عبد الحسين سلمان
باحث
(Abdul Hussein Salman Ati)
الحوار المتمدن-العدد: 4242 - 2013 / 10 / 11 - 13:39
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مدرسة فرانكفورت 2-8
القسم الثاني: الديالكتيك السلبي
حاول الكاتب البريطاني بيتر تومبسون, في الجزء الأول, أن يقدم جواباً على السؤال, المهم , والخطير, و من خلال رؤية مدرسة فرانكفورت:
كيف أمكن خداع الشعوب بحيث تشارك وتتحمل استغلال أنفسها, ومع ظهور الفاشية في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي أصبحت المسألة أكثر إلحاحاً, ما الذي قاد بشر متعلمين إلى إلقاء ثقلهم مع بربرية الفاشية؟
بالنسبة إلى مدرسة فرانكفورت كان هذا في الأخير بسبب الوعي الزائف
.....................................................................................
مدرسة فرانكفورت، القسم الثاني: الديالكتيك السلبي..(1)
تأليف: بيتر ثومبسون
ترجمة : الدكتور هشام عمر النور..(2).
المراجعة والهوامش, و الملاحظات و المصادر: جاسم الزيرجاوي,(ج.أ).
رفض ثيودور أدورنو، على خلاف هيجل، فكرة أن نتيجة الديالكتيك ستكون دائماً إيجابية، ومحددة من قبل....................
لقد كشفت التعليقات على الحلقة الأولى من هذه السلسلة عن مشكلة التقاليد, (العادات المتوارَثة)......(3).
فبالنسبة إلى قارئ تغلب عليه التقاليد الأنجلوساكسونية ونشأ في التقاليد التجريبية والوضعية, empirical and positivist tradition ، (4).
فإن فهم مجموعة من المفكرين تأسسوا في الهيجلية التأملية, (5), والديالكتيك الماركسي يتطلب دائماً قفزة من الإعتقاد. ويتراكب مع هذا حقيقة أن التقليد الأنجلوساكسوني الأحادي اللغة إلى درجة كبيرة عليه أن يتعامل مع ترجمات هؤلاء المفكرين، وهي دائماً ليست أفضل ما يمكن إنجازه.
مثال على ذلك، مصطلح مثل Wissenschaft ,ومصطلح Geist فهي تقليدياً, تترجم إلى "العلم" و"الروح"، وهما, كما يبدوا ,نقيضان لا يلتقيان.
بينما هما كمصطلحين فلسفيين, فإن الفرق بينهما أقل من ذلك بكثير. في الواقع، يمكنك أن تجادل وتقول:
بأن المصطلحين في الإلمانية الأصلية , يمكن ترجمتهما معاً إلى "المعرفة"، "knowledge", ولكنهما نوعان من المعرفة, يرتبطان بالتأمل, speculative .
وحينما نأتي إلى مدرسة فرانكفورت، فإن التقليد الأنجلوساكسوني يصطدم بأسوأ كوابيسه في ليلة خانقة من الإجهاد التأملي.
يفتتح أدورنوTheodor Adorno, بحثه في الديالكتيك السلبي, (6), بمقولة :
إنها عبارةديالكتيك السلبي تتجاهل التقاليد.
فالديالكتيك يعني، منذ عصر إفلاطون، إنجاز شئ إيجابي بواسطة النفي؛ ولاحقاً أصبح "نفي النفي" وهو المصطلح الدقيق.
ويسعى كتاب الديالكتيك السلبي, إلى تحرير الديالكتيك من هذه الخصائص الإيجابية بدون التقليل من صرامته.
بكلمات أخرى، إنه يطلب منا رفض فكرة أن نتيجة الديالكتيك دائماً إيجابية , ولكن بدون أن نترك الديالكتيك وراء ظهرنا كنموذج تفسيري. علينا ببساطة أن نجعله عملية مفتوحة أكثر من كونها عملية مغلقة.
يرى معظمنا, أن الديالكتيك عند هيجل كوسيلة يمثل بها التاريخ الإنساني، عبر التناقض والتوتر، تجلي الحرية الإنسانية كتعبير عن روح العالم Weltgeist, (7).
ولكل عصر روحه zeitgeist ,(8),(نوع من المظهر المؤقت على الأرض كتعبير عن المطلق – كأن نقول أن المسيح هو الإله وقد جاء إلى الأرض),
ولكن كل واحد من هذه العصور مرتبط بالعصر اللاحق ومستوعب فيه aufgehoben,(9).
وهذا يعني (أن التاريخ ليس فقط أمراً ملعوناً بعد الآخر) كما قال ألان بنت، (10), ولكن نمو متدرج من خلال تناقض الأطوار الضرورية لتحقيق المطلق.
وكما أشار إرنست بلوخ, أن الصيرورة، werden، (11),هي كلمة هيجل السرية والتاريخ ,ببساطة هو عملية الصيرورة.
ولذلك فإن الديالكتيك هو طريقة لفهم فكرة قديمة وضعها هيراقليطس بأن أي شئ دائماً في سيولة، panta rhei، بحيث تكون الحالة الأساسية للعالم هي التغير وليس الاستقرار.
ولكن التغير إلى ماذا؟
عند هيجل يكون هدف التغير هو المطلق .
بينما عند تابعه الأشهر، ماركس، هو تحرير الإنسانية في شكل ما من المجتمع الشيوعي, يتحقق بواسطة الفعل الواعي للطبقة العاملة في تغلبها على العقبة الديالكتيكية الأخيرة ,بإزالتها للطبقة الحاكمة ومن ثم، منطقياً، لنفسها هي ذاتها.
الديالكتيك الماركسي أبدل الروح المثالية, Geist, للعصر والتي تعمل بطرق غامضة بالصراع الطبقي المادي المتعين كماكينة للتاريخ،Engine of history ,تقدم التاريخ دائماً وتكونه كما هو كذلك.
وفي وقت مبكر في نهاية القرن التاسع عشر، تمت هجلنة , Hegelianised ,هذا التحليل الماركسي بمعنى أنه أصبح يتم التعبير عنه وعلى نحو متزايد, كتحقق تلقائي وحتمي لطريق تم تحديده من قبل.
انتقد أدورنو , Adorno , هيجل ,لأنه كان السبب في هذا بتقديمه لديالكتيك إيجابي ووضعي يكون فيه "كل شئ واقعياً لأنه عقلانياً"، "Everything that is real is rational ,(12),لأن كل شئ يأتي للواقع يجب أن يساهم بطريقة ما في أعمال المطلق, Absolute , .
وإذا أردنا أن نستخدم مصطلحاً فلسفياً فإن هذا يعني أنه يوجد عند هيجل "هوية الهوية واللاهوية", "identity of identity and non-identity" .
وبلغة أقرب إلى العادية، فإن هيجل يجادل بأن الوجود ككل يتكون من وحدة كل الأضداد، التي يكون فيها لكل شئ محله , وأن التوتر, Tension ,بين هذه الأضداد يحل نفسه تدريجياً إلى الكل الموجود قبلياً, Pre-existing.
يقلب الديالكتيك السلبي هذا, على رأسه, ويقول أن هنالك :
"لاهوية الهوية واللاهوية", "non-identity of identity and non-identity" .
أو أن الوجود غير كامل، أي أن به ثغرة , a hole , حيث يجب أن يوجد الكل.
فالتاريخ ليس تجلٍ بسيط, لمجال ما ظاهري محدد من قبل، ومن ثم فإن الوجود "غير كامل أنطولوجياً", ontologically .
