|
الانسان العربي : القيمة والحقيقة -1-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4239 - 2013 / 10 / 8 - 09:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كل شيئ هو محض فكرة ، لاوجود للانسان الا بتحقق الفكرة ، وكلما ترجم الانسان فكرته في علاقاته وممارساته ، تحقق من نوع فكرته . فالانسان هو مادة خام ، كجميع المواد ، ولا يصبح انسانا نوعيا الا اذا كشف حقيقة معدنه او مادته ، لا يهم هنا سنه ونسبه او ثروته ، بل علاقاته وحديثه وعمله او كتابته هي المحدد الأساس لجوهره . كالماس المستخرج من الفحم ، أو كاللؤلؤ المستخرج من المحار ، او الذهب المدفون في التراب ، أو السنابل المضمرة في حبات القمح المخزون والأرض البوار ،لايمكن أن يصبح في شكله الأغلى والحقيقي الا ببذل الجهد ، مع العلم ان الانسان يظل ظاهرة أعقد من الأمثلة المومأ لها أعلاه . هل يمكن مناقشة -فكرة - أن الانسان هو مجرد فكرة في ظل ثقافة لاتؤمن بالانسان كمركز وجودي أثبتته كل العلوم والشرائع ؟ . لنبسط السؤال ، هل يمكن البحث عن شيئ ما خارج الانسان ؟ ، بمعنى هل يمكن طرح سؤال الانسان أو سؤال موجود من موجودات الوجود خارج هذا الكائن المسمى -انسان - ؟ في الحقيقة لا يمكن أن أنفي مراجعي الدينية ، كما فعل كبار الفلاسفة ، ويفعل بعض كبار المثقفين ، كما لايمكن انكار عدد هائل من المراجع الانسانية التي أثبتت مركزية الانسان . لكن مركزية الانسان تظل نظرية غامضة ، وان قعد لها وتنبه اليها كل المشتغلين بجوهر الانسان ، من الصوفية الى علماء الاجتماع الالهي :Sociologie du dieu . مرورا بعلماء الفيزياء المعاصرين . وطبعا لن أتحاشى نبضات قلبي ؛ شعراء القيمة العليا . بمسح جيوكتابي * ، يمكن الاقرار مسبقا ،أن الاسنان قيمة القيم ، ودونه لن تبقى للأخلاق قيمة ، فمن خلاله ، ومن خلال علاقاته ، يمكن وضع سلم للأخلاقيات ، بعيدا عن كل ميتافيزيقا متعالية ، هنا نفسها الميتافيزيقا تتنزل أو تنزل لتشرب معنا فنجان قهوة ، للبلاغة مشاكستها . وكما يقول دولوز "كلنا يعلم ماذا يعني "فعلُ " فكرَ . والجميع يمتلكون امكانية التفكير ، والجميع يطلبون الحقيقة "1- ما هي الفلسفة : جيل دولوز ،فليكس غاتاري .تر: مطاع صفدي .ص: 77 . لكن القضية هنا لا تتعلق بعملية التفكير ، ولن نرهق الصفحات بتدبيج وتكرار قاعدة ديكارت " أنا أفكر ، أنا موجود " ، فالضية في العالم العربي ؛ وحتى يومنا هذا تطرح بالشكل الاتي : أنا فكرة ، أين مضموني ؟" . معلوم أن لكل فكرة مضمون ، وان كان اعتباطيا ، فسمة الاعتباط هنا لها قيمتها الوجودية ، انها تدل على حالة ما ، على وجود مشوه او منحرف . لكن حين نصطدم بوجود لا تأثير له هنا يستفز الانسان بنفسه ، ويطرح سؤاله البدائي ، من أنا ؟ . حين ننطلق مع جميع المفكرين ونناقش أفكارهم حول ماهية الفكر ، فسوف نعود الى الثنائية التقليدية ، فكر متعالي فوقي مفارق ، وفكر وجودي سطحي محايث . لكن هناك مراحل انسانية يقع الانسان امام فراغ مخيف ومفزع ، امام فكر لاهو ميتافيزيقي ، ولا هو فيزيقي ، فكر لا معنى له ولا صفة . انه الانسان الامعية . لماذا اصر أرسطو على اعتبار الانسان حيوان عاقل ؟ ، وهو المهووس بهذا الكائن الاجتماعي ، فعقلانية الانسان لا تتوضح الا داخل منظومة من العقلانيات ، او داخل منظومة من العقلانية الشاملة كي لا نفقد المرحلة التاريخية الأرسطية نكتها الفلسفية . نحن اذن لسنا امام مفترق طرق ، يمكن ان نصعد عبره او ننزل . اننا هنا أمام الكاوس CHAOS ، ليس بمعنى الهباء او الهيولي الاغريقي او السديم الهايدجيري ، بل هو يأخذ معناه البورخيصي الأدبي ، أي الخلاء . هذا هو ما يؤرق كل مفكر عربي حر ، هو لعنة الخلاء . العرب اليوم مجرد خلاء ، كل هذه الكائنات الانبطاحية مجرد أرض مسطحة كما قال دولوز في كتابه المشار اليه أعلاه . الشعوب تدوسها أقدام الحكام ، والحكام تدوسها اقدام الغرب . لاعلاقة للانسان هنا بهويته او قيمته . رغم انه مكرم من قرآنه ، فهذا القرآن أصبح نفسه يستعمل لأغراض التهجين والذلة والمسكنة .
