ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 1211 - 2005 / 5 / 28 - 14:28
المحور:
كتابات ساخرة
منذ عشرين عاماً، كنت أراهن زميلي في ( العسكرية ) عند حصولي على إجازة، بأنني أستطيع السفر من العاصمة إلى مدينتي ذهاباً وإياباً، بمبلغ لا يتعدّى الـ ( 25 ) ليرة!!
صحيح إنني كنت أقتصد بنفقات السفر إلى درجة البخل على حدَّ قول زميلي؛ فمثلاً لم أكن أتناول أيَّ طعام أو شراب خلال الرحلة. بذريعة أن أنظف طعام وألذّه.. طعام البيت.
ومع ذلك كنت أكسب الرهان.
وطبعاً لم يكن آنذاك من وسيلة للنقل غير الـ (الهوب هوب) إضافةً إلى (الكرنك) الذي لم نكن نجرؤ على الاقتراب منه، لأنه كان مصنفاً لـ" الأكابر ". ولعلَّ أكثر ما كان يجعلني بطلاً حقيقياً في مغالبة النفس لكسب الرهان، هو فوزي الصعب في الامتحان الذي كان يفرضه عليَّ توقَّف الباص في الاستراحة. حيث ينزل جميع الركاب، يتقدَّمهم السائق ومعاونه، اللذان يتجهان فوراً إلى جناح خاص بالسائقين.
وما إن يجلسا.. حتى تأتيهما صينية أكل كبيرة, يتوسطها صحن لحمة وحوله المقبَّلات المزيّنة بأوراق النعناع والبقدونس وشرائح البندورة والخيار.
عندها؛ تُختصر أحلامي وأمنياتي كلها وتتكاثف في فكرة واحدة:
( هل سيأتي اليوم الذي أجلس فيه إلى جانب السائقين وأتناول ما لذّ وما طاب؟! ) .
ومع ذلك، كنت أكسب الرهان.
والآن وبعد مضي عشرين عاماً، أصبحت أراهن زوجتي عند سفري إلى العاصمة بمهمة وظيفية. أنه بمقدوري الذهاب والإياب والمبيت ليلة هناك... بما لا يتجاوز الـ ( 400 ) ليرة!! إلاَ أن شروط التقدم للرهان باتت أكثر تعقيداً؛ مع أنني أتزوَّد بسندويشة من البيت بحجة النظافة المفقودة في الاستراحات.. ولكن كل شيء هناك مأجور؛ فالدخول إلى التواليت بأجر، وتناول القهوة، بسعر سياحي! والسلع المعروضة بتفنَّن من قبل مروَّجيها، باتت أكثر استفزازاً من السابق.
ومع ذلك كنت أكسب الرهان.
وفي آخر مهمة سفر إلى العاصمة قلت لنفسي:
( عمْرو ما حدا يورث ْ.. يا رجل العمر بيخْلص والشغل ما بيخلص!! سوف أدخل إلى الاستراحة مرفوع الرأس عابساً متفحَّصاً كبعض المسؤولين، وأطلب ما تشتهيه نفسي ولْيكنْ ما يكون ) .
وبالفعل، وبعد انتهائي من وجبة اللحم الدسمة. شعرت بالغثيان.. وما هي إلاَ لحظات حتى بدأت التقيؤ!
عندئذٍ أدركت ضرورة التقيد بمبدأ الرهان. فقد كانت هذه المرة هي الأولى وربما الأخيرة التي أخسر فيها الرهان.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