|
سلسلة أغلى اللوحات في الفنية في العالم( 3 ): - حفلة رقص في مولِن دو لا غالية - لأوغست رينوار
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1209 - 2005 / 5 / 26 - 10:30
المحور:
الادب والفن
رينوار الفنان الذي رسم بورتريها للموسيقار فاغنر في خمس وثلاثين دقيقة حقق الفنان الانطباعي الفرنسي بيير أوغست رينوار " 1841-1919 " مكانة بارزة في المشهد التشكيلي الفرنسي تليق بموهبته الفنية التي تخطّت حدود الواقع المحلي الفرنسي لتمتد إلى مختلف أرجاء العالم مؤكدة نفَسَها العالمي الذي يمكن ملامسته في أبرز أعماله الفنية نذكر منها " مدموزيل رومين لاكو، امرأة مع مروحة يدوية، الأرجوحة، مدام شاربنتير وأطفالها، على الرصيف، المستحمة الشقراء، صبية مع مِرَشة الماء، صبية مع طوق، عند ساحل البحر، مظلات، مستحمات، فتاتان تعزفان البيانو، حفلة موسيقية، ولوحته ذائعة الصيت " حفلة رقص في مولِن دو لا غاليه " التي حصلت على مرتبة ثالث أغلى لوحة في العالم بعد لوحتي " صبي مع غليون " لبيكاسو و " بورتريه للدكتور غاشيه " لفان كوخ حيث بيعت هذه اللوحة بمبلغ " 78.1 " مليون دولار أمريكي، وقد اقتناها الملياردير الياباني روي ساييتو، الرئيس الفخرى لمصنع الورق في دييشوا. قبل الولوج إلى تفاصيل هذه التحفة الفنية الرائعة لا بد لي أن أعرّج على حياة هذا الفنان الذي انطلقت موهبته من عائلة شبة معدمة. فمن المعروف أنه ينتمي إلى الطبقة العاملة. وعندما كان صبياً عمل في مصنع للبورسلين " الخزف الصيني ". وكان يتردد خلال تلك السنوات على متحف اللوفر ليتمعن في لوحات أساتذة الفن العظام. وقد أعاقه هذا الفقر المدقع من شراء عدة الرسم المعروفة من كانفاس وألوان وفراشي وما إلى ذلك. في أواخر عام 1860 استحوذ عليه هاجس رسم الضوء والماء، " واكتشف هو ومونيه بأن لون الظلال ليس بنياً ولا أسوداً، ولكنه الضوء المنعكس للأشياء المحيطة بها. " وفي عام 1862 بدأ رينوار دراسة الرسم تحت إشراف شارل كلييه في باريس. وهناك التقى بألفريد سيسلي، وفردريك بازل، وكلود مونيه حيث بدأت موهبته تتفتح، ومعارفه تزداد، وخبراته الحياتية تتراكم. وبينما كان يقيم ويعمل في حي مونمارتر. انغمس في علاقة حب مع إحدى الفتيات اللواتي يتخذ منهن موديلاً دائماً وهي سوزان فلادون والتي أصبحت واحدة من أهم الشخصيات الفنية الرائدة في تلك الحقبة الزمنية، لكنه تزوج لاحقاً من ألين فيكتورين شاريغو. وقد أنجبت له زوجته ثلاثة أولاد أصبح أحدهم وهو جان رينوار مخرجاً سينمائياً مميزاً. وبعد الزواج تغيرت طبيعة عمله الفني، وأصبح مولعاً برسم الناس كما كان مولعاً برسم المناظر الطبيعية من قبل. وفي سبعينات القرن التاسع عشر أنجز رينوار أشهر لوحاته الانطباعية بضمنها " الأرجوحة " و " حفلة رقص في مولِن دو لا غاليه " وقد رسم اللوحتين في عام 1876. وهذان العملان الفنيان يجسدان وجهات نظره الأساسية في الفن والحياة. تكشف أعماله الفنية الرئيسة تأثره الواضح بيوجين ديلاكروا، وبصديقه كلود مونيه الذي طوّر معه الأسلوب الانطباعي، كما يمكن ملاحظة تأثيرات بعض الفنانين الانطباعيين الآخرين في منجزه الفني أمثال غوستاف كوربيه، وأدوارد مونيه، وكاميل كورو. في عام 1881 سافر رينوار إلى الجزائر، هذا البلد الذي اقترن اسمه بيوجين ديلاكروا، ثم سافر إلى مدريد في اسبانيا ليرى أعمال دييغو فيلاسكويز، وإلى إيطاليا