حميد حبيب المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 4254 - 2013 / 10 / 23 - 22:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو أن محافظة الأنبار هذه الأيام تودع حالة الهدوء والسكينة التي سادتها بشكل عام لما يقرب من سنة والتي كانت خلالها المحافظة من أكثر محافظات العراق هدوءا أمنيا وهي الفترة التي بدأت ببدء المظاهرات والأعتصامات في المحافظة التي طالبت بمطالب شتى حيث أبتدأت بالمطالبة بأطلاق سراح السجينات ومن ثم أطلاق سراح جميع المعتقلين لتصل الى أسقاط العملية السياسية وقتل الأخرين "وأسترجاع بغداد من حلفاء أيران لأهلها الأصليين".
لقد أبرزت تلك التظاهرات سلوكا جديدا تسلكه الجماعات المسلحة وذلك بالكف عن القيام بعمليات مسلحة وأنتحارية مقابل ذلك الحراك,ففائدة التنظيمات المسلحة من تلك التظاهرات بكونها خروج على الدولة "غير الشرعية" وأسقاط هيبتها وسلطتها على المناطق الغربية,وضرب الوحدة الوطنية العراقية من خلال شعارات طائفية وعنصرية رفعت في تلك المظاهرات,أي بمحصلة الأمور ميل جمهور تلك المظاهرات من جانب الدولة الى جانب التنظيمات المسلحة.
لقد تنازع السيطرة على تلك المظاهرات عدة أطراف,ففي البدء كان أحد أقوى أطرافها هي القوى الوطنية التي تطالب بتصحيح العملية السياسية والانتصاف للشعب وأطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات دون مسوغ قانوني وأشراك أهل المنطقة الغربية في صنع القرار في الدولة,وكان على رأس ذلك الطرف شيوخ عشائر وشخصيات لهم تأريخهم ومواقفهم المشرفة,لكن سرعان ما ضعف هذا الطرف أمام الأطراف الأخرى والتي كانت متطرفة أو متطرفة جدا فلقد ركب موجة المظاهرات كم كبير من المنتفعين والوصوليين,وهؤلاء كانوا أما أطراف تم تجنيدها من قبل مخابرات دول أقليمية تدفع لهم ملايين الدولارات وأبرزتهم للسطح وجندت لهم قنوات فضائية تستضيفهم ليلا نهارا كي يطلقوا أنواع التصريحات والخطابات,وهذا الطرف كان يسعى لأرباك الوضع السياسي والمشهد الداخلي العراقي ومحاولة أسقاط الحكومة وحتى ضرب اللحمة الوطنية والنسيج العراقي فمن يقف خلف هذا الطرف من دول أقليمية لاتخفي عداءا مستميتا للعراق أو للعملية السياسية فيه أو لطيف من أطيافه,أما الوصوليين فأولئك كانوا يريدون أستغلال المظاهرات كي يتسنموا مراكز مرموقة سواء في الحكومة المحلية أو الحكومة المركزية فكان كسب الشعبية هدفهم الأبرز وفعلا تمكن كثير من أولئك من تحقيق الفوز في الأنتخابات المحلية التي أجريت في المحافظة وتمكنوا من تشكيل حكومتها المحلية.والطرف الثالث كان التنظيمات المسلحة,فلقد وجدت تلك التنظيمات في هذه المظاهرات فرصة سانحة أمامها لتحقيق ما تروم حيث تتمكن من أعادة تنظيم صفوفها وأيجاد ملاذات امنة وكسب الشعبية وتجنيد الأفراد من خلال تبيان أن العدو المشترك لأهالي المحافظة هو الحكومة في بغداد وأن هدف الجميع هو أسقاطها,وكان حظور هذا الطرف قوي في المظاهرات وقد حاول كسب ودّ جمهور المظاهرات بأيقافه العمليات المسلحة في المحافظة وحقق بعضا مما يصبو أليه بأعادة تنظيمه لصفوفه وتجنيد الأفراد وأيجاد ملاذات امنة.
لكن بريق تلك المظاهرات تراجع كثيرا في الفترة الأخيرة وهو ما نراه سبب هام لمعاودة التنظيمات المسلحة لنشاطها وتكثيفها الهجمات في محافظة الأنبار,وتراجع زخم المظاهرات يعود لأسباب عدة لعلّ أبرزها:
أولا:طول مدة هذه المظاهرات مما جعل اليأس يدب في نفوس الكثير من جمهورها من تحقيق ما يصبون اليه فأنفضوا لمعاودة حياتهم الطبيعية وممارسة أعمالهم,فلكي تأتي المظاهرات بالنتائج المرجوة كان يجب أن يكون التغيير عنيفا وسريعا وهذا ما يدركه القائمون عليها لكن ذلك لم يحصل فطالت مدة المظاهرات وشرقت وغربت بمطالبها وتشتت قياداتها وتجاذبت عدة أطراف الحبل لأجل السيطرة على واجهة المظاهرات وأدركت الناس أنها لن تحقق لهم شيئا سوى المزيد من الأختلاف فيما بينهم.
ثانيا:تسلم شخصيات متطرفة ومتشددة وأخرى وصولية ومنتفعة لقيادة هذه المظاهرات,فقد ضربت قوة وزخم المظاهرات ضربة قوية بعدما رفعت فيها شعارات طائفية وعنصرية حيث أن معظم أهل الأنبار لم يعجبهم أن تؤول المظاهرات لذلك الوضع كونهم لا يريدون أن يمزق العراق وتضرب وحدته الوطنية أنطلاقا من محافظتهم وكان تنظيم القاعدة أبرز الجهات المتطرفة فأهل الأنبار يعرفونه جيدا ويعرفون مساعيه لتخريب العراق والقتل وقد ذاقوا الويلات من هذا التنظيم بالسابق فكيف يقبلون به متزعما لمظاهراتهم,كما كان الوصوليون والباحثون عن المنافع الشخصية حاضرين بقوة في هذه المظاهرات وأنكشف هؤلاء في الأنتخابات عندما خاضوها وحققوا فوزهم فيها ليسعوا بعد ذلك للتصالح ومهادنة حكومة المركز ببغداد.
ثالثا:أنسحاب أطراف عدة من المظاهرات لأسباب عدة,فأنسحبت العشائر أحتجاجا على الخطابات والشعارات الطائفية التي كانت ترفع فيها,وأنسحبت بعض الأطراف الوطنية لتواجد تنظيم القاعدة في المظاهرات,وأنسحب جزء من المتظاهرين بسبب تغير مسار هذه المظاهرات,وانسحب اخر ممن لبيت طلباته فأطلق سراح أحد معتقليه وغيره.
رابعا:تنازع القوى في المظاهرات للسيطرة على قيادتها وهي أطراف عديدة منهم أطراف وطنية لها طلبات مشروعة ممن طالبوا بأطلاق سراح المعتقلات أو أشراك العرب السنة بصورة فعالة في مراكز صنع القرار في السلطة وهؤلاء هم أهل المظاهرات الأصليين ومنهم شيوخ العشائر وشخصيات معروفة بتأريخها الوطني على مستوى محافظة الانبار والعراق,وهنالك طرف من يريد ركوب موجة المظاهرات والأنتفاع من خلالها أما بأخذهم الأموال من مخابرات دول أقليمية وتنفيذ مطالبها ومشاريعها أو بكسبهم للشعبية كقادة مظاهرات وبالتالي الفوز في الأنتخابات المحلية أو البرلمانية,وهناك الطرف المتشدد متمثل بالتنظيمات المسلحة وعلى رأسها تنظيم القاعدة,وهنالك أطراف أخرى عديدة منها البعثي ومنها الأسلامي ومنها من يرتبط بتيارات وأحزاب سياسية مشتركة في الحكومة المركزية وأعضاء برلمانيين وغيرهم حاولت أن تجد مكانا لها في قيادة المظاهرات لكنها فعليا كانت مجرد واجهات منفوخة حيث أن القيادة الفعلية تركزت مابين الطرف المتشدد والطرف المنتفع والوصولي.
ومن أبرز الأسباب التي جعلت الأرهاب والأرهابيين عادوا ليستفحلوا في الأنبار في هذه الفترة هي:
أولا:تراجع زخم وحدة المظاهرات والأعتصامات فيبدو أن الهدنة قد نقضت بعدما لم تحقق تلك المظاهرات ما كانت التنظيمات المصالحة ترجوه فهي لم توقف هجماتها خلال العام المنصرم حبا بالشعب الأنباري وأنما لأنها كانت تأمل أن تحقق مصالح خاصة بها من خلال تلك المظاهرات وبعدما أنتفت المصلحة عادت لمزاولة نشاطاتها المسلحة.
ثانيا:الخلل الأمني الكبير في عموم العراق حيث أستغلت الجماعات الأرهابية هذا الخلل في العراق فلم ترد أن تبقى الأنبار هادئة بل قررت أن تزيد من قوة الضربة على رأس النظام السياسي العراقي وحكومته وذلك بأدخالها الأنبار في خطتها بأدخال العراق في جحيم العمليات المسلحة الأرهابية والتفجيرات الأنتحارية والمفخخات مستغلة وجود شخصيات تقود المؤسسة الأمنية بعقلية ديناصورية منقرضة لا تتمكن من مجاراة فعالية تكتيكات التنظيمات المسلحة التي تتغير وتتجدد بأستمرار كما وتستغل فساد بعض العناصر الأمنية الذين يقومون بتمرير الأرهابيين والسيارات المفخخة وتزويدهم حتى بمعلومات هامة عن المؤسسة الأمنية.
