|
عبد الناصر والإخوان المسلمين
عبد الغنى داود
الحوار المتمدن-العدد: 4249 - 2013 / 10 / 18 - 21:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عبد الناصــــر والإخوان المسلمون ( أقنعة ثورية متشابهة ) عبـــد الغنــــــي داود في عام 1954 أصدر جمال عبد الناصر (1918 – 1970) كتيباً بعنوان "فلسفة الثورة" الذي يعده صاحبه أشبه ما يكون (بدورية استكشاف)، ويقرر (ص 19، 20، 21، 22، 23، 24، 25) – سلسلة مطبوعات ثورة يوليو رقم (3) – الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000) : "وأنا أشهد أنه مرت علي بعد يوم (23 يوليو) نوبات اتهمت فيها نفسي وزملائي وباقي الجيش بالحماقة والجنون الذي صنعناه في 23 يوليو. لقد كنت أتصور قبل 23 يوليو أن الأمة كلها متحفزة متأهبة، وأنها لا تنتظر إلا الطليعة تقتحم أمامها السور، فتندفع الأمة وراءها صفوفاً متراصة منتظمة تزحف زحفاً مقدساً إلى الهدف الكبير.وكنت أتصور دورنا يقتصر على دور طليعة فدائيين، وكنت أظن أن دورنا هذا لا يستغرق أكثر من بضع ساعات، ويأتي بعدها (الزحف المقدس) للصفوف المتراصة المنتظمة إلى الهدف الكبير، بل كان الخيال يشط بي أحياناً فيُخيل إلى أني أسمع صليل الصفوف المتراصة واسمع هدير الواقع الرهيب لزحفها المنظم إلى الهدف الكبير، أسمع هذا كله ويبدو في سمعي من فرط إيماني به حقيقة مادية، وليس مجرد تصورات خيال، ثم فاجأني الواقع بعد 23 يوليو". ويردف (ناصر) قائلاً: "قامت الطليعة بمهمتها، واقتحمت سور الطغيان وخلعت الطاغية، ووقفت تنتظر وصول الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة إلى الهدف الكبير، وطال انتظارها .. لقد جاءتنا جموع ليس لها آخر، ولكن ما أبعد الحقيقة عن الخيال! كانت (الجموع) التي جاءت (أشياعا) متفرقة، وفلولاً متناثرة، وتعطل الزحف المقدس إلى الهدف الكبير، وبدت الصورة يومها قائمة مخيفة تنذر بالخطر، وساعتها أحسست وقلبي يملأه الحزن وتقطر منه المرارة أن مهمة الطليعة لم تنته في هذه (الساعة)". وهنا يتحول تفكير (عبد الناصر) الرومانسي كما يصوره كتابه الذي شارك في انقلاب عسكري له طموحاته وأحلامه في تغيير نظام الحكم الملكي – لذا يقرر: "وإنما من هذه (الساعة) بدأت، كنا في حاجة إلى النظام، فلم نجد وراءنا إلا الفوضى، كنا في حاجة إلى الاتحاد، فلم نجد وراءنا إلا الخلاف، وكنا في حاجة إلى العمل فلم نجد وراءنا إلا الخنوع والتكاسل، ومن هنا وليس من أي شيء آخر، أخذت الثورة شعارها".ويشير (عبد الناصر) إلى أنه عندما قامت (جماعته) بانقلابها العسكري: "لم تكن على استعداد، وذهبنا نلتمس الرأي من ذوي الرأي، والخبرة من أصحابها، ومن سوء حظنا لم نعثر على شيء كثير، كل رجل قابلناه لم يكن يهدف إلا إلى قتل رجل آخر! وكل فكرة سمعناها لم تكن تهدف إلا إلى هدم فكرة أخرى". "ولو أطعنا كل ما سمعناه لقتلنا جميع الرجال وهدمنا جميع الأفكار، ولما كان لنا بعدها ما نعمله إلا أن نجلس بين الأشلاء والأنقاض نندب الحظ البائس ونلوم القدر التعيس". "وانهالت علينا الشكاوى والعرائض بالألوف ومئات الألوف. ولو كانت هذه الشكاوى والعرائض كانت تروى لنا حالات تستحق الإنصاف أو مظالم يجب أن يعود إليها العدل. لكان الأمر منطقياً ومفهوماً، ولكن معظم ما كان يرد إلينا لم يزد أو ينقص عن أن يكون طلبات انتقام، كان (الثورة) قامت لتكون سلاحاً في يد الحاقدين والمبغضين، ولو أن أحداً سألني في تلك الأيام، ما أعز أمانيك؟ قلت له على الفور .. أن أسمع مصرياً يقول كلمة إنصاف في حق مصري آخر، ولا أحس أن مصرياً قد فتح قلبه للصفح والغفران والحب لإخوانه المصريين، وأن لا أرى مصرياً يكرس وقته لتسفيه آراء مصري آخر، وكانت هناك بعد ذلك كلمة أنانية فردية مستحكمة .. كانت كلمة (أنا) على كل لسان، كانت هي الحل لكل مشكلة وهي الدواء لكل داء ... وكثيراً ما كنت أقابل كبراء – أو هكذا تسميهم الصحف – من كل الاتجاهات والألوان، وكنت اسأل الواحد منهم عن مشكلة ألتمس عندهم حلها، فلم أكن أسمع إلا كلمة (أنا) .. مشكلة الاقتصاد (هو) وحده يفهمها، أما الباقون جميعاً فهم في العلم أطفال يَحْبون، ومشاكل السياسة هو وحده الخبير، أما الباقون جميعاً فمازالوا في (ألف باء) لم يتقدموا بعدها حرف واحد، وكنت أقابل الواحد من هؤلاء، ثم أعود إلى زملائي فأقول لهم في حسرة: لا فائدة، هذا الرجل لو سألناه عن مشكلة صيد السمك في جزائر هاواي لما وجدنا عنده إلا كلمة (أنا) ... ". وعندما ذهب (ناصر) إلى الجامعة نجده يقرر: "من سوء الحظ أن أحداً منهم لم يقدم لي أفكاراً، وإنما كل واحد منهم لم يزد على أن قدم لي نفسه، وكفاءاته الخلقية وحدها تعمل المعجزات، ورمقني كل واحد منهم بنظرة الذي يؤثر في على نفسه بكنوز الأرض وذخائر الخلود!". وفي النهاية يعبر (عبد الناصر) عن رغبته وأمنيته هو ورفاقه قائلاً: "ولقد كنا نتمنى لو لم تكن للوطن حاجة بنا إلا في صفوف الجيش كجنود محترفين، وإذن لبقينا فيه!!" إذن .. فهو يقول إنه قد اكتشف بعد (حركة الجيش) أو (دورية الاستكشاف) كما يقول أن الشعب في حالة رثة ومؤسفة، ولم يكتشف فيه (الثورية) التي كانت لديه ولدى رفاقه، وأن هذا (الشعب) الذي ظل يردد دائماً طوال حياته أنه زعيمه وقائده .. لم يكن ثورياً !! فتولى هو الأمر !!، ولا ندري أي شعب هذا الذي يتحدث عنه؟، وأي صنف من الناس يقصد؟، وأي طبقة يعني؟ إذا أدان الجميع دون استثناء فكان هذا هو المبرر لأن ينفرد بالسلطة، ويوزع رجاله في كل مكان، ولم يلبِ طلب قائد حركة الجيش (محمد نجيب) ويعود هو ورفاقه إلى ثكناتهم، كما يقرر هو بنفسه: "ولقد كنا نتمنى لو لم تكن للوطن حاجة بنا! إلا في صفوف الجيش كجنود محترفين وإذن لبقينا فيه" .. حيث أنه قام ورفاقه بدور (الطليعة) التي اقتحمت أمامها السور، وللأسف لم يجد إلا شعباً انتهازياً وأنانياً، وكأنه بالفعل قد نزل إلى الشارع يعاني ما يعانيه هذا الشعب البائس، أو أنه قد نزل إلى صفوف الجماهير وقاد ثورة شعبية حقيقية .. إذن وبعد خمسة عشر عاماً من الانقلاب أبدى رغبته في النزول إلى صفوف الجماهير بعد هزيمة منكرة في يونيو 1967 !! يبدو أنه قد تصور في يوليو 52 أنه بمجرد أن يكون طليعة (الكتيبة) العسكرية سيجد (الجنود) تندفع وراءه صفوفاً متراصة منتظمة، وكأنهم سيخرجون في موكب عسكري أو يستعدون للقيام بمناورة عسكرية، أو في حشد عسكري لمواجهة حالة طوارئ ليزحف خلفهم (الشعب) زحفاً مقدساً إلى الهدف الكبير والذي للأسف لم يزحف وراءه !! لذا رأى أنه يحتاج إلى (النظام والعمل والاتحاد) !! لكنه لم ينتبه إلى أنه لم يخرج بالفعل من بين صفوف الجماهير، وتواعد على الثورة معهم في موعد محدد وفي ساعة صفر معينة، أم