ابراهيم النادر
الحوار المتمدن-العدد: 1214 - 2005 / 5 / 31 - 08:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هرمونات الديمقراطية
" أنا أمتلك الوطن... كل الوطن... ولا أسمح بالتنازل عن أي جزء منه " إن لا يمتلك كل مواطن في أية أمة من الأمم هذا الإحساس فإن مواطنيته تكون ناقصة وهذا ما يؤثر سلباً على درجة ارتباطه بالوطن الذي هو الحاضن المادي والروحي لجميع المواطنين الذين يتشاركون العيش فيه.
يكثر الحديث هذه الأيام عن الديمقراطية ويرفعها الكثيرون (أحزاب وأفراد) يافطة جميلة يطالبون بتحقيقها وتطرحها السياسة الأمريكية في الأسواق الدولية كما لو أنها سلعة أنتجت في أمريكا ومعَدة للتطبيق في كل مجتمعات العالم المتباينة. وعند الحديث عن أية فكرة من الأفكار يجب تحديدها أولاً إذ أن التحديد شرط للوضوح. فما هي الديمقراطية؟ هل هي مجرد كلمة أم فكرة أم سلوك؟
الديمقراطية هي وعي الإنسان لحقوقه المادية والروحية وقبوله بتنفيذ التزاماته تجاه مجتمعه. هي حقه في أن يعبر عن نفسه نظرياً وعملياً في كل المجالات(الاقتصادية والفكرية والسياسية) وبجميع الاتجاهات الاجتماعية دون أن يكون مسبباً بالأذية لأحد وأن يمارس كل ما يريده في الحياة ضمن إطار ناظم في مجتمعه وإن استلاب أي من هذه الحقوق يعني انتقاصاً من مواطنيته. صحيح أن صندوق الاقتراع هو واحد من مقاييس ممارسة الديمقراطية في السياسة, لكن لا يجوز أبداً أن نختزل العملية الديمقراطية بصندوق اقتراع. إذ أن الديمقراطية تحمل في مضامينها أفكاراً كثيرة وتشتمل على حماية العديد من مناحي الحياة منها حماية حقوق المواطنة في كل المجالات وحماية حق التعبير عن الرأي وحماية حقوق الأقليات العرقية والمذهبية وحماية حق الرأسمال الوطني في النمو. وإن الديمقراطية لا تعني أن تحكم الأكثرية العددية المجردة الأقلية العددية, بل أن تحكم الأكثرية الواعية الأقلية الواعية ولا توجد ديمقراطية صحيحة وديمقراطية غير صحيحة, ديمقراطية مركزية أو مركزية ديمقراطية. كما وأن الديمقراطية لا تعطي أحداً الحق أن يصادر ما يريده الآخرون بصرف النظر عن الصح والخطأ إذ أن كل إنسان يرى الله بعينيه هو.
إن كل مجتمع من مجتمعات العالم له خصوصيته الجغرافية والتاريخية والثقافية وبالتالي يخضع لمجموعة قوانين اجتماعية لا تنسجم بالضرورة مع قوانين اجتماعية لمجتمع آخر. ففي مجتمعات العبودية والاستعباد ( عبد الملك- عبد المسيح- عبد الحي- عبد الله- عبد القادر- عبد الحكيم ... الخ) يكون سقف وعي المستعبد هو الانعتاق والتخلص من قيوده الداخلية والخارجية(النفسية والمادية) وبعد ذلك يمكن أن ينمو وعيه لحقوق أخرى. إن ما أقوله لا يعني أننا نفتقر إلى الديمقراطية فحسب, بل يظهر أننا وفي أعماقنا نرفض هذه الفكرة التي نشأت خارج وعينا وطرحت أمامنا كمصطلح مستورد نمى خارج أرضنا وفي مناخ مختلف عن مناخنا, إذ أننا نعيش في مجتمع تحكمه فكرة أن الله خلق الإنسان فقط ليعبده ولا يشرك به أحداً سواه. هذا بالإضافة إلى تاريخ طويل من الاستعباد أذكر منه مثالين بسيطين. في فترة ازدهار الإمبراطورية الرومانية, لم يجرؤ أحد أن يسمي نفسه سيد روما ولم يكن أي روماني يطيق كلمة ملك وبالرغم من أن يوليوس قيصر قد أعطي لقب دكتاتور بشكل رسمي, فهذا لم يكن يعني أنه يحق له أن ينفرد بالقرار وهذا ما سبب الدهشة لكليوباترة الشرقية العقلية التي تحب أن يسجد الشعب أمامها, ولم تكن تعي أن الروماني لا يسجد أبداً بل ينحني احتراماً. والمثال الآخر هو أنه حينما طلب الأسكندر المقدوني من قادته أن يسجدوا أمامه أسوة بالفرس الذين كانوا يسجدون أمام ملكهم(الشاه) , سخر منه القادة وقالوا له" أنت يناسبك أن تكون ملكاً في بلاد الفرس" ولا عجب أن أرسطو قال " إن شعوب الشرق فيها طبيعة العبيد".