في أوربا عموما ، وعند أواخر القرن الثامن عشر تحديدا ، كان الصراع حول الانسان قد عرف ذروته . صراع مرير بين دعاة تحرير الانسان ، وبين دعاة امتلاك الانسان . بين الثورة كتطور وابداع ، وبين الثورة المضادة كانحطاط وتراجع ، وقد تم توظيف الاله في هذا الصراع توظيفا مشوها ، الى درجة أن مفكرا فرنسيا حداثي عنون أحد فصوله كالتالي " لكلٍّ الهه " ، وعنون فصلا آخر هكذا " الالاه مسألة ، لغة " -2- . وما زال الصراع قائما الى ساعتنا حول هذا الانسان ، حول امتلاكه ، لكن الصراع اليوم اكتسب طابعا آخر في العالم الآخر " الغرب " ، واحتفظ بنفس أساليب عصور الظلام الغربي هنا عند العرب .ولم تستطع العقلية العربية "التكيف مع مقتضيات الحياة العصرية والتفتح على العالم " -3- كما دعى الى ذلك المفكر المغربي عبد الكبير الخطيب . فمفهوم الزمن الفيزيائي الشديد السرعة لا ينتسب الينا ، نحن معشر بدائيي هذا العصر . الاسنان العربي ظل وفيا للوراء ، للفراغ ، انه يتشبث بكل جوارحه بكل ظواهر الانحطاط ، من تاليه الحاكم ، الى التعلق بالثقافة الغربية في احط نماذجها ، الى التشبث بالماركسية التقليدية ، وازدراء التطور وان انبثق منه ، من ذاته . انتكاسة الذات أمام مرآتها . حطام المرآة . فكرنة الواقع وعقلنته وشعرنته ، خطوات دونها عقل المختصين بالفلسفة أو الفكر او الشعر في العالم العربي . أما الحاكم فالتقليدانية هي قلعته التي يضمن بها استمراره في منصبه . الهوامش ****** 1--ما هي الفلسفة . جيل دولوز ،فليكس غاتاري .تر: مطاع صفدي . ص : 77 2--Gerard Gengembre . La contre-Revolution ou l histoire déséperante :-;-p122 et 138 3--عبد الكبير الخطيب : النقد الزدوج . ص" 11
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-21-
-
الأم خط أحمر
-
كأنه الموت .....
-
شعرية الانفجار عند ايمان الونطدي -2-
-
لاسقوف للعبارة
-
المغرب وريح الشركَي
-
عالم جديد في طور التكوين -3-
-
انصفوا عمال الانعاش الوطني
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-20-
-
عن الدخول الثقافي بالمغرب
-
اعدموا الصحفي علي انوزلا
-
البحث عن الغائب الحاضر -رواية -19-
-
تجربة العدالة والتنمية الفارغة
-
لذة السقوط
-
عالم جديد في طور التكوين -2-
-
طريق النسيان
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-18-
-
سفر في مقهى -الرايس -
-
عالم جديد في طور التكوين -1-
-
وجع بوجهين
المزيد.....
-
الملك سلمان يصدر أمرا بشأن قواعد إجراء التسويات مع مرتكبي جر
...
-
الصين تبني أكبر مركز قيادة عسكري في العالم يفوق البنتاغون بع
...
-
ِشريك موميكا حارق القرآن يعلق بعد مقتل الأخير
-
وزارة الدفاع التركية تعلن فصل 3 ضباط -تأديب وانضباط- و5 ضباط
...
-
عباس يهنئ الشرع بمناسبة توليه رئاسة الجمهورية العربية السوري
...
-
التلفزيون المصري عن صورة السيسي بصحيفة إسرائيلية: تهديد لا ي
...
-
-واتساب-: شركة تجسس إسرائيلية استهدفت مستخدمين
-
ترودو: جاهزون للرد في حال إصرار واشنطن على تنفيذ قرارها بزيا
...
-
الأمن العراقي ينشر تفاصيل القبض على قتلة محمد باقر الصدر
-
البوندستاغ الألماني يرفض مشروع قانون لتشديد سياسة الهجرة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|