ليرى التحف الفنية لتيتان في فلورنسا، وروائع رافائيل في روما. وفي 15 يناير 1882 التقى رينوار بالمؤلف الموسيقي ريجارد فاغنر في بيته في باليرمو في صقلية. وقد رسم رينوار بورتريهاً لفاغنر خلال خمس وثلاثين دقيقة. وفي السنوات العشرين الأخيرة من حياته أعاقه مرض التهاب المفاصل الحاد، وبدأ يتنقل بكرسي المقعدين. في عام 1907 انتقل إلى مناخ أكثر حرارة إلى مزرعة في " كان سور مير " القريبة من الساحل المتوسطي، وهناك بدأ يرسم عندما ربط الفرشاة على يده، وصنع تماثيلاً من خلال توجيه أحد الأشخاص في كيفية تكوين الصلصال وتدويره. في عام 1919 زار رينوار متحف اللوفر ليرى أعماله معلقة إلى جوار أساتذة الفن الكبار. مات رينوار في قرية كان سور مير في 3 ديسمبر 1919. وقد بيعت لوحة لوحة " حفلة رقص مولِن دو لا غاليه " بـ $78.1 عام 1990. مكمن الجاذبية في لوحة " حفلة رقص في مولِن دولا غاليه " تحتاج هذه اللوحة إلى كشف المرجعية المكانية أولاً، والتي ستضيء بدورها المرجعية الاجتماعية للناس الذين كانوا يعيشون هناك. وأعتقد أن هذا المقترب هو الطريق الصحيحة والمفضية إلى فهم طبيعة اللوحة التي نستشف منها الرؤية الفنية والحياتية للفنان الانطباعي أوغست رينوار. فمولِن دولا غاليه هي في الأصل مكان لطاحونة هوائية تنتصب إلى جانب عدة طواحين أخر. وفي عام 1830 حوّل صاحب المكان هذه الطاحونة إلى صالة رقص تتوسط المطعم الكبير الذي بدأ يتردد إليه الناس. ويبدو أن القائمين على المطعم كانوا مهرة في صناعة نوع ممتاز من قطع الكيك الصغيرة التي عرفت في حينها باسم " غاليه " والتي تعني " الفطيرة المحلاة " وهو الاسم نفسه الذي أختير لقاعة الرقص الجديدة. لم يكن هذا المكان رناناً، ولا ذائع الصيت، بل أنه ملتقى لأصحاب الأذواق غير الرفيعة، حيث المكان يغلب عليه الطابع القروي. أنه قاعة رقص بسيطة يرتادها عمال الطبقة الدنيا، والحرفيون، والموظفون، وخياطو الملابس، والفتيات الشابات اللواتي ترافقن أمهاتهن. كما يرتادها بعض القوادين الذين يجلسون إلى طاولات قريبة مع مومساتهم " ويوحينَ وكأنهن نساء محترمات " وليس هناك ما يميزهن عن الزبائن الأخريات اللواتي يترددن على مولن دو لا غاليه. إذاً، ما الذي صنع من هذه اللوحة تحفة فنية، وحشّد بها كل هذه الأشكال والمعاني الجمالية؟ هل هو ثراء المكان نفسه، مقروناً بطبيعة الحال، بالجهد الفني المتميز الذي بذله رينوار؟ هل هو ثيمة الموضوع على وفق الإحالات الاجتماعية الملتبسة التي أشرنا إليها تواً، أم شكل اللوحة بوصفها عملاً انطباعياً متفرداً؟ هل نجحت اللوحة، هذا النجاح منقطع النظير، لأنها كانت تميل إلى واقع حال الشريحة الاجتماعية الكبرى في فرنسا، أم لأنها تتحدى الناس المترفين في قصورهم وصالاتهم الباذخة؟ من الجدير بالذكر أن الانطباعيين كانوا يميلون إلى رسم الطبيعة، بل أنهم قاطعوا الرسم في المحترفات أو الأماكن المغلقة تعزيزاً لمشروعهم الذي يعتمد على الهواء الطلق، ومساقط الشمس، والضوء وما إلى ذلك. ففي عام 1876 خرج رينوار متسلحاً بعدة الرسم، وأخذ يرصد حركة هذا المكان في مقهى مولن الكائنة في الهواء الطلق حيث التقط شيئين مهمين وهما الشخوص وطبيعة المكان الشعبي القريب من حي مونمارتر، وهو للمناسبة ليس بعيداً عن مكان محل سكن رينوار. وبالرغم من أن هذه اللوحة قد تعرضت للنقد السلبي من قبل النقاد، لكنهم أعادوا