أما اليوم, هل للديمقراطية أو حتى للدستور أي معنى حقيقي في حال استمرار سيادة حالة الطوارئ واستمرار تجميد سيادة القانون والعدالة والخضوع النسبي من شعب بكامله, خصوصاً المثقفين, لهذه الحال؟ وهل انتهى الحكم بعقلية الكليوباترات في مجتمعات الشرق؟
حقاً إن الديمقراطية هي واحدة من الحتميات في التطور الإنساني, لكن للوصول إليها لا بد من تحقيق أولويات لا غنى عنها في الارتقاء إلى المجتمع الديمقراطي. إذ يجب أنتاج المقدمات التي ينمو فيها الحس الديمقراطي في مناخ يتناسب مع التكوينات المجتمعية, لا أن نستورد هرمونات من الشرق والغرب لنحقن بها المجتمع. فالديمقراطية التي أنتجها المجتمع الأمريكي لا تشبه بالضرورة الديمقراطية التي خرجت من رحم المجتمع الفرنسي والتي ولدت بعد عسر ولادة طويل. وإن ثمار النباتات التي تنمو في التربة والمناخ الطبيعيين تكون أشهى وأكثر فائدة من الثمار التي تنمو عن طريق الهرمونات أو في البيوت البلاستيكية. إننا, إلى حد ما, نشبه طائر القفص, السجين الدائم الذي لايعرف معنى الحرية والتي لم يشعر يوماً بطعمها.... لا بل أنه قد يضيع في العالم الواسع إن أعطي حريته فجأة ومن دون مقدمات. وإن أوضح مثال على ذلك هو حقن المجتمع العراقي بهرمونات الديمقراطية الأمريكية التي أنتجت ديمقراطية القتل بالعشرات وما تزال. ( هل نجح جورج بوش في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2000 عن طريق صندوق الاقتراع أم بقرار من المحكمة العليا؟)
إن أدوات التغيير في مجتمعنا مصابة إما بتكلس عقلي يشلها أو تعيش وهماً سياسياً يجعلها بعيدة عن القراءة الدقيقة للواقع وتبحث بشكل دائم عن مبررات تقصيرها في العمل لتنفيذ شعاراتها. إنها جميعاً ترفع يافطة الديمقراطية وتطالب بممارستها, فهل تستطيع هي أن تمارس هذه الديمقراطية داخل مؤسساتها؟
حقاً إن من خصائص الأحزاب السياسية في سوريا, في السلطة والمعارضة, هو أنها وطنية. لكن النوايا الحسنة لا تكفي إن لا ترافق ببرامج سياسية-اقتصادية-اجتماعية عملية تنفذ وفقاً لجدول زمني محدد يمكَن كوادر هذه الأحزاب أن تحاسب قياداتها في نهاية كل مرحلة. لذا يجب عدم وضع قيود قانونية تكبل هذه الأحزاب وإلا نكون نساهم بولادة أحزاب مشلولة. وإن من أولويات الأحزاب السياسية الإصلاحية تفعيل دور كل مواطن في أداء دوره في بناء المجتمع وإن لا تستطيع فعل ذلك فإن المواطن السوري سيبقى هو الضحية الصامتة.
(ملاحظة: لم تكتب الحياة لتجربة ولادة الديمقراطية في سوريا في خمسينات القرن الماضي, إذ أنها قتلت في المهد)
#ابراهيم_النادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