قراءة لرواية - همس الغرام - للكاتب لميس كاظم .

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

الحوار المتمدن-العدد: 4257 - 2013 / 10 / 27 - 20:03
المحور: الادب والفن
    

قراءة لرواية " همس الغرام " للكاتب لميس كاظم .

بقلم : علي المسعود

“"الشر ليس فيما يدخل ألانسان الى فمه و أنما ما يخرج من “بعبارة كويهلو التي ذكرها الكاتب لميس كاظم في الفصل الاول من روايته" همس الغرام " الصادرة من ( دار الكتاب العربي ) احببت ان تكون مدخلآ لدراستي للرواية. ما يثير قارئ رواية :"همس الغرام" للكاتب العراقي والمقيم في السويد (لميس كاظم) هو جمالية عنوان النص لآنه أختزال ذكي
مكونات النص وأحداثه وابعاده الدلالية ، فأصبح دالا على مضمونه وعتبة مسهلة لقراءة تفاصيله فهو الخيط المتين الرابط بين النص وقارئه ، كما هو مكون نجاح للعمل السري، كونه يثير فضول القارئ.ويجذبه في الانخراط في كيمياء النص تحليلا ، هدما وبناء. أو قراءة و إعادة قراءة!
و بناء على ما سبق يتكون عنوان المؤلف من مفهومين بارزين هما همس / الغرام . وهما عنصران متشابكان ممتزجان يعبران عن تداخل الواقع المعيشي بالخيالي المتخيل لرسم مشهد درامي لحياة الهامش في المجتمع الشرقي ،كما يعكس في آن واحد طبيعة التجربة الانسانية للكاتب . هذه التجربة الموسومة بالعمق في تناول قضايا ألاغتراب ومشاكل الجيل الثاني من الشباب و إثارتها برؤية جديدة مفرطة في الخرق الابداعي . فأذا كان الحب من تيمات النص فالشك يقابله أيضأ متمثلآ بسلوك ( طاهر ) مع داليا و الفشل في العلاقة بينهما. وبؤرة للعلاقة الإنسانية. حاول الكاتب أن يحدد طبيعة النفس البشرية بالوانها الاسود و الابيض او الخير و الحقد و انعكس ذالك على سلوك ابطال الرواية في تفاعلهم إيجابا او سلبا مع محيطه ونوعه بناء وتعميرا ، تضامنا وتكافلا ..الخ
تتوزع الرواية على ثلاث فصول و يفتتح الرائي الفصل الاول راسمأ لنا موقف احداث الفصل في مستهل الرواية( أرتدت بغداد حلٌة بهاءها الربيعي ). ويحدد ملامح وشخوص أبطاله وهم المحامي سامي و الذي يصفه الكاتب ( ليس جميلآ كما يقال لكن روحه اجمل من شكله , شفافة , و طيبته مرسومة على وجهه ) ص6, بالاضافة على ذالك كان سامي أمينأ على على علاقاته مع اًصدقاء الطفولة و الدراسة على رغم من تحسن وضعه الاقتصادي و لكنه ما زال يرتبط بعلاقة مع طاهر صديق الطفولة و الدراسة , ثم أفترقا في الجامعة . أذ درس سامي سامي كلية الحقوق و بينما درس طاهر في كلية الاداب قسم اللغة الانكليزية وكان سامي يهتم بطاهر و يرعاه منذ ان كان طالبأ جامعيأ كان يلبي طلباته و يغدق علية مالآ كانه و لي أمره و الشخصية المهمة المقبلة له هي ( وجدان) زوجة( سامي) الارستقراطية التي تعشق السهرات مع الاصدقاء , وأيضأ هناك (داليا) الطالبة الجامعية التي اعجب بها (طاهر) و تعمقت العلاقة بينهما بعد حادثة التحرش في الباص و التوجه الى مركز الشرطة و التي انبرى فيها طاهر للدفاع عن داليا تعد التحرش بها من قبل رجل الامن و بتخل من صديقه ( سامي ) تم تسوية الامر. و اصبحت( داليا) زوجة ل (طاهر) و كان لصديقه (سامي) الدور الكبير في تكفله بمصاريف زواج( طاهر) و( داليا )وحينها احس (سامي) انها الوحيدة التي فهمت ( طاهر) خاصة بعد مرور الاخير بتجربة حب فاشلة و عزوفه عن الزواج لسنوات!!!!
بعد القصف الوحشي من قبل قوات التحاف عام 1991 ومن ثم جاء قرار الحصار الذي فرضته هيئة الامم على العراق و انطفاء ليالي بغداد البهيجة !!
"و قد تغير مزاج الناس تماهيأ مع أخلاق الحصار"ص26 وفي تلك المرحلة واجهت العاائلة فترة عصيبة من تقنين المصاريف و شحة الوارد حتى باتت الزوجة( وجدان) اكثر شي تكرهة هو وقوفها في الطابور للحصول على مفردات البطاقة التمونية حتى انها تضطر الى ارتداء النطارة السوداء و تغطي رأسها لا خفاء شخصيتها , و مما زاد في ألم (سامي ) ان الكثير من اصدقاءه هاجروا وعلى رأسهم صديق طفولته( طاهر) و زوجته ( داليا) و طفلتهما ( رولا )الى السويد وقد كانت (داليا )تشكو الى ( سامي ) من شكوك ( طاهر ) بها ومن اسلوب تفكيره و تعتبره شخصية متهورة وهي في ذات الوقت كانت معجبة اشد الاعجاب بواقعية (سامي ) في معالجته للمشاكل ووجدت الفرق شاسع بين( سامي) المتنور و هدوءه و بين شخصية (طاهر) المتشنج و المبتور , و بدفع و الحاح ( وجدان )و بسبب صعوبة الحياة و العيش بعد الحصار و انعدام ابسط الخدمات أقتنع ( سامي ) بالهجرة و رغم أنه يصف حاله ( مثل السمكة التي لاتستطيع العيش خارج الماء و ماءه دجلة و الفرات ) ووجهته السويدعلى اعتبار وجود صديق طفولته (طاهر) الذي مد له يد العون في هجرته الى السويد عام 1985 وينجح (سامي ) في الوصول السويد بعد محاولة فاشلة ومن ثم يعمل على لمُ شمل العائلة وهنا يصاب (سامي) بحالة من اليأس لصعوبة ايجاد العمل و عدم التكيف مع المجتمع الجديد ولخيبته في صديق عمره( طاهر) على العكس من ( داليا )التي تسرٌ بوجوده وقد حافطت على الود و التي صارحت (سامي) فيما بعد بأنها مبهورة بشخصية سامي وسرت له ( عملت لي أنقلابأ في بالوعي و السلوك , سحرتني بهدوئك و حكمتك وكياستك) ص224 و كانت تحس بألامان معه!! و يصف ( سامي) التجربة:
