الحياة المزدوجة لفرونيكا 1991(كريستوف كيسلوفسكي):من هي فيرونيكا؟

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4254 - 2013 / 10 / 23 - 00:41
المحور: الادب والفن
    

الحياة المزدوجة لفرونيكا 1991(كريستوف كيسلوفسكي):من هي فيرونيكا؟
إذا أردنا التحدث عن استراحة في حياة كيسلوفسكي ضمن مسيرته السينمائية الحافلة فنحن نستطيع القول أن هذا الفيلم هو استراحة مطلقة في حياة هذا المخرج،حيث يجنح باسلوب سوريالي خالص معتمدا على البطل كحد أقصى للوصول إلى اقصى درجات العقدة وكأنه يعيش في حداثة مطلقة مع الماضي الفني اللذي كان يعيش فيه...
هذه الوقفة السريالية لم تكن متوقعة من مخرج كان في ثيماته وموضوعاته يعالج قضايا ذات ابعاد اجتماعية أو سياسية جادة سواء كان ذلك منه أو من رفيق دربه المحامي الذي تحول إلى كاتب سيناريوهات لأفلامه....
هناك(فيرونيكا) التي لديها ندبة على يدها والسبب في ذلك أن صديقة والدها أغلقت الباب على يدها يوم نجاحها في امتحان الثانوية العامة وكان أيضا يوم نجاحها في امتحان البيانو...
هي ليست وحيدة في هذا العالم ولكنها لا تعرف ولا تفهم ذلك..؟!
من الممكن القول أن الحبكة قد بدأت عندما تشاهد شخصا شبيها لها تماما وترتدي نفس زيها،وهي مهتمة بالتصوير...
إذا فالحالة في الفيلم هي عن حالة شخصية جدا وفردية،والفيلم قريب جدا في أجوائة من عوالم ديفيد لينش ولكن مع بعض الشاعرية والهدوء والمميزات الابداعية لهذا المخرج،فهو يستخدم خلفيات موسيقية أوبرالية شبيهة لموسيقة (فان دن بادن ماير) التي استخدمها سابقا وسوف يستخدمها لاحقا أيضا.....
هي متعبة نتيجة علة في الفلب،وفي احد المشاهد عندما تستلقس على كرسي في الحديقة متعبة تشاهد رجلا ستينيا يرتدي معطفا
تنقلب الصورة وفقا لرؤيتها هي...يشيح المعطف عن نفسه لترى بأنه مكشوف العضو الذكري ثم يغلق معطفه بسرعة.
قلنا أن هذا الفيلم قريب من عوالم ديفيد لينش ونحن نرى أن مقصود كيسلوفسكي ليس استدعاء فرويد بل بامكاننا غض النظر عن هذا المشهد الكابوسي،لأن مضمون الفيلم هو ابراز التقاطعات بين فيرونيكا البولندية التي نحن في صدد الحديث عنها الآن،وبين فيرونيكا الفرنسية والتي نحن بصدد الحديث عنها لاحقا...
وفي التعليق مرة اخرى على المشهد السابق بأن نقول أن كيسلوفسكي صنع فيلما سرياليا لا يؤكد فيه على السريالية وكأن سرياليته غير مقصودة أبدا...
مختلفة عن سريالية لويس بونويل الذي يخترع،وسريالية ديفيد لينش متعددة الامثلة وليس من باب المبالغة أن نقول أن الفيلم في بعض مشاهده قريب جدا من تاركوفسكي...
من النافذة نشاهد إمرأة عجوز تحمل بعض الأمتعة(تشبه التي ظهرت في ثلاثية الألوان)....
تصرخ من النافذة أنا قادمة لمساعدتك...نلاحظ أحيانا بأن كيسلوفسكي يكرر نفسه...تتقاطع مشاهده ويتقاطع ممثليه..
الايجابية هنا تشبه الايجابية الموجودة عند ايرين جاكوب في الاحمر....هي الوحيدة التي تساعد العجوز على القاء الزجاجة الفارغة في سلة المهملات...وألحان فادنماير تجعلنا نغوص أكثر واكثر في عالم الأحلام...وفي السريالية
وهي تغنى تسقط على المسرح ومن ثم تموت...
ينتقل كيسلوفسكي إلى جنازة وتراب ومن ثم مشهد آخر لفرونيكا الفرنسية(تعيش في فرنسا) في قمة النشوة مع رجل آخر..
هي حزينة كئيبة...تمسك يدها من المكان الذي قيس فيه نبض فيرونيكا الاولى عندما ماتت على المسرح...هي تشعر بأنها تدفن الآن في هذه اللحظة...
تٌدرس الموسيقى وتشاهد عرضا لدمى متحركة يتميز بجمال مشهدي ساحر،فنحن نتأمل تقاطع معقد ولكننا وفي الوقت نفسه نستمتع بمشاهد فيلمية رائعة...
تبدو محتارة مشوشة،تشعر بتقاطعات ما مع حياة اخرى من خلال اشارات حسية داخلية وخارجية...
تتحدث عن أحلام غير مفهومة تتعلق بحياة سابقة لها أو ربما مشابهة لها،وهي تشاهد امرأة عجوز شبيهة بتلك التي رأيناها مع بداية الفيلم ولكن من دون أي ردة فعل هذه المرة.
هذه التقاطعات هي اسلوب كيسلوفسكي المعهود بحيث تكاد أن تكون كل أفلامه عبارة عن تقاطعات قدرية وصدف غير مخطط لها...قد يكون أكبر عيب في هذا الفيلم أن كيسلوفسكي يحعلنا ومنذ بداية الفيلم أن نحاول البحث عن الحقيقة،لا أن نتلمسها وفي أوقات كثيرة نتوه في هذا البحث،والنقطة الوحيدة التي تبدو واضحة أن كيسلوفسكي قال بان هناك شخصيتان لاشخصية واحدة لفرونيكا في الفيلم،على أن السؤال الوحيد الذي يجب أن يطرح :من هي فرونيكا؟
فيرويكا تقول:طوال حياتي وأنا اشعر بأني اعيش في مكانين مختلفين ،هنا وفي مكان آخر...من الصعب شرح ذلك؟!
الدنيا عيارة عن مسرح ونحن دمى تحركنا الحياة وتوجهنا...لا نعرف ما هو المصير وما هو المستقبل ومتى الموت...نتعلق باشياء من الماضي قليلة وتجعلنا الحياة نفسها نتعلق بها...
فيرونيكا تعيش حالة ربما نستطيع القول عنها بأننا نشاهدهابكثرة وخاصة عند التوائم...شيء ما غير ملموس وغير مفهوم يجعل الاقتراب بين اثنين محتوما...نراه في منامنا وفي احلامنا ونسمع صوته ونتلمس صوت اقدامه ولكننا لا نراه ولكن في يوم ما لا بد لنا أن نجده...
قد تكون القصة-على سبيل الافتراض-هي مثل ذلك ولكن كيسلوفسكي أراد أن يقول شيئا أكبر من ذلك...
بلال سمير الصدر 6/12/2012

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات