|
نظام تشليحي
مروان صباح
الحوار المتمدن-العدد: 4244 - 2013 / 10 / 13 - 23:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مروان صباح / البحث في رحلة شاقة عن قشة النجاة بين العُباب ليس بالأمر السهل مطلقاً ، لأن المرء ما أن يمتلك فن الحياة ، سرعان ما يغادرها ، كأن نقطة النهاية تلتقي عند نقطة المعرفة ، لهذا يجتهد الإنسان بكل ما أوتي من قوة كي يتجنب الانزلاقات والحفريات التى تعج بالطرقات الحياتية من خلال دماغ يتطور قياساته ومكاييله وأوزانه بالقدر الذي يسمح من يحمله بالتزويد المعرفي ، التى من وظائفها تتيح لمكتسبها التمييز بين أزمات التى يخلقها الناس ، نتيجة أزمة أخلاق صادرة من التكوين التربوي ، وأزمات تطل بشكل قسري بعد أن كان يسبقها انفراج ، تتطلب معالجة سريعة قبل أن تتفاقم وتصبح وباء يصطاد من هو عابر الطريق . حقيقة ، ليس تبلّي على المجتمعات العربية ، فما يصيبها من مصائب أدت بإرباك حالها لهذه الدرجة من التخبط ، لم تكن ابداً ايديها بريئةُ من اقتراف معظم ما يجري بمصائرها المثقلة بالأعباء ، كونها تتحمل جُلّ الاخفاقات والمراوحة الكسولة في ايقاع أنماط حياتها ، وبالرغم من التفاوت بين البلاد العربية في توفير الخدمات الجيدة ، إلا أنها جميعها تعاني الآمرين ، وذلك يعود بالتأكيد إلى سوء توزيع الاولويات التى تندرج في الأغلب ، ضمن قنوات استهلاكية غير مجدية اطلاقاً ، لكن المواطن العربي ، دافع الضريبة ، المتضرر المباشر في الحقيقة من قلة الخدمات التى تبدو في أماكن معدومة وفي أُخرى أقل حضوراً ، تماماً كما هي فقيرة في مجالين ، هما ، غاية من الأهمية ، التعليم والصحة ، حيث ترتفع شأناً بالأمن والجيش رغم فشلهما المكرر عند جميع الاختبارات باستثناء بعض العواصم ، مما يدفع الدارسين الابتعاد عن مجال التعليمي كونه يوصف بالتعتيري ، لكن ما يجعل الفجوة شاسعة وآخذةً بالاتساع بين المواطنين ، الأغنياء والفقراء تشير بأن التمييز الحاصل ، يقع في المقام الأول على نمطية تفكير الإنسان العربي ، لأنماط الحياة التى يرغب بسلوكها قبل وقوعه على الحكومات ، اعتقاداً منه أنها الأنسب والآمن طالما أستطاع استحضار جميع تجارب الهاربين من دفع الضرائب ، حيث ترسخت جملة مفاهيم ، جاءت في الحقيقة على قياس مزاج الراغب من التفلت بالمشاركة في حمل المسؤولية ، التى لو دُفعت ضمن مخطط مدروس يُراعى الانفاق حسب الاحتياجات ، سيؤدي ، بالطبع ، إلى ارتقاء بالمجتمع على النحو التراكمي والأنجع ، رغم أن ، النابع لهذا التفلت ، واضح ، ويحال من الأكثرية المنفلتة على الدوام إلى معاقبة النظام الفاسد دون إيجاد حلول بديلة تؤدي إلى ذات الغرض كي تُجنب الجيل الحاضر والأجيال القادمة أن يتأثران من انسداد أفق التطور ، وقد يكون الملّفت بالمسألة أن الشعوب العربية تدفع ضرائب مضاعفة قياساً بما تدفعه الشعوب الغربية ، لكن بطريقة نخبوية عبر سلع معينة أو مركبات باهظة الجمارك ، مع أنَّ ، قيمة الجمارك تساق إلى قنوات معدومة الإنتاج بل تتبخر دون أن يستفيد منها متكبدها بطريقة تؤدي إلى حفظ حقه في المرات القادمة ، إذ ، رغب بتحديث المركبة ، لهذا أحياناً تفسر الأشياء نفسها بنفسها ، دون أن تحتاج لمن يفسرها ، فالخلل ظاهر بشكل لا مجال التخبئة ، لأن الفارق ملموس ، لا يحتاج لمن يدفع الآخر كي يراه ، ما دامت الخدمات التى يتمتع بها ، ميّسور الحال مكتسبة من الضرائب الأقرب إلى الخيال ، التى دُفعت من جيبه مسبقاً ، إلا أنها تأتي بسطوة ماله لا شيء آخر على الإطلاق ، وليست نابعة من توجه خدماتي محكوم باحترام الإنسان دون تمييز . ما يتوجب استنكاره ، أيضاً ، أن الدول العربية بعد رحلة طويلة من تدفق الحكومات التى تعاقبت ، واحدة تلو الآخرى ، مازالت للأسف تعتمد نظام ( التشليح ) من خلال المراهنة على غرائز البشر ، حيث ترتكز موازناتها بالأساس على أمرين دون أن تشعر بأنها عالة على