|
ماذَنْبُ الأبْرِياء ( قِصَّة )
صفاء الهندي
الحوار المتمدن-العدد: 4242 - 2013 / 10 / 11 - 23:36
المحور:
الادب والفن
كانَ تائِهاً في مَهامِهَ التَفْكيرتَتَقاذَفَهُ أمْواج خَيالاتَه
من سَحابَة الى سَحابة
حاوَلَ أنْ يَتَشَبَّثَ بِفِكْرَة مُعَيَّنَة واحِدَة
لِيَتَمَعَّنَ فيها
لِيُقَلِّبُها مِنْ كُلِّ جَوانِبَها ...
لَعَلَّهُ يَلْمَسُ خَيْطَاً واحِدَاً مِنْ خِيوطِ الماضيْ
وَأيُ ماضي ؟ - إنهُ ماضِيَهُ المَجيدْ
حاوَلَ أنْ يَسْتَرِدَّ لَحَظاتٍ مِنْ تَأرِيخِه
لَحَظاتٍ مِنْ حَياتَهُ الغابِرَة
صورَة واحِدَة
وَلَوْ عَلَى مُسْتَوى الحُلُمِ الجَمِيْلْ ...
لَمْ يَكُ يَدْرِيَ بِجَمْرَة سيكارَتَهُ المُحْتَرِقَة
المُعَلَّقَة بَيْنَ شَفَتَيْهْ
قَدْ وَصَلَتْ الى شارِبِهِ - شارِبِهِ الأشْيَبْ المُصْفَرَّ
مِنْ كُثْرَة إدْمانَهُ على التَدْخِيْنْ ...
لازالَ يَتَفَحَّصِ الأُفُقْ بِنَظَراتَته
تارَةً يَرمُقَ قُرْصَ الشَمْسْ الباهِتْ
وَتارَةً يُقَلِّبُ صِوَرَاً مُجَسَّمَة
رَسَمَها أفولِ الشَمْسِ في المَغِيْبْ
لَمْ تَكُ لِتَعْرِفْ !
هَل تَغَيُّرَ قَسَماتِ وَجْهَهُ عِنْدَ تَأثُّرَه بِشَيءٍماْ ألْفَتَهْ
بِصُورَة - بِمَوْقِفْ - بِحَدَثْ مُعَيَّنْ !
لَمْ تَكُن لِتَدْرِي هَلْ هُوَ مُبْتَسِمٌ أمْ حَزِيْنْ
كانَ وَجْهَهُ صَلِبَاً أشْبَهَ بِحَجَرٍ قَدِيْمْ
تآكَلَتْهُ السِنُوْنْ
مِلْؤهُ نِتوآتٍ وَأخادِيْدْ إثْرَ جُدَرِي أصابَهُ
إبَّانَ طِفولَتَهُ البائسَةْ
لَمْ تَكُنْ تَقْرَعْ آذانَهُ أصْواتِ السَيارات البَعيدَةْ
ولا أصوات وَقْعَ أقْدامِ الناسِ المارَّة بِقُرْبِهْ
رُبَّمَا لَمْ يَكُن مُهْتَمَّاً بِماْ يَجْرِي حَوْلَهْ ...
فهْوَ لازالَ مُشِيحَاَ بِنَظَرِهِ نَحْوَ السَّماء يُقَلِّبُهَا بِطَرْفِهْ
يَتَفَحَّصْ مُحِيْطاتَِها الواسِعَة وشُطْآنَهَا الزَرْقاءَ القَرِيْبَة
يَتَنَقَّلْ بَيْنَ بِحورِها
مِنْ شاطِيءْ الى شاطِيءْ ومِنْ مَنْظَرْ الى مَنْظَرْ
وَقَدْ أبَحَرَتْ بِهِ سَفِيْنَةُ الخَيَالْ
فَشَقَّتْ عُبابَ الغُروبْ
مِنْ صورَة الشَمْسِ الذَاوِيَة الى قَزَعاتِ الغِيومِ الحَمْراءِ المُتَكَسِّرَةْ
على شَواطِئهَاْ
إنْطَفَئتِ السِيْكارَة
وَهِيَ لاتَزالَ مُعَلَّقَة بَيْنَ شَفَتَيْهْ
بَصَقَهَا وَبَصَقَ وَرائهَا
كأنَّهُ أرادَ بِهذا أنْ يُزِيْلَ بَقايا السِيْكارَة
أوْ رُبَّما أرادَ أنْ يُجَدِدَ لُعابَهْ
رَمَى بِطَرْفِهِ نَحْوَ السَماءِ البَعِيْدَة كأنَّهُ يَبْحَثَ عَنْ شَيءْ
أو يَنْتَظِرُ شَيءْ !!
تَشَقَّقَ وَجْهَهُ ماأنْ لَمِحَتْ عَيْناهُ أوَّلَ نَجْمَة لاحَتْ لَهُ فَوْقَ الأُفُقْ
مُسْفِرَاً عَنِ إبْتِسَامَة بائِسَة
لاتَكادَ تُمَيِّزَهَا عَنْ قَسَمَاتِ وَجْهِهِ المُتَحَجِّرْ
في كُلَّ يَوْمْ تَقْريبَاً وَقَبْلَ المَغِيْبْ
يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِه ويَذْهَبَ الى النَّهْرْ
كانَ النَّهْرُ قَريْبَاً من دارِه
يَجْلِسْ هُناك لِيُقَضِّيَ وَقْتَهْ !
