|
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنب 1990 ( المحور الثاني )
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 4248 - 2013 / 10 / 17 - 12:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هذا المحور الثاني من استجواب نوبير الاموي يخص الطبقة العاملة والإصلاح السياسي . ففي الساحة السياسية ، وأعود بالضبط الى المسائل التي اشرت اليها في اوساط عدد من القوى السياسية والاجتماعية ، فهناك من يتحدث عن " السلم الاجتماعي " او عن الحكومة الائتلافية لوفاق وطني ، او عن " تهدئة " اجتماعية تتراضى فيها المعارضة بكل اجنحتها مع الدولة . بصفتكم قائدا نقابيا . ما رأيكم في هذه الدعوات على ضوء الوضعية الخاصة بالطبقة العاملة ؟ ثم ماذا حققته الطبقة العاملة الى حدود الآن في ظل هذه الاوضاع المأساوية ؟ وما هو الدور الذي ترونه للعمال في معركة الاصلاح السياسي ؟ والسؤال الثاني في نفس المحور هو : ضمن الانتقادات التي توجه الى ( ك د ش ) ان اغلب نضالاتها تكتسب طابعا سياسيا وليس نقابيا ، بل حتى تحالفاتكم مثلا مع الاتحاد العام للشغالين بالمغرب تخضع لحساب سياسي اكثر مما تخضع لعوامل نقابية ؟ ( تدخل الاسئلة دائما في اطار استفزاز بعضنا لبعض ) . ج --- ) طبعا لابد ان اذكر ان الوضع الاجتماعي في المغرب ، ومنذ الاستقلال ظل يعرف توترا لا يهدأ إلا لينفجر ، وعملية التهدئة كانت دوما عملية قسرية . فنضال الطبقة العاملة منذ نهاية الخمسينات وبداية الستينات ، بالرغم من اسلوب التعامل الطبقي ، وبالرغم من التواطؤ الذي كان لبعض القيادات النقابية مع الحاكمين ، ظلت الطبقة العاملة تناضل وتكافح ، وتطرح مطالبها في مختلف القطاعات والجهات . وشعار " السلم الاجتماعي " او الدعوة اليه هي دعوة غير جديدة . ففي اواخر السبعينات وعشية المخطط الثلاثي ، ’طلب من الطبقة العاملة ان تلتزم بسلم اجتماعي ، فكان لنا منه موقف آنذاك ، هو ان السلم الاجتماعي ليس هو الاستسلام لمشيئة الطفيليات والطبقة المستغلة . وكنا دائما كنقابة نطالب بالحوار ، مستعدة ان تلتزم بأي ميثاق من شأنه ان يضمن حقوقها ، وان يجعل اسهامها في كل تنمية هادفة ، اسهاما وطنيا ومسئولا . لكن شتان ما بين الدعوات والشعارات التي تطرح في مختلف المناسبات ، وبين حقيقة السياسة المتبعة ، لأن السلم الاجتماعي لا يمكن ان ’يقام في ظل شروط تنعدم فيها الممارسة الديمقراطية كما هو الحال ببلادنا ، وتظل فيها السياسات تضرب ابسط الحقوق والمكتسبات لأمة الفقراء والكادحين . في بداية الموسم ، وقد كان المسئولون يستحضرون ان الدخول الاجتماعي لا بد ان يشهد كفاحات لمختلفة فصائل الطبقة العاملة . كان هناك من يحاول ان يبتز نوعا من الاتفاق ، وفي هذا الاطار جرت محاولة للإعلان عن ميثاق يكون من شأن الموقعين عليه ، ان يلتزموا بعدم طرح اي مطلب من المطالب السياسية او الاجتماعية او غيرها ،،، بالضبط لم يكتب لهذا الميثاق الاعلان ، لأن قوى المعارضة السياسية رفضت الخوض فيه جملة وتفصيلا . . فهناك من يدعو الى حكومة ائتلافية كما هو حال اخوتنا في حزب التقدم والاشتراكية ، وهو مطلب قديم جديد ... نحن في ( ك د ش ) بالرغم من كون المسألة السياسية هي مسؤولية الاحزاب السياسية ، باعتبارنا ايضا جزءا من حركة التحرير الوطني ، وكلنا في خندق