|
أهمية علم النفس بالنسبة الاتجاهات الابستمولوجيا المعاصرة
ياسين كريكر
الحوار المتمدن-العدد: 4258 - 2013 / 10 / 28 - 19:45
المحور:
كتابات ساخرة
تعد الابستمولوجيات من أمهات الموضوعات الفلسفية الأكثر حيوية ، والأشد إرتباطاً بالعلم وتشابكاً في نسيجه. وإنها المشهد الفلسفي الذي يعكس التبدلات العلمية في البناء المعرفي. وهي فوق كل هذا ، المقياس الذي يكشف عن انتماء البناء الفلسفي إلى روح العصر . أو بالعكس يعلن عن اندراجه في خانة من خانات التاريخ الثقافي والمعرفي. وإذا كانت هذه هي حال الأبستمولوجيات ، فإننا نتساءل : أهي نظرية معرفة ؟ أم ابستمولوجيا ؟ وما هي أهم التطورات الحاصلة في هذا المجال؟ وهل هناك علاقة بين الابستيمولوجيا وعلم النفس؟ إن الابستيمولوجيا هي دراسة يتعلق غرضها بالعلوم من حيث موضوعاتها ومبادئها وقوانينها وعلاقة بعضها ببعض وتكشف عن أصلها ومداها. فقد يتبن ذلك من خلال المفهوم الذي وضعه لالوند تعني هذه الكلمة "الابستمولوجيا فلسفة العلوم، ولكن بمعنى أكثر دقة، فهي ليست دراسة خاصة لمناهج العلوم لأن هذه الدراسة هي موضوع الميثودولوجيا، وهي جزء من المنطق، كما أنها ليست تركيبا أو توقعا حدسيا للقوانين العلمية، إنها بصفة جوهرية الدراسة النقدية للمبادئ والفرضيات والنتائج العلمية، إنها الدراسة الهادفة إلى بيان أصلها المنطقي لا النفسي وقيمتها الموضوعية"1 . إنها "تاريخ تطور موقف الإنسان بإمكاناته العقلية من الطبيعة والعالم الذي يحيا فيه 2. على هذا الأساس يتبين أن الابستيمولوجيا هي العلم المتخصص في درس كيفية تكوين المفاهيم وتحولها ، وكيفية تبادلها بين علم وعلم ، وكيفية تشكل حقل علمي. ودراسة الأحكام والقواعد التي يعاد بمقتضاها تنظيم المفاهيم للعلم. ويتناول هذا العلم البحث في أهداف العلوم وحدودها وعلاقاتها ببعضها البعض، والقوانين التي تحكم تطورها وفلسفة العلم، ليست جزءا من العلم ذاته لأن فلسفة العلوم تأتي في صعيد وحدها لأنها حديث عن ذلك العلم وتعليق عليه وقول عنه. إذن بعد هذا التعريف الموجز بدأت الابستيمولوجيا تأخذ نظرة مغايرة عن الفلسفات السابقة، حيث بدأت تنظر إلى الحقيقة العلمية على أن الحقيقة نسبية ذلك أن تاريخ العلوم لا يقوم على وجود حقيقة واحدة ثابتة ونهائية وهو ما يجعل من العقلانية العلمية ليست عقلانية وثوقية ومنغلقة ونهائية وإنما عقلانية منفتحة تقوم على النفي والإثبات ، إنها عقلانية ديالكتيكية في بحث مستمر عن الحقيقة لذلك اعتبر بشلار العلم في حالة ندم مستمر . إن هذا الطابع النسبي للحقيقة العلمية يبرز خاصة في العلم الفيزيائي المعاصر الذي يتعلق بالميكروفيزيائي، فالحقيقة في إطار هذا العلم لم تعد تقوم على البداهة كما هو الشأن لديكارت مثلا أو التطابق كما هو الشأن في الفيزياء الكلاسيكية، وإنما الحقيقة أصبحت احتمالية إحصائية تقريبية إنشائية . حيث يمكن أن نستحضر في هذا السياق قول أنكساجوراس "في البدء كان كل شيء مختلط، ثم أتى العقل فيمز كل الأشياء ليعيد تنظيمها"3. إن هذه السمة للحقيقة بما هي تقريبية أو احتمالية لا تشكك في علمية العلم وإنما هو تعبير عن انتقال من براديغم إلى أخر، الانتقال من براديغم الحتمية والموضوعية والواقعية إلى براديغم الاحتمال والتداخل بين الذاتية والموضوعية والرياضية أي أنه لا يمكن القول لا علم حيث لاحتمية كما هو الشأن للعلم الكلاسيكي بل يمكن أن يكون العلم دون القول بالحتمية ، يمكن أن يكون العلم مع الاحتمال و البينذاتية والتقريبي وهي لحظة أخرى من لحظات تاريخ العلم . وكما يقول هلبار : " إن المنطق يمكن أن يتطور خارج حدود المنطق الاقليدي " وهو ما يعني القطع مع الحقيقة الواحدة والمطلقة ، القطع مع منطق الوحدة والانتقال إلى منطق الكثرة والتعدد الحقيقة العلمية بين الوحدة والكثرة ، إنها لحظة انهيار المطلق وانبجاس النسبي من خلال تحطيم الكسموس الإغريقي ونشأة الكون المفتوح و القطع مع قناعة راسخة مفادها أن الهندسة الاقليدية لها الصلاحية القصوى وتجاوز البداهة الاقليدية التي أصبحت " لاشعورا هندسيا " بتعبير باشلار. أن هذه "المفاهيم قد اتسع شمولها بازدياد دقتها 4. إن هذه التطورات التي شهدها العلم المعاصر أعادت النظر في العديد من المفاهيم والعلاقات بينها مثل مفهوم الخطأ وعلاقته بالحقيقة ، فإذا كان العلم تمشيا أو مسارا ليس الخطأ شرط إمكان هذه الحركة ؟ ألا يمكن أن تنتفي هذه الحركة بانتفاء الخطأ ؟ هل يعد الخطأ غريبا عن حركة العلم ؟ هل يمكن الحديث عن حركة وبحث وطلب وسعي لو لم يكن هناك خطأ؟ ليس الخطأ غريبا عن الفكر العلمي انه العنصر المحرك للفكر بل إن الحقيقة لا تبرز إلا في علاقة بالخطأ وهو ما يعني انه من الخطأ عدم تقدير أهمية الخطأ لأنه شرط هذا المسار التاريخي للعلم. إن تاريخ الفكر العلمي لا يمكن أن يتأسس إلا على هذه الحركة الجدلية : خطا يفترض وجود حقيقة وحقيقة تفترض وجود خطا ، خطا ينبع من الحقيقة وحقيقة تنبع من الخطأ فلا وجود لحقيقة مطلقة ولا وجود لخطا مطلق. إن هذه"التحولات العلمية المعاصرة أنشأت جهازا مفاهيميا مختلفا عن الجهاز المفاهيمي السابق وجعلت من صلاحية وملائمة هذه المفاهيم غير ممكنة إلا في أنساقها الاكسيومية" 5 . إذن فمن بين الأسئلة الكبرى التي ربطت الابستيمولوجيا بعلم النفس سواء حينما كان خطابها يعتبر جزء من خطاب الفلسفة أو منذ قيامه كمجال معرفي وعلمي مستقل له خطابه النوعي والمميز، السؤال المتعلق بالتفسيرExplication " إن علم النفس مثل باقي العلوم له أكثر من غاية ومهمة يسعى إلى القيام بها وإلى تحقيقها"6 . لقد أدى هذا الأمر إلى ربط نظري وإجرائي بين الموضوعي الذي يشكل حقل الاشتغال والمنهج الذي بدوره يشكل أسلوب ووسيلة الاشتغال. وبتعبير آخر، إن تحقيق ارتباط الموضوع بالمنهج يكون من غاياته توفير إمكانية التفسير وإحلال الفهم، وذلك وفق الشروط والمنطق اللذين يقتضيهما الاشتغال العلمي بصفة عامة، وما تتصف به العلوم الطبيعية والتجريبية على وجه الخصوص. وهو ما شكل الإطار النموذج والمرجع بالنسبة للاشتغال بعلم النفس. وبطبيعة الحال، نظرا لخصوصية وحساسية القضايا التي يثيرها على التوالي الموضوع في تجلياته المختلفة والمنهج من حيث الرصد الكمي والكيفي، وكذلك المحددات المعيارية والأخلاقية في الاشتغال العلمي، طرحت مسألة الموضوعية والذاتية باعتبارها قضية استدعت مساءلات ومطارحات عدة بالنسبة للإطار الإبستمولوجي لعلم النفس، خاصة فيما يتعلق بالتفسير. وهذه القضية تتم إثارتها بتبرير أن "موضوع العلم هو الإنسان والمشتغل بهذا العلم هو أيضا الإنسان"7 . ومن هنا "تبرز إشكالية استقلال الذات العارفة عن موضوع المعرفة" 8. وما تحيل عليه فيما يتعلق بالتفسير العلمي للإنسان من حيث العمومية، والتفسير الخاص بالفرد. ولفحص هذه الإشكالية تطورت طرق البحث والتقصي من التأمل والاستبطان إلى طرق الاشتغال الحديثة من امبريقية واستكشافية، هذه التي سمحت بتوفير