(" ياصديقي المنفى سجن كبير يمتحن أهداف القائم اليه, فاما ان يحوله الى مدمن على الكسل او يفتح له الفرصة ويساعده على ان يمضي تحو تحقيق هدفه " ) ص49 .
على العكس من صديق الطفولة الذي فتح له المنفى ذراعية و ابتسمت الدنيا له او لذي قابل وضع سامي ووجدان بحقد و شماته و تشفى , و لم يتوقع سامي ان يتحول بلد الاحلام و الذي انتظر ان يصله سيجن حلمه !!! " لم يتصور قط انه سيصبح مثلا سيئأ يضرببه في السويد بعد ان كان منارا يحتذى به في بغداد" . و في مكان اخر يعبر ( سامي ) عن الاغتراب بشكل ادق : ( " لم أعرف أن جمالية المنفى ستخنق روحي , لم أتصور أن هذه المدن :
الباهرة ستتحول الى قبور تدفن احلامي" ) ص59 .
الكاتب ( لميس كاظم ) في هذه الرواية ينطلق من الواقع في اتجاه الفكر و السلوك الانساني ويعود مرة أخرى إلى الواقع مستغلا في ذلك تقنية اللغة التي توظف الكلمات المناسبة لخدمة التعابير و الجمل للرواية المؤثثة لفضاء مثل هذه الأعمال الروائية الكبيرة وبالرغم من اهتمام الروائي (لميس كاظم ) بالأساليب الفنية و الجمالية،وقدرته على توليد أساليب السرد المختلفة تبقى الرواية مرتبطة بشكل واضح وفاضح لواقع المهاجرين ومشاكلهم و معاتاتهم وطريقة أندماجهم مع المجتمع الجديد مع الحفاظ على الهوية الوطنية و القيم التي تربى عليها وعلى سبيل المثال انحراف ( رولا ) أبنة (طاهر) و نجاحها في الايقاع ب ( سلوى ) ابنة سامي و ادمانها للجبوب الهلوسة ( أم فيتامين ) و هذه الاحباطات و الاسقاطات نتج منها افعال و ردود أفعال عكست الحالة السوسيونفسية لسلوك و تصرفات شخوص الرواية و ألأصوات المتحاورة داخل فضاءات " همس الغرام "!!!
و قد اسعدني ارتكاز الكاتب الى اقوال الادباء و المفكرين على لسان كل من ( سامي ) و (داليا ) و التي عكست بشكل جلي و واضح الوعي الثقافي و الفكري للكاتب و استخدامها بشكل واعي وجميل..!! ومن هذه الاقوال : ( " مقولة بريخت على لسان داليا - لاضير من التردد اذا تلاه الاقدام ") ص 123 و للفيلسوف الانكليزي جون لوك ( "العزيمة تحرس كل الفضائل الاخرى و تدعمها" ) ص145
وهناك أشارات الى أعمال فنية و أثار أدبية خالدة مثل" بحيرة البجع ولوحة مرج الغابة للفنان الروسي ايفان شيشكين و ليون تولستوي صاحب رواية الحرب و السلام " ص 140
لقد رصد الروائي( لميس كاظم ) في روايته محطات أساسية وفترات حرجة حياتية ، وكشف عن رؤية ثاقبة واستيعاب لمظاهر استفحال أزمة خطيرة ، تتجاوز العلاقات العامة إلى الحياة الخاصة والعاطفية والعلاقة داخل الأسرة المتعددة الأفراد ، والغارقة في انتظارات وأحلام بعيدة المنال . هذه المعاناة ستبرز للعيان مدى القسوة التي اكتوت بها فئة من المهاجرين العراقيين وسلوكهم و و سلوك الابناء في بلاد المهجر ، وهو ما أعطى النص الروائي مصداقية و ملامح واضحة من مصائر الشخوص في النكوص و الفشل و الخيبة او الانحدارفي المستوى الاخلاقي للاجيال الجديدة و السقوط في شرك المجدرات او الجنس و غيرها من امراض المجتمع الجديد!!! لقد شكل الاصطدام الأول بالمدينة و الحياة الجديدة الى (سامي) المثقف و المحامي الناجح , كما ان ظهور نوع جديد من المعاناة و يتأرجح بين لتأقلم ، والاندهاش من وثيرة الحياة المتسرعة التي يصعب مجاراتها ، بما تشكله من معيقات للاندماج مع الجتمع الجديد, كما كان لبنية الأفعال دورا هاما في حركة شخوص ا
الرواية حيث اشتغل. الكاتب على الأفعال الماضية التي تستحضر المتخيل المتراكم في الذاكرة لتوظيفه داخل فضاء الرواية ، ومن الماضي ينهض ويتحرك في اتجاه المضارع الذي يزيد من وتيرة الحركية المفضية إلى المستقبل الملئ بالمفاجآت و الفاضح لمستجدات الواقع ومتغيراته رغم انني وجدت ان استرجاع الماضي كان بشكل مفاجئ و يمتزج مع الحاضر و هذا التداخل برأي قد يوقع المتلقي في أشكالية التشويش على ذاكرته وفي تشكيل الصورة!!! .
رواية "همس الغرام " تحكي أحلام أبطالها بألوان رمادية يلفها الغموض و الضباب،رواية تحكي آمالهم وآلامهم بلغة الصائت و الصامت من الكلام، لغة متذبذبة بين البياض الناصع والواضح في الطبيعة بتجلياتها، و السواد القاتم القابع في نفوس الشخصيات المشكلة للرواية،سواد يطفح على بياض الفطرة و الطبيعة التي جبل عليها الانسان. وهذه الاستعارة وهذه الانزياحات اللغوية التي تنحرف فيها الدلالة من معناها الحقيقي الى معاني أخرى تفهم
تفهم في سياقها وفي إطار المنظومة التي قيلت فيها كما في النهاية ألمساوية و التي ألت عليه الاحداث و ذالك بمقتل ( طاهر ) على يد زوجته ( داليا ) بعد أتهامها بالخيانة !!.
وفي ذلك إشارة إلى حالة الشخصيات المشكلة لهذه الرواية،إنها شخصيات متأزمة تعيش التشرذم و التشظي تتجاذبها الأحداث وتطوح بها في أماكن مختلفة عبر فضاءات الرواية .
وفي الأخير يمكن أن نقول بأن الروائي( لميس كاظم عندما كان يسرد روايته " همس الغرام كانت عينه على الواقع وقلمه على الصيغة التي يعكس بها هذا الواقع المتردي و المتشظي .