أنه توهم أنهم قد خرجوا من بين صفوف الجماهير، هذه الجماهير التي اكتشف أنهم جميعاً لا يصلحون لشيء، وأنهم جميعاً لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية، ولا يحبون إلا أنفسهم، وهي صورة مُزرية ومؤسفة لشعب من المفروض أنه قائد (ثورته المجيدة)، ولم ينتبه إلى أنه قد قام ورفاقه بانقلاب عسكري، واستولى على السلطة – فوجد نفسه يملك كل شيء وفي يديه زمام الأمور، وأن الجميع ينافقه ويتزلف إليه ويسترضيه ويتقرب إليه، ويتذلل ليمشي في ركابه – حتى بين أساتذة الجامعات، ولم يجد من بينهم أحداً (يثور) مثله .. ولكن ليجعله مخلب قط لينتقم من خصومه .. هذه هي (الصورة) التي رأى فيها (عبد الناصر) الشعب المصري حتى كاد هذا الشعب أن يكون أسوء من الملك الفاسد ، والتي صورها في كتيبه " فلسفة الثورة "، وهو يقدم تلك الصورة البشعة لذلك الشعب البائس كي يبرر لنفسه الوصاية على الوطن وكي يبرر انفراده بالسلطة، واستحواذه على مقاليد الأمور، وكي يبرر تخلصه من قائد الانقلاب والحكم عليه بالحبس مدى الحياة، وكذا تخلصه من كثير من رفاقه (غير المتعاونين). وهو يقدم في كتابه الصغير صورة قد تكون صحيحة - من زاوية ما - لبعض طبقات الشعب، أو حتى لجموع الناس البائسة ذوي التركيبة الفرعونية - رغم التجربة (الديمقراطية) غير المكتملة التي سبقت حركة الجيش – وهي التركيبة التي ما تزال تؤمن بالحاكم الإله ولكن في أشكال ملك أو رئيس – فأيقظ لديهم هذا الإحساس لكي يتغنى الجميع بأثره حيث أنه هو الذي علمهم (الكرامة) كما في جاء في خطابه في ميدان المنشية بالإسكندرية عام 1954 عندما أُطلقت رصاصات عليه في احتفال (شعبي) حيث واصل عبد الناصر تربعه على سُدة السلطة حين أقام مجموعة من المحاكمات العسكرية العلنية من مثل محكمة الثورة ومحكمة الغدر وغيرها من المحاكم، ومن قبلهم تعليق العاملين البائسين (البقري وخميس) على المشانق في صحن مصنعهما بكفر الدوار ليشهد الجميع جبروت السلطة الإلهية للحاكم، ولينتشر الهلع والترويع بين الناس، ورغم ذلك ظل الإلحاح على التبشير بعهد ثوري جديد شعاره الاتحاد والنظام والعمل في ظل (الثورة البيضاء) - ثم تعددت الشعارات بعد ذلك - حتى أصبح الشعب المصري يعيش ويقتات بالشعارات والأغاني التي تُمجد الزعيم المفدي والبطل المخلص، وأن على الجميع أن يهرع إلى (الدوار) ليسمع في الراديو نشرة أخبار الثامنة والنصف حيث تتردد أغنية: (( كنا في نار وبقينا في جنة، وكنا عبيد وبقينا أحرار )) !! وبعد اثنتا عشر عاماً، وحيث وقعت هزيمة يونيو 67 سمعنا الأغنية السرية الممنوعة:((الحمد لله وآهي ظاطت والبيه حاطط في كل حتة مدير ضابط إن شا الله حمار، ولا حول مصر الدولة الكدب والغش علولة، والشعب احتار )).. حتي في الثقافة والصحافة في المسرح والفنون الشعبية والسينما والكتاب والفنون التشكيلية- لكن النفخ في الاكذوبة ظل مستمرا حتي رحل الأول والثاني من الضباط ، ليرحل الثالث بعد ثلاثين عاما كضابط من بقايا ذلك النظام – لتقوم ثورة شعبية طليعتها شباب في عمر الزهور وهو يبحث عن اولي خطواته عن الكرامة ولقمة العيش شعارها ( عيش حرية عدالة اجتماعيه)، وبعد حوالي عامين ونصف تحتشد الجموع بمساندة الجيش لتسقط نظاما تربع على عرشة الإخوان المسلمون اللاديمقراطي ليتم عزل رئيسة، وينطلق الشعب المصري في رحلة أخرى من الثورة. ونعود الي الخمسينيات مرة أخرى حيث بدأ (العهد الجديد) بمناورة إعلانه بياناً بإجراء انتخابات عامة في فبراير 1953 – بشرط أن تطهر الأحزاب نفسها، وبحجة أن تعطي فرصة للأحزاب لتطهير نفسها – لكن فجأة – يتم الإعلان عن حل كل هذه الأحزاب السياسية، وتكوين ما يُسمى بتنظيم (هيئة التحرير) الذي استمر التنظيم السياسي الوحيد في مصر من 1953 حتى عام 1957، وأُتيح للعسكريين أن يعملوا في مجال العمل اليومي وسط الجماهير، وهذه هي اولي خطوات الإيديولوجية الانقلابية . وفي 20 ديسمبر عام 1957 يتم إلغاء هيئة التحرير وقيام تنظيم (الاتحاد القومي) الذي استمر من عام 1957 حتى عام 1962، وقد تم استيراد اسم وفكر (الاتحاد القومي) من البرتغال، فلقد سافر (علي صبري) أيامها إلى البرتغال لدراسة التنظيمات السياسية هناك، وكانت البرتغال تحت حكم الديكتاتور (أنطونيو أوليفيرا سالازار) التي حكمها من 1932 حتى 1968. وفي عام 1962 تم إلغاء تنظيم الاتحاد القومي وإنشاء تنظيم (الاتحاد الاشتراكي) الذي تم استيراده من نظام حكم ديكتاتور الأرجنتين (بيرون)، وأضيف إليه (التنظيم الطليعي) الذي استمر حتى عام 1977 بعد وفاة عبد الناصر بسبع سنوات عندما ألغاه أنور (السادات). ونشير إلى أن (عبد الناصر) قد ضم إلى (تنظيمه الطليعي) عدداً من الشيوعيين الذين آمنوا بفكرة المجموعة الاشتراكية في السلطة، هذه الفكرة المُدعمة بأمل تحقق وحدة الاشتراكيين الماركسيين مع الاشتراكيين الناصريين في حزب اشتراكي واحد هو (التنظيم الطليعي) وعليه فقد قبل الشيوعيون التخلي عن تنظيماتهم المستقلة، بل وحلها والانضمام (كأفراد) للتنظيم الطليعي، وضم (عبد الناصر) أيضاً عدداً من المتأثرين بأفكار (حزب البعث) كما قام (عبد الناصر) بضم أعضاء سابقين في جماعة الإخوان المسلمين كما سبق له أن أشرك (أحمد حسن الباقوري) في حكومته كوزير للأوقاف ثم أقاله بعد ذلك ليصبح بعد ذلك مديراً لجامعة الأزهر، وكان من بين أعضاء ذلك التنظيم الأخير ( د. أحمد كمال أبو المجد ) الذي بقى مع السلطة حتى عينه (السادات) وزيراً للإعلام عام 1973 والمهندس (أحمد عبده الشرباصي9، ثم بعد ذلك (د. عبد المنعم النمر) من ذوي الاتجاهات الإسلامية، وكان قسم (التنظيم الطليعي) السري هو (الميثاق دستورنا والاشتراكية طريقنا، والناصرية عقيدتنا)، والذي يشبه تماماً قَسَم الإخوان المسلمين ونصه: "الله غايتنا، والقرآن دستورنا، والموت في سبيل الله او الحق أسمى أمانينا". إلى أن انتهت هذه التنظيمات (المباحثية) على يدي (أنور السادات) ليكون هو الاخر تنظيماته السياسية المباحثية بعد أن تخلص من التنظيمات السياسية الناصرية او الاتحاد الاشتراكي . ولنا أن نتوقف عند علاقة الإخوان المسلمين كأصحاب إيديولوجية انقلابية مشابهة (لعبد الناصر وبقية ضباط الانقلاب) ، وهل كانوا ( أي تنظيم ما يسمي بالضابط الأحرار ) مجرد تابع للجماعة ثم تحولوا إلى قيادة تنظيم مستقل ومهيمن يسعى للتفاوض مع الإخوان باعتبارهم مجرد سند أو شريك مُفترض على أفضل الاحوال وكيف سيطر عبد الناصر على أفراد الإخوان في الجيش إلى حد فصلهم عن قيادتهم الإخوانية وضمهم لتنظيمه الجديد، وكيف أحدث انشقاقاً عن طريق (عبد الرحمن السندي)، ورجاله في التنظيم السري، وكيف نجح في استثارة إخوان الأزهر ضد قيادة الجماعة إلى حد استقطاب شخصيات مثل: (محمد الغزالي، وأحمد حسن الباقوري، وعبد العزيز عبد الستار، وسيد سابق)، وكيف نجح في تحريض أكثر من سبعين من أعضاء الهيئة التأسيسية المائة ضد مرشدهم إلى حد اجتماعهم وإعلانهم إقالة مجلس الإرشاد؟ وغيرها من الوقائع. وعلى مدى السنوات ومنذ يوليو 52 وقفت جماعة الإخوان المسلمين مع (حركة الجيش) المباركة، وتضامنت مع هذا (العهد الجديد) الذي استتب له الأمر في البلاد فهما متشابهان في منطلقهما (الانقلابي) وكأصحاب إيديولوجية انقلابية متشابهة. ولنستشهد بما قرره الكاتب (محمد حسنين هيكل) في كتابه "خريف الغضب قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات" ص (239): "ومنذ قامت الثورة في يوليو 1952 كان الإخوان المسلمون بحكم الأفكار القديمة والروابط السابقة قريبين منها، وتمتعت الجماعة وحدها بتسامح لم تحظ به غيرها من كل التنظيمات القائمة في ذلك الوقت فكانت جماعتهم وحدها هي التنظيم الوحيد الذي واصل وجوده ونشاطه بطريقة علنية". إلى أن اختلفا فجأة وانتهى شهر العسل بينهما (بحادث المنشية) 1954 - الذي تعرض فيه عبد الناصر لمحاولة اغتيال – الذي شكك في حدوثها البعض من الإخوان المسلمين، وتم فيها إحراق جميع مقار الإخوان المسلمين، واعتقال قادتهم وإعدام البعض، لتصبح بعد ذلك جماعة (محظورة) يُزج بمن ينتمي إليها في المعتقلات بل وتُجرم قراءة كتب مُنظريها! وبمرور السنوات وصل الأمر كما يقول (د. طارق البشري) في مقال له: (مجلة الهلال عدد يوليو 2001 ص 29) بعنوان (كتاب في الكراهية): "إننا نعرف بالروايات التي ترددت في الستينيات، أن الرئيس (جمال عبد الناصر)، لما قرأ كتاب "معالم في الطريق" للأستاذ المفكر (سيد قطب)، أدرك أن ثمة تنظيماً سياسياً سرياً معادياً نشأ بموجب هذا الكتاب، أو أن تنظيماً هو في سبيل النشوء بموجب هذا الفكر الذي تضمنه الكتاب". ويقول : " وعندما عثرت على نسخة من كتاب (سيد قطب) بعد نحو عامين من (مصادرته)، قرأته، وفي ذهني السؤال عما إذا كان من الممكن استخلاص وجود حركة سياسية تنظيمية من كتاب ثقافي يتحدث عن قضايا مجردة لا يشير إلى النظام السياسي القائم ولا إلى سياساته، ولا إلى ما يشتبك فيه من مسائل ومعارك سياسية واجتماعية، ولا إلى ما يدعو إليه من برامج وخطط وأهداف، ولا إلى ما يهاجمه هذا النظام من أوضاع سابقة أو حاضرة. وحتى لو كان كاتبه "سيد قطب" ذا فكر سياسي وماضي سياسي، فإن الطابع الغالب على فكره وحركته هو أنه أديب ومفكر وليس حركياً ولا مًنظماً". لم يقتصر الأمر حينذاك منذ حادث المنشية عام 1954 على الإخوان المسلمين فقط – فقد قام (العهد الجديد) بالضرب – بعنف – على مظاهر (المعارضة) التي رأى (ناصر) أنها يمكن أن تكون (معارضة) والتي صدرت من اليمين أو اليسار وما أسماه (بالإقطاع والرجعية والثورة المضادة وعملاء الاستعمار) .. رغم الصورة البائسة بل والكاريكاتورية المهينة التي صور بها بعض أبناء الشعب وبأسلوب مشين في كتابه "فلسفة الثورة" – لذا فقد أطلق يده في ما يسمى (بتطهير) المؤسسات المختلفة كالجيش والشرطة وأجهزة الخدمة المدنية من (المناوئين)، وقد استفحل أمر هذه الأجهزة، وتحولت إلى ديناصور مخيف يُمسك برقاب الناس، وتحول (الجهاز البيروقراطي) من القدامى والعساكر الجدد إلى أمراء إقطاعيات ضخمة يحكمون إقطاعياتهم على هواهم، وهو ما سماه بعد ذلك الباحث الأمريكي (ريموند ويليام بيكر) في كتابه "الثورة المصرية المنقوصة غير المؤكدة في ظل عبد الناصر والسادات" The uncertain Egyptian Revolution under Nasser and Sadat (بالإقطاع البيروقراطي)، وها هم الإخوان المسلمين بعد ثورة الخامس والعشرون 2011 ووصولهم إلى السلطة عن طريق (الصناديق) الانتخابية يقومون بما قام به عبد الناصر من قبل .. حين دس في هذه الأجهزة ضباطه من (أهل الثقة) لا من أهل الخبرة أي أنه قد وضع (في كل حتة مدير ضابط إن شا الله حمار) كما يشير الشاعر (أحمد فؤاد نجم) بعد هزيمة يونيو 1967 فإذا بالإخوان يقلدون ما قام به (ناصر) ويضعون (في كل حتة مدير (إخواني) إن شا الله حمار)، مع اختلاف في الزمان – فقد حرص (عبد الناصر) على فرض الرقابة على الصحف، وحل الأحزاب، وتوظيف الدين في محاولة لتحويل الانقلاب العسكري إلى (ثورة شرعية) سبقها إنحسار النفوذ السياسي لطبقة كبار الملاك الزراعيين إثر إصدار قانون الإصلاح الزراعي – الذين التفوا وعادوا إليه - فيما بعد - ليصبحوا من كبار الإقطاع البيروقراطي، كما حرص (عبد الناصر) على تأكيد أهمية الالتفاف حوله كضرورة من ضرورات (الوحدة الوطنية) التي تظللها خطط تأميم قناة السويس والخطط الخمسية والعشرية، وبناء السد العالي، وبناء المصانع ليأتي من جاء بعده لينهدم على أيديهم تلك (المكتسبات التي لم يملكها الشعب وظلت بين براثن الإقطاع البيروقراطي).. فهو قد بني لكنه لم يعمل حساباً للمحافظة على هذا البناء لأن أصحابه وهم الشعب لم يُسلم إليهم .. بل تسلمه الإقطاع البيروقراطي إذ قام (عبد الناصر) بنفس الدور الذي يقوم به الآن الإخوان المسلمون، وإن تقنع بأقنعة مغايرة فتنظيمهم يقوم على السمع والطاعة فاستبدله (ناصر) بتنظيمات ديكتاتورية شبيهة مستوردة من نظم ديكتاتورية في الخارج من البرتغال في تلك الفترة تحمل عناوين مختلفة بدأت: (بهيئة التحرير، ثم الاتحاد القومي، ثم الاتحاد الاشتراكي) كما سبق أن اشرنا ، وفي نفس الوقت ظل (الدين) في هذه التنظيمات يتم توظيفه في إطارها (كآلية دفاع لمواجهة احتمالات راديكالية في الداخل، وضد الهجمات الخارجية علي، كإحدى صور مشروعيته، وليس بوصفه حاملاً أساسياً من حاملاته( ). ليصبح الدين كما يقول (ناصر) في "فلسفة الثورة" ضارباً المثل (بالحج) كأحد أركانه الأساسية: "يجب أن يكون الحجيج قوة سياسية ضخمة، ويجب أن تهرع صحافة العالم إلى متابعة أنبائه، لا بوصفه مراسم وتقاليد تصنع صورة طريفة لقراءة الصحف وإنما بوصفه مؤتمراً سياسياً دورياً يجتمع فيه كل قادة الدول الإسلامية ورجال الرأي فيها وعلمائها في جميع أنواع المعرفة وكتابها وملوك الصناعة فيها وتجارها وشبابها ليضعوا في هذا البرلمان الإسلامي العالمي خطوطاً عريضة لسياسة بلادهم وتعاونها معه.