واحد نعتبر ان ما هو مطلوب ، ليس حكاما جدد ، وإنما سياسة جديدة بديلة يكون من شأنها خلق شروط عدالة اجتماعية ، وتمكين جماهير امتنا من ممارسة حقوقها السياسة والاجتماعية والاقتصادية . ان استراتيجية كفاحنا ونضالنا لا تستهدف ان نأخذ السلطة وإن كان ما مطروح في الوضع الديمقراطي ، وما يجب ان يكون مطروحا كتعبير عن الممارسة الديمقراطية ، هو تداول السلطة ما بين مختلف القوى السياسية ، وهذا ما يجب ان يؤدي اليه اي اصلاح سياسي كما تحدثنا عن ذلك في المحور الاول . ان السياسات المتبعة الى حد الساعة سوف لن تؤدي الى اي تحسن في مستوى عيش الطبقة العاملة ، ومختلف الجماهير المحرومة كما كان ذلك توقعنا منذ عقدين ، فالأوضاع كما هي سيئة ، وسوف تسوء اكثر في بحر السنوات المقبلة . وأوضاعنا اليوم وأوضاع امتنا ليست قدرا ، وإنما هي نتيجة حتمية للسياسات التي اعتمدت . والأوضاع الاجتماعية للطبقة العاملة ، هي كذلك اختيار سياسي ، بسبب المفارقات بين الامكانيات المتوفرة لبلادنا التي يمكن ان تؤهلها لتكون في مصاف الدول النامية ذات الدخل المشرف فرديا ووطنيا ، وبين واقع البؤس والتخلف . ان خضوع الحاكمين ومخططي السياسة الوطنية الى توجيهات المؤسسات الدولية وارتباط المصالح ، وراء مآسينا وواقع ازمة مجتمعنا وبلادنا . نعتبر انه من خلال نضالنا الاجتماعي قد خلقنا كل شروط العمل السياسي الجاد ،مباشرة او بصورة غير مباشرة . بمعنى ان انتعاش الحياة السياسية ، جاء بفعل ايضا النضالات الاجتماعية التي انخرطت فيها الطبقة العاملة ، واعتبران تضامن القوى السياسية معها ، ستكون ايضا بجانب كل حلفاءها وكل القوى الشريفة في معركة اقرار الديمقراطية الحقيقية كلما تعلق الامر بمشاركتها بكل الاساليب التي ستدعيت اليها اذا ما اقرت ذلك القوى الحليفة للمطالبة بالإصلاح السياسي ، او تعلق الامر كذلك بكون الطبقة العاملة اضافة الى انها قوة اجتماعية ، هي ايضا قوة سياسية وطنية ، والمؤامرة الكبرى التي استهدفتها ، هي بترها وفصلها منذ بداية الستينات عندما ’روّج لنقابة الخبز لا لنقابة السياسة ، وعندما وقع تجميد نضالاتنا ، وعندما وقع ايضا تهميشها لا في الحياة السياسية ، وإنما حتى في النضال الديمقراطي . فليس مصادفة ان يتجرأ احدهم في الانتخابات العامة لسنة 1963 ويترشح في احد الاحياء الشعبية التي كانت تعج بالبروليتارية ، وتعلمون ان جزءا كبيرا من الطبقة العاملة ، كان بتأثير توجيهات نقابية ضيقة يتحفظ من الانخراط في الحياة السياسية ، وفي النضال الديمقراطي . ونعتقد انه بتأسيس ( ك د ش ) كفّت هذه الوضعية ، وان الطبقة العاملة انعتقت ليس على المستوى النقابي فحسب ، وإنما على المستوى السياسي كذلك . لهذا وقع تأجيل الانتخابات السياسية البلدية سنة 1980 ، ووقع تمديد في عمر البرلمان السابق ، لأن ميزان القوى السياسي كان قد مال بحكم انتعاش الحياة النقابية ، وانخراط الطبقة العاملة من جديد في معركة النضال الديمقراطي ، ولعلها ايضا من الاسباب التي تطرح اكثر من علامة استفهام على التجربة المقبلة . اكيد ان المعركة المقبلة ستكون معركة تاريخية بالنسبة للحياة السياسية ،و إن التنظيمات الجهوية المشبوهة والمدعمة من طرف الحاكمين ، والتي ’اغدقت عليها اموال طائلة ، لن تحول دون مساهمة الكادحين في معركة النضال