رواية تنقل الواقع بلغة أدبية جميلة، تميزت بقاموس خاص ميز ( لميس كاظم ) وسطرت له خطا بارزا في مجال الكتابة الأدبية ،كتابة تعبر عن كيفية فهم الروائي المحترف بطريقة نقل هذا الواقع دون الوقوع في خطابات أخرى غير أدبية، كتابة تملي عليه كيفية استخراج المعاني و الدلالات و المقاطع الفنية و المشاهد المعبرة ، رواية تحكي المكبوت في نفس البشر وتعبر عنه بلغة أدبية متزنة وجميلة ، لغة تمتزج فيها الأزمنة بالأمكنة وكأن الزمان والمكان و اللغة شئ واحد.

الكاتب : علي المسعود
كاتب عراقي مقيم في المملكة المتحدة

الكاتب لميس كاظم

من مواليد بغداد و أكمل دراسته الابتدائية و الثانوية في بغداد
حصل على شهادة الماجستير في هندسة الجسور و الانفاق في موسكو
حائز على شهادة الدكتوراة في مجال تصميم الاساسيات الاهندسية في موسكو
تقلد مناصب علمية و استشارية متعددة و يعمل حاليأ استاذ جامعي في السويد
عضو اتحاد الكتاب و المؤلفين السويدين
أصدر ثلاث روايات " الجسد المرٌ و " عقيق النوارس و " قناديل مطفأة

#علي_المسعود (هاشتاغ)       Ali_Al-_Masoud#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات