|
حق العودة : وتصويب المفاهيم
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1207 - 2005 / 5 / 24 - 10:35
المحور:
القضية الفلسطينية
شكل إحياء ذكرى النكبة هذا العام حدثا فلسطينيا جامعا بامتياز ، فعلى وقع هذه الذكرى خرجت الجماهير الفلسطينية في فلسطين التاريخية وفي مناطق اللجوء في الشتات ليتوحد الجميع في فلسطين وتتوحد فلسطين في كل أبنائها أينما كانوا ، ليؤكدوا على حقوقهم التاريخية الثابتة في الوطن الفلسطيني بحدوده التي كانت قائمة قبل ذلك التاريخ .
وأول ما يمكن قراءته في هذا التوحد حول إبقاء هذا اليوم الأسود في تاريخ الشعب الفلسطيني والأمة العربية حاضرا وحيا في الذاكرة والعقل والقلب معا ، لينقله كل جيل إلى الجيل الذي يليه ، هو الرفض للنتائج التي ترتبت على هذا اليوم والمتمثلة في هذا الكيان الصهيوني الإحلالي الذي استولى على فلسطين وشرد أهلها وجعل من أغلبيته الساحقة لاجئا في ما تبقى من وطنه أو في مناطق ال 48 أو في الشتات .
وبهذا البعد فإن قضية اللاجئين تشكل جوهر القضية الفلسطينية ، ولذلك فإن أي تناول لموضوع اللاجئين يدور حول الجوهر دون أن يعيد الأمور إلى نصابها ، فإنه لا يمثل حلا أيا كانت أطراف هذا الحل فلسطينية أو إقليمية أو دولية ، لأن الأساس في أي حل لمسألة اللاجئين ، لا بد أن ينطلق من القاعدة القانونية والحقوقية التي تقول بأنه لا يجوز اقتلاع شعب له كل الحقوق التاريخية منذ النشأة والتكوين في وطنه ، وبالمقابل لا يمكن الالتفات إلى ذرائع أي قوة تنطلق من وحي " الخرافة " لتبني عليها من بعد بناء ماديا تنكره كل الشرائع بمعناها الحقوقي والإنساني رغم كل مصادر القوة التي تتكئ عليها .
ذلك أن القوة لا يمكن لها أن تنشيء حقا قانونيا تاريخيا ، وأقصى ما يمكن أن تفعله هو أن تخلق واقعا ظرفيا " مؤقتا " مهما كانت مدته ، لأن حساب حقوق الشعوب والأوطان هنا لا يمكن أن يتم بعدد السنوات بقدر ما هو لحساب التاريخ الفعلي لحضور الحق الأصيل بأهله ومن أنتجه في الواقع مغروسا في كل ذرة تراب تحمل بصمات أصحاب ذلك الحق الثابت على مدى الأيام وفي استمرار تمسك أصحاب الحق بحقهم.
ويتجسد هذا الحق في ثنائية الأرض ـ العودة والتي تشكل ناظما جامعا بين أبناء الشعب الفلسطيني ، وفيهما يتوحد الفلسطينيون داخل فلسطين التاريخية من أقصاها إلى أقصاها مع فلسطينيي الشتات ، ليشكل يوم النكبة بالنسبة للجميع يوما للتأكيد على حق العودة وليشكل يوم 30 آذار يوما للتمسك بأرض فلسطين التاريخية .
وهما حقان يتماهى كل منهما في الآخر ويحتويه ، حيث أن العودة وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 هي ، العودة " إلى ديارهم التي هجّروا منها " وهي بذلك ممتدة على مساحة الأرض الفلسطينية دون تفرقة ، باعتبار أن ذلك هو من صميم مسؤولية الجهة الدولية التي أصدرت القرار ، والتي يفترض بها أن تلزم الكيان الصهيوني بتنفيذه بما تملكه من قوة الإلزام القانونية المستمدة من قواعد القانون الدولي ومن ميثاق الأمم المتحدة ، إضافة إلى أن الشرط الأساس لقبول عضوية الكيان الصهيوني في الأمم المتحدة في حينها قد تعلق بشرط تطبيقها لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالشعب والأرض الفلسطينية ، وبهذين الحقين تحديدا .
