرب في البلدان التي كانوا يحكموها ,لقد أصبحوا الحكام العرب والمسلمين جزء من مجتمع أخر ,وذهب زهو هارون الرشيد وإن بقت كلمة الله فيه لأن الكلمة الطيبة تبقى ولا تصدأ, و لا بد لحد السيف أن يصدا أبدا.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