وهنا نجد الصلة بين ماركس وفرويد ؛ لأن ماركس حين يتحدث عن العوامل المادية الموضوعية , العاملة في التاريخ والتي تحدد وعينا (الوجود يحدد الوعي) والتي على الرغم من ذلك, لسنا واعيين بها بالضرورة،
فإن فرويد, يجادل أيضاً بأن وجودنا اللاواعي الموضوعي،, والذي هو أيضاً وبنفس الدرجة لسنا واعيين به، يحدد أفكارنا الواعية.
ومن ثم فإن المضمون الخفي , لأحلامنا, يعادل الغير متحققه, والخفي لتاريخنا الإنساني (أنظر إلى خطاب ماركس لروج في الحلقة السابقة), (11).
تم تصميم ديالكتيك أدورنو, Adorno ,السلبي , بحيث يفتح هذه الممكنات الغير متحققة على المستويين الكبير, macro والصغير، micro, (12), على مستوى الفرد كما على مستوى السيكولوجيا الجماعي, لكي يمكن التغلب على المعاناة الفردية والاجتماعية معاً.
وعلى نحو دقيق فإن التناقض بين ما هو كائن وما يمكن أن يكون, هو الذي يسمح لنا بتجاوز الحدود، التي لطالما كنا حاضرين ضمنها، لكي نستطيع أن نخلق غايتنا، بدلاً من السير نحوها ونحن نائمين.
وهذا يعني أننا نتحرك من الضرورة إلى العرضية, contingency ( الصدفة...ج.أ).
.
ليس هناك في الديالكتيك السلبي, ضرورة للأشياء لكي تتغير على نحو محدد.
والغائية المتجه إلى المستقبل, future-orientated teleology التي زعم أدورنو, أن هيجل يتبعها ,تم استبدالها :
بغائية استرجاعية , retrospective teleology, فيها نستطيع أن نرى فقط ما حدث ,وأوصلنا إلى حيث ما يجب أن نفعله لنصل إلى هناك، ولكن بدون أن تكون هنالك ضرورة لحدوثه على هذا النحو.
الإنسان نتاج للتطور ولكن التطور ليس هناك لخلق الإنسان.
عبّر والتر بنجامين , WBenjamin ,(15), عن هذا بعبارة شهيرة ,هي, ملاك التاريخ, ,angel of history , الذي يتحرك إلى الوراء, للمستقبل ,مع بقايا التاريخ التي تتراكم حول قدميه.
الديالكتيك السلبي، في نهاية الأمر، هو إذن ديالكتيك مفتوح مشروط بأحداث عرضية وليس بغاية محددة قبلياً, pre-given.
الحلقة القادمة سأنظر في الكيفية التي يعمل بها هذا من زاوية النظر التي تحاول الخروج من رأسمالية الاستهلاك الغربية.
وإذا كنت تريد أن تقوم ببعض القراءات التحضيرية , فأنا أقترح عليك قراءة, كتاب جدل التنوير, (16).
الملاحظات, و المصادر:
1. http://www.theguardian.com/commentisfree/2013/apr/01/negative-dialectics-frankfurt-school-adorno
2. http://www.hurriyatsudan.com/?p=107864
3. تم التعلق على الجزء الأول من هذه السلسة في جريدة الجارديان,بحصيلة, 325 معلقاً.
بينما , لم يعلق في نفس المقال وفي الحوار المتمدن, الأ ثلاثة زملاء فقط, وبنسبة, 1%, مقارنة مع جريدة الجارديان.
4. الفلسفة التجريبية , توجه فلسفي يؤمن أن كامل المعرفة الإنسانية تاتي بشكل رئيسي عن طريق الحواس والخبرة. تنكر التجريبية وجود أية أفكار فطرية عند الإنسان أو أي معرفة سابقة للخبرة العملية.
