أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجاهد الطيب - محمود ونوجة وصفية















المزيد.....

محمود ونوجة وصفية


مجاهد الطيب
(Megahed Al-taieb)


الحوار المتمدن-العدد: 4238 - 2013 / 10 / 7 - 12:06
المحور: الادب والفن
    


محمود و نوجة و صفية

لم يكن بكاؤها ينقصه سوى الحرارة ، سوى الإتقان . كان سيالا ، وكان دوريا ، كلما وضع زوجها العقدة في المنشار ، وأصر على إفهامها بطريقة مباشرة وغير مباشرة أنها أس البلاء . تبدأ الواقعة بشرر عادي ، كنوع الأكل الذي كأنه يتفاجأ به بعد غياب طويل ؛ كان يعود في الصباح ، فطاره طبيخ ، ثم يدخل ؛ لينام حتى العصر أو المغرب ، بعدها إلى االحياة : عشرتين طاولة مع شلة القهوة ، وفي الثامنة يتوجه إلى عمله بمحطة بنزين مصر للبترول . وردية الليل كانت بالتناوب ، إلا أنه يعشقها ، كأن به رغبة داخلية أن يكون في النهار خارج أسوار العمل ، حتى وإن كان في السرير يأكل مع الملائكة . ملائكته لا تعمل ليلا . هذا ينسجم أكثر مع شخصيته التي تكره العمل ، لم يحب العمل أبدا ، أي عمل .
محمود الزيات صاحب خط جميل ، مؤهل للعمل كخطاط ، وعمل فعلا ، لكن دون احتراف ، يكتب " لِستة " الأسعار للمحال التجارية من معارفه ، دون مقابل تقريبا اللهم بعض النفحات كشنطة بها زيت وسكر وبعض الجِبَن ، يأخذها بعد ضغط كبير ، أو طلبات مجانية في القهوة في الأيام القليلة التالية لنشاطه ، كثيرا ما حثته صفية على الاحتراف بطرق متعددة ، حين يقوم بعمل وسائل تعليمية مطلوبة لنجوى ابنة زوجته ، كان ينجزها بمزاج عال .
نجوى التلميذة في الصف السادس الابتدائي صديقته الصدوقة ، في العصاري بعد نومة طويلة ينادي عليها: تعالي يا نوجة ، روحي اغسلي شعرك ، وتستكن في كنفه وهو يسرِّح لها شعرها ويضفره ، يمشي خطوات في الضفيرة ثم يرفعها إلى أعلي ويعاين ، ويرسم علامة استحسان بوجهه ثم يكمل ، أو " تؤتؤ " ويفك الضفيرة مرة أخرى ويبدأ من جديد ، تقول له " بابا محمود " . علاقة محمود بنجوى بسيطة ومتشعبة ، فيها من الحنان وفيها من غيره . نجوى بالنسبة له ، طبقا للمتاح ، أكثر بكثير من علاقة أب بابنته ، أو بابنة زوجته ، كانت تمثل له فيما يبدو جنس النساء رغم طفولتها . ألن تصير امرأة في يوم ما ؟ وهل الأطفال من النساء لسن بنساء؟ سعادة حقيقية تغمره حين تكون صفية خارج البيت لسبب أو لآخر ، ويصبح البيت " الغرفة والصالة " لهما وحدهما ، كأن عزيزا لديه ، يكشف عن مهاراته في الطبخ ، ينزل ليشتري مستلزمات الطبخة دون حسابات ، بسخاء أو بتبذير . لا أعزَّ من نجوى . يشمر ويطلب منها أن تشاركه في المعمعة التي يدخل فيها مختارا ، حلاوة الأكل في إعداده ، في استطعامه وهو قيد الصنع . يلتفان معا حول الأطباق كأنهما جماعة . الأكل يحب اللمة. واللمة ليست بالعدد . في حضرتها أيضا يدندن أغانيه الحبيبة ، في هذه الأحوال تسكن نوجة ، ويهدأ بالها الصغير . على يديه حفظت الكثير من أغاني الست وعبد الوهاب ونازك ، في آواخر رمضان كان ينشد علانية برجاء خاص من المستمعة الذواقة العارفة حتى في حضور صفية ، كان ينشد " هل البدر بدري والأيام بتجري / والله لسه بدري يا شهر الصيام " . هذه الأغنية تؤذيه أذى نادرا ، يكاد يبكي وهو يغني ، ليس لوداع الشهر الكريم ، لكن على كل شهر كريم . يوقن محمود ، رغم استماعه إلى الأغنية آلاف المرات ، أن نور الهدى كل مرة ستفاجئه ، وأن دموعه لن تخيّب الرجاء .
لم يكن محمود هو أول بخت صفية كما نعرف ، تزوجت أولا من " أبو نجوى " ، الذي طلقها بعد سنة واحدة ، ثم سرعان ما طلق الدينا كلها ، وأصبحت سيرته تأتي مشفوعة بـ الله يرحمه . لم تعش نجوى أجواء أب بعيد ، وزوج أم ، أبوها هو المرحوم من البداية.