الديمقراطي ، تعلق الامر بالإصلاح السياسي ، او بالانتخابات التي لاشك انها ستتم بأي صورة من الصور . فيما يخص الانتقادات والمؤاخذات التي توجه ل ( ك د ش ) نحن نضع تجربة ، وككل تجربة لا تخلو من مؤاخذات ، منها ما هو موضوعي ، ومنها ما هو مجرد تهم ف ( ك د ش ) فعلا ارتبطت بعض مبادراتها ببعض الاحداث التي عرفتها الساحة الوطنية او الساحة القومية ، والقول بان نضالات ( ك د ش ) ذات طابع سياسي هو قول صحيح فعلا ، فحتى عندما يكون هناك اضراب عن العمل فهو انكار ضمني لسياسة معينة . هناك انتقادات فجة وساذجة وبسيطة ، والقول بان النضال النقابي هو نضال سياسي فهو نضال سياسي فعلا ، ففي سنة 1979 ’وجهت لنا تهديدات بان اضرابات رجال التعليم والصحة المقررة يوم 10 و 11 ابريل هي اضرابات سياسية . قلنا لهم نعم ، ان السياسة توجد في الهواء ، فالهواء الذي تستنشقونه في السويسي او الاحياء الراقية ليس هو الهواء الذي تستنشقه الجماهير الشعبية في الكاريانات ، كل نضال هو نضال سياسي ، وكل نضال اجتماعي او اقتصادي هو نضال سياسي ، لا يستطيع اليوم اي حزب من الاحزاب التي تمارس السياسة ان ينال تجاوب المواطنين دون ان يقدم لهم برنامجه الاجتماعي والاقتصادي . ما هي السياسة ؟ لا بد إذا اردنا ترجمتها على المستوى العملي ليست هي العلاقة الحقوقية او السلطوية ، ولكن على مستوى الممارسة هي ما يمكن ان يؤدي الى الرفع من مستوى عيش المواطنين وتوفير كل الخدمات من الناحية العملية ، وكذا ضمان الامن والاستقرار لهم ... . المراهنة على الشارع ، نعم المراهنة على الشارع حق مشروع ايضا . الشارع لمن ؟ ليس عن طريق الشعب ... الشارع اليوم هو النفوذ . نحن كنقابة اليوم قوة في البلد ، ونحن كيسار او معارضة قوة ايضا بهذا المعنى ، فنحن لا نراهن على الشارع كما يحاول ان يجرنا الى ذلك دعاة الفتنة السلطويين الذين يريدون تعزيز مواقع سلطتهم ، وكما دعونا الى ذلك في 14 دجنبر 1990 . اننا استعملنا كلمة كانت ذات دلالة ، اننا اردناه اضرابا عاما حضاريا حتى لا تبقى الاضرابات العامة مرتبطة بأحداث دموية ، وعندما وقفت السلطات موقفا محايدا يوم 28 يناير 1991 لم يشهد الشارع اي حدث من الاحداث ، وعندما وقفت ايضا موقف المسؤولية مرت المسيرة الكبرى يوم 3 فبراير بدون احداث . إذن مثل هذه الانتقادات والاتهامات ، وما اكثرها ليست سوى محاولة لإخفاء حقيقة المشاكل التي تعاني منها الطبقة العاملة ، وبالتالي الحيلولة دون مساهمتها ومواصلة كفاحاتها . بالنسبة لتحالفنا مع الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ، وما اذا كان داخلا في اطار الحسابات السياسية ، الحسابات السياسية حاصلة دائما . ففي سنة 1984 قمنا في المكتب التنفيذي في اطار ( ك د ش ) بسلسلة من اللقاءات مع اهم احزاب المعارضة . قمنا بالمبادرة كنقابة . كانت لنا اتصالات مع اخواننا في الاتحاد الاشتراكي ومع منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ومع الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية . كان برنامجنا كنقابة بان الوضعية الاجتماعية ستسوء ، وبأننا كنقابة ندعوهم الى تكوين جبهة معارضة ، ولم نستبعد كذلك ان يكون هؤلاء الاخوة هم رسلنا ووسائطنا الى بقية القوى خاصة حزب الاستقلال والاتحاد العام للشغالين والاتحاد