وعموما، التجريبية اليوم تعني المنهج التجريبي للوصول للمعرفة، استنادا إلى البحوث والى الطرق الاستدلالية، التي تفضل عن المنطق الاستنباطي الخالص. في هذا المعنى، يمكن ضم في التيار التجريبي شخصيات مثل أرسطو، توما الاكويني، روجر بيكون، توماس هوبز، وفرنسيس بيكون
وضعية Positivism هي احدى فلسفات العلوم التي تستند إلى رأي يقول أنه في مجال العلوم الاجتماعية، كما في العلوم الطبيعية، فأن المعرفة الحقيقية هي المعرفة والبيانات المستمدة من التجربة الحسية، والعلاجات المنطقية والرياضية لمثل هذه البيانات والتي تعتمد على الظواهر الطبيعية الحسية وخصائصها والعلاقات بينهم والتي يمكن التحقق منها من خلال الأبحاث والادلة التجريبية.
5. نقد فلسفة الحق عند هيجل : http://www.e-socialists.net/node/3802
6. يمكن قراءة الكتاب في النت , في الرابط التالي:
http://books.google.co.uk/books?id=5ppaldMS7XQC&-print-sec=frontcover&source=gbs_ge_summary_r&cad=0#v=onepage&q&f=false
7. Weltgeist: روح العالم , وهو المفهوم المركزي في كتاب هيجل : فينومينولوجيا الروح 1807, و الذي وصفه ماركس بأنه "المصدر والسر الحقيقي للفلسفة الهيجلية" وفيه يدرس هيجل تطور الوعي الانساني من علاماته الأولى حتى التطور الواعي للعلم , ووصف انجلز كتاب " فينومينولوجيا الروح " بأنه ميلاد وتشكل الروح الانسانية وأصل التأصل التاريخي الكامن في كل تفكير هيجل. وقد اعتبر هيجل: أن نابليون هو "روح العالم على صهوة جواد."
8. Zeitgeist= (spirit of the age´-or-spirit of the time), روح العصر, استخدم هيجل عبارة der Geist seiner Zeit , للدلالة على روح العصر و لم يستخدم المفردة Zeitgeist.... The Hegel Dictionary: By Glenn Alexander Magee
http://books.google.co.uk/books?id=khvwPJMzNzMC&pg=PA262#v=onepage&q&f=false
9. Aufgehoben, = sublation= negate, يرفع, يجاوز. من اهم المصطلحات الهجيلية , واكثرها شيوعا, ويعني: يلغي و يحتفظ في وقت واحد.
وقد استخدمها هيجل لتطلق على الشئ الذي يرفع نفسه.
10. ألان بنت: Alan Bennett, (09-05-1934), كاتب و ممثل بريطاني, مؤلف مسرحية : The History Boys, 2004.
http://www.theguardian.com/stage/2006/oct/17/theatre.schools?guni=Article:in%20body%20link
11. Warden: الصيرورة: الصيرورة عند ( هيجل ) سر في صميم الوجود، سر التطور، وهي التي تحل التناقض بين الوجود واللاوجود
12. "كل ما هو واقعي عقلاني، وكل ما هو عقلاني واقعي
http://www.marxists.org/archive/marx/works/1886/ludwig-feuerbach/ch01.htm
13. http://www.marxists.org/archive/marx/works/1843/letters/43_09.htm
14. Macro = large , كبير
Micro = small , صغير
15. WBenjamin: 1892-1940, ناقد ادبي الماني , وفيلسوف,ومترجم و مذيع, يجمع مابين التصوف اليهودي و المادية التاريخية. كان من مدرسة فرانكفورت.
http://www.marxists.org/reference/archive/benjamin/1940/history.htm
16. كتاب, جدل التنوير: Dialectic of Enlightenment, كتبه كل من: ماكس هوركهايمر , و ثيودور ادرنو.
يمكن تحميل الترجمة العربية, من الرابط التالي: http://www.asswatkom.com/bibliotheque/543-jadal-tanwir.html
#عبد_الحسين_سلمان (هاشتاغ)
Abdul_Hussein_Salman_Ati#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