|
الرواية الإباضية للإسلام - 1
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4234 - 2013 / 10 / 3 - 16:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعتبر فرقة الخوارج، في رأيي المتواضع، من أكثر فرق الإسلام التي تعرضت لتشويه صورتها وآرائها بصورة متعمدة وفجة وعلى مدى قرون طويلة ترجع إلى القرن الأول للإسلام. فقد تعاون على هذا التشويه المتعمد فرقتان إسلاميتان هما أتباع المذهب السني وأتباع المذهب الشيعي. فقد ذهبت هاتين الفرقتين إلى حد اختراع الأحاديث التي تنتقص من الخوارج ومن ثم نسبتها للنبي محمد كذباً، وذلك لأسباب سياسية بحتة تحولت لاحقاً إلى عقائد لصيقة بإسلام السنة والشيعة. كما أن فرقة الخوارج اصطدمت اصطداماً عنيفاً بالسلطة السياسية القمعية للأمويين ومن ثم العباسيين من بعدهم. والتاريخ، بالإضافة إلى الحديث المنسوب للنبي محمد، كما نقرأه اليوم قد نقله لنا في معظمه رواة الأمويين ومن ثم كتب نصوصه لنا كتبة العباسيين بعد ذلك. ومنذ أن وقع بيدي بعض كتب الفرقة الإباضية، لاحظت أن حوادث التاريخ كما هي عند رواة الشيعة والسنة لا تتطابق تماماً مع الرواية الإباضية، بل إن الحجج والأدلة التي يسوقونها الخوارج لسبب رفضهم السنوات الست الأخيرة من خلافة عثمان والتي انتهت بقتله، وخروجهم على علي بن أبي طالب وقتاله، ومِن بعده قتال السلطة الأموية بدءاً من معاوية ونهاية بكل السلالة المروانية ومن أتى بعدهم من العباسيين، كل هذه قد تم تغييبها تماماً من السياق التاريخي والفقهي السني والشيعي، وبصورة تكاد تكون متعمدة ومريبة. ومع أن بعض فرق الخوارج قد انتهت متطرفة في استعمال العنف المسلح ضد المسلمين وتبني منهجية التكفير وقتال السلطة الحاكمة كوسيلة بارزة ومهيمنة على نشاطات هذه الفرق، وأدى هذا العنف المتطرف بدوره إلى تبرير الممارسات الأموية والعباسية الوحشية ضدهم ومنها القتل على مجرد شبهة الانتساب للخوارج كما فعل زياد بن أبيه وسمرة بن جندب الفزاري (وهو يُعتبر من صغار الصحابة الذين ولغوا في دم المسلمين) والحجاج بن يوسف الثقفي، وأدى أيضاً إلى حملة شعواء على عقائدهم وما يتصل بها من مصادر ونصوص، إلا أن آراء هذه الفرقة، لحسن الحظ، بقيت محفوظة فيما تبقى من مؤلفاتها المخطوطة في سلطنة عُمان والجزائر. هذا التعمد في تغييب آرائهم وأدلتهم دفع أحد مؤلفي الأباضية، يوسف بن إبراهيم الوارجلاني (توفي سنة 570 هـ)، إلى استعمال النَفَس التهكمي الساخر عند طرح الدليل في مواجهة المذاهب الأخرى في كتابه (الدليل والبرهان) [من منشورات: وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عمان]. وهذا المؤلف، في الحقيقة، جعلني ابتسم أكثر من مرة وأنا أقرأ كتابه المكون من مجلدين شفقة على خصومه من أتباع المذهبين السني والشيعي، وهذه المقالة في معظمها هي لعرض بعض آراء الإباضية من خلال ما كتبه الوارجلاني.