الشعوب ، دونهما تصبح الأمور مهددة بالإفلاس المؤكد ، فالضرائب المفروضة على السيارات والدخان تجعل الحقائق أكثر جليَّةً من أن يتوارى خلفها من يستمتع بالسبات المليء بالضجيج ، كأن ، لم يكفي عجز هذه الحكومات عندما أخفقت بتأمين شبكة مواصلات محترمة تحاكي العصر ، بل توغلت في إقرار عجزها من خلال معاقبة المواطن وشيطنته بتوفير حيلّ دائمية تجبره دفع الضرائب وهو يبكي من شدة الضحك الهستيري ، تماماً ، كالتبغ ، حيث تزداد ضرائبه بشكل مستمر ، ليس من باب حرصها على صحة الفرد أو لأنها تقتدي بالغرب كظاهرة حضارية في محاربة الوباء ، حيث ينطلق الأخير من همه لمعالجة فاتورة المصابين من أمراض التدخين ، الذي دفعه برفع الضريبة على المسبب ، بل ما يجري داخل المربع العربي عكس هذه النوايا تماماً ، فهناك تسهيل لا يكترث ابداً بصحة المدخن ، من حيث ، استيراد اسوأ انواع التبغ بالإضافة كونها مسألة لا تقع تبعيتها على كاهل مؤسسات الصحة بقدر وقوعها على الفرد . من المهم أن تُلّقي الحكومات نظرة عميقة إلى القوانين القائمة منذ زمن ، كان القصور سائداً في وضعها ولم تفّلَت من التقليد الأعمى ، كي تعيد فحص الأنظمة المعمول بها من أول السطر ، فمسؤوليتها وضع خطط قادرة على تخفيف العبء عن كاهل المجتمع وذلك لا يحصل ، إلا ، إن أُوجَدتّ الدولة مقومات حقيقية تؤدي إلى توفير سوق مجتهد ، إنتاجي يحرر الحكومة من الارتهان التعربش على الماضي ، المخصي من أي وسائل تحريرية للأنظمة المتجمدة ، وينقلها من حالة الخمول الذهني إلى التحفيز الفكري الذي يوفر على الدوام حلول تعالج المسائل الطارئة والمزمنة ، لقد شهد العالم تصاعد خطير لمشتقات البترول ، الذي في الحقيقة أربك المجتمعات بما فيها الحكومات ، وعلى الرغم من تحمل الفرد عبء الارتفاعات الشبه مستمرة ، إلا أن المسألة ليست مقتصرة على المحروقات والحركة بقدر ما يعاني العربي في فصل الشتاء من تكبد هائل لفواتير التدفئة التى تضخمت حد الجنون ، ليس منّطقياً ، أن تكون الحكومة مسئولة عن جبي الضرائب وفي ذات الوقت تتخلى عن مسؤوليتها اتجاه حقوق الشعوب بالتدفئة والمواصلات والصحة والتعليم وغيرهم من خدمات تليق بالإنسان العربي المعاصر . والسلام كاتب عربي
#مروان_صباح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المنعطف الأهم
-
الشاهد الوحيد ،،، أُعدم
-
المصالح القادمة بميزان القوة
-
حلاق القرية وسياسي المدينة
-
مقايضة تنتهي بابتلاع التمساح للطيور
-
كي تنجو
-
عصر ... بلا بيت
-
الإمبراطورية الغائبة بالتسمية ... الحاضرة بالأفعال
-
هجرة الفراشات والدرويشيات
-
سوء الفهم
-
ثورة ناقصة
-
المراوحة الثقيلة بين القومية العربية الاسلامية والقومية المص
...
-
عقوق الأبناء بحق ياسر عرفات
-
أرض الحجارة والرمال
-
القدس صديقة المعرفة وعبد الباري صديق الكلمة
-
جرثومة عصية على المعالجة
-
أهي ثورة تقرير مصير أمّ تحريك تسويات
-
ارهاق مجتمعي يؤدي إلى انتحار وطني
-
بآي بآي يا عرب
-
استغاثة تائهة في الصحراء
المزيد.....
-
اليمن: الحوثيون يعلنون مقتل ستة وإصابة العشرات في ضربة أمريك
...
-
محمد بن زايد يستقبل الشرع ويؤكد دعم الإمارات لإعادة بناء سور
...
-
السلطات الروسية تتلقى عشرات الطلبات من أقارب الجنود الأوكران
...
-
-أكسيوس-: الجولة الثانية من المفاوضات الأمريكية الإيرانية قد
...
-
يواجه -خطرا كبيرا-.. نتنياهو مفصول عن الواقع وينفذ -استراتيج
...
-
-لوفيغارو-: الجزائر تطرد 12 موظفا من السفارة الفرنسية في قرا
...
-
المغرب.. وفاة معلمة متأثرة باعتداء طالب عليها وسط غضب كبير (
...
-
مستشار ترامب ينفي وجود أي توترات في علاقته مع ماسك
-
طفرة كبرى.. فك الشفرة الوراثية الكاملة لستة أنواع من القردة
...
-
الإكوادور.. الرئيس الحالي دانييل نوبوا يتقدم في انتخابات الر
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|