تقييم هذه الرائعة الفنية لاحقاً. تتضمن اللوحة عدداً هائلاً من الشباب، نساءً ورجالاً، وهم يرقصون في مكان مفتوح يعمّه الدفء، وتهيمن عليه أشعة الشمس الساطعة، والأشخاص يتداخلون مع بعضهم البعض وفي المكان المحيط بهم أيضاً. هذه العوالم ممتعة، وحسية، ومليئة بالمشاعر الإنسانية المفرطة. كان رينوار يتوق للامساك بلحظات الإثارة، والتهيّج، والانفعال، والفرح الذي يهيمن على هذا العدد الكبير من الشباب المحتشدين في حلبة الرقص في مكان شعبي مفتوح يقف بالضد من صالات الرقص المترفة. بعض النقاد ذهب بعيداً حينما تخيل أن أوغست رينوار أراد أن يصور أناساً أصحاء يتمتعون بحيوية عالية، وقد استطاع من خلال هذا العمل أن يمسك بلحظة الفرح العارم الذي اجتاح الجميع، ويجمدها من تيار الزمن المحكوم بالتقدم إلى أمام. وعلى صعيد التقنيات فقد أفاد رينوار من هذا الحشد الشبابي الراقص لكي يمسك بالحركة أولاً، ويطبق نظريته الانطباعية القائلة بأن الظلال المتسربة تحمل ألوان المنطقة أو الفضاء المحيط بها، ويمكن لنا أن نلمس تأثير بقع الضوء المرقشة أو المرقطة التي تأتي من بين أغصان الأشجار، هذه البقع الضوئية التي تتخلل الظلال الناعمة للونين الوردي والأرجواني، بينما تتوهج الشخوص في الظلال القوية للأزرق والأحمر والأخضر. إن ضربات الفرشاة الجريئة، والمستديرة توحي بحركة الراقصين، كما أعطى الفنان عمقاً لهذه اللوحة التي تغطي مساحة مكانية كبيرة. تستحق مجمل الأعمال الفنية لرينوار أن تنال حيزاً كبيراً من النقد والاهتمام، وقد بجلّه الفرنسيون في حياته، كما بجلّه محبوه، ونقاده، ومقتنو لوحاته في مماته أيضاً.
ترجمة وإعداد: عدنان حسين أحمد
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما اللوحة الأخيرة التي رسمها فان كوخ قبل أن يطلق النار على ن
...
-
بنيلوبي كروز، فاتنة مدريد، وفيلم - العودة - لبيدرو ألدوموفار
-
مدرسة دنهاخ الفنية وشاعرية اللون الرمادي
-
سلسلة أغلى اللوحات الفنية في العالم - 2 -: - صبي مع غليون -
...
-
سلسلة أغلى اللوحات الفنية في العالم: - بورتريه د. غاشيه - لف
...
-
المخرج السينمائي سعد سلمان ﻟ - الحوار المتمدن -: الشع
...
-
المخرج خيري بشارة لـ - الحوار المتمدن -: في الفيلم التسجيلي
...
-
المخرج السينمائي قاسم حَوَلْ لـ - الحوار المتمدن -:عندما تسق
...
-
المخرجة الأمريكية - مصرية الأصل - جيهان نُجيم: أشعر أن هناك
...
-
لماذا لم تندلع الثورة الذهبية في أوزبكستان، البلد الذي يسلق
...
-
الأصولية والإرهاب: قراءة في مستقبل الإسلام والمسلمين في هولن
...
-
المخرج فرات سلام لـ - الحوار المتمدن -:أتوقع اقتراب الولادة
...
-
موسوعة المناوئين للإسلام - السلفي - والجاليات الإسلامية - ال
...
-
التراسل الذهني بين فيلمي (ان تنام بهدوء) و(معالي الوزير) الك
...
-
الرئيس الجيورجي ميخائيل ساكاشفيلي والثورة الوردية: حليف أمري
...
-
فرايبيرغا، رئيسة لاتفيا الحديدية: تتخلص من تبعية الصوت الواح
...
-
-المخرج فرات سلام في شريطه التسجيلي الجديد - نساء فقط
-
صمت القصور - فيلم من صنع امرأة: كشف المُقنّع وتعرّية المسكوت
...
-
في زيارته الثالثة لأوروبا خلال هذا العام جورج بوش يحتفل باند
...
-
سمفونية اللون - للمخرج قاسم حول: شريط يجمع بين تقنيات الفيلم
...
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|