|
حزب البعث ومفهوم الوطنية - سوريا نموذجا
حسن نبو
الحوار المتمدن-العدد: 4258 - 2013 / 10 / 28 - 11:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يمكن القول أن السوريين كانوا طيلة سنوات عهد الإنتداب الفرنسي وكذلك طيلة السنوات العشرة التي تلت رحيل الفرنسيين عن سوريا ، كانوا كتلة منسجمة على الصعيد الوطني ، حيث كانت الوطنية السورية هي الوعاء التي تجتمع فيه جميع الهويات القومية التي تتشكل منها الشعب السوري ، بسبب عدم إستعلاء المكون الأكبر من حيث العدد ( المكون العربي ) على المكونات غير العربية ، وكان جميع السوريون متساوون في الحقوق والواجبات . ونتيجة لهذه اللحمة الوطنية القوية فقد شاركت جميع مكونات الشعب السوري ( العرب والكرد والعلويون والدروز وغيرهم ). في مقاومة الإنتداب الفرنسي . وبعد زوال سلطة الإنتداب عن سوريا سميت سوريا بإسم " الجمهورية السورية "، تعبيرا عن أن سوريا لجميع مواطنيها على إختلاف إنتماءاتهم القومية ، وليست لأبناء قومية بعينها . . ولم يكن هناك أي تفضيل للعربي على غير العربي في تبوأ المناصب العليا بما في ذلك منصب رئاسة الدولة سواء في عهد الإنتداب أو ما بعده بسنوات ، إذ لم يكن الإنتماء إلى المكون العربي شرطا لتولي منصب رئاسة البلاد . ولكن بعد إنتشار الفكرالعروبي - القومي الرافض للإعتراف بأية هوية أخرى على الأرض السورية والذي وصل إلى ذروته لدى حزب البعث العربي الإشتراكي الذي تأسس سنة 1946 تغير مفهوم الوطنية السورية . بسبب إعتبار حزب البعث أن سوريا هي أرض عربية وأن كل من يعبش فوق أرض عربية هو عربي بغض النظر عن أصله القومي ، وهكذا تم إختزال اللوحة الإجتماعية السورية المتعددة الألوان إلى لون واحد ، حيث أصبحت العروبة هي معيار الوطنية . وكان هذا بداية إنهيار الوطنية السورية ، وبالتالي بداية تفكك النسيج الوطني السوري . وبعد إستيلاء حزب البعث على السلطة شرعت السلطات البعثية الحاكمة إلى تطبيق مبادئ حزب البعث على أرض الواقع . حيث عمدت إلى محاربة كل الهويات الأخرى المتميزة عن الهوية العربية وبالأخص الهوية الكردية . حيث سعت إلى معاداة على كل ماله علاقة بالهوية الكردية ، وقامت بزج النشطاء الكرد في السجون والمعتقلات ومحاكمتهم بتهم لم يرتكبوها ( تهمة إقتطاع جزء من أرض الدولة السورية وإلحاقها بدولة أجنبية – على سبيل المثال ) وأصبحت المناطق التي يسكنها الأكراد مهمشة خدماتيا وإقتصاديا ، بل تحولت إلى ساحات لتطبيق القوانين الإستثنائية وفرض إجراءات عنصرية فيها ، وتم تعريب أسماء كافة القرى والبلدات والمدن التي يسكنها الكرد ...الخ ، كل هذا بسبب مطالبة الأحزاب الكردية السلطات الحاكمة بالإعتراف بالهوية الكردية ومايترتب على هذا الإعتراف من حقوق ثقافية وسياسية وإجتماعية ضمن إطار وحدة سوريا أرضا وشعبا . وفي الحقيقة كان تأسيس أول حزب كردي في سوريا منتصف خمسينيات القرن المنصرم بمثابة رد فعل على تأسيس حزب البعث العربي الإشتراكي وخطابه القومي الإستعلا ئي . وعندما قامت الثورة السورية رأى الكرد أنها قد تكون مخرجا للشعب السوري بأجمعه من الإستبداد والقهر والفساد والإضطهاد القومي الذي يعانيه منذ عقود طويلة على يد نظام البعث الشمولي ، وشارك الشياب الكردي في الحراك الثوري السلمي بكل قوة ، وانطلقت المظاهرات والإعتصامات في جميع المدن والبلدات التي يوجد فيها الكرد ، رافعة شعارالإعتراف بالهوية القومية الكردية ، ضمن إطار وحدة الشعب والتراب السوريين ، ومطالبة برحيل النظام ومعلنة التضامن مع المدن السورية الثائرة كدرعا وحمص وحماة وإدلب وغيرها . واستشهد العديد من الشباب والنشطاء الكرد . ولكن حتى هذه اللحظة لم يتمكن ممثلو الثورة بشقيه المسلح والسياسي من وضع إسترتيجية واضحة تطمئن المكونات غير العربية وغير الإسلامية ، بأن سوريا الغد ستكون لوحة تشكيلية تعكس كل الهويات السورية القومية والدينية والمذهبية ، خاصة بعد أن قويت شوكة الجماعات الإسلامية الراديكالية التي لاتعترف بغير الشريعة الإسلامية نهجا لها ، متجاهلة وجود هويات غبرعربية ، وديانات ومذاهب أخرى على الأرض السورية . وكان هذا سببا من الأسباب التي أدت إلى إنكفاء الإقليات على نفسها وعدم المشاركة بالصورة المطلوبة في الثورة . إن سوريا لكي تكون وطنا لجميع أبناءه ، لابد أن يتم الإعتراف بالهويات المختلفة التي تتشكل منها اللوحة الإجتماعية السورية ، وعدم تفضيل أحد على أحد بسبب الدين أو القومية أو المذهب أو الرأي السياسي ...الخ . وإلا فإننا جميعا سندخل في نفق مظلم لن يخرج منه أحد منتصرا .
#حسن_نبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أرغب بثورة
-
بلا عنوان
-
ثورات الربيع العلربي والعامل الدولي
-
وطني
-
اللعب بالكلمات
-
اللعب بالكلمات
-
العلمانية بين المسيحية والاسلام
المزيد.....
-
بـ-ضمادة على الأذن-.. شاهد ترامب في أول ظهور علني له منذ محا
...
-
الشرطة العمانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين في إطلاق نار قرب
...
-
مقتل أربعة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين في إطلاق نار في العا
...
-
4 قتلى على الأقل بإطلاق نار في محيط مسجد بسلطنة عمان
-
بضمادة في أذنه.. فيديو لأول ظهور علني لترامب
-
بايدن: أنا صهيوني وفعلت للفلسطينيين أكثر من أي شخص آخر
-
الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن مهاجمة سفينتين قبالة سواحل اليم
...
-
إطلاق نار في مسقط يؤدي لمقتل أربعة أشخاص وإصابة آخرين
-
قد تسكن البيت الأبيض إذا فاز ترامب.. من هي أوشا فانس؟
-
أمريكا.. مديرة -الخدمة السرية- تكشف عن رد فعلها عندما علمت ب
...
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|