في هذا اليَوْمَ تَحْديْدَاَ وَمُنْذُ الصَبَاخْ كانَ مَهْمومَاَ مُنْقَبِضَ النَفْسْ
في هذا اليَوْمْ
كان جالِسَاً كَعادَتِه يُفَكِّرْ - يَتَأمَّلْ - يَتَذَكَّرْ - حاوَلَ أنْ يَسْتَرْجِعَ فَتْرَة مِنْ فَتَراتِ عُمْرِهِ الغابِرْ
وَيَقْضِيَ على الوِحْدَةِ والفُراغِ الذي طالما أزْعَجَهْ
كانَ قَدْ ناهَزَ الخامِسَة والسِتِّنَ مِنَ العُمْرْ ... لكِنَّهُ لازالَ قَوِيَّاً صَلِبَاً
رَغْمَ الحَياةِ المُتْعِبَة التي عاشَهَاْ
فيما مَضى :
كانَ ضابِطاً في الجَيْش ... طَرَدوهُ مِنْه وأحالوهُ على التَقاعُدْ
بِسَبَبِ بَتْرِ قَدَمَهُ اليُمْنَى إثْرَ إنْفِجارِ لُغْمٍ أثْنَاءَ التَدْرِيْبْ ...
إتَّهَموهُ بِالتَعَمُّدْ ! ثُمَّ بَرَّأتْهُ المَحْكَمَة العَسْكَرِيَّة لاحِقَاً بَعْدَ التَحْقيقْ مِنْ هذا الحادِثْ
كانَ يَشْغَلَ مَنْصِبَاً في كَتيبَةِ هَنْدَسَة ألغامْ - فَقَدْ كانَ هذا إخْتِصاصَهْ
كانَ خَبيراً بالألغامْ - أنْواعَهَا - أشْكالَهَا - تَأثيراتَهَا - وخَبيراً حَتى بِصَوْتِ الإنْفِجارْ
هَلْ هُوَ مِنْ لُغُمْ أمْ مِنْ قَذيفَة أمْ مَدْفَعْ أمْ هُوَ مِنْ إنْفِجارِ صاروخْ ...
بَلْ كانَ يَعْلَمْ صَوْتُ الرَّصاصَة !
هَلْ هُيَ مِنْ بُنْدُقِيَّة أمْ مِنْ مُسَدّسْ
كانَتْ عَلامَة وَقَتَ عَوْدَتَهِ الى دارِه قَدْ حانَتْ ماأنْ لَمِعَتْ في السَماءِ أوَّلَ نَجْمَةْ
بَعْدَ الغُروبْ
هَمَّ بِالوُقوفْ - إتَّكَأ على عَصاهُ القَديمَة لِكَي يَنْهَضْ !
لَمَحَ بَرْقَاَ قَوِيَّاً مَلأ السَماءَ لَيْسَ في وَقْتَهُ ولا في أوانَهْ !!
ثُمَّ تَلاهُ دَوِيٌ عَنيفٌ هَزَّ الأرْضْ - هَزَّ المَدينَة وَمَنْ عَلَيْهَاْ ....
عَلِمَ أنَّ ضَوْءَ الإنْفِجارَ يَسْبِقَ صَوْتَهْ
إلْتَفَتَ الى ناحِيَة المدينَة :
- آه ياسَتَّار ياالله .
قالَهَا بِمَرارَه
مِنْ كَثافَةِ الدُخانِ المُتَصاعِدْ ! عَرَفَ أنَّ الإنْفِجارَ كانَ في وَسَطِ المَدينَةْ
لَمْ يَقْوَ على النُهوضْ - أصابَتْهُ رَعْدَة - أخَذَ جِسْمَهُ يَرْتَجِفْ - إنْكَبَّ الى الأرْضْ واضِعَاً رأسَهُ بَيْنَ رِجْلَيْهْ
إنْهَمَرَتْ دُموعَهُ تَتَساقَطْ على التُرابْ وَهْوَ يَجْهَشْ بِالبُكاءْ :
- هاه هاه هاه
ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ نَحْوَ السَماءْ كأنَّهُ يَتَوَعَّدَها
صاحَ بِصَوْتٍ جِهوريٍ أجَشْ
- إلهِي ماذَنْبُ الأبْرِيَاءْ ؟ .
صفاء الهندي
#صفاء_الهندي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
-
موسكو تحتضن المهرجان الدولي الثالث للأفلام الوثائقية -RT زمن
...
-
زيادة الإقبال على تعلم اللغة العربية في أفغانستان
-
أحمد أعمدة الدراما السعودية.. وفاة الفنان السعودي محمد الطوي
...
-
الكشف عن علاقة أسطورة ريال مدريد بممثلة أفلام إباحية
-
عرض جواز سفر أم كلثوم لأول مرة
-
مسيرة طبعتها المخدرات والفن... وفاة الممثلة والمغنية البريطا
...
-
مصر.. ماذا كتب بجواز سفر أم كلثوم؟ ومقتنيات قد لا تعلمها لـ-
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|