المغربي للشغل . لقد كنا نستحضر في الافق ان الوضع الاجتماعي سيكون صعبا خاصة وان المغرب التزم بالسياسات التقويمية مع صندوق النقد الدولي وباقي المؤسسات الدولية . وكنا نتوقع ان ينعكس هذا على اوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية ، ولمواجهتها كان لنا رأي ، وكنا نستند فيه الى ما عرفته باكستان آنذاك ، وما عرفته الارجنتين والعديد من الساحات في بلدان العالم الثالث التي وضعت جماهيرها حدا لحكم الطغم العسكرية بتكتلها . للأسف بالرغم من التقدير والاهتمام الذي حظيت به هذه المبادرة لم يقع التقاطها ، ولكننا كنقابة وجدنا انفسنا مضطرين الى ان ندعو اخوتنا في ( ا ع ش م ) الى عمل وحدوي . وفي الحقيقة ان هذا العمل بالنسبة لهم ، ما كانوا ليقبلوه وينخرطوا فيه دون موافقة ومساندة حزب الاستقلال الذي كان يرى فيه عملا وحدويا في البداية . وها نحن اليوم نعيش تطور هذا العمل الوحدوي الذي لم يبق قاصرا على النقابيين ، بل اصبح ايضا برنامج عمل سياسي ، وقد يكون غدا برنامجنا اقتصاديا واجتماعيا بالنسبة لمواجهة الوضعية الراهنة . س --- ) فيما يخص مسألة المؤاخذات الموجودة على (ك د ش ) يعتبر البعض خلال النضالات الوطنية ، وخاصة الاضراب العام ل 14 دجنبر 1990 ، يقال بأنه ’طلب من العمال والشغيلة بشكل عام ، المضربين بالمكوث في بيوتهم ، وفي نفس الوقت قيل ان هناك مراهنة على الشارع .. . هل يمكن لهذا – ان صح – ان يعود سلبا على الشارع نفسه ، خاصة في ظروف تتطور فيه قوى غير ديمقراطية تراهن هي الاخرى على الشارع ؟ ج --- ) على كل سيكون خديعة ومؤامرة القول بأننا راهنا على الشارع لإنجاح الاضراب العام ابدا .. الشارع مهيأ بسبب او بدون سبب للإضراب العام ، ودعوتنا للطبقة العاملة ان تبقى في بيوتها كان تجنبا لانفجار الشارع ، لأن الشارع الذي كان يتعرض الى ضغط واستفزاز مهيأ في اي لحظة ، وليس بالضرورة اثناء الاضراب العام . ولكن عندما يكون الاضراب ويمتلئ الشارع دائما كما حدث في 20 جوان بفعل حالة الطوارئ ، فأنت تعرف بان الدارالبيضاء كانت مرجحة بحكم القلق والتوتر العام ، وبحكم ايضا العسكرة الاستثنائية التي عرفتها المدينة ايام الاضراب العام ، فقد جيء بقوات هائلة من مختلف انحاء المغرب الى الدارالبيضاء على الخصوص وبعض المدن الاخرى تفاديا لانفجار الوضع ... ستكون شماتة وجبنا ان ندعو الطبقة العاملة لمنازلتها ، ونراهن على المجهول . وفي ما يخص الشارع ، فالشارع مؤهل في اي وقت ايضا .. قبل الاضراب العام من يوم 14 دجنبر ، كانت الدعوة الى مسيرة تضامنية الى القنصلية الامريكية ، تضامنا مع القضية الفلسطينية ، وكان رفض الترخيص لها ، ولو شئنا ان نستغل ذلك اليوم وتلك المسيرة لفعلنا .. ولكننا رفضنا من جهة ان نستسلم لقرار المنع ،ومن جهة اخرى لا يخفى عليكم اننا كمناضلين حركنا الشارع غير ما مرة ، وتحريك الشارع تقنية ، بدون اضراب يمكن ان نحرك الشارع . عندما اتهمنا في 20 جوان بأننا وراء الاحداث قلنا في مراكز التحقيق بأن ننظم مسيرة او مظاهرة ونسير على رأسها دون ان ندفع غيرنا للقيام بأي عمل او مظاهرات ، يمكن ان تتطور تطورا لا مسئولا . لهذا اذا كان قرارنا ان ننظم مسيرات سوف ننظمها ، وإذا كان قرارنا ان نتظاهر في الشارع سوف نتظاهر ونؤدي عن ذلك الثمن ، فالتظاهر ايضا حقا من الحقوق . اما فيما يخص الرهان على الشارع من طرف قوي غير ديمقراطية ، هناك شارع وهناك شارع .. لهذا نحن نهدف الى ان نبني حركة نقابية منظمة ، وحركة سياسية منظمة ومسئولة . ج --- ) الاموي يمكن ان نقول بأننا نتفهم خطة وحساب منظمة نقابية في اطار تنظيمها الاضراب العام .. سنناقشكم في نفس الموضوع ليس كقائد نقابي ، وإنما كقائد سياسي كعضو في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية . فمعلوم ان الاحزاب السياسية التقدمية ساندت الاضرابات التي اعلنت عنها ( ك د ش ) و ( ا ع ش م) ، ومن المحتمل جدا ان يعرف المغرب نضالات وطنية من نفس النوع ، وسيكون الشارع – كما قلتم -- حاضرا . ما هي المسؤوليات السياسية التي ستتحملها هذه القوى في مثل تلك الظروف تجاه الشارع ؟ فإذا تفهمنا دوافع النقابة بان يكون الاضراب منظما في حدود معينة ، فالشارع موجود ، هذا الشارع ما موقف الاحزاب السياسية منه ؟ هل ستعمل على تأطيره وتنظيمه ؟ او ستتركه ينفجر بدون تنظيم وبدون توجيه ؟ ج --- ) اعتقد ان حركة الشارع مضبوطة على ضوء الوضع السياسي المطروح ، فالوضع السياسي محجوز ، والأحزاب السياسية ، إما انها كفت عن ان تكون قادرة على استيعاب كل القوى الاجتماعية ، كل فئات المواطنين ، وإما ان الوضع العام في البلاد – وهو احد اوجه اشكالية الوضع السياسي – يحول دون ذلك . نحن للأسف نعرف حقيقة القوى الوطنية والديمقراطية ومصاعبها ، وهذه المصاعب تعود ايضا الى حالة الحصار المفروض عليها ، وتدخل الاجهزة الادارية ، والحيلولة دون انخراط المواطنين في الاحزاب والنقابات تترتب عنه تبعات ومواقف وإجراءات قمعية تعسفية .. فالمنتمي سياسيا هو متهم .. الشارع في هذه الحالة مسؤولية من ؟ مسؤولية الاحزاب اذا ظلت – بإرادتها -- دون مستوى الانفتاح عليه والتجاوب معه . ولا اعتقد ان هذا اختيار حزب من الاحزاب ، فكل حزب لاشك انه يبذل الجهد الكثير بان يكون ذا قاعدة واسعة ، وان يجد فيه المواطنون اطارهم السياسي . ولكن اعتقد ان المسؤولية تقع ايضا وأيضا على الدولة وأجهزتها التي تعمل – بصورة مباشرة او غير مباشرة -- على تحجيم الاطارات والهيئات الوطنية ، والحيلولة دون ان تتمكن من تأطير اوسع ألجماهير وان يبقى حزب الادارة ، هو الحزب المهيمن والمسيطر ، وبذلك تضمن الطبقة الحاكمة احتياطيا من المصوتين – تعمل عندما ترى المصلحة في ذلك – على تفريخ العديد من التنظيمات والأحزاب المصطنعة . إذن اعتقد اننا لابد ان نعمل من جهة على مراجعة اساليب عملنا السياسي تأطيرا وتوجيها ، ومواقف وشعارات ـ وان نتعبّأ وان نتهيّأ اولا بان نكون حزب او احزاب كل المواطنين . هناك مصاعب وهناك مخاطر ، ومن جهة اخرى المسؤولية لا يمكن ان نحصرها في هذه الحدود ، لأن هناك مسائل كثيرة ، هناك واقع الدولة ، والإصلاح السياسي المنشود لابد ان يستهدف تأميم الدولة ، اي ان تصبح الدولة دولة كل المغاربة ، لا ان تبقى عبارة عن اجهزة ومؤسسات في يد الاقطاع لإعاقة تطور بلادنا ومجتمعنا سياسيا وحضاريا . اظن انني اجبت نوعا ما على اسئلتكم فيما يخص الشارع . س --- ) الرفيق الاموي . نريد ان نذهب ابعد من هذا شيئا ما . ان تأطير الشارع من طرف القوى السياسية يعني كذلك مسايرته في مطالبه . هل القوى السياسية المعارضة مستعدة للذهاب الى ابعد الحدود – في نظركم -- الى تبني وتوجيه الفئات الاجتماعية التي تنفجر من خلال الشارع ؟ ج --- ) اعتبر ظاهرة الانفجارات هي تعبير عن ازمة . فعندما تكون هناك ممارسة للحقوق ، وعندما تكون هناك حياة سياسية راشدة ، وعندما تكف الاجهزة القمعية عن ملاحقة المواطنين والتضييق عليهم سواء في ممارستهم لنشاطهم السياسي او النقابي او المطالبة بحقوقهم ، فلن تبقى هناك حجة لان ينفجر الشارع . س في شكل تعقيب --- ) اننا نعرف مسؤولية الحاكمين ، ولا يمكن ان ننتظر منهم ان يكفوا عن عملهم ، وبالتالي فإننا نناقش المجهودات التي تبذلها القوى السياسية – رغم قمع الدولة – لتستطيع ان تؤطر وتساير الشارع في مطالبه . ج --- ) الشارع ... نرفض ان نكون دركا للشارع . اعتقد ان التنظيم السياسي ينظم المواطنين ، ويقود كفاحات الجماهير بالجماهير . انا لا اخلق حزبا او نقابة لأصبح مسئولا عن الشارع ، ولا يمكننا ان نسمح بان يبقى الشارع تحت رحمة ايا كان . فالمواطنون عندما ينفجرون ويخوضون كفاحات دفاعا عن مطالبهم ، ويقومون بمسيرات ، فهم يمارسون حقا من الحقوق . لهذا عندما تنعدم لغة الحوار ، يصبح من المشروع اللجوء الى اي اسلوب من الاساليب لفرض الحوار على الاخرين الذين يصادرونه ، والحوار مضمون ...إذن ليس من حق اي حزب ان يدعي بأنه اب الشارع ، ومكبل الشارع ، ومكبل قوة الجماهير .. هذا الدور يلعب للأسف ، من طرف بعض المنظمات ومن طرف بعض الاحزاب ، والشارع لا ينبغي ان يبقى " بوعو " مرعبا ابدا . الشارع يعني القوة الغير المنظمة ، القوة المحرومة ، القوة المستغلة ، القوة المضطهدة . ان الشارع المغربي الآن هو الشارع او المواطنون او الرأي العام ذو مستوى كبير من المسؤولية . ما نعيشه من تجاوزات وإرهاب وإهانات كفيل بان يفجر الشارع صباح مساء ، ويمكن القول بأننا بعد 14 دجنبر قد اصبحنا في وضع آخر ، لكنني انا شخصيا كمواطن كنت اسير احيانا في بعض الشوارع المزدحمة ، وارى العديد من حراس البلدية / القوات المساعدة تطارد المواطنين ، ويمكن لخمسة او سبعة مواطنين ان يشتبكوا مع هذه القوات لتتحول الامور الى صدامات . هناك عشرات من الاستفزازات اليومية ، هناك حالات استثنائية في بعض الجهات ، وخاصة في العالم القروي . فضبط الشارع إذن هو مسؤولية الجميع ، ومن حق الشارع ان ينتفض على اي كان .. لماذا لا ينتفض الشارع في انجلترا وفي فرنسا -- وان كان ينتفض من حين الى اخر – لماذا لا ينتفض الشارع ؟ الشارع لا ينبغي ان يكون هاجسا ، وإن كان هاجسا للحاكمين فعلا ، اما بالنسبة لنا فالأمر مختلف ، لا ينبغي ولا يلزم ان نعتبر ان اي تحرك في الشارع امر غير مشروع .. س --- ) الرفيق الاموي .. يبدو اننا لم نتفاهم ، لم نطرح دور القوى السياسية في ضبط او قمع الشارع ، وان ما نطرحه هو ان تعطي لنضاله البعد السياسي ، وتؤطره . هذا هو المطروح . ج --- ) انتم تعرفون موسمية الحياة السياسية ، فهي لا تنتعش إلا عشية الانتخابات ، وربما بفعل النضالات الاجتماعية بفعل القضية الوطنية .. في الواقع ان العمل السياسي بئيس في حياتنا ، بئيس لأنه محدود في الزمان وفي المكان ، مقتصر على النخب للمصاعب الذاتية للأحزاب السياسية نفسها ، وللقيود المضروبة حول نشاطها . بالتأكيد ان هناك ازمة ، وازنة مركبة لا تقتصر على المؤسسات ، بل تتجاوز الى المجتمع