حين يحين موعد اجتماعهم من جديد بعد عام يجتمعون خاشعين .. ولكن أقوياء .. متجردين من المطامع .. لكن عاملين .. مُستضعفين لله .. ولكن أشداء على مشاكلهم وأعدائهم .. حالمين بحياة أخرى .. ولكن مؤمنين أن لهم مكاناً تحت الشمس يتعين عليهم احتلاله في هذه الحياة" كتاب (فلسفة الثورة) ص 70 إذن فعبد الناصر يحاول أن يتسم نظامه بسمات الإسلام السياسي كواحد من دوائره الثلاث التي أشار إليها في كتابه "فلسفة الثورة" (الدائرة العربية)، و(الدائرة الإفريقية)، وهو التشابه الذي لاحظه الكاتب عبد العاطي محمد أحمد في كتابه "الدين في فكر عبد الناصر" ص 51 عندما قرر: (نلاحظ أن بناء الدوائر الثلاث كانت لها بدايات جنينية في فكر الأستاذ الإمام حسن البنا المرشد العام الأول لحركة الإخوان المسلمين، وهي إحدى سمات شعارات الإخوان المسلمين والإسلام السياسي .. لكن تنظيمات (ناصر) "لم تؤمن بأن يتحول الفكر الديني إلى حركة سياسية منظمة – لكنها وافقت على وجود (وظيفة) سياسية للفكر الديني يقوم (الزعيم) بتوجيهها دعماً لسياسته، ومن أجل مساعدته في التعبئة السياسية، لاحتواء المشروع الإخواني من ناحية أخرى، وحيث يقتصر (الدين) على ثلاثة وظائف أساسية: فهو رديف للشرعية السياسية للنظام، وأداة للتعبئة، وللتبرير( ). وما من شك أن صدام نظام (عبد الناصر) مع جماعة الإخوان المسلمين عامي 1954، 1964 قد حفزه لضرورة اهتمامه (بالدين) – ( مما قد حفزه لضرورة بعث الإسلام حركة سياسية، ولو بشكل ظاهري. وهو ما دعا إلى لحم الخطاب الديني بالمعنى الاجتماعي للنظام واستخدام نصوصه والاستعانة بها كي يمارس سلطة سياسية وثقافية وتغطية واقعه السياسي بمحاجات دينية ذات مصداقية، وتحويل رموزه واستخدامها لتعضيد الصورة الشرعية للدولة الرسمية وإسباغها وتبريرها، وهو ما يمكن أن يفسر التلازم بين تصاعد المواجهة مع الإخوان المسلمين وبين تنامي توظيف الدين في المدركات الفكرية للمشروع الناصري. وفي هذا الإطار، استند النظام في كثير من تعبيراته على مستندات وصيغ دينية لتسويغ استيلائه على السلطة، فركز على (فجور وفحش) الحكام وفسق وفساد (الملك السابق)، وفساد وظلام (العهد البائد)، واختلطت في القيم التي برزت في مسوح دينية ومضامين أيديولوجية مثل: (قيم التحرر، والتضحية، والجهاد، والثورة، والقضاء على الاستعمار، والعمل، والاتحاد، والنظام، وفتح الطريق أمام خطاب وعظي، يجمع بين الدين والسياسة، وتتداخل فيه مفاهيم الحرية، والمساواة، والكرامة)( )، وكما يشير (عبد الناصر) في وقت مبكر في "فلسفة الثورة" 1954: (إننا يجب أن ننظر إلى فريضة الحج – على سبيل المثال – بأن تكون للحج قوة سياسية ضخمة (ص 78،80) وما تلا ذلك من أحداث في الخمسينيات في فترة تكريس سيادة النظام، مع إلغاء الأحزاب، وإبعاد (اللواء محمد نجيب)، والبطش بجماعة الإخوان المسلمين، وإنشاء (المؤتمر الإسلامي) في نفس العام، وتوقيع اتفاقية الجلاء والمشاركة في أعمال مؤتمر باندونج، وشرا الأسلحة من المعسكر الشرقي، وتأميم قناة السويس، والخروج من (العدوان الثلاثي) بنصر دعائي وسياسي، وفي نفس الوقت رفض الانتماء إلى حلف بغداد الإسلامي، وفي الستينيات (1964) يتم إنشاء محطة إذاعية خاصة بالقرآن الكريم. ونشير إلى أنه خلال الصدام بين نظام (عبد الناصر) وجماعة الإخوان المسلمين بقيادة (سيد قطب) (64-1965) تمت أكبر حركة لبناء المساجد، وتحكيم القبضة على الأئمة والوعاظ، وتوجيه المؤسسة الدينية كأداة لتشكل اتجاهات وسلوك الأفراد – حددت عبرها موضوعات الخطب الدينية، والقيم الأساسية المطلوب دسها في ذاكرة الجماهير كما حدث الآن في محاولة (أخونة) الجهاز البيروقراطي في كل المواقع الحكومية منذ عام 2012 تجد القلة التشابه في المنطلقات والتوجهات بين (جمال عبد الناصر) و(سيد قطب) (الذي قام عبد الناصر بإعدامه عام 1966 بتهمة قلب نظام الحكم !!) فما هي طبيعة العلاقة بين (الناصرية) و(القطبية)؟؟ يجيب عن هذا السؤال (د. محمد حافظ دياب في كتابه "سيد قطب – الخطاب والأيديولوجية 1978" إذ يشير قائلاً في ص 169): (نتساءل ما هي طبيعة العلاقة بين (الناصرية)، و(القطبية)؟ ذلك أن ثم كتابات توحي بعد قراءتها أنها علاقة شخصية نقيضه بين (عبد الناصر وسيد قطب)، وأنها – لياذاً بالتاريخ – تماثل العلاقة بين (الأمير) سليل أسرة المديتشي في فلورنسا القرن الخامس عشر و(الأسقف) سافونا رولا 1452-1498 الذي حاول إصلاح أمور هذه الدولة عن طريق المبادئ الأخلاقية الدينية فتعرض للموت حرقاً، أو أنها تشابه العلاقة بين ما أطلق عليه الشاعر والمفكر (أدونيس) العلاقة بين (العروبي العسكري) بإزاء (الفقيه العسكري) كما أشار في دراسته بعنوان (من المثقف العسكري إلى الفقيه العسكري) بمجلة "النهار العربي والدولي" 1980 – وفي المقابل – ثم كتابات أخرى تشير إلى التشابه في التجربتين، وهو ما عناه الكاتب الفرنسي (أوكاري) في كتابه "التصوف والسياسة" حين رأى أن الأيديولوجية الناصرية والأيديولوجية القطبية متطابقتان باستثناء القليل، أو ما أكده المفكر محمد أركون في بحث له بعنوان "التراث – محتواه وهويته – إيجابياته وسلبياته" (من أعمال ندوة مركز دراسات الوحدة العربية في التراث وتحديات العصر في الوطن العربي ص (164) عام 1984) حين نعى إلى الأمة الخطابين الناصري والإسلامي، بوصفهما أيديولوجيا الجماهير الثائرة على كل من يدعو إلى العقلنة والطرق العلمية، ولم ير فيهما إلا (أيديولوجيا تقهر العقل والتاريخ) .. ويشير (د. محمد حافظ دياب) أن التجربة الناصرية لم تنجح في حسم تحالفاتها الطبقية وتنظيمها، لصالح التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي – نتيجة الطابع الفوقي الديمقراطي لممارساتها، والكامن في محاولات تصفية الحركات المنظمة للتوجهات الليبرالية والتقدمية، وتفكيك هياكلها التنظيمية وفي تسيير الجماهير مباشرة من فوق، والقصور عن تأطيرها واعتبارها موضوعاً لا ذاتاً قادرة، وكذلك نتيجة لترددها في الحسم السياسي إزاء الاختيارات الاجتماعية والاقتصادية المطروحة، بالنظر إلى لا هويتها الطبقية، وتجريبها الأيديولوجي، واعتمادها فكراً تلفيقياً يقوم على نفي دائم ومستمر لقانون الصراع الطبقي .. لذا فإن (الناصرية) كما يقول (د. طارق البشري في كتابه ( الديمقراطية والناصرية، ص 7، 9) ليست مذهباً في الفكر السياسي، بقدر ما هي ممارسة تولدت منها مجموعة من الأفكار السياسية، ويؤكد ذلك ما يشير إليه الناقد الماركسي (أمير اسكندر) في كتابه "تناقضات في الفكر المعاصر" بغداد 1974 ص 38 من أن (الناصرية) هي ممارسة عملية تستهدي (بيراجماتية وليم جيمس) تارةً، و(ذرائعية جون ديوي) تارة أخرى، والتأكيد هنا على الممارسة العملية يحمل أكثر من دلالة أكدتها وقائع الأحداث التاريخية في حياة (عبد الناصر) وبعد موته على مفهوم (التجربة والخطأ) البرجماتي الذي صاحب تلك الممارسة العملية، حتى في أشد القضايا خطورة.. لا يكشف عن رفض لمفهوم (النظرية) فقط، وإنما يكشف أيضاً عن رفض مفهوم للعقل (Reason) لينحدر إلى مستوى الذكاء (Intelligence) كما صاغه الذرائعي (جون ديوي) من حيث استخدام الخبرة الماضية لإعادة بناء الخبرة