ثالثا:تراجع كبير في شرعية النظام السياسي العراقي لدى المواطن الأنباري حيث أصبح كثير من أهل المحافظة ينظرون للنظام السياسي على أنه "نظام شيعي طائفي موالي لأيران يضطهد أهل السنة",أن تراجع شرعية النظام في نفس المواطن يجعل الفرد أما معادي للنظام وتستغل التنظيمات المسلحة ذلك بتجنيدها لأكبر عدد من الأفراد وهو فعلا ما قام به تنظيم القاعدة هناك فلم يعد اليوم يعاني من قلة العدد لتنفيذ الهجمات والعمليات الأنتحارية أي أنهم أستغلوا العامل النفسي بشكل ممتاز مستفيدين من الأعداد المسبق من خلال الخطب العنصرية في ساحات التظاهر أو من خلال قنوات الأعلام العربية التي تعمل معظمها ضد النظام السياسي الجديد في العراق وخطابها التحريضي ضده,أما الأثر الثاني لتراجع الشرعية فهو بجعل المواطن غير مكترث ولا ينظر للدولة بمنظار المسؤولية لذلك يغض النظر عما تقوم به التنظيمات المسلحة ولا يبلغ عن تحركاتها ولا عن مقراتها وأماكنها وأفرادها أي بالمحصلة تتوفر الحاضنة المثالية للتنظيمات المسلحة فالمواطن الأنباري فقد ثقته بهذه الحكومة لفشلها بتحقيق ما يجب على الحكومة القيام به منى توفير الخدمات وفرص العمل والعدالة والمساواة والأمن.
رابعا:التغيرات على الأرض السورية وهذا له عدة جوانب,فالضغط الكبير الذي تتعرض له الجماعات المسلحة المعارضة للنظام وتحقيق قوات النظام السوري أنتصارات ومكاسب على الأرض السورية دفع تلك التنظيمات للبحث عن مناطق خلفية تنسحب اليها عندما تضغطها قوات النظام والأنبار هي أفضل خيار لكونها لها حدود طويلة معها مما يجعل أمكانية السيطرة على التسلل ودخول وخروج عناصرها أمرا صعبا أو مستحيلا ولطبيعة أرضها الصحراوية فتوفر ملجئا أمنا لعناصرها ولوجود حاضنة بدعم معظم أهالي الأنبار للثورة السورية ناهيك عن صلات القرابة بين العشائر على طرفي الحدود,كما أن ما تراه المعارضة السورية وفصائلها المسلحة من كون الحكومة العراقية تدعم النظام السوري جعلها تناصبها العداء وتدخل محاربة النظام السياسي في العراق ضمن أجنداتها وفعلا فقد أشتبك الجيش السوري الحر مع حرس الحدود العراقي وقتل عدد من أفراده كذلك تنظيم داعش الذي أصبح نشطا على الأرض العراقية كنشاطه في سوريا ويريد توحيد الجبهة فهدفه بالأخير هو دولة موحدة من سوريا والعراق يحكمها فكرهم المشوه الذي يقوم على القتل والتكفير ومحاربة الحياة.
لكن عودة التوتر للأنبار والهجمات المسلحة بشكل كثيف في الأيام الأخيرة ونتوقع أن يتزايد أو يستمر على هذا المستوى ما لم تتخذ الحكومة المركزية والمحلية التدابير لتلافي ذالك وهي تدابير تعتمد على أعادة تفعيل الصحوات وبقوة وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية في داخل الأنبار نفسها بين طرف يعد مواليا للحكومة والأخر معاد لها,ويجب أن تنفذ خطط أمنية محكمة وقوية تضرب معاقل الأرهاب بقوة,ويجب أن تقوم الحكومة بتنفيذ أصلاحات أدارية في المحافظة كي تعمل المؤسسات هناك بصورة صحيحة لخدمة المواطن,هذه في الزمن القريب أما في الزمن البعيد فعلى الحكومة أيضا أن تقوم بخطوات أخرى منها تحقيق مصالحة وطنية شاملة ومحاربة كل ما من شأنه أثارة الفتنة ومعالجة أسباب التشدد الديني والطائفي وأشراك العرب السنة فعليا في مراكز القوة ومحاربة الميليشيات الشيعية منها والسنية وتطبيق القانون على الجميع وتحقيق مستوى من الرفاهية للمواطن وتوفير الخدمات ومكافحة البطالة والفقر كون كل ما تقدم يمس الموضوع الأمني بشكل مباشر فكثير ممن تجندهم التنظيمات المسلحة هم أما متشددين أو عاطلين عن العمل أو مشحونين طائفيا أو ضد الحكومة ورافض لشرعيتها أو ساخط من الوضع العام في المحافظة أو البلد ككل.
#حميد_حبيب_المالكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