سالم علي احمد
الحوار المتمدن-العدد: 4227 - 2013 / 9 / 26 - 23:34
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
سالم المندلاوي يكتب عن ذكرياته مع
شهيد الوطن الاستاذ الدكتور صفاء الحافظ
هو صفاء ابن جميل ابن صالح الحافظ ولد في العام 1923 من اب (هيتاوي) وام (بغدادية بياتية السيدة منيرة ) وله شقيق واحد اصغر منه هو صديقي الراحل عدنان الحافظ (ابو نصير) , عاشا منذ نعومة اظفارهما في رعاية اعمامهما من آل الحافظ في مدينة(الحلة) واكملا الابتدائية والثانوية فيها ,ثم انتقلا الى بغداد فالتحق صفاء بكلية الحقوق وبعده التحق عدنان بكلية التجارة (الادارةوالاقتصاد) وكان صفاء متفوقا على اقرانه بكل مراحل الدراسة ولما تخرج من الكلية بدرجة امتياز فقد ارسلته وزارة المعارف على نفقتها في بعثة دراسية الى (فرنسا) والتحق بجامعة (السوربون )المعروفة وحصل على شهادة الدكتوره بتفوق ايضا _ الشيء بالشيء يذكر _كان صديقي الحميم والمزمن د0 مهدي الحافظ -ارجو الانتباه بأن لا علاقة اطلاقا بين العائلتين فهذا اصله من الشامية وذاك اصله من هيت - يعمل خبيرا اقتصاديا في الامم المتحدة (جنيف) وخلال وجودي في المنفى كان قد استضافني لاكثر من مرة بداره هناك , وفي احد تلك الدعوات اصطحبني وعائلته بسيارته الدبلوماسية الى (باريس ) , وبعد مشاهدة جزء يسير من متحف (اللوفر) ,والصعود الى اعلا برج (ايفل ) طلبت ان يأخذوني لاشأهد ولو من الخارج جامعة (السوربون) ,فأوصلوني ال باب اثرية آية في الجمال صنعت من خشب الابنوس الاسود وذات زخارف فنية , وكانت تلك الباب مغلقة وضعت يديَ عليها و اسندت مقدمة رأسي اليها واخذت اصيح (ياجامعة السوربون ابنج صفاء الحافظ مات ... مات قتلوه البعثيين ومحو كل اثاره ) وكنت اجهش بالبكاء , كما افعل وانا ادون هذه الكلمات الان .
كان صديقي المرحوم عدنان الحافظ يسكن الاعظمية قرب المقبرة الملكية وكنت واصدقاء اخرين نتردد على داره لزيارته والاستعارة من مكتبته العامرة الكتب القديمة والحديثة حيث كان (ابو نصير) لايترك كتابا يصدر عن المطابع العراقية او المصرية او اللبنانية الا ويقتنيه . وفي منتصف عام 1956 كنت هناك اقلب في الكتب التي كانت تملاء الرفوف وتغطي الارض اذ دخل علينا رجل وسيم وقورذو شخصية تنفذ الى القلب مباشرة ويغلق نصف عينه عند الابتسامة اوالضحك فأبتدره عدنان : صفاء تعرف منو هذا اجاب والابتسامة على شفتيه : شلون ماأعرف اول جريح في وثبة كانون عام1948 كما اورد ذالك الاستاذ عبد الرزاق الحسني في سلسلة كتبه (تاريخ الوزارات العراقية ) مؤرخا للوثبة , ثم التفت الي ً عدنان متسائلا : اكيد انت هم تعرفه. فقلت اعرفه قبل ان تناديه بأسمه ,استاذنا الجليل الدكتور صفاء الحافظ , وهل يخفى القمر فتصافحنا و تعانقنا وكل منا يطبطب على ظهر الاخر , فأستمرت هذه الصداقة والعلاقة الاخوية زهاء ربع قرن تقريبا .
في العام 1979 غادرت سرا ً ارض الوطن وتوجهت الى بيروت عن طريق سوريا وكان في وداعي عند المحطة اخي المرحوم عباس والدكتور صفاء فقط , وكان هذا اخر لقاء لي معه .
هل من العدل والمعقول ان اتذكر في هذا المجال الشهيد صفاء الحافظ ولا اتذكر رفيق شهادته البطل الشجاع والمناضل الجريء الدكتور صباح الدرة , جاءني الى الدار عصراحد ايام عام 1979 وقال لي بلهجة حازمة (ابو لينا اشلع , قلت ماذا تقصد قال لي اكلك اشلع ... , انت تعرف قريبي فلان الكادر في حزب البعث قلت نعم قال عرًض حياته للخطر من اجل ان يعلمني ان امراً قد صدر بالقاء القبض عليك وبما انه يعرف بأنك من اصدقائي المقربين لهذا اخبرني بذلك قبل ساعة من الان , ارجوك استعجل , فتعانقنا عناقا حارا ولم اكن اعلم ان هذا سيكون اللقاء الاخير .. واسفاه , المجد والعلا للشهيد المؤسوف عليه ابو عمار د. صباح الدرة
غادرت فجر اليوم التالي وعند وصولي الى سوريا اتصلت تلفونيا بالاهل فأخبروني ان مجموعة من افراد الامن داهمو البيت وعاثو فيه فسادا باحثين عنك فأخبرناهم انك سافرت منذ اسبوع الى سوريا .
في الاشهر الاخير من عام 1980 جاءت الى بيروت المراة الماجدة الصابرة الصامدة ام عمار زوجة الشهيد د. صفاء (وهي ابنة اخ زوجتي المرحومة ام لينا ) واخبرتنا ان الجماعة في بغداد يطلبون عمل جوازيً سفر بأسم كل من د. صفاء و د. صباح واخبرتنا انها مستعدة لاخذ الجوازيين معها ال بغداد فأنكرنا عليها هذا الطلب لانها قد تكون مراقبة من قبل جهاز الامن البعثي وبعد فترة من عودتها الى بغداد جاء احد المراسلين الحزبين يحمل البريد الحزبي وكان من المعتاد اسكان المراسل في شقة بعيدة عن منطقة تواجد الحركة الوطنية (الفاكهاني )ولا يرى هذا المراسل شيء من بيروت سوا في طريق العودة الى الوطن , وجرى تحميل ذاك المراسل بالبريد الحزبي الحاوي على جوازي السفر ومواد اخرى .ولسؤ حظ الجميع فقد القي القبض على المراسل في(الرطبة) وعندها حلت الكارثة .
شريط الذكريات مع الشهيد صفاء طويل سأروي بعض منها .
الاستاذ المرحوم (مصطفى علي ) شخصية وطنية بارزة ومن اشهر قضاة العراق وكان اول وزير عدل في حكومة ثورة 14 تموز المجيدة , كان مع مجموعة من الشباب المثقف في اوئل العشرينات من القرن الماضي قد اصدروا جريدة تقدمية اسبوعية (الصحيفة ) وكانت تهاجم رموز الرجعية والتخلف الداعين الى تمسك المراة بالحجاب .وكانت (الصحيفة )تدافع عن السفور بالاضافة الى مواضيع اقتصادية وسياسية وثقافية , وصدر منها ستة اعداد اغلقت بعد ذلك وتوجد حاليا نسخا منها في مكتبة المتحف العراقي . ومن وجه اولئك الفتية سليم فتاح وحسين الرحال ومصطفى علي وعبد الله جدوع والقاص محمود احمد السيد ولطفي بكر صدقي وكان بعضهم قد تعرف على الماركسية وثورة اكتوبر البلشفية واعجب بها خلال سفرهم الى الدول الاوربية والتحدث عنها عند عودتهم الى الوطن وكان منهم حسين الرحال ,وفي الحقيقة ان هؤلاءومن سبقهم ومن تلاهم كانوا الرواد الاوائل لنشر الفكر التقدمي اليساري في العراق . كان هذا جانب من حديث جرى في دار الشهيد صفاء من قبل الرفيق المناضل الراحل (زكي خيري) واضاف ( ابو يحيى) لماذا لاتقوما انتما بزيارة للاخ مصطفى وهو الباقي الوحيد على قيد الحياة من مجموعته وجعله يتحدث عن تلك المرحلة وعن النشاط التقدمي والماركسي الذي كانو يمارسونه .وبالفعل قمنا بزياته في داره المتواضع الواقع في منطقة الحارثية بصفتنا مندوبين عن هيئة تحرير مجلة الثقافة الجديدة ,وللعلم انه كانت لنا معرفة سابقا بالاستاذ مصطفى , فرحب بنا بحرارة بالغة وكانت زوجته الفاضلة تقوم بواجب الضيافة بنفسها , وكان ابنهما الصغير (علاء ) البالغ من العمر (3) سنوات تقريبا يدور بيننا , وعرضنا عليه الغرض من هذه الزيارة وهي اجراء حوار معه سوف ينشر في مجلة الثقافة الجديدة وكان المحور الرئيسي لهذا الحوار استجلاء الدور الذي قامت به مجموعة المثقفين التي اصدرت جريدة (الصحيفة) وبالطبع هو احدهم وهل تبنت المجموعة مشروعا ً سياسيا تقدميا يساريا , الا ان الاستاذ مصطفى عند حديثه عن تفاصيل عملهم في تلك الفترة كان يحاول اقناعنا بانه والمجموعة اياها لم يكن لهم نشاط سياسي او بالادق ماركسي بل كانوا مجموعة من المثقفين المدافعين عن (السفور) , وكلما كنا نواجهه بالمعلومات المتوفرة لدينا محاولين جره الى التطرق الى النشاطات الماركسية كان رحمه الله يتملص ويحدثنا عن عبقرية ولده (علاء) وذكائه غير العادي وكان يجلسه في حضنه وينبهنا (شوفو شوفو اشلون يباوع بوجهي ويباوع عليكم ويريد يكَول هذوله منو انا ماشايفهم كًبل), وخلاصته فقد انتقد بمرارة افراد المجموعة واتهمهم باللاءباليه وعدم الجدية , وفي الختام استأذناه بالمغادرة ودليلاً على سمو اخلاقه وتواضعه الجم فقد اوصلنا الى الباب الخارجي لداره وهو يحمل المحروس ابنه , وقد صافحناه وقبٌلنا خدي علاء شعلة الذكاء كما وصفه والده , وغادرنا مسرعين وبادرني الشهيد صفاء( ابو لينا والله حيرة هسه مندري علمن نكتب ... نكتب عن مصطفى علي والحركة الماركسية لو عن مصطفى علي وولده المعجزة ).
في العام 1980 كنت اسكن في بيروت كما هو معلوم فأاخبروني تلفونيا ان صفاء تم القبض عليه في الشهر الثاني من عام 1980 .
خشية الاطالة سأكتفي بهذا القدر من الذكريات
#سالم_علي_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