أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد العالي كركوب - محمد عابد الجابري و مشروع نقد العقل العربي ، الجزء الأول: مكونات و بنيات العقل المعرفي العربي















المزيد.....

محمد عابد الجابري و مشروع نقد العقل العربي ، الجزء الأول: مكونات و بنيات العقل المعرفي العربي


عبد العالي كركوب

الحوار المتمدن-العدد: 4239 - 2013 / 10 / 8 - 02:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


محمد عابد الجابري و مشروع نقد العقل العربي
الجزء الأول: مكونات و بنيات العقل المعرفي العربي
شهد العالم العربي و من بينه المغرب عدة مشاريع فكرية، كان هاجسها الأساس التفكير في سؤال النهضة؛ مع اختلاف في كيفية المعالجة، التي ترجع إلى تعدد المداخل المنهجية المعتمدة. فإلى جانب المشروع القائم على النقد المزدوج لعبد الكبير الخطيبي، و المشروع القائم على النقد التاريخي لعبد الله العروي، هناك مشروع آخر قائم على النقد الابستمولوجي، و هذا المشروع هو الذي قدمه الأستاذ محمد عابد الجابري، و يعرف بمشروع "نقد العقل العربي"، حيث حاول من خلاله الإجابة عن سؤال النهضة، انطلاقا من نقده للعقل العربي سواء في مستواه المعرفي، أو القيمي الأخلاقي، أو السياسي. وكل هذا كان الغرض منه إبراز المعيقات التي تمنعنا من التقدم، و تجعل عقلنا عقل مستقيل، و كذا الوقوف عند الطريق الذي يؤدي إلى إحقاق العقل الناهض...
يتحدد مشروع "نقد العقل العربي" في أربعة أجزاء أساسية، و هي: "تكوين العقل العربي" و " بنية العقل العربي" اللذين يشكلان دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية، "العقل السياسي العربي" الذي يعتبر دراسة تحليلية نقدية للنظم السياسية في الثقافة العربية، و أخيرا "العقل السياسي العربي" الذي بعتبر دراسة تحليلية نقدية للنظم القيمية في الثقافة العربية.
بدأ الأستاذ الجابري بتتبع مراحل تكوين العقل العربي داخل الثقافة العربية العالمة، و يقصد بها "التي دونت و صنفت و أعيد بناؤها خلال عصر التدوين و امتداداته"(1) و خلص إلى أن "الثقافة العربية في حاجة ماسة و ملحة إلى إعادة كتابة تاريخها"(2) فتاريخ الثقافة العربية الراهن مازال مجرد تكرار و اجترار لنفس التاريخ الذي كتبه أجدادنا و مازال خاضعا لنفس الاهتمامات و الإمكانيات التي وجهتهم و تحكمت في رؤاهم، مما جعل التاريخ الذي خلفوه تاريخ فرق و طبقات و مقالات، يقول الأستاذ الجابري في هذا الصدد: إن تاريخ الثقافة العربية "هو تاريخ اختلاف في الرأي و ليس تاريخ بناء الرأي"(3) فكل الدراسات الراهنة حاولت أن تعيد إنتاج نفس التاريخ الموروث، بل الأكثر من ذلك أنه أصبح يخضع للتشويه و التحريف، و ذلك قصد إثبات الجدة و الأصالة و السبق التاريخي، و هذا يؤدي –حسب الجابري- إلى عدم التقيد بالنظرة العلمية الموضوعية للأشياء.
و لتجاوز كل هذه المعيقات حاول الجابري التخلص من العوائق الإبستمولوجية، و الهواجس الإيديولوجية على اعتبار أنها تعرقل انطلاقة البحث العلمي في التراث العربي الإسلامي، و ركز اهتمامه على الجانب الإبستمولوجي "أي البحث فيما يؤسس المعرفة داخل الثقافة العربية"(4) و بذلك وقف عند تصنيف جديد لعلوم و ضروب المعرفة في الثقافة العربية، مخالف للتصنيف القديم، على اعتبار أن هناك علوم نقلية و أخرى عقلية، أن هناك علوم دين و علوم لغة، أو أن هناك علوم عرب و علوم عجم... في حين أن الوقوف عند البنية الداخلية للمعرفة؛ أي آلياتها و وسائلها و مفاهيمها الأساسية، هو المؤسس للتصنيف الجديد، و يحدد الجابري التصنيف الجديد بقوله:"هكذا أمكن تصنيف العلوم و جميع أنواع المعارف في الثقافة العربية الإسلامية إلى ثلاث مجموعات: علوم البيان من نحو و فقه و كلام و بلاغة، و يؤسسها نظام معرفي واحد يعتمد قياس الغائب على الشاهد كمنهاج في إنتاج المعرفة"(5) و هذا ما أسماه