الحاضرة. وعلى هذا النمط سار رؤساء النظام (العسكري) الثلاثة (عبد الناصر، والسادات، ومبارك) في حكم مصر (وإن كان كل يبشر بشعاراته الخاصة)، وبعد حوالي ستين عاما من قيام حركة الجيش في 23 يوليو 1952 تقوم ثورة شعبية في 25 يناير عام 2011 تحاول تغيير هذا النظام بكل شعاراته، وإن انتمت بعض أطياف أو فئات الشعب إلى الشعارات الجاهزة لأي واحد من شعارات الرؤساء الثلاثة السابقين (ناصري، ساداتي، مبارك) .. وفي خضم ثورة يناير 2011 والسطو عليها اضطر الإخوان المسلمون إلى الاختيار الظاهري لشكل وأسلوب الديمقراطية الغربية دون اقتناع بها! واعتمدت على التحالفات (التحتية) مع العسكريين عندما تولوا الأمور لفترة ومع غيرهم .. واتبعوا النظام الناصري في مفهوم (التجربة والخطأ) البراجماتي، وكذا المفهوم (الذرائعي)، لهذا ظلوا يتخبطون في التجربة وفي الخطأ والصواب، وظلوا في محاولة (لاهثة) في (الأخونة) الكاملة للدولة في سبيل الهيمنة والسيطرة على مفاصلها معتمدين على شعار (الصناديق) التي منحتهم الأغلبية، واستمروا في نظام التجربة والخطأ والمفهوم الذرائعي، وظهر ذلك في تعدد القوانين التي أصدروها والرجوع فيها، والبيانات الدستورية والرجوع فيها أيضاً!، وتعاملوا مع (المعارضة) التي تشن على نظامهم أشرس الهجمات – بلا مبالاة – ظناً منهم أن هؤلاء هم (الفئة الضالة) في مقابل (الفئة الناجية) وقد وقر في أذهانهم أيديولوجية الخطاب القطبي السياسية بالأساس، وعلى أساس أن الناصرية والقطبية حتى ولو كان هناك تعارض بينهما كما يقول (د. محمد حافظ دياب) (المرجع السابق) : (فإن التعارض هنا يعني النفي المتبادل، أي أن حضور الواحد منهما يؤدي بالضرورة إلى إخفاء الثاني، وبالتالي إلى غيابه الضمني أو الصريح، أي أنهما متعارضان، لأن كل منهما تعبير عن وضعية اجتماعية خاصة، تُخفي في إهابها تصوراً في الكون وفي التاريخ، وتعبير كذلك عن ممارسة "تجلس فيها الجماهير في مقاعد الفرجة والانتظار")( ) فأيديولوجية الخطاب القطبي تتصل بمجالات الفكر والحركة على صعيد الدولة والمجتمع وتتوجه صوبهما، وتقوم على تفعيل ديناميات الإرادة، والإيمان، وإلهاب الخيال، وحرارة الانفعال، على إطلاقه كقوة دافعة ومحركة، تُعين على ترسيخ الإحساس بغاياتها، فهي مشروع يحتاج إلى وجود بالفعل، عن طريق المعرفة والعقيدة، والمشاعر والعواطف، والمعايير والقيم، والخطط والبرامج، والتنظيم والجماعة، أو كما يشدد "سيد قطب" في كتابه "معالم على الطريق" ص (23): (على إرجاء التفكير في تحديد البدائل المجتمعية بقوله: (وحين يقوم هذا المجتمع "الإسلامي بالطبع" فعلاً، تكون له حياة واقعية تحتاج إلى تنظيم وإلى تشريع .. وعندئذ فقط يبدأ هذا (الدين) في تقرير وفي سن الشرائع لقوم مستسلمين أصلاً للنظم والشرائع، رافضين أصلاً لغيرها من النظم والشرائع)( ) لذا توهم قتلة السادات عام 1981 وعن اقتناع عميق بأن انتفاضة شعبية ستهب بعد تنفيذهم لعمليتهم تؤدي إلى قيام مجتمع إسلامي .. وهي أيديولوجية كما يرى (د. محمد حافظ دياب) تدعو على خلع الانتماء عن المجتمع واستبداله بآخر جديد، وهي كما يشير الكاتب البريطاني (رتشارد ميتشل) في كتابه "أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين ص 344" حيث يقرر: (وتبين أن حركة الإخوان المسلمين بوصفها حركة انتقالية محافظة وبوصفها حركة لم تسع فحسب إلى إضفاء ملامح الماضي على الحاضر – كما أكدنا من قبل – بل سعت أيضاً إلى إعادة تعريف الماضي بشكل يُفهم في الحاضر، وذلك هو ما مكن حركة الإخوان من أن تضم إلى عضويتها الجماعات التقليدية المنعزلة – الرجال المرتبطين بالماضي – فحسب – بل وأن تضم أيضاً، وهو الأكثر أهمية، أولئك الذين مستهم رياح الغرب بدرجات متفاوتة). وتفجر لدى الفرد توتراً شديداً تجاه الواقع، لكنه ليس ذلك التوتر الذي يجعل من (الفرد) عامل تأثير مستمر في الواقع من أجل تغييره وإعادة بنائه دون توقف بل هو شحنات من الحلم والرفض قائمة على قطع جذري مع (الواقع) الموضوعي، والتمسك بعدم الدخول معه في علاقة جدلية، وانتظار انهياره الكلي عبر بناء واقع ذاتي معزول عنها وهو ما جعل (سيد قطب) ينتهي إلى القول في كتابه "معالم على الطريق" (بعدم مسئولية الواقع الذاتي والتنظيم عن مشكلات واهتمامات وتناقضات الواقع الموضوعي والمجتمع (الجاهلي)، فانتفى بذلك كل علاقة بين الفرد وواقعه). وهو ما نشهده الآن في الساحة وكأن الفوضى والانهيار الذي نشهده الآن من حولنا في فترة توليهم السلطة لا يعنيهم في شيء .. مطمئنين ولا مبالين، والترويع والذعر الذي يطارد الجميع فقد طالب "سيد قطب" (الطليعة) أو التجمع الحركي أو مكتب الإرشاد أو ما سماها (عبد الناصر) بدورية الاستكشاف ألا يشغل نفسه بإعداد البدائل المجتمعية فالبدائل عنده لا تعيش في فراغ، والواجب أولاً: (إلغاء الواقع الموجود)، وبناء واقع جديد بدله، يفرز قضاياه، ويحدد حاجياته، وعندها فقط يكون الإعداد للبدائل موقفاً (سليماً)، وهكذا غاب الواقع وأخذ معه الفكر، ودخل في دهاليز النبوءات فمن نبوءاته في "معالم على الطريق" في الستينيات أن الغرب سينهار بعد عشر سنوات لأن هذا الغرب يفتقد المُثل الأخلاقية بينما سينهض الشرق لتمسكه بهذا المثل الأخلاقية .. وكما نرى فقد مرت عشرات وعشرات السنوات على هذه النبوءة ولم تتحقق!! فسيد قطب يخاطب شرائح تعيش الماضي حتى العظم، وصلتهم بالحاضر محدودة ومُسطحة، وقد أعادهم خطابه بحماس ملتهب إلى قضايا وصراعات الحقبة الأولى والثانية من تأسيس الجماعة و(العشيرة) والدولة والأمة الإسلامية .. بل إنه ذهب إلى أكثر من ذلك، حين حملهم معه إلى صراعات الأشياء التاريخية مع أقوامهم، مؤكداً أن المنهج كالعقيدة: واحد، ومُنْزلْ، وغير قابل للاجتهاد لكن حدث أن وقع صدام مع رؤية "سيد قطب" التي كانت في نظر الإسلاميين التقدميين تمثل قفزاً فوق التاريخ والواقع، ثم امتدت لتشمل بقية منظومته الفكرية بأفكارها الرئيسية الحاكمية، الجاهلية، العزلة الفورية!! كما يشير الإخواني السابق (حسام تمام) في كتاب "تحولات الإخوان المسلمون" تفكيك الأيديولوجية ونهاية التنظيم ص (95) لذا فهم الآن في ورطة وقد ورطوا الشعب جميعاً في ورطة أو فئات كثيرة من الشعب حين أصبح الخيار في البداية رغم أنف الجميع بين (مرسي وشفيق) بين الإخواني والعسكري، ونجح الإخواني (بغزوات الصناديق) ليتولى (الإخواني) الرئاسة والولاية وتدبير الأمور فماذا حدث؟! (فوضى) تضرب أطنانها في كل مكان كما بشرنا (المتخلي) ذو الوجه الكئيب مبارك، وتعصب وعنف وهلع وتخريب وتدمير والتحول إلى قانون الغاب، والمسئول (ودن من طين وودن من عجين) لتتولى إدارته سياسة تجربة الخطأ والصواب، والتخبط