فقد جاء في نص قرار الجمعية العامة رقم 273 بتاريخ 11/5/1949 : إن الجمعية العامة ، إذ تأخذ علما بالتصريح الذي تقبل فيه إسرائيل، دون أي تحفظ الالتزامات الناجمة عن ميثاق الأمم المتحدة ، وتتعهد باحترامها منذ اليوم الأول تصبح عضوا في الأمم المتحدة ، وإذ تذكر بقراراتها الصادرة في 29/11/1947 (قرار التقسيم رقم 181 ) وفي 11/12/1948 ( قرار حق العودة رقم 194 ) وتأخذ علما بالتصريحات والإيضاحات التي قدمها ممثل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية الخاصة بشأن تطبيق القرارين المذكورين ، تقرر أن إسرائيل دولة محبة للسلام تقبل بالتزامات الميثاق وأهل للقيام بها ومستعدة لتنفيذها ..." فقرار الجمعية العامة قبول الكيان الصهيوني قد تعلق بشرط تنفيذ القرارين السابقين المتعلقين بالقضية الفلسطينية ، ويجدر الإشارة هنا أنه إذا كانت الجمعية العامة قد أنشأت حقا بقبول الكيان الصهيوني في المجموعة الدولية فإنها قد ربطت هذا الحق بتنفيذ " إسرائيل " لحقوق أخرى لم تنشئها الجمعية العامة ولكنها أظهرتها وفي مقدمتها حق العودة .
فحق الإنسان في وطنه ودياره حق ثابت أصيل وهو غير قابل للتصرف فيه ، وأي قوة أجنبية تحاول الاعتداء على هذا الحق أو الانتقاص منه أو نفيه لا تملك ذلك مهما تسلحت بقوة الواقع الراهن الذي تحكمه موازين قوى مجافية ، لذلك فإن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 حول حق عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجّروا منها وتعويضهم هو قرار للتطبيق وليس للبحث فيه أو الاتفاق حوله كما هو مبيّن في القرار الدولي .
هنا يصبح حديث المسئولين الفلسطينيين حول حل قضية اللاجئين وفق صيغة مؤتمر قمة بيروت ، إنما يحمل قدرا كبيرا من الالتباس والقراءات الخاطئة إذا ما قدرنا حسن النية لدى المؤتمرين ، ذلك أن هذا النص الذي يتحدث عن " إيجاد حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق قرارات الشرعية الدولية " إنما يتحدث عن شيء آخر جديد ليس له علاقة بقرار الجمعية العامة رقم 194 رغم الإشارة إليه ، وهو يحمل قدرا كبيرا من التناقض وخلطا في المفاهيم ، لا يمكن إلا أن يصب بالمحصلة في مجرى سوء النية المتعمدة ، ففي حين يطالب القرار الأممي بشكل واضح وقطعي الدلالة على وجوب إعادة الأمور إلى نصابها قبل الغزوة الصهيونية ، فإن تلك اللغة التي يجري تسويقها عربيا إنما تسعى لمكافأة المعتدي على حساب الحق الثابت وفق الشرعية الدولية وقواعد القانون الدولي للشعب الفلسطيني .
وقرار الجمعية لا ينشيء حقا جديدا للشعب الفلسطيني بقدر ما يكشف ويؤكد على حق ثابت وأصيل وسابق وممتد للشعب الفلسطيني يجب أن يجري تنفيذه ، ولذلك فعندما يتحدث أبو مازن أو أي مسئول فلسطيني عن " إيجاد حل " فإننا بذلك نكون بصدد البحث عن حق لم يثبت بعد بكليته ، وهو يحمل في ذات اللغة دعوة لإنشاء حقوق متبادلة مع الطرف الآخر ، بما يعنيه ذلك من تنازل عن حق ثابت وأصيل بما يشكله ذلك من إهمال للقرار الأممي الواضح الدلالة والواجب التنفيذ ، لأن القرار الأممي لا يسعى " لإيجاد حل " بقدر ما يؤكد على تنفيذ القرار ، لأن التنفيذ هنا هو الحل في ذاته والذي قرره المجتمع الدولي في11/12/1948 .
وفي نفس السياق فإن تعبير "عادل " ينطلق من تنازل عن حق مطلق يطالب برد الحق إلى أصحابه كاملا غير منقوص مهما كانت ظروف الطرف الآخر ، إلى حق نسبي باعتبار أن " العادل " هنا يجب أن يراعي مصالح طرفي العلاقة القانونية دون الالتفات إلى مفهوم العدالة بمعناها القانوني والحقوقي والذي يعني بالأساس أن ترد الحقوق كاملة إلى أصحابها ويزال الضرر الذي لحق بالشعب الفلسطيني جراء هذا العدوان ودون النظر إلى ما نشأ من مصالح للطرف الصهيوني كنتيجة مباشرة لعدوانه ، والتي هي نفي لحق ومصالح الشعب الفلسطيني في إطار تناقض المصالح ، لأنها نشأت على حساب الحق الأصيل إضافة إلى أنها هي بالأساس غير مشروعة ومخالفة لقواعد القانون الدولي ولكل الأعراف ، باعتبارها عملية غزو لمجموعات بشرية لشعب مستقر وآمن واقتلاعه من أرضه ، فالعدالة عندها تقتضي أن لا يكافأ المعتدي على عدوانه بالقول ب" إيجاد حل عادل ومتفق عليه ".
وإذا ما دققنا في تعبير " متفق عليه " فذلك يعني منح المحتل سلطة التقرير في كيفيته ، باعتبار أن الحل يبقى معلقا بشرط الاتفاق مع الكيان الصهيوني عليه ، وذلك يعني باللغة القانونية التنازل عن قوة الإلزام في القرار الدولي إلى البحث عن صيغة " لحل " تقبل به الدولة العبرية ، وهو بالنتيجة ووفق هذا النص ليس هو ذلك الحل الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرارها رقم 194 .
والأكثر مدعاة للأسف والأسى في الوقت ذاته هو في تسرب هذه اللغة وتلك المفاهيم إن بحسن نية أو بسوئها إلى لغة وأدبيات ونقاشات بعض الأطراف التي تعي وتدرك أبعاد هذه المفاهيم ، والتي يتم فيها تناول موضوع حق العودة ، جريا وراء مبادرة النظام الرسمي العربي التي اقرها في مؤتمر قمة بيروت ، مشرعا بذلك الأبواب لمن يريدون شطب حق العودة من التطاول على هذا الحق بالاتكاء على قرار مؤسسة القمة العربية المفرّط بحق اللاجئين .
إن حق العودة ليس محلا لأن يتفق عليه إلا في السياق الذي يتناول الجوانب المتعلقة بالتنفيذ عبر القنوات والمؤسسات الدولية ، وهو بالضرورة ليس مطروحا للاتفاق عليه ، ولذلك فإن هذا الاختراق الذي مثله مشروع ولي العهد السعودي والذي تبناه النظام الرسمي العربي ثم السلطة الفلسطينية ، إنما يمثل بالدرجة الأولى تنازلا عن قرار إجماع المجتمع الدولي ، إلى صيغة وحق أعطي للعدو الصهيوني سلطة إنشائه أو تكييفه وفق ما يدّعيه البعض من تشكل "حق واقعي " للكيان الصهيوني في فلسطين ، ليصبح فيه بعد ذلك مجرد الحديث عن حق العودة كما أقرته الأمم المتحدة بمثابة حديث " رومانسي " يفتقر إلى الواقعية .
وإذا كانت السلطة قد حكمتها موازين قوى وشروط سياسية إقليمية ودولية على قبول هذا النص الذي لم يقبله الكيان الصهيوني رغم كل ما فيه من تنازل وتفريط حتى الآن ، فإن المحذور هو أن يتسرب هذا المفهوم بلغته وبما يعنيه في الأساس إلى الثقافة السياسية والقانونية والفكرية للقوى الفلسطينية والعربية ، لأن ذلك يعني في الجوهر تفريطا مسبقا بحق العودة الثابت ، والذي هو بحاجة للتنفيذ لا " للاتفاق عليه " ، لأن ذلك يصب في خدمة المشروع التوراتي الصهيوني الذي يحاول اقتلاع شعبنا واقعا وحقا وذاكرة ، لذا فإن إعادة الاعتبار إلى المفردات والمفاهيم هو من أوجب واجبات كل الشعب الفلسطيني حيث لا محل هنا للعبث بهذا الحق من أي جهة كانت ومن أي كائن كان .
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فتح ـ حماس : وفخ ثنائية الاستقطