أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الربضي - ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي














المزيد.....

ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 4256 - 2013 / 10 / 25 - 02:35
المحور: الادب والفن
    


ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي

اليوم بلغت ُ الثامنة و الثلاثين من عمري، لا أعلم ما الذي ذكرني بتلك العجوز لكني تذكرتها و حسب. كنتُ في الكنيسة في قداس الأحد و قد شارف على نهايته، عمري عندها أقل من خمسة عشر عاما ً أي أن هذا الحدث يعود ُ إلى أكثر من ثلاث ٍ و عشرين َ عاما ً، و كانت الناس تتقدم من المناولة وسط أنغام الترانيم المُرتلة، و الوقار الإلهي يسكن في داخلي أعجز ُ عن وصفه.

وحدها تلك العجوز شدتني إليها، و هي تمشي بين الناس مُتجهة ً إلى المذبح مٌقتربة ً من الكاهن، واحدة ً من و في جمع المؤمنين، إمرأة ٌ قد جاوزت السبعين بسنين، تجر رجليها بضعف ٍ غير خاف ٍ جلي ٍ حزين، لكن صوت رجليها التي تسحبهما على الأرض كان كافيا ً ليبلغ َ مسمعي، و صوتها الذي لن أنساه ما حييت يردد في استعطاف ٍ و رجاء "يا رب رجعنا لبلادنا"، نعم كانت فلسطينية ً في عمان الأردن وسط الكنيسة و هي لها من العمر بواقي سنوات و ربما أشهر ما زالت تريد أن تعود إلى بلادها.

ماذا حدث في ذلك اليوم لا أعلم، لكن شيئا ً استيقظ فجأة، و كأن صوتها الضعيف الحزين المُستعطف أوقظ في كل مشاعر الحياة، أحسست أني أحبها، و أني أخافها في نفس الوقت، و أني أريد ألا يكون الموقف قد حدث أصلا ً فقد أدركت وقتها بكل مشاعر الحدس الإنساني أنني تعلمت من جملة ٍ واحدة مفاهيم الحق و الباطل و الصواب و الخطأ و الظلم و العدل كلها في لحظة و من جملة عجوز ٍ مسكينة تحلم أن تعود لبلادها.

موقف ٌ آخر، هو لجدي أبي أمي، أو "سيدي" كما كنا نناديه، "طلبت روحو الرحمة" سلام ٌ و رحمة ٌ لك يا جدي هناك َ حيث سنلتقيك، آمين. في هذا الموقف كان جدي لأمي و هو مكفوف البصر يستمع لأخته و هي تروي له ما حدث معها حينما زارت يافا و شاهدت بيتهم المُغتصب و كيف دقت باب البيت و تحدثت مع سكان بيتهم، يا الله ما هذه القسوة الوحشية عند الصهاينة، و كيف سمح لها أن تدخل لتنظر الغرف لكنه لم يسمح لها أن تلتقط حبة ليمون من الشجرة، فهذا "بيت الحكومة" كما قال لها، و ليس بيتها.

جدي كان رجلا ً قويا ً على الرغم من كونه مكفوف البصر، حادا ً سريع البديهة يُبصر أشياء ً بقلبه و فهمه و حواسه الأخرى، لكنه في تلك اللحظة التي أنهت أخته القصة خرج صوته مُزمجرا ً غاضبا ً قال وقتها "لو كنت هناك بدق بخناقو يا بقتلو يا بقتلني" ثم أطرق رأسه إلى الأسفل و صمت، رأيت ُ الهزيمة َ في وجهه و كأنه تلك السنين و منذ عام 1948 كان في معركة ٍ مفتوحة انتهت و خُتمت بالهزيمة فقط عندما أكملت أخته القصة، أدركت ُ وقتها معنى الأرض و الكرامة و العزّة، و تمنيت ُ لو أستطيع أن أفعل أي شئ لأعيد له قسمات وجهه الضاحكة الحبيبة إلى قلبي.

ظننت ُ حينها أن لنا قضية و أننا - و النون و الألف في إننا تعودان على العرب- نجهز لاسترداد ما سُلب و أن حُلم العجوز و جدي المسكينين الصابرين لا بد آت ٍ، كيف لا أولسنا نحن ُ حملة الحضارة إلى العالم؟ أليس هذا ما نسمعه في الراديو و نقرأه في الصحف و تُخبرنا به أجهزة التلفاز، و تصدح به أغانينا؟ ظللت ُ أحمل الأمل إلى أن سقطت بغداد.