في إصدار القوانين والقرارات والإعلانات الدستورية كما فعلها (عبد الناصر) من قبل، ونتساءل: هل سيسير الإخوان المسلمون على خطى عبد الناصر (عدوهم اللدود) بمنهج الخطأ والصواب البرجماتي والممارسة العملية التي تستهدي ببرجماتية (وليم جيمس) وذرائعية (جون ديوي) كمرحلة (مؤقتة)، والتمهيد لسقوط الدولة القديمة كي يواصلوا السير بمنهج الدعوة إلى خلع الانتماء إلى المجتمع، واستبداله بآخر جديد، ولكي يفجروا لدى الفرد التوتر الشديد تجاه الواقع، (وبالطبع ليس ذلك التوتر الذي يجعل من الفرد عامل تأثير مستمر في الواقع من أجل تغييره وإعادة بنائه دون توقف)، بل هي شحنات من الحلم والرفض – قائمة على قطع جذري مع الواقع الموضوعي، والتمسك بعدم الدخول معه في علاقة جدلية، وانتظار الانهيار الكلي لهذا المجتمع عبر بناء واقع ذاتي معزول عنه، وقيام (تنظيم) بعيد عن مشكلات واهتمامات وتناقضات الواقع الموضوعي أو ما يسميه "سيد قطب" بـ (المجتمع الجاهلي) لينتفي بذلك كل علاقة بين الفرد وواقعه، (وأن الواجب أولاً إلغاء الواقع الموجود، وبناء واقع جديد بديلاً له، يقرر قضاياه ويحدد حاجياته، وعندها فقط يكون الإعداد للبدائل موقفا (سليماً)، كما ذكرنا من قبل وهذا كما يبدو ما يعد له (الإخوان) في السنوات القادمة المهم انهيار الدولة القائمة والتخلص من ما يطلقون عليه (المجتمع الجاهلي)، وعدم الانشغال بإعداد البدائل المجتمعية، فالبدائل كما يرى: (لا تعيش في فراغ، والواجب أولاً إلغاء الواقع الموجود، وبناء واقع جديد بدله، يُفرز قضاياه ويحدد حاجياته، وعندها فقط يكون الإعداد للبدائل، والتمهيد لها من خلال (الأخونة) و(الهيمنة))، وهو لا يعلم، وكذلك لا يعلم الإخوان المسلمون أن مسألة الحكم، وحكم مصر على وجه الخصوص لا يأتي من خلال مخاطبة شرائحهم التي تعيش الماضي حتى العظم، وأن صلتهم بالحاضر محدودة ومسطحة، فخطابه مجرد إعداد لهذه (العشيرة) بحماس عاطفي شديد إلى قضايا وصراعات الحقبة الأولى والثانية عن تأسيس (الجماعة، والدولة، والأمة الإسلامية) كما أشرنا من قبل بل ذهب بهم (خطابه) إلى أكثر من ذلك – حين حملهم معه إلى صراعات الأشياء التاريخية مع أقوامهم، مؤكداً أن: (المنهج كالعقيدة واحد، ومُنزل، وغير قابل للاجتهاد) من هنا جاءت جملة (مرشدهم السابق) "مهدي عاكف" بشكل فوري (طظ في مصر) !! فهم يسعون ويعملون بكل إخلاص وبكل ما في وسعهم من جهد جهيد لهدم هذه الدولة (الجاهلية)، ويتبدى ذلك في لا مبالاتهم بما يجري حولنا من مظالم أو عنف أو بلطجة أو دمار وتخريب وترويع ورعب، ويساعدهم في هذا الاتجاه قوى سياسية معارضة متعددة ومختلفة ومتباينة الألوان، وممزقة أيضاً ومتنافرة، ومصابة بالنرجسية = عشق الذات، والبارانويا = جنون العظمة! ويساعدهم في هذا الاتجاه أيضاً الجهود الجبارة التي يبذلها أعوان النظام السابق في نشر الفوضى التي بشرنا بها زعيمه السابق قبل (تخليه) عن الرئاسة لتنفق الملايين بل والمليارات من الجنيهات في أعمال البلطجة والتخريب في أجهزة الدولة وفي الشوارع وبين الناس، ولم يجرؤ أي طرف حتى الآن أن يشير إليهم أو يسميهم بأسمائهم، ويبدو أن الكل سعيد فالإخوان يبدو أنهم يرون ذلك خطوة في سبيل هدم الدولة (الجاهلية) القديمة بينما يتصور الآخرون أن ذلك هو خطوة لهدم النظام الإخواني الرجعي والمتخلف بينما يقف العالم الخارجي سعيداً كما يبدو بالصورة الهزلية المتردية التي يظهر بها نظام الإخوان المسلمون أو النظام الإسلامي بشكل عام وكأنهم يتعمدون فضحه وكشف عوراته، والذي يسبه الجميع ويلعنه – بينما يبدو الإخوان في وضع استرخاء شديد ومناف للشكل الديمقراطي الذي لا يؤمنون به، ويبدو كما لو كانوا قد رضوا بما يدور حولهم – مستبشرين .. وكأن ذلك تمهيد لإقامة الدولة الحلم .. الدولة الإسلامية، والتخلص من (المجتمع الجاهلي) .. (ولم يستوعبوا أسباب انهيار التجربة الناصرية فقد صاغت الناصرية وطورت نموذجاً سياسياً واجتماعياً للفرد وللمجتمع في مواجهة الغرب، ولكنها لم تنتبه إلى صياغة النموذج الحضاري المكتمل في وجهه الثقافي والقيمي، ولم تطرح رؤية محددة واضحة للأهداف والشكل والكيفية التي يكون عليها هذا النموذج الثقافي المكمل لمشروعها (الثوري الانقلابي) } دراسة ضياء رشوان الإسلام والناصرية{ مجلة "الموقف العربي") سبتمبر 1987 إذ قد غاب عن هذه التجربة عنصران هامان هما : غياب استشفافها لطبيعة المرحلة التالية من تطور الحضارة الغربية، ومن ثم صراعها مع الحضارة العربية – الإسلامية، وهي المرحلة التي تلي الإخضاع، ويبدأ فيها التفكيك وإحلال مقومات حضارة الغرب محل مقومات حضارتنا واحدة بعد أخرى، وكذا غياب فكرة أن الأرضية الحضارية التي تنطلق منها مصر والأمة العربية إنما هي أرضية الحضارة الإسلامية – العربية، وليست العربية فقط، وهو ما نلمسه الآن في تجربة الإخوان وهو إغفال الناصرية لإعداد المجتمع والفرد وفقاً لنموذج ثقافي وحضاري وقيمي متماسك وأصيل استعداداً للمرحلة الثانية من غزو الغرب لنا، وهي المرحلة التي يمثل فيها ذلك النموذج الإمكانية المحورية في الصمود لها. فتجربة الإخوان الآن تشبه تجربة الناصرية في سلبياتها سواءً من زاوية جمودها وتعصبها الشديد، وعدائها المعلن والعنيف لجميع مخالفيها في الرأي والانتقاد السياسي والفكري، ورفضها القاطع لأي تماس أو استفادة أو استجلاب – مما ترى هذه الحركة أنه خارج عن حدود الإسلام – مُعتقداً وحضارة، بالإضافة إلى رفضها الخوض في تفاصيل تصوراتها حول كيفية تنظيم محاور المجتمع المختلفة، واكتفائها الدائم بالشعارات العامة الشاملة، التي تبدو من فرط عموميتها ووضوحها غامضة مبهمة .. كما يشير الباحث (ضياء رشوان) في دراسته الهامة (الإسلام والناصرية) لدرجة أن الإخواني السابق الراحل (حسام تمام) في كتاب (تحولات الإخوان المسلمون) يتنبأ: بأن الذي سينزع فتيل المواجهة ويوقع الاتفاق النهائي مع إسرائيل هم الإسلاميون وليس غيرهم من القوى الأخرى التي فاتها القطار أو فات عليها فتكلست وتراجعت !! ومن الغريب والمثير للسخرية أن رئيس الجمهورية ألإخواني (د. محمد مرسي) حيا- يوما ما (جمال عبد الناصر) في خطابه، (وفي هذا قمة المفاجئة عندما نعرف أن الرئيس السابق كان قد قمع الإخوان بعنف شديد في خمسينيات وستينيات القرن الماضي) كما يشير الكاتب الفرنسي (آلان جريش) في (الأهرام إبدو) – لوموند دبلوماتيك – مقال بعنوان: (الإخوان المسلمون أمام تحديات الحكم)، ومرة أخرى يُحيي الرئيس الإخواني (جمال عبد الناصر) في عيد العمال ليلة أول مايو 2013 !! مُعلناً: ( سأكمل ما بدأه عبد الناصر لبناء صناعة وطنية ) إذ يقول: (من إحدى قلاع الصناعة المصرية، أكمل ما بدأه الراحل جمال عبد الناصر حيث كان يريد بناء صناعة وطنية إستراتيجية، وكذلك المهندس ( عزيز صدقي ) ومن كانوا معه، فقد قاموا ببناء خط السكك الحديدية من أسوان حتى حلوان للربط بين المنجم ومصنع المنتج (النهائي) (جريدة "الأهرام" في 1 مايو 2013 – العدد 46167) !!! وبعد هذا الاستعراض (غير المستفيض) لكل من خطاب وأيديولوجية (عبد الناصر) والإخوان المسلمين نلخص أوجه التشابه بين الخطابين في النقاط التالية: 1- الطابع العسكري في الخطابين وإن تقنع الإخوان بالدين فقط كمنطلق لكل أشكال النهضة، بينما كان الدين هو أحد الأقنعة، وفي نفس الوقت يستورد (عبد الناصر) نظماً عسكرية استبدادية الخطاب من البرتغال والأرجنتين ترفع أيضاً شعارات شمولية مثل (حرية، اشتراكية، وحدة) مثلها مثل شعارات الإخوان المسلمين (الإسلام هو الحل)( ) ومن قبلها الشعار الأول (الله غايتنا والقرآن دستورنا، والموت في سبيل الله أقصى أمانينا)، وقد تم اختيار الشعار الأول (الإسلام هو الحل) بعد خروج الإخوان من السجون في أوائل السبعينيات حيث كما يقول: حسام تمام في كتابه (تحولات الإخوان المسلمون تفكك الأيديولوجية ونهاية التنظيم ص (7)) .. ( ترسخت لدى الإخوان قناعة بأن ملعب السياسة كما ترسمه التجربة الحزبية لا يناسبهم، وأن البناء عليه كالبناء على الرمال، وزاد من نفورهم منه ميراث تاريخي ثقيل من عدم الثقة والتشكك في نية النظام السياسي تجاههم وأن المواجهة معه آتية لا ريب فيها، وكان "التنظيم" هو الحل). 2- اعتمادها على جهاز أمني متضخم .. تشهد به سجون ومعتقلات (عبد الناصر) التي لا حصر لها، وقد ظهر هذا التضخم لدى الإخوان المسلمين في شكل ميليشيات جامعة الأزهر في السنوات الأخيرة، ومن قبلها حوادث الاغتيالات المتوالية للعناصر التي تعارضها. 3- الإعلام الذي لا همّ له إلا الدعاية لشعارات النظام والخطاب السياسي في سياق (أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان) .. أما من يعارض فهو: إقطاعي أو برجوازي متعفن، أو رجعي ومتخلف وعميل، أو ربما متآمر وأحياناً خائن، و(عديم الاشتراكية) بينما نجد المعارض لدى الإخوان: إما عميل أو خائن لدينه، ولربما مرتد وكافر بدين الإسلام، أو مُنحل وساقط. 4- انعدام الحرية وقتل روح المبادرة السياسية، واستئثارها بالسلطة، وعدم التوافق والتفاهم مع القوى السياسية الأخرى في المعارضة المكشوفة و(المستترة) المتربصة وهو ما شاهدناه في ظل حكم الإخوان المسلمين، وما شهدناه في ظل حكم (عبد الناصر) من مصادرة للصحف، وتأميمها لتصبح بوقاً لشعاراته، ونسخاً متشابهة تسبح بحمده – ولكن لحسن الحظ أن التاريخ لا يُكرر نفسه .. فهناك فارق بين الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين وما بعدها وبين الألفية الثالثة الآن – فقد جرت في النهر مياه كثيرة في ظل حكم (السادات ومبارك)، والتي يصبح من الصعب فيها إخفاء معلومة أو خبر، وقد اختلف المناخ السياسي اختلافاً كبيراً في مصر والعالم عن منتصف القرن العشرين – لذا يلجأ الإخوان المسلمون الآن إلى تشويه الإعلام المعارض بأنهم الفئة الضالة وأنهم كذا وكذا، وظهور مجموعة من أصحاب اللحى ممن يضعون أحذيتهم فوق مائدة الحوار في قنوات المعارضة، وانتشار ظاهرة القنوات الدينية الأحادية الجانب والمتعصبة. 5- سيادة حالة من الاقتناع الخادع بأن كل شيء تمام أو على خير ما يُرام – كما كان يُقال في الخطاب الناصري – حتى وصل الأمر بكاتب مسرحي شهير أُعتقل وخرج من المعتقل ليجد الجميع يفتحون له أذرعهم في كل مكان أراد أن يعمل به .. فيكتب مسرحية عند انتخاب الزعيم (الأوحد) بعنوان "100%+واحد"، وكان هذا الواحد هو السائح الأجنبي الذي كان في زيارة لمصر وشهد تلك الانتخابات (النزيهة) التي أجراها النظام الحاكم .. لذا يصبح لدينا (فكر سياسي) في (الميثاق) 1962 بعد (فلسفة الثورة) حيث تمت تغطية الناحية الفكرية، وتم بناء التنظيم الطليعي، والاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب. حيث بدا وكأننا قد تلافينا كافة العيوب، وفي الحقيقة فقد أدى هذا الاقتناع الخادع إلى هزيمة يونيو 1967 المهينة، وتواصل ظهور متسلقي الخمسينيات والستينيات والمثقفين الخونة من عابري العصور الثلاثة – بينما نجد في حكم الإخوان المسلمين مجموعة من التنظيمات شبه العسكرية تقوم على (السمع والطاعة) وهي: المرشد العام رئيساً، مكتب الإرشاد، مجلس الشورى العام، وأنها جماعة أو هيئة إسلامية جامع (تعمل على إقامة دين الله في الأرض، وتبليغ دعوة الإسلام إلى الناس كافة، والعمل على رفع مستوى المعيشة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحرير الوطن الإسلامي، وقيام الدولة الإسلامية، ومناصرة التعاون العالمي في ظل الشريعة الإسلامية) كما تشير لائحة الجماعة التي صدرت في 29/7/1982 (كتاب حسام تمام ص 200)، وأخيراً وفي ظل ثورة 25 يناير 2011 تم تأسيس حزب الإخوان المسلمون بإسم (حزب الحرية والعدالة)، الذي لا يختلف كثيراً عن شكل جماعة (الإخوان المسلمون كهيئة إسلامية جامعة تعمل لإقامة دين الله في الأرض)، وما واجهه الآن من مآزق في مشاكل كثيرة بعد أن تولى السلطة وحكم باسمها، ومن بينها مشكلة (مشروع وضع النهاية لدولة إسرائيل)، أو مواجهة المعارضة العلمانية، وقضية الصدام مع رؤية "سيد قطب" (والتي كانت في نظر الإسلاميين التقدميين تمثل قفزاً فوق التاريخ والواقع، ثم امتدت لتشمل بقية منظومته الفكرية بأفكارها الرئيسية – الحاكمية، الجاهلية، والعزلة الشعورية، ونقد جمل أفكار الأيديولوجية الدينية المؤسسة لها، وبعض المنظومة السلفية التي تمثل القاعدة التي تقوم عليها كل الحركات الإسلامية السنية في العصر الحديث .. فقد تغيرت عباءة الإخوان وصارت فضفاضة تضم تحتها خليطاً قد يبدو غير متجانس من الأفكار والخطابات وطرق الحياة فضلاً عن المستويات الاجتماعية والتعليمية المتفاوتة بالطبع) (المرجع السابق) .. ونشير هنا إلى غياب أي تأسيس للقبول بالديمقراطية في نفاق التنظيم حيث تكاد تخلو المقررات الثقافية والتربوية المعتمدة داخل الجماعة من أي كتاب أو مقرر يؤسس لها في ثقافة كوادرها أو يعالج إشكالاتها لديهم، ومازالت الرؤية الإخوانية على مستوى القواعد غائمة أو غائبة بل ويكاد يكون الشائع والمستقر من مقررات ومناهج تربوية وتثقيفية تصب في الاتجاه المعاكس، فتعلو قيم الوحدة والتجمع ونبذ الخلاف والفُرقة (التي قد تعني اختلاف وجهات النظر) على قيم أخرى يحتاجها التطور الديمقراطي مثل قبول الآخر واحترام وجهات النظر المخالفة ونسبية الاجتهادات والممارسات السياسية) (المرجع السابق ص 51) وهو الأمر الأصيل والمتجذر في رفض الإمام المؤسس