المدني . كما اشرت الى ذلك ، فمستقبل الحياة السياسية ايضا مرهون بمدى قدرة التنظيمات السياسية على النهوض وعلى اعتماد حركية ودينامية جديدة ، ليعطي الامل والثقة ، وتجعل المشاركة للمواطنين والإقبال على الانتظام ، مسؤولية ايضا من شأنها ان تكون في مستوى المشاكل المطروحة . س --- ) هناك سؤال نود طرحه بارتباط مع الشارع . في 14 دجنبر ووجهت انتفاضة الشارع بالرصاص وبالعنف . في ارتباط مع هذا الموضوع ، وفي ارتباط ايضا مع وفاة العديد من المواطنين في مخافر الشرطة وضيافة الدولة : ’يطرح سؤال حول مصير لجنة التحقيق والتقصي التي تكونت على مستوى البرلمان ، او التي انبثقت من المجلس الاستشاري لحقوق الانسان . ’ يطرح السؤال : الم يحن وقت ايقاف هذا النوع من البطش والتعامل مع المواطنين حد ازهاق الارواح ؟ ج --- ) فيما يخص اعمال تقصي الحقائق على مستوى مجلس النواب حول احداث فاس وطنجة ، كان تقريرها ايجابيا ، فبد الاتصال والقيام ببحثها ، ثبت انه لا علاقة بين الاضراب العام وبين الاحداث ، وكشفت ان تصريحات الحكومة وعلى عكس المستويات ، كانت كاذبة كما وردت على لسان العديد من الوزراء ، سواء في توقيت الاضراب او في اسباب الاحداث ، والتي كانت ترجع الى عدة مشاكل منها الاستفزازات الصادرة عن المسؤولين ، وخاصة السلطات المحلية في فاس في محاولة منها لتكسير الاضراب ، سواء بإطلاق الرصاص قبل بداية الاحداث ، او من خلال بعض الاصطدامات والمناوشات .. إذن نعتقد من جهة ان الاضرابات والكفاحات والمسيرات ، إن كانت دائما سلمية لن تكون هناك احداث ترجع الى مسؤولية الجميع ، وعندما ترافقها احداث مأساوية ، فالسبب يعود احيانا الى درجة الرعب والتدخل اللامسؤول لبعض الجهات السلطوية . وحتى لا يكون هذا يجب ان نواصل كفاحنا ، الاضرابات نقوم بها لأنها حقنا . واذا كان هناك حوار وحلت المشاكل فلن تكون هناك حاجة الى الاضراب .. فالإضراب العام كنا مضطرين اليه لحمل الحكومة على فتح المفاوضات معنا كمركزيات نقابية . ماذا علينا ان نفعل حتى نقضي على هذه الظواهر . علينا مواصلة كفاحنا وترشيد الممارسة السياسية ، وحمل اجهزة الدولة على عدم التدخل ، وهذا لا يمكن ان يتوفر إلا في اطار حياة ديمقراطية سليمة يجب ان نناضل لتوجد . ( المحور الثالث يأتي لاحقا ) --- يتبع ---
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع نوبير الاموي مباشرة بعد احداث 14 دجنبر 1991
-
الكنفدرالية الديمقراطية للشغل
-
الوعي لا يحدد وضعية الانسان - قوة الاشياء وقوة الافكار -
-
تمريغ حقوق الانسان في وحل الصراعات السياسية الداخلية والخارج
...
-
التقنية والسياسة
-
المدرسة والمسألة المعرفية
-
نحو المحافظة على الهوية الثقافية والاصالة الحضارية
-
تنزيل الماركسية
-
تذليل المفهوم القروسطوي للدين
-
فشل اردوغان والاخوان في محاولة بعث الفاشية العثمانية
-
المثقف الماركسي والوعي الطبقي
-
دفاعا عن سورية وليس عن الأسد
-
الإتجار بالديمقراطية البرلمانية
-
الديمقراطية وترويض القدرة السياسية في المجتمع
-
الاخوان الفاشيون
-
الإستعارة في اللغة السياسية
-
- امرأة عند نقطة الصفر -
-
الطب والامبريالية في المغرب
-
حين يصبح الانقلاب والتزوير مشروعا
-
منظمة -- حزب -- تيار
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|