إطار منهجي لعلم النفس يلتزم بشروط العلم الموضوعية. وعليه فإن علم النفس يبقى أنه علم وعلم إنساني بامتياز مع ما تتضمنه اللفظة من قوة. وقد "تحقق هذا الوضع بفعل عدة تفاعلات معرفية وثقافية وفكرية عرفها علم النفس تاريخيا عبر مراحل نشأته وتطوره، وخاصة بصورة مكثفة إلى حد ما خلال القرن التاسع عشر"9 . وهكذا فإن تاريخ علم النفس يزخر بوقائع وقضايا إشكالية رافقت محطات التأسيس العلمي تمتد من مساعي البحث عن المشروعية إلى المواقف الإبستمولوجية التي استتبعت ذلك. كما أن تاريخ هذا العلم يتضمن ليس فقط تطورات حصلت على المستوى النظري والمنهجي والعملي، بل أيضا على مستوى مفهوم وتصور علم النفس ذاته. وهذا "التطور حصل انطلاقا من المهام الوظيفية التي تعين عليه القيام بها تبعا لتطور حاجيات الإنسان والمجتمع"10. فمن الوقائع ذات الأهمية كذلك، ما يتمثل في نوع من المد والجزر الذي رافق من مسألة قبول علم النفس ضمن نسق وقائمة العلوم. خذ على سبيل المثال موقف الوضعية مع أوغست كونت والذي له امتدادات إلى اليوم في بعض الأطروحات المعرفية والمواقف العلمية. إذن من الأكيد أن واقع الشروط التي قام عليها علم النفس منذ بداياته وإلى أواسط القرن العشرين، جعل منه المجال المعرفي الأكثر عرضة للجدال فيه من جانب الإبستومولوجيا ومناهج العلوم. بالإضافة إلى جملة من مواقف النقد والاعتراض والمقاومة التي نشطت من خلال مجالات فكرية وعلمية متنوعة. إذن فيما يخص تصنيفات العلوم، فقد كانت لها أهمية خاصة بالنسبة لعلم النفس. ذلك أن هذا الأخير بكونه سعى إلى أن يتأسس كعلم مستقل وإعادة ترتيب علاقاته بالفلسفة وبالعلوم الطبيعية والاجتماعية، فإنه عمل على إبراز كيفية اندماجه في النسق العام للعلوم. وكان هذا الإجراء أحد أهم الخطوات بالنسبة لعلم النفس لكي يثبت ويؤكد هويته العلمية من ناحية، والإطار الذي يعكس مهامه داخل حقل المعرفة من ناحية ثانية. وتبقى على سبيل المثال أعمال جان بياجي خاصة فيما يتعلق بالإحاطة الإبستمولوجية. المراجع المعتمدة : 1 محاضرات الأستاذ الحوزي " الأسس الابستيمولوجيا لعلم النفس" موقع من الأنترنيت 2 فلسفة العلم في القرن العشرين _ تأليف د. يمنى طريف الخولي _ سلسلة كتب تقافية 1923_1990 العدد 264 3 المنطق وفلسفة العلوم تأليف بول مومى ترجمة الدكتور فؤاد حسن زكريا_ الناشر دار نهضة مصر 18 شارع الأمل بالقاهرة ص 7 4 غاستون باشلار الفكر العلمي الجديد _ ترجمة الدكتور عادل القوا _ مراجعة الدكتور عبد الله عبد الدائم ط الثانية 1976 ص51 5 دفاتر فلسفية _ الحقيقة إعداد وترجمة محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي ص 78 دار توبقال 6 Toulmin S., L’explication scientifique, Paris, A.Colin, 1973, p18. 7 مصطفى زيور (تصدير ) فرج عبد القادر طه، علم النفس وقضايا العصر، بيروت دار النهضة العربية 1986 ص 7 8 محمد وقيدي ، العلوم الإنسانية ، بيروت ، دار الطليعة ، 1983 ص89 9 فلوجل ج.ل.علم النفس ، ترجمة لطفي فطيم ، بيروت ، دار الطليعة 1978 ، ص 12 . 10 مصطفى حجازي ، علم النفس في العالم العربي : من الوقائع الراهن إلى المشروعية الوظيفية . في كتاب علم النفس وقضايا المجتمع المعاصر ، منشورات كلية الآداب ، الرباط 1993، ص 35 .
#ياسين_كريكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-حدجنة السياسة من داخل القبة البرلمانية-
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|