الشيخ "حسن البنا" للحزبية وتعدد الأحزاب رغم أنه رفض لم يؤسس على أسس شرعية فقد أخذت مقولات المؤسس وموافقة مركزية في بناء الوعي الإخواني لم تتزحزح رغم تجاوزها أحياناً على مستوى الممارسة. وعندما نعيد النظر في تأسيس "العملية السياسية" داخل الجماعة (على مستوى الممارسة أو المفاهيم) نجدها على أسس شرعية بحتة (تشبه فيها المنافسة السياسية – إلى حد بعيد – التنافس بين قوى الإيمان والكفر، ومعسكري الحق والباطل، وليس صراعاً بين أطروحات سياسية، وفي هذه الحالة لا تتجاوز الثقافة السياسية لدى القطاع الأكبر في الجماعة – الحشد، والتجنيد، والقدرة على إدارة العمليات الانتخابية (أي الصناديق وموقعة الصناديق) دون أن تتأصل مفاهيم سياسية مثل "المشاركة" التي تظل مرتبطة بقرار فوقي يُنفذ – في الأغلب – طاعة للقيادة واحتساباً عند الله .. مثلها تماماً مثل تنظيم (الاتحاد الاشتراكي) ومن قبل هيئة التحرير والاتحاد القومي). والإخوان الآن بعد أن مارسوا تولى السلطة وحكم الدولة تمدد جسم التنظيم تمدداً ضخماً أفقياً ورأسياً – دون الفصل بين السياسي والدعوي بداخله، وهم عندما أسسوا "حزب الحرية والعدالة" بعد السطو على (ثورة 25 يناير)، وهو الحزب الذي يُعد جزءاً لا يتجزأ من الإخوان المسلمين، وراهنوا به، ونزلوا به إلى الشارع لكن الذي غاب عنهم أن التنظيم يعاني من مشاكل بنيوية كبرى، وأنه لا يصلح في أفضل الأحوال لأن ينوب عن الأمة وأن الكوادر لا تصلح بالضرورة بديلاً عن الناس كما يقول (حسام تمام) في كتابه (المرجع السابق ص 16) تماماً كما حدث لتنظيمات (عبد الناصر المتعددة) التي لم تصلح بالضرورة بديلاً عن الناس !! وإن قد جاء حظ (عبد الناصر) أفضل في يوليو 52 بسبب قضية الاستعمار والجلاء، وترهل حزب الأغلبية (حزب الوفد)، وتهافت الأحزاب الصغيرة – ففاجأ الانقلاب العسكري الواقع المصري بمجموعة من القرارات العسكرية والإصلاحية البراقة، والمحاكمات، والمظالم، والتخلص من طبقة مُلاك الأراضي، ومجموعة الرأسمالية الصناعية الأجنبية والمصرية، وشكل (كوادره) الحاكمة في تتابع سلس .. مُعتمداً على الطبقة الوسطى، وإن ظلت الطبقة العليا في مأمن بعيداً عن الصورة، وتصبح هي بعدها ما أسموه بالرأسمالية الوطنية بعد أن اختلطت بطبقة الضباط الحاكمة فشاركتها المناصب العليا خاصة في السلك الدبلوماسي الذي يقوم على نظام صارم من الطبقية وآليات البيروقراطية. أما بعد ثورة 25 يناير 2011 فالمناخ قد تغير إذ جرت في النهر مياه كثيرة على مدى ما يقرب من ستين عاماً تم فيها تفريغ الساحة المصرية من الكوادر السياسية الحقيقية، ولم يعد هناك قوى سياسية فعالة وواضحة المعالم تحتاجها الساحة المصرية أشد الاحتياج فالجميع قد تربى في هذه السنوات الستين على ثقافات مضادة للديمقراطية لإمكانية إقامة حياة سياسية راسخة التقاليد، وفي وسط شعب تربى على ثقافة الخوف والبحث عن الرغيف .. بما يصنع أحزاباً ورقية من يسار ويمين ووسط، وكل له حساباته الخاصة. لكن (الثورة) ثورة 25 يناير 2011 قد حررت (الأكثرية) من الخوف وإن ظل البعض في شك من قيامها .. حيث هبت رياح الثورة فجأة فأصيب الجميع بأنفلونزا الثورة وحمى التغيير، و(النقار) الدائم بلا سبب أو هدف .. بما فيها تلك المقارنات السخيفة بين ما سبق من عصور وما يحدث الآن بعد الثورة ، وبعد سطو الإخوان المسلمين عليها والاستيلاء على مقاليد الأمور في البلاد إلي حين ، وما تلي ذلك من تمرد الجموع في 30 يونيو 2013 ، وعزل (مرسي) الذي يتشبث أعوانه بالصناديق حتى ولو لم يمكن سلوكه ديمقراطيا على الإطلاق ولا يتفق إطلاقا مع (شرعيه) الصناديق ، ولكن الآن وبعد ستين عاماً من يوليو 1952 لا يستطيع الإخوان أن يسيروا على خطى ضباط يوليو فقد تغير المناخ والزمان، والجميع يدرك ماذا حدث للمصريين على مدى تلك السنوات، لذا فإن هذا المناخ الجديد لا يمكنهم من (التمكين) و(الأخونة) وما إلى ذلك من أهداف، ولن تتوفر فرص النجاح لمخططاتهم التي تضع قناعاً إسلامياً ديمقراطياً مزيفاً – فقد ظهرت لهم أقنعة إسلامية أخرى كثيرة، وكل يضع قناعاً إسلامياً قد يضيف إليه (القبعة) أو غيرها، وظهر الإخوان المسلمون في الساحة كحزب سياسي بعد ثمانين عاماً بدأتها كجماعة دعوية تدعو إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وانتهت بأن تصبح حزباً سياسياً ومن فوقه (جماعة) ترفع شعار الإسلام هو الحل ومملكة الله في الأرض والحل الأوحد أمام البشرية، ومن حولها مريدون لتصبح في النهاية (أيديولوجية) انقلابية تحكم على نفسها بالفشل كأي أيديولوجية انقلابية تفشل في تحقيق أهدافها .. كما فشل (عبد الناصر) من قبل، وكما ستفشل أية أيديولوجية أخرى تتوهم أنها تملك الحقيقة وحدها. المــراجــــع - "فلسفة الثورة" جمال عبد الناصر هيئة قصور الثقافة - 2000. - سيد قطب "الخطاب والأيديولوجية" نحو تحليل سسيولوجي للخطاب الاسلامي – الخطاب القطبي نموذجا د. محمد حافظ دياب – دار الثقافة الجديدة 1987. - مجلة "الهلال" مقال طارق البشري- عدد يوليو 2001 ص (29) - تجربة الإسلام السياسي "أوليفيه روا" دار الميثاق – ترجمة نصير مروة، 1996، الطبعة الثانية. - "تحولات الإخوان المسلمون – تفكيك الأيديولوجيا ونهاية التنظيم" حسام تمام – مكتبة مدبولي 2006. - "الإسلام والناصرية" دراسة ضياء رشوان – مجلة (الموقف العربي) سبتمبر 1987. - "المصحف والسيف – صراع الدين والدولة في مصر" نبيل عبد الفتاح – مكتبة مدبولي 1984 - "أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين" ريتشارد ميتشل الجزء الثاني التنظيم والأيديولوجية، ترجمة منى أنيس، عبد السلام رضوان – بدون تاريخ. - "خريف الغضب" محمد حسنين هيكل – قصة بداية ونهاية عصر أنور السادات مركز الأهرام للترجمة والنشر – 1988.
#عبد_الغنى_داود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
-معاد للإسلام-.. هكذا وصفت وزيرة داخلية ألمانيا المشتبه به ا
...
-
-القسام-: مقاتلونا أجهزوا على 3 جنود إسرائيليين طعنا بالسكاك
...
-
من -هيئة تحرير الشام- إلى وزارة الخارجية السورية.. ماذا تعرف
...
-
جزيرة مايوت المنسيّة في مواجهة إعصار شيدو.. أكثر من 21 قتيلا
...
-
فوائد صحية كبيرة للمشمش المجفف
-
براتيسلافا تعزز إجراءاتها الأمنية بعد الهجوم الإرهابي في ماغ
...
-
تغريدة إعلامية خليجية شهيرة عن -أفضل عمل قام به بشار الأسد
...
-
إعلام غربي: أوروبا فقدت تحمسها لدعم أوكرانيا
-
زعيم حزب هولندي متطرف يدعو لإنهاء سياسة الحدود المفتوحة بعد
...
-
أسعد الشيباني.. المكلف بحقيبة وزارة الخارجية في الحكومة السو
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|