الجابري بالمعقول الديني العربي المقيد بالمجال التداولي للغة كرؤية و استشراف. " و علوم العرفان من تصوف و فكر شيعي و فلسفة إسماعيلية و تفسير باطني للقرآن و فلسفة إشراقية و كيمياء و تطبب و فلاحة نجومية و سحر و طلسمات و علم تنجيم ... و يؤسسها نظام معرفي يقوم على "الكشف و الوصال" و "التجاذب و التدافع" كمنهاج"(6) و هذا ما أسماه الجابري باللامعقول العقلي؛ أي ما ينسب إلى العقل لا إلى الدين، و الذي كرسته الهرمسية كرؤية و استشراف. و أخيرا علوم البرهان من منطق و رياضيات وطبيعيات و إلاهبات، بل و ميثافبزبقا، و يؤسسها نظام معرفي واحد يقوم على الملاحظة التجريبية و الاستنتاج العقلي كمنهج(7) و هذا ما أسماه الجابري بالمعقول العقلي؛ أي المعرفة العقلية المؤسسة على مقدمات عقلية – كرؤية و استشراف.
و لم يتوقف الجابري عند هذا التصنيف الجديد فقط، بل قاده بحثه الأبستمولوجي القائم على الاهتمام بالبنية الداخلية للثقافة العربية إلى تبيان طبيعة الحركة داخل هذه الثقافة، و يشير إلى أن هذه الحركة هي أقرب أن تكون حركة اعتماد منها إلى حركة نقلة، لأنها إذا كانت حركة نقلة، فإنها كانت ستنتقل من مرحلة لأخرى ويتجاوز بفضلها اللاحق السابق، ينفيه و يلغيه بعد أن يحتفظ منه بما يقبل الحياة و التجدد.
إذن، فالنتيجة التي يؤكدها الجابري هي أن الثقافة العربية الإسلامية قد ظلت تعيد إنتاج نفسها منذ عصر التدوين، باستثناء التجربة الأندلسية التي ما فتئت أن اختنقت، فلم يتردد لها أي صدى في الثقافة العربية، فالزمن الثقافي العربي ظل هو هو منذ عصر التدوين يجتر نفسه يتموج من ذات "اللحظة" حتى انتهى به الأمر إلى الركود...(8)
و السبب في هذا الركود –حسب الجابري- يستنبط من خلال المقارنة بين الحضارة العربية و الحضارتين اليونانية و الأوروبية، و السؤال الإبستمولوجي الذي يطرح هو: لماذا لم تتطور أدوات المعرفة (مفاهيم، مناهج، رؤية...) في الثقافة العربية خلال نهضتها في القرون الوسطى إلى ما يجعلها قادرة على إنجاز نهضة فكرية و علمية مطردة التقدم على غرار ما حدث في أوروبا ابتداء من القرن الخامس عشر؟
و بشكل مختصر فالتجربة اليونانية أتت بشيء جديد في تاريخ الفكر البشري، و هو الفلسفة، و كان عنصر التقدم هو العلم، انطلاقا من طاليس و مرورا بكل الفلاسفة الطبيعيين اللاحقين عليه وصولا إلى أرسطو، كان التقدم العلمي هو المؤسس و الحافز و الدافع، لكن رغم كل هذا، فقد عرف الفكر اليوناني ركودا، خصوصا بعد أرسطو الذي أكمل بناء الصرح النظري للفكر الفلسفي و العلمي اليونانيين. وسبب هذا الركود هو أن العقل اليوناني كان يعرض عن التجربة و يحتقر المعرفة الحسية التي بإمكانها أن تفتح المجال للعقل ليراجع نفسه، و بالتالي ليتجدد و ينمو. مع التجربة الأوروبية الحديثة و ظهور العديد من الأبحاث العلمية الجديدة أضيف عنصر آخر إلى العلم و هو التجربة، فوصلت أوروبا إلى ما وصلت إليه من تقدم ملموس توج بظهور التقنية، و بالتالي "فتقدم الفكر كأداة و كمحتوى كان و لازال مرهونا بتقدم العلم"(9)
إذن، إذا كان العلم هو أساس التقدم، ألم يكن هناك علم عربي يساهم في تقدم الثقافة العربية الإسلامية؟
نقول باختصار انطلاقا مما قدمه الجابري، أنه كان هناك علم عربي و الدليل على ذلك أبحاث الخوارزمي و ابن الهيثم و ابن البنا المراكشي... و غيرهم من العلماء العرب البارزين، لكن هذا العلم كان موضوعا على الهامش، لأن الأمور الدينية كانت هي السائدة و المسيطرة، و بالتالي فحضارة العرب هي حضارة فقه، كما أن حضارة اليونان حضارة فلسفة، و حضارة أوروبا حضارة علم و تقنية. و عندما انتهت كل الأبحاث المتعلقة بالأمور الدينية مع علماء الدين أمثال الشافعي و غيره، تم غلق البحث الديني، مما جعل الأبحاث اللاحقة مجرد تكرار و اجترار لما سبق، و بالتالي فإن كل هذه العوامل اجتمعت لتعلن استقالة العقل العربي.
و هكذا نكون قد قدمنا و لو بشكل مختصر التصنيف الجديد لضروب المعرفة و كذا سبب ركود الثقافة العربية.
و بعد انتهاء الجابري من خلال دراسته لمكونات العقل العربي داخل الثقافة العربية إلى التمييز بين ثلاثة نظم معرفية "يؤسس كل منها آلية خاصة في إنتاج المعرفة مع ما يرتبط بها من مفاهيم وينتج عنها من رؤى خاصة كذلك"(10) كان أمام تحليل هذه النظم المعرفية الثلاثة و فحص آلياتها و مفاهيمها و رؤاها و علاقة بعضها ببعض "مما يشكل البنية الداخلية للعقل العربي كما تكون في عصر التدوين و كما استمر إلى اليوم"(11).
و عندما يتحدث الأستاذ الجابري عن العقل العربي فهو يقصد به "جملة المبادئ و القواعد التي تقدمها الثقافة العربية الأسلامية للمنتمين إليها كأساس لاكتساب المعرفة و تفرضها عليهم كنظام معرفي"(12)، و أول صنف معرفي هو البيان؛ و يقصد به كفعل معرفي: الظهور و الإظهار و الفهم، أما كحقل معرفي فهو "عالم المعرف الذي تبنيه العلوم العربية الإسلامية الخالصة، علوم اللغة و علوم الدين"(13)، و كنظام معرفي فالبيان هو جملة المبادئ و المفاهيم و الإجراءات التي تعطي لعالم المعرفة ذاك بنيته اللاشعورية. أما الصنف الثاني فهو العرفان، و يقصد به كفعل معرفي الكشف أو العيان، و كحقل معرفي في ارتباطه بالإسلام فقد تأسس ارتباطا بالنص (اللغة) و بالشريعة (السياسة)، و كنظام معرفي فالعرفان هو جملة المبادئ و الإجراءات التي تدور حول قطبين رئيسيين، أحدهما يستثمر اللغة بتوظيف الزوج الظاهر/الباطن الذي يكافئ و يوازن الزوج اللفظ/المعنى في النظام البياني، و الثاني يخدم السياسة و يستثمرها في نفس الوقت صراحة أو ضمنا و ذلك بتوظيف الزوج الولاية/النبوة الذي يكافئ و يوازن الزوجين: الأصل/الفرع، و الجوهر/العرض، في النظام البياني (14).
و بالنسبة للصنف الثالث أي البرهان، فهو كفعل معرفي استدلال استنتاجي، و كحقل معرفي هو عالم المعرفة الفلسفية العلمية المنحدر إلى الثقافة العربية عبر الترجمة، و كنظام معرفي فهو يتمحور حول قطبين، أحدهما يخص المنهج و يوظف الزوج: الألفاظ/المعقولات، الذي يكافئ الزوج: اللفظ/المعنى في النظام البياني، و الآخر يخص الرؤية، و يوظف الزوج: الواجب/الممكن، الذي يكافئ الزوجين البيانيين: الأصل/الفرع، و الجوهر/العرض. هكذا إذن يحدد الجابري بنية كل صنف من أصناف المعرفة في الثقافة العربية.
و عموما فالمفكر محمد عابد الجابري يحاول من خلال مشروعه أن ينتصر و يؤسس لحركة عقلانية بحيث تتأطر في المعقول العقلي و المعقول الديني، وفي مقابلهما ألغى و همش كل حركة أو تيار كان في نظره ضمن الحركة اللاعقلية أو ضمن التيارات الغنوصية أو الهرمسية، باعتبارها كانت تشكل خطرا على الإسلام، وتمحور عمل الجابري في محاولة إيجاد الآليات المنتجة للأفكار و ليس الأفكار نفسها، و هذا ما دفعه للتمييز بين الفكر كأداة و الفكر كمحتوى.
المصادر:
1)الجابري محمد عابد، نقد العقل العربي،(1)تكوين العقل العربي، دار الطليعة، بيروت-لبنان، ص. 332
2) نفس المصدر، ص. 332
3) نفس المصدر، ص. 332
4) نفس المصدر، ص. 333
5) نفس المصدر، ص. 334
6) نفس المصدر، ص. 334
7) نفس المصدر، ص. 334
8) نفس المصدر، ص. 334
9) نفس المصدر، ص. 338
10) )الجابري محمد عابد، نقد العقل العربي،(2)بنية العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت-لبنان، ط.9-2009
11) نفس المصدر، ص.9
12) نفس المصدر، ص.555
13) نفس المصدر، ص.556
14) نفس المصدر، ص.557
عبد العالي كركوب



#عبد_العالي_كركوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوضع العربي الراهن و نقد مفهوم الثورة
- المشهد السياسي المعاصر: زمن بنكيران


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد العالي كركوب - محمد عابد الجابري و مشروع نقد العقل العربي ، الجزء الأول: مكونات و بنيات العقل المعرفي العربي