فرقة الخوارج كانت من أصرح الفرق الإسلامية المبكرة في الإشارة إلى التأثير السياسي لعملية تزوير الحديث المنسوب للنبي محمد بواسطة السلطة الأموية والعباسية. ينقل عنهم الإمام الرازي قولهم: "هؤلاء المحدِّثون أتباع كل من عزّ، وعبيد كل من غلب، ويروُون لأهل كل دولة في مُلكِهم، فإن انقضت دولتهم تركوهم". وهذا النص، وغيره أيضاً، من أصرح الأدلة على التأثير السياسي المبكر، وخصوصاً للدولة الأموية بدءاً من حكم معاوية بن أبي سفيان، في تبلور العقائد الإسلامية كما نعرفها اليوم وذلك من خلال تجنيد الرواة لتزوير الحديث النبوي. فها نحن لدينا فرقة تكونت بعد منتصف العقد الرابع من القرن الأول الهجري كان ضمن عقائدها أن النص الشفهي المنسوب للنبي محمد كان في معظمه، أو ربما كله، مزورعلى لسانه. وكان الخوارج يملكون أدلة على هذا التزوير السياسي لا نزال نقرأ بعضهاً متناثراً في المصادر الإسلامية [انظر على سبيل المثال آراؤهم التي نقلها الإمام فخر الدين الرازي في كتابه: المحصول في علم الأصول، ولاحظ قوة الحجة لديهم التي وقف معها إمام متعدد العلوم والمعارف من طراز الرازي غير قادر على تفنيدها بصورة حاسمة وواضحة]. وهذه العقيدة يمكننا استقرائها أيضاً من خلال ممارسات السلطة الأموية ذاتها، إذ السلطة السياسية الأموية كانت تراقب حركة "الحديث النبوي" بصورة مكثفة ولصيقة وبصورة تجسسية واضحة. يقول أحد طالبي الحديث: "جئتُ إلى أبي سعيد الخدري وقد عَميَ، فقلت: أخبرني عن هذه الخوارج. فقال: تأتونا، فنخبركم، ثم ترفعون ذلك إلى معاوية فيبعث إلينا بالكلام الشديد". فالخوارج، على حقيقتهم، لم يكونوا قوة عسكرية ضاربة في قلب السلطة السياسية القائمة في القرن الأول الهجري فقط، ولكنها كانت قوة عقائدية أيضاً تضرب في أحد أركان التشريع الإسلامي كما نعرفه اليوم، وهو الحديث المنسوب للنبي محمد. كانوا يشككون في سلطة (الحديث النبوي) التي أراد لها الأمويون أن تتفوق على سلطة القرآن ذاته، وكان للأمويين ما أردوافي نهاية الأمر. فالخوارج بالتالي كانوا يستهدفون (عقيدة الدولة المزورة) التي يُراد لها أن تهيمن.
تطرق يوسف بن إبراهيم الوارجلاني في كتابه (الدليل والبرهان) إلى بعض تلك الأخبار التي يرى فيها مطعناً على الصحابة. فهو أولاً يطرح هذه الملاحظة العابرة مشوبة بقدر من السخرية التي لا يلحظها القارئ العابر: "أما هؤلاء السُنية ومذاهبهم في الفتنة والصحابة، ذلك أمر متعلق بالرجال دون النساء، ولا سيما من فقد الاستبصار وقَصُرَ عن درك حقائق الأخبار". وهي على الحقيقة ملاحظة ذكية جداً، غير مسبوقة، وفي مكانها تماماً. إذ السياق السلفي، أو السُني بشكل عام، يجنح إلى تغليب الصحابة على الصحابيات بشكل واضح لا لبس فيه. فلا مشكلة في هذا المذهب أبداً في تكذيب رواية فاطمة بنت قيس، مثلاً، عن النبي محمد وذلك لصالح رأي عمر بن الخطاب. وذلك أن فاطمة روت أن زوجها طلقها ثلاثاً ولم يجعل لها النبي محمد حق في سُكنى الدار ولا في النفقة، فقال عمر رداً عليها: "لا نقبل قول امرأة، لا ندري أصدقت أم كذَبَت". فهنا يجوّز عمر بن الخطاب الكذب على صحابية، وبالتالي أسقط الفقه الإسلامي لاحقاً العمل بما روته الصحابية فاطمة بنت قيس، وهو بذلك يناقض نفسه في مسألة (عدالة الصحابة) كمبدأ عقائدي سني ويخصصها في الرجال دون النساء مِن دون أن يعي ذلك أو يصرح به. كما نلاحظ أيضاً أن لا مشكلة إطلاقاً في تغليب رأي أو رواية عبدالله بن عمر أو أبي هريرة على رواية السيدة عائشة في مواقع متعددة. فكأن النزعة الذكورية قد تغلبت حتى في تقرير مبادئ عامة مثل مبدأ عدالة الصحابة، وهو أمر قد لامسه إبراهيم بن سيار النظّام [من المعتزلة، وأستاذ الجاحظ] في طرحه لمثال فاطمة بنت قيس، إلا أنه لم يذهب إلى حد تقريره كنزعة سنية يحتل فيها الصحابيات مرتبة أدنى من الصحابة الذكور.