حدث أن اختار محمود صفية بعد أن راقبها طويلا في المربع الذي يقع فيه عمله ، عند البقال والخضري والمكوجي ، حيث أصحابه وزملاء المربع ، كانت تعمل خادمة ، منذ سنين ، عند أسرة ميسورة بعض الشيء . صفية مشهود لها بحسن الخلق وحسن الطبخ ، هي ليست كبعضهن ، بتعرف ربنا . لمحمود تكييف لغوي لصنعتها : بتساعد ناس طيبين قوي في شغل البيت .
ما الذي شد محمود المعروف عنه الطيبة وضيق الخلق معا ؟ يُشهد لمحمود بالأمانة ، الأمانة المجردة التي ربما تكون بلا أهداف . بطبيعته ما يحبش العوج . مستقيم ، للاستقامة صور متعددة وغريبة . ما الذي شد محمود إلى هذه المرأة متوسطة الجمال؟ نعم ذات قوام ممشوق ، كان محمود يخفض رأسه ليطمئن على جمال ساقيها وحظهما من الامتلاء ، أو إلى مصيره عندما يكون في حضرة هذا الحضن . كان يفعل ذلك من باب السنن لا الفرائض ، إلا أني أعتقد أنها كانت بالنسبة له سننا ملزمة ، ما الذي شد محمود الذي قارب الأربعين ، وعرف عددا لا بأس به من نساء الليل والنهار ؟ ربما يكون إحساسه بتميزها ، صفية تنتمي إلى طبقة أخرى رغم عوزها وضيق ذات يدها ؛ عندها طريقة في الكلام ، عندها أسلوب ، صفية ليست خادمة ، صفية بتساعد ناس طيبين .

