حميد حبيب المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 4258 - 2013 / 10 / 28 - 05:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ليس للشرعية تعريف عام متفق عليه بين علماء السياسة شأنها في ذلك كشأن باقي المفاهيم في العلوم الأجتماعية والأنسانية كونها تتعامل مع ظواهر ترتبط بالطبيعة البشرية ونفسيته وأنفعالاته وسلوكه وهي دون شك غير ثابتة ,لكن البعض شذّ عن ذلك وحاول أن يقننها ويضع قوالب لها يفترض أنها قوانين ثابتة تسير وفقها أي لو تشابهت الأسباب تتشابه النتائج, لكن الغالبية العظمى من المختصين يرفضون هذا الطرح ويعدونه غير سليم كون التعامل مع البشر وما يتعلق بهم يختلف عن التعامل الطبيعة وما يتعلق بها,لكن كي نبسط الأمر بعيدا عن التعاريف الفلسفية وتعقيداتها ونعمم أكبر قدر من الفائدة بتوضيح هذا المفهوم, يمكن القول أن الشرعية هي مدى تقبل الأفراد لنظامهم السياسي ورضاهم عنه أو مدى خضوعهم وتقيدهم بثوابت ذلك النظام وقوانينه وبالتالي هو حالة نفسية داخلية تنعكس على سلوك الفرد من خلال تقيده من عدمه أو رضاه من عدمه وخضوعه من عدمه,ويتضح مفهومها أكثر من خلال معرفة تقسيماتها.
يقوم علماء السياسة بتقسيم الشرعية الى صنفين: فهي أما شرعية تقوم على الرضى والقبول الشعبي عن النظام السياسي وهذا الشكل هو ما موجود في الدول الديمقراطية فهي تستمد شرعيتها من خدمة المواطن والأضطلاع بواجباتها تجاهه من توفير الخدمات وفرص العمل وحمايته وتسيير شؤون الدولة بشكل سليم ومكافحة الفساد وضمان حقوق الأفراد والمساواة بينهم وغيرها من القيم لدى الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا ومثيلاتهن,والصنف الثاني هي الشرعية القهرية أي أن النظام يستمد شرعيته بشكل أساسي من أمتلاكه للقوة والسلطة وأرغام الأخرين على التقيد بقوانين ذلك النظام ومعاقبة كل من يخالف أو يخرق قوانينه فتشكل القوة الرادعة في هذا الصنف العامل الرئيسي لشرعية النظام السياسي حتى لو لم يكن المواطنون راضون عنه في قرارة أنفسهم لكن يكفي أنهم يتقيدون بقوانين ذلك النظام وثوابته وقيمه ومثال على ذلك نظام صدام حسين الحاكم في العراق فذلك النظام لم يكن مقبولا من قبل معظم أفراد الشعب العراقي ولم يكن هنالك رضى شعبي لكن كان معظم أفراد الشعب خاضعين له ويتقيدون بقوانين ذلك النظام من خلال القوة القهرية التي يمتلكها من خلال مؤسسة أمنية وعسكرية كبيرة وأجهزة قمعية عديدة تتعامل بقسوة فكان أفراد الشعب يخشونها فلا يخرقون قواعده وقوانينه الا لحاجة قصوى والخروقات بمعدلات طبيعية وبالتالي كانت لذلك النظام شرعية قهرية.لكن ما تقدم لا ينفي أن تقوم بعض النظم التي تستمد شرعيتها من القوة القهرية من القيام بواجبات أخرى وتقديم الخدمات للمواطنين وتلبية أحتياجاتهم لكن يبقى السبب الأول بتقبل الشعب لذلك النظام وأساس شرعيته هو من القوة القهرية,كما أن ذلك لا ينفي كون النظم التي تستمد شرعيتها من الرضى الشعبي تستمدها أيضا من القوة ولا يمنع من أن تستخدم القوة القهرية,بل أنها تستخدمه لو أقتضت الحاجة فقد أستخدمت القوة في بريطانيا ضد الجيش السري الجمهوري الأيرلندي لأجباره على الخضوع للنظام السياسي وكذلك أستخدمت أسبانيا القوة ضد الأنفصاليين الباسك لأجل ذلك أيضا,لكن يبقى السبب الأول للرضى الشعبي وخضوع الشعب للنظام السياسي في هذا الصنف هو الرضى والقبول الشعبي.
