حميد حبيب المالكي
الحوار المتمدن-العدد: 4238 - 2013 / 10 / 7 - 08:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يكاد يجمع المختصون في مجال السياسة على أن النظام البرلماني هو النظام الاكثر ديمقراطية والأقرب لروحها وأن كانت الديمقراطية هي ثقافة والية اكثر من أن تكون طريقة ممارسة سياسية أو أنتخابية فتطبيقها قد يؤدي لنقيضها كون رأي الاغلبية سيفرض ويأخذ به دونا عن رأي الاقلية مما يجعلها الية انتخابية حيث من ناحية النتائج ستنقض أساسها الفلسفي,كذلك فهي ثقافة تسمح للاخر بأبداء رأيه وقول مايريد دون خوف وأن يشترك في صنع القرارات والقوانين والسياسات العامة والتشريعات وغيرها بحسب حدود الديمقراطية في هذا النظام او ذاك.وتطبيق الديمقراطية أتاح لكثير من الدول أن تتقدم كثيرا وكثيرا جدا كونها اطلقت العنان للعقول والمواهب والأفواه وجعلتها تتحرر مما عاد بالأثر الايجابي على مختلف الجوانب الانسانية والحياتية والعملية,غير أنه لكي نحصل على نتائج مثمرة لتطبيق الديمقراطية يتوجب توفر شرط هام :هو أن يحمل الشعب ثقافة الديمقراطية كي يتمكن من التعامل معها ومع قيمها والعود بمردوداتها الأيجابية وهنا لا أعلم لأي درجة أصيب لو شبهتها بقيادة السيارة,فلا يمكن تسليم قيادة السيارة لمن لم يتعامل معها وتدرب عليها وفيما لو اعطيت قيادة السيارة لمن لم يقدها مسبقا ولم يتدرب عليها فأنه دون شك ستكون العواقب كارثية,نفس الأمر نراه ينطبق على الديمقراطية التي هي تماثل السيارة والشعب يماثل سائقها.ونفس الأمر ينطبق على الطبقة السياسية ايضا فعليها ان تكون قد خبرت الديمقراطية وتعرف الكيفية الصحيحة للتعامل معها فلو كان الشعب واعيا لمفهوم الديمقراطية فأن ذلك بالتالي سينتج طبقة سياسية واعية بها وسيكون ذلك الشعب ضاغطا بقوة ومانعا للسلطة السياسية من أن تحيد او تستغل الديمقراطية او ان تسيء استخدامها.
وكما أسلفنا فأن النظم البرلمانية هي الأكثر ديمقراطية والأكثر حماية لها لكن مع عدم أمتلاك الشعب وطبقته السياسية لثقافة الديمقراطية فأن ذلك سيقود للكارثة فالشعب في هذه الحالة سيسهل استغفاله وأستغلاله وستغتصب حقوقه تحت ستار الديمقراطية والمستغل طبعا هو الطبقة السياسية علما أن فساد السلطة السياسية في النظام البرلماني هو أشد انواع الفساد وأسوأها وأخطرها كون الأصلاح والتغيير فيه صعب ومعقد جدا مما يسمح للفساد بالتغلغل والتفشي فيحمل النظام السياسي ومن ثم الشعب ثقافة الفساد بدل أن يحمل ثقافة الديمقراطية والأمثلة على ذلك عديدة في افريقيا وأمريكا الجنوبية وحتى في دول كأيطاليا والهند وتركيا وباكستان في فترات معينة لكن المثال الأبرز هو العراق كونه مثال واضح لا يحتاج الى تحليل أو توضيح فأذا كان النظام البرلماني لم ينجح في دولة تسبقنا كثيرا في مجال الديمقراطية وامتلاك الوعي الديمقراطي فكيف سينجح هذا النظام في العراق الذي لم يخبرها وأن حاولت بعض أنظمة الحكم السابقة في العراق أن تعطي صورة ديمقراطية عنها لكن واقعا لم تكن تمتلك أي شي منها,كيف سيمكن لهكذا شعب لم يعرفها ولم يتعامل معها ان يتعامل مع هكذا وضع؟ألم يكن الأجدر أن ياخذها تدريجيا ليعيها بالشكل الصحيح وهذا ما حصل في كثير من الدول خارج اوروبا مهد الديمقراطية كالبرازيل واليابان وفنزويلا وماليزيا وكوريا الجنوبية.
وقد يعترض معترض على أنها نجحت في الهند لكننا نوجه عنايته الى أن الهند ليست نظاما برلمانيا بل هي مزيج من النظام الرئاسي والبرلماني وهنالك خصوصيات هندية مكنت هذا النظام من تحقيق المكاسب لا نود الخوض فيها وبرغم كل ذلك كانت الهند عرضة للهزات بسبب البرلمان نفسه وعدم التعامل بالكيفية الصحيحة مع الديمقراطية,أن فساد السلطة السياسية في النظام البرلماني سيجعل كل الاطراف عرضة للابتزاز فتارة الحكومة تبتز البرلمان وتارة العكس كون العلاقة ما بينهما متداخلة وغير واضحة الحدود وتسمح بهكذا أبتزاز مع تفشي الفساد والمتضرر الاكبر من كل ذلك هو الشعب لا بل أن هكذا فساد يشكل خطرا على كيان الدولة ووحدتها وسلامة اراضيها كما حصل في صربيا والى حد ما في جورجيا واذربيجان ومولدوفا ويحصل الان في العراق.
وخلال السنوات الماضية تبين للكثير الفشل والشلل في أداء النظام السياسي لوظائفه بسبب كونه نظام برلماني أهم هذه الأسباب:
1:وصول نخبة سياسية متدنية التعليم والثقافة لسدة الحكم لا تعي كيفية التعامل مع السلطة وادارة شوؤن الدولة عن طريق الأنتخابات والطرق الديمقراطية وذلك بسبب الجهل والاستغفال وعدم امتلاك الوعي الكافي لدى الشعب الذي يؤهلهم للمارسة الديمقراطية.
2:الدستور المعقد والمليء بالثغرات اضافة لجموده بما يجعل تعديل بعض مواده وتصويبها امرا صعبا لا بل مستحيل على ارض الواقع.
3:الابتزاز السياسي والتعطيل المتبادل بين الحكومة والبرلمان بسبب تطبيق النظام البرلماني في بيئة غير مناسبة لتطبيقه فمثلا لم يوافق البرلمان على تمرير قانون البنى التحتية الذي يوفر عشرات الاف فرص العمل للعراقيين والمساكن والبنى التحتية وأعمار البلد بسبب أعتبار اكثر الكتل النيابية أن ذلك يمثل دعاية للحكومة وحزبها وكتلتها مما يعني فوزها في الأنتخابات البرلمانية التي كانت على الأبواب فعطلت هذا القانون دون أن تلتفت الى ما يوفره هذا القانون من خدمة لشريحة واسعة من الشعب ودون خوف أو وجل لأن الدستور يخولها ذلك وعدم وجود ضغط من قبل الشعب على الكتل لتستجيب لمصالحه.
4:تكوين المجتمع العراقي المؤلف من عرقيات وقوميات وأثنيات واديان ومذاهب شتى فتت هذا الشعب فنستطيع أن نقول أن ماموجود في العراق هو ديمقراطية طائفية كبلجيكا دون أن ينص على ذلك في الدستور صراحة,فكل طائفة في العراق تبحث عما يقويها بأمتداد مذهبي أو قومي أو عرقي فهنالك من يتجه صوب أيران وأخر صوب السعودية أو تركيا فسبب تفتت في النسيج الوطني العراقي,كما أن النظام البرلماني سمح لأحزاب مختلفة الأهواء والدوافع والأيديولوجيات أن تنشأ وكل من هذه الأحزاب لها مصادر تمويل بما يخدم مصالح الممول وبعضها مشبوه وغرضه خبيث دون أن يكون هنالك رادع لهذه الأحزاب سواء في الدستور أو القانون أو حتى الشارع.
وبسبب ما تقدم وأسباب أخرى فنحن نرى أن النظام الرئاسي هو الأفضل والأنجع للمرحلة الراهنة في العراق كون هذا النظام يتمتع بالعديد من المزايا وأن كان أقل ديمقراطية لكنه ونظرا للظروف الانية في العراق انجع من النظام البرلماني المطبق فيه ومنها:
1:اكثر انتقائية للطبقة السياسية لقلة المتنافسين على منصب الرئيس مما يجعلهم اكثر خضوعا للتدقيق والتمحيص من قبل الشعب وبالتالي أمكانية وصول الأفضل اكثر كما أن الرئيس حر في أختيار طاقمه دون الخضوع للأهواء والرغبات أو الأرضاءات والمحاصصة.
2:أقل فسادا لكون هرم السلطة يتألف من شق واحد والسلطة التنفيذية لاتخضع للسلطة التشريعية بما يجعلها محصنة ضد الأبتزاز وأن كان النظام الرئاسي يعطي افضلية للسلطة التنفيذية على التشريعية لكن التدرج الأداري في النظام الرئاسي أكثر ركوزا وصرامة من النظام البرلماني.
3:أكثر مرونة وحركة في مجال تعديل القوانين وتطبيقها كون مساحة الحركة المعطاة للسلطة التنفيذية كبيرة جدا أضافة الى كون صناعة القرار فيه اسهل وأسرع واقوى مما في النظام البرلماني.
4:أكثر ضمانة لوحدة وسلامة البلاد خصوصا في الدول ذات المساحات الكبيرة والتنوع العرقي والطائفي فمن بين أكبر عشر دول بالعالم هنالك سبعة دول ذات نظام رئاسي,ولو أستمرت الدولة العراقية على وضعها الحالي فوجودها في خطر وستتقسم لذلك نفضل في الوقت الراهن نظاما رئاسيا كونه اضمن لوحدة البلاد من النظام البرلماني.
أن ما تقدم هو تبسيط نظري لواقع شكل النظام السياسي في العراق وما نراه أنسب لكن تبقى الأمور بحاجة لحركة والأنتقال للتنفيذ ونعتقد أن التنفيذ يكون من خلال حراك شعبي وهذا لايحتاج الى وعي سياسي ولا ثقافي كبير كون كل الشعوب تتحرك وتثور لتستحصل الحقوق أو تستعيدها او لتصوب الأمور وسبب التعويل على الحراك الشعبي دون غيره هي العقبات الكبيرة التي وضعت أمام تعديل الدستور بما يجعل تعديله صعبا جدا أن لم يكن مستحيلا,والطريق الثاني للتعديل هو من خلال البرلمان والذي هو أكثر مؤسسات العالم فسادا وليس العراق فحسب.لقد بات الشعب مطالب بتدارك الأمور وعدم ترك الحبل على الغارب يتراماه سياسيون فاشلون لا يفقهون منطقا ألا الأنانية والمنفعة الشخصية.
#حميد_حبيب_المالكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