بغداد ضربت فؤادي، انتزعت مني شيئا ً لن يعود، معقول يا بغداد يا عروس الحب و شواطئ دجلة و عجيج َ الفرات؟ تدوسكِ بساطير مُرتزقة ِ الأمريكان و ترتفع ُ الضحكات الفارسية على سحابات ِ مزنك ِ و تأتيك ِ مجرمو القاعدة و داعش و زبالة الأرض و نحن نتفرج؟ نحن؟ من نحنُ، طز لا أحد قد أدركت ُ ذلك.

أجهزت علي تماما ً دمشق، ضربتني الشلوت الأخير في الخصيتين ثم أرسلت خنجرها صاعدا ً إلى رقبتي النازلة إلى أسفل من ألم الشلوت فانتهى من قلبي الأمل و الإيمان بأي قيام ٍ لهذه الأمة التي هي في ذيل الأمم عند فتحة ِ شرج الحضارة ِ بالضبط تتلقى فضلاتها العضوية تباعا ً. دمشق راحت كبغداد و المهابيل يتناطحون تيوسا ً لا بارك الله فيهم و لا في مناطحاتهم، و كمان طز.

أمريكا أرسلت مكوكا ً هبط على المريخ و بث منه رسالة ً صوتية موسيقية استقبلتها محطاتهم على الأرض، و الهواتف الذكية أصبحت سينمات متنقلة و وسائط َ تحديد مواقع عبر القمر الصناعي، و الحواسيب العملاقة تقوم بمليارات العمليات الحسابية في الثانية الواحدة، و السيدات أصبحن رؤساء دول و رائدات فضاء، أما نحن فمشغولون بأربع أصابع رفعها عدونا العثماني القديم الذي فجأة ً صار أصدق أصدقائنا، و قلنا "رابعة" و "الشرعية"، بينما بجانبنا دولة ٌ تسأل: "هل قيادة المرأة للسيارة حلال ٌ أم حرام؟." و "هل يلزم للمرأة محرم عند الدخول لشبكة الإنترنت؟"

زمان علمونا "فلسطين داري و درب انتصاري لحنا ً أبيَ على شفتيَ"

اليوم بتنا نغني:

"شوف الواوا
بوس الواوا
خلي الواوا يصح
لما بستو
الواوا شفتو
صار الواوا دح
السح اندح انبو
الواوا طالع لأبو"

هل سمعتم بأحدث أنواع البيتزا، إنها بيتزا Cheesy Bites ، أي من شيزي إذا عمركم بتتعلمو من الأمم و لا بتصيرلنا حضارة.



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوك يا أردن – مع محمود الحويان
- كيف نفهم حادث كنيسة الوراق – بين أميرة و مريم و محمد.
- الثقة بالله – خاطرة قصيرة جداً.
- قانون التظاهر المصري الجديد – ألا تتعلمون أبدا ً؟
- رسالة إلى السيكلوب
- من يستطيع النهوض بالمجتمعات العربية؟ - السؤال الخاطئ
- السنة و الشيعة – هل هؤلاء مجموعات جديدة؟
- قراءة في أدب حنة مينة – البحر وجودا ً و الفردية في رحلة الكش ...
- السينما بين السبكي و الأخوين واتشسكي – طرفا البعد الإنساني
- -قد سمعتم أنه قيل أما أنا فأقول لكم- – الرسالة الجديدة للعهد ...
- الشرق العربي حين ينبش ليقتلع الأساس - هجرة المسيحين العرب
- الوطن العربي – الكوكب الآخر – مأساة مدينة الأشباح.
- نجيب محفوظ – ما بين الفينامولوجيا و الأنثروبولوجيا الدينية و ...
- حميمية العلاقة بين الله و الإنسان – النبي إرميا نموذجا ً
- -أعطني لأشرب- – لماذا نحب المسيح، من وحي اللقاء مع السامرية.
- ثرثرة في الثورة المصرية
- ظاهرة التحرش بالفتيات – بين نظرة المجتمع، التشخيص و الحلول.
- التأريخ الأنثروبولوجي الديني في روايات نجيب محفوظ – الثلاثية ...
- التأريخ الأنثروبولوجي الديني في روايات نجيب محفوظ – الثلاثية ...
- عقل العربي – جولة في مساحة الاطمئنان كردة فعل على العجز


المزيد.....




- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الربضي - ما زلت أذكر ُ تلك العجوز – ما زلت أذكر سيدي