ويقوم بعض علماء السياسة بردّ الشرعية لتوافق القيم السياسية مابين النظام السياسي وأفراد الدولة فمثلا يرى البعض أن النظام السياسي المغربي ليس نظاما ديمقراطيا مكتملا وبنفس الوقت هو ليس نظام سياسي قمعي لكن لديه شرعية لا تقوم على القيم الديمقراطية الغربية ولا على القوة القهرية وتقبل الشعب له يعود لتوافق القيم السياسية لدى أفراد الشعب وذلك النظام وقد يكون ذلك لأسباب تأريخية فقد يبدأ النظام الحكم بالقوة القهرية لكن بعد مدة خصوصا أذا ما كانت طويلة يحصل التداخل مابين القيم وبالتالي التوافق بين الطرفين وتحت هذا المسمى يضعون أيضا النظم السياسية لمعظم دول الخليج العربي وهذا ممكن في الدول التي لم تطّلع وتتشبع شعوبها بالمفاهيم الغربية الحديثة كالديمقراطية والحريات لكنه يستحيل أن يصح على الشعوب الغربية فهي لا تقبل ألا نظاما ملبيا لأحتياجاتها وضامنا لحرياتها وخادما لها,كما ويردّ البعض الشرعية لأسباب أخرى منها الديني ومنها الأجتماعي أو القومي كالنظام الحاكم في الفاتيكان أو اليابان الأمبراطورية أو مملكة ليسوثو وسوازيلاند و غيرها لكن لو تفحصناها بدقة وحللنا عناصرها لوجدناها لا بدّ أن تصب بالأخر بواحد من القسمين الرئيسيين حيث شرعية ذلك النظام أيا كان شكله هي بالاخير أما لرضى وقبول شعبي أو لخضوع قهري لأمتلاك ذلك النظام لعناصر القوة والأرغام علما أنه لا يوجد نظام يأخذ أحد الشكلين بنسبة مئة بالمئة فلا بد من أن يتداخل معه شيء من الصنف الثاني قليلا أو كثيرا.ومن الواضح أن النظم السياسية في الدول المتقدمة كالعالم الغربي واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وغيرها تستمد شرعيتها من الصنف الأول أما معظم الدول العربية والأسلامية فأن شرعية نظمها السياسية هي من الصنف الثاني.