ثم ذهب الوارجلاني الإباضي ليُعدّد على الصحابة أخطاءهم. فعن عثمان يقول: "زلّ في أربعة أمور، أولها: استعمال الخونة ولم يكن على قفائهم. والثاني: حين صرف مال الفيء إلى من اشتهى من أقاربه دون مستحقه من أهله. والثالث: ضرب أبشار وهتك أستار الآمرين بالمعروف والناهين على المنكر. والرابع: في البغي (...) وقد اتهموه على دينهم كما قال عمار بن ياسر رحمه الله: أراد أن يغتال ديننا، فقتلناه". وعن خطأ علي بن أبي طالب يقول: "زلّة علي في التحكيم [يقصد مسألة التحكيم بن علي ومعاوية]: نهى أول مرة عن التحكيم فقال: إنه كفر. ثم رجع عوده على بدئه وقال: من أبى التحكيم فهو كافر. وقتل أصحاب معاوية وقد دعوه إلى التحكيم حياة عمار، وقتل أهل النهروان وقد نهوه عن التحكيم". فالموقف الخارجي من علي بن أبي طالب ليس كما تطرحه كتب التاريخ الإسلامية المتداولة، ولكنه موقف مباين تماماً للرواية الرسمية بحيث تصوّر علي بن أبي طالب بصورة المتناقض الذي لا يثبت على رأي، وبالتالي فهو بالتأكيد مخطئ في أحد أفعاله لا محالة. وتصوره بأنه هو الذي انقلب على أتباعه الذين نهوه عن التحكيم أول مرة، وأنه هو الذي كفّرهم، وليس العكس. ويتطرق الوارجلاني أيضاً إلى طلحة والزبير والسيدة عائشة ومعاوية وعمرو بن العاص، ويستعرض رأيه من خلال وقائع مناظرة له بأن الأمر "ليس كما تقول السُنية: إنه لا يحل الخروج عليهم ولا قتالهم بل التسليم لهم على ظلمهم [أي الأمراء والسلاطين الظلمة أصحاب الجور]"، يقول في مناظرته، مع ملاحظة السياق الساخر المبطن فيها:
"أما السُنية فنقضوا أقوالهم بأفعالهم (...) وطلحة والزبير هما الذروة لهؤلاء كلهم على نكث الصفقة . وقد جرى لي كلام مع الفقيه يحيى بن أبي بكر بن الحسن بن الشيخ يوسف بن نفاث مناظرة في سجلماسة في مثل هذا، فقال لي: أول من سَنَّ الخروج على السلاطين أبو بلال مرداس بن أدية [أحد أوائل قادة الخوارج، قاتل مع علي بن أبي طالب في صفين ثم قاتل ضده في النهروان]. قلتُ له: إنَّ له في ذلك أسوة حسنة. فقال: أَوَ حسنة؟! فقلت: أوْ سيئة. فقال: ومَنْ هو؟ قلت: طلحة والزبير. فقال لي: إنّ طلحة والزبير اجتهدا فأخطئا. فقلت له: ولعلَ هذا اجتهد فأصاب. فقال لي: أوَ أصاب؟! فقلت: ولعله اجتهد فأخطأ. فقال: الله يغفر للجميع". .... يتبع
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ابن خلدون يقول لكم - أنتم أمة وحشية
-
أهذه معارك تستحق اسم الله؟
-
التشخيص النفسي كأداة لنقد الإنجيل
-
إشكالية ذهنية التخوين في الوطن العربي
-
خاطرة - لا تصلح كمقالة
-
معلولا ... والدونية الإنسانية المتطرفة
-
في مبدأ احترام النفس البشرية
-
في مشكلة الفشل الحضاري العربي
-
إعادة اكتشاف الغباء الجماعي
-
في الأزمة الأخلاقية العربية
-
متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 6
-
متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 5
-
متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 4
-
متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 3
-
متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 2
-
متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس - 1
-
مشكلة نقد النصوص المقدسة
-
مشكلة الآخر المختلف في الإسلام
-
مصطلح الثوابت الإسلامية
-
يسوع والمسيحية والمرأة – 2
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|