الفن أيضا جمع بينهما ، عرف ميلها لقراءة المجلات الفنية كالموعد والشبكة ، وخبر مستواها واطلاعها في ميادين الأغاني والأفلام . نعم عكر صفوه ذات يوم أنها عاشقة مخلصة لفريد الأطرش الذي لم يبلعه أبدا ، إلا أنه قال في نفسه مستلهما ديموقراطية دفينة : ليست مشكلة ، المهم أننا معا في ميدان واحد . صفية ليست مجرد معجبة بفريد ، لفريد صورة في محفظتها الصغيرة ، وصورة أخرى كبيرة معلقة في صالة بيته - بيتهما ، نستطيع أن نقول إن صفيه هي المستهدفة رقم واحد في عقل صناع الأفلام ، أفلام فاتن ومديحة يسري ومريم فخر الدين . تجلس بأدب جم أمام التليفزيون ، أو شاشة السينما ؛ ليتحقق المراد ( فنانون وجمهور ) . ملابس وديكور وعربيات وبيوت ، رجال ونساء وأطفال ، ودكاترة وعيانين ، ظلمة وطيبين، وتمثيل وتمثيل ؛ ليحدث التصديق . صفية – واللهِ - تُصدِّق ، هي لا تحتاج إلى كل هذه الغلبة التي يتسلح به صناع الأفلام . كانت تحسن الظن بهم ، وربما تكمل – كمتفرجة محترفة - ما نقص . دموعها تنزل بسهولة . تحب حكي الأفلام ، محمود يسعده هذا ، ويؤكد له أنه محاط ببركة دعاء الوالدين . يعلي من شأنه العالي أصلا .
ما الذي شد محمود ؟ محمود الزيات صاحب الخط الجميل والأذن الموسيقية والنفسية التي – قطعا - تصلح لغير ما قُدر له . كان قد ترك المدرسة بعد أن حصل على الشهادة الإعدادية ، يقول تركت المدرسة عشان أشرب سجاير ، عايز أشتغل وأكسب وأشرب سجاير براحتي ، هو يقول ذلك . ثم يكمل قررت أطَّوع في الجيش وذهبت فعلا للاختبار ، لكن أباه مانع بشدة ، وتوسَّل بأعمامه ومعارفه ؛ ليثنوا محمود ، وحدث أن وصلوا معه إلى تسوية : يترك المدرسة ، لكن لا يتطوع في الجيش . عمل محمود ككاتب في شركات كثيرة ، واستقر أخيرا في بنزينة مصر للبترول التي تخضع لشركة قطاع عام ، عمل فيه براتب ثابت ، ومعاش ، وأيضا بقشيش . جرب في بداية عمله أن يلتحق بفريق الغسيل في البنزينة ، حيث البقشيس أكثر ، إلا أنه رآه نوعا من المرمطة لا تليق بمتعلم مثله ، أضف إلى ذلك أن الغسيل عمل نهاري .
إذن اعتبر محمود أن صفية في نفس مستواه العلمي والفكري ، إضافة إلى الهوايات المشتركة . غير أنه بعد سنوات ليست بكثيرة بدأ يمل ، ليست الهوايات المشتركة شرطا كافيا ، وبدا له أنه استهان بمسألة فريد الأطرش تلك ، ولم يعطها حقها من التقييم .لم يحذر ، ولم يحاذر . فريد الأطرش كان علامة لكنه لم يتسلمها ، ما قيمة قوامها الممشوق وصدرها الذي مازال يقدره ، يقدره بمهنية رجل ، " لكنها ليست هي " يقول لنفسه ، كان محمود – تقريبا – يعول كثيرا على مقومات غامضة ، لدى صفية مقومات ما ظهر منها ليس سوى العلامات ، الأدب الجم ، فضلا عن مواهبها في لياليهما ، مواهب سرته وفاجأته. المفاجآت تعطل الملل ، وبها شُبهة أمل ، خصوصا المفاجآت التي لمَّا تأت بعد.
كانت نوجة عجينة واعدة فيما رأى محمود ، ومن جانبه لم يقصر .لم تنقطع مداخلاته التربوية الصادقة . مع الأيام أصبح كمن يلتقي خطيبته في بيت زوجته وحضرتها . صار يحتمل صفية رغم ما أفسده الدهر ؛ أليس واجبا عليه أن يضحي من أجل ابنته ؟! أليست في منزلة ابنته ؟ أليست أعز ؟



#مجاهد_الطيب (هاشتاغ)       Megahed_Al-taieb#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النادي الفرنساوي
- بأثر رجعي
- شارع الحب
- مصر الجديدة - الرابع والخامس من ديسمبر 2012
- ليلي نهارك
- نُؤْنُؤ
- حراس الفكرة


المزيد.....




- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...
- بعد ساعات من حضوره عزاء.. وفاة سليمان عيد تفجع الوسط الفني ا ...
- انهيار فنان مصري خلال جنازة سليمان عيد
- زمن النهاية.. كيف يتنبأ العلم التجريبي بانهيار المجتمعات؟


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مجاهد الطيب - محمود ونوجة وصفية