أن التغيير الذي حصل في العراق بعد الأطاحة بنظام صدام وكون ذلك التغيير كان مفاجئا وليس مرحليا فأدخلت علينا قيم الحضارة الغربية وأهمها الحرية والديمقراطية بالتزامن مع تنامي الأفكار المتشددة والمتطرفة دينيا ,وضعف النظام السياسي في العراق الجديد كونه نظام فتي لا يمتلك خبرة في أدارة الدولة ولم تترسخ فيه مؤسساتية المؤسسات بمواجهة تحديات كبيرة جدا كالأنقسام الطائفي والتخندقات الضيقة "وهذا يحصل بكل دول العالم وقت الأزمات أذ يتشبث الأفراد بعناوين ضيقة" وعمالة بعض القيادات العراقية لصالح دول خارجية مع غياب القوانين التي تردع ذلك وتفشي الفساد المالي والأداري على أعلى المستويات في الدولة لعدم تطبيق القانون على الفاسدين لأحتمائهم بأحزابهم أو طوائفهم أو ميليشياتهم أو عشائرهم,ما تقدم وأسباب أخرى غيره أضعف من الدولة العراقية وفتت هويتها الوطنية كما أضعف النظام السياسي في العراق وتراجعت شرعيته الى حد كبير وسنقارن شرعية النظام السياسي بالصنفين اللذين ذكرناهما:
أولا:أن تكون شرعية النظام السياسي من الرضى والقبول الشعبي لقيام النظام بتوفير الخدمات وأحتياجات الأفراد وحمايتهم وتحقيق المساواة بينهم وضمان الحريات العامة والخاصة,نعتقد أننا لن نحتج لجهد كي ننفي كون شرعية النظام من هذا الصنف لأن الدولة ببساطة لم تحمي المواطن فهو يتعرض للقتل والأبادة على يد تنظيم القاعدة والأنتحاريين والميليشيات,بل أن النظام السياسي غير قادر على حماية أفراده ورموزه لذلك ترى مواكب المسؤولين العراقيين تتألف من عشرات السيارات المصفحة والحراسات المدججة بالسلاح فكيف سيتمكن ذلك النظام من حماية مواطنيه؟كما أن النظام السياسي لم يضطلع بدوره بتلبية حاجات الشعب من الخدمات والعمل ومكافحة البطالة والخدمات البلدية والتعليمية والصحية وغيرها,ولم يتمكن من تحقيق المساواة لجميع أفراد الشعب أمام القانون عمليا وأن كانت القوانين العراقية تنص على ذلك نظريا فهنالك أشخاص فوق القانون فيقومون بالسرقة والقتل والعمالة لدول خارجية ويخرقون القانون متى شاءوا وكيفما شاءوا لكن نجد القانون لا يتمكن من محاسبتهم ولا تطولهم يد العدالة لتحصنهم بأحزابهم وطوائفهم وعشائرهم وميليشياتهم ولا يطبق القانون ألا على المواطن الفقير وبكل قسوة.أذا طالما لم يلبي النظام السياسي أي من متطلبات هذا الصنف فمن المنطقي أن لا تكون له شرعية من خلال القبول والرضى الشعبي له.
ثانيا:أن تكون شرعية النظام السياسي من خلال أمتلاكه لعناصر القوة القهرية وأرغامه الأفراد على التقيد بقوانينه وقواعده وثوابته وقيمه ومعاقبة من يخرقها أي الشرعية التي تقوم على الخوف,ونسأل هل فعلا يخاف الفرد العراقي من نظامه السياسي ويخضع له ويشعر بأنه مرغم على الخضوع له؟نعتقد أن المواطن العراقي بدأ يكره نظامه السياسي ولا يعيره وزنا فكيف يخضع له؟ونعتقد أن القانون أصبح يخرق أكثر وأكثر ولم تعد للدولة من هيبة وشرعية النظام السياسي تتدنى بشكل خطير,ودليل ذلك هو الفساد الأداري والمالي المتفشي في الدولة بمعدلات مرعبة ألا يدلنا ذلك على أن الفاسدين لا يقيمون أعتبارا للنظام السياسي ولا يخشونه؟وعمليات القتل والتفجير والتهجير والهجمات الأرهابية التي تضرب العراق يوميا بكل بقعة على أرضه من الشرق الى الغرب ومن الشمال الى الجنوب وتتصاعد بشكل مستمر,ألا تدل على تزايد أعداد القتلة على أمتداد أرض العراق؟ناهيك عن معدلات مرتفعة جدا من الجرائم كالقتل لأسباب جنائية,لو كان الأفراد يحسون أنهم خاضعين للنظام السياسي وأن النظام يمتلك وسائل القوة القهرية والأجبار وأنه سيردع من يخرق القانون لما كانت الأمور على ما هي عليه اليوم من فوضى وخراب ودولة معطلة لا تتمكن من القيام بأي واجب من واجباتها تجاه المواطن بشكل صحيح فهي لا تلبي أحتياجاته ولا تحميه ولا ولا.
صحيح أننا كنا نمني النفس بنظام سياسي يستمد شرعيته من القبول والرضى الشعبي من خلال قيامه بدوره الأساسي تجاه مواطنيه بعدما عاشت الدولة العراقية الحديثة عقودا من النظم السياسية القمعية,لكن عندما لم يتمكن النظام السياسي من ذلك كان يجب عليه أن يوجد له شرعية من خلال القوة والأرغام "هكذا يقول العلم النظري",نحن لا ندعو لأن يكون نظاما قمعيا علما أنه في ظروف كالظروف التي يعيشها العراق الأن فأن الدول تعلن حالة الطواريء وتطبق القوانين العرفية, لكن نريده أن يجعل الفرد يهاب نظامه ويخاف من خرق القوانين أو تجاوزها علما أن القوانين والتشريعات العراقية من الناحية النظرية جيدة لكن الخلل الواقع بكونها معطلة أو تطبق على أفراد ولا تطبق على الأخرين,على الأقل كي يحافظ على دولة عراقية موحدة لأن هذا التدني في الشرعية لن يقتصر على النظام السياسي العراقي الحالي لكن الأمر سيمتد ليطال وجود الدولة العراقية نفسها,نعم الدولة ووحدتها في خطر فالأصوات النشاز بدأت تعلو و تكثر مرة من خلال ساحات المظاهرات ودعوات العلواني والبدراني والحمدون تدعو للفتنة والتفرقة والأقاليم والتقسيم,وتارة من خلال الميليشيات وقادتها كأبو كرار والعبود وتارة من خلال قنوات الفتنة والمغرضين أو الجهلة المغفلين كالدليمي والدراجي,كما لا يفوتنا الدور الكردي الذي يرى تحقيق الحلم بأقامة الدولة الكردية قريب جدا وأن الأنقسام السياسي والأجتماعي والمذهبي العراقي وضعف الدولة العراقية كله يصب في مصلحتهم ويقوي أملهم بقيام الدولة الكردية.
أذن فالجميع مشترك في الجريمة,هدم الدولة العراقية,من أطراف سياسية عراقية وأحزاب ومؤسسات دينية وحتى أفراد المجتمع لقلة وعيهم وأنسياقهم وراء عناوين معينة دون تفكير,ودول الأقليم والأعلام وغيرهم,وتدني شرعية النظام السياسي في العراق لا يعود سببها الى الحكومة "بمسماها الضيق و الواسع" وحدها بل يتحمل وزرها الجميع,من هذا فمعالجة الخلل تقتضي العمل من جميع الأطراف وأن كانت المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الحكومة فعليها أن تتدارك الامور فشرعيتها ستزول نهائيا لو بقيت الأمور على هذا الحال والخطر يشمل وحدة ووجود الدولة العراقية وعليها أن تقف بحزم وتضرب بقوة على يد كل من يخرق القانون ولكي تثبت حسن النية عليها أن تبدأ بالفاسدين من المحيطين بها وممن ينتمي لأحزاب السلطة ورموزها ثم تتوسع بتطبيق القانون ولا ضير أن تكون شرعيتها لفترة مؤقتة من القوة القهرية على أن تعمل بسرعة على أن يتحول مصدر شرعيتها من الرضى والقبول الشعبي بتلبية شروطه,نعم ففي الأزمات يجب أن توجد حكومة قوية وتستخدم كل وسائل الردع لهدف أسمى وهو الحفاظ على البلد وتلافي الخطر وحماية أرواح الناس من القتل المستمر والفساد الهائل والخراب الذي طال كل مرافق الدولة فماذا نستفيد ونجني من الديمقراطية والناس تقتل بالعشرات يوميا دون ذنب والدولة تهدم والأموال تسرق والشعب يجوع وهو بين مهاجر أو مهجّر؟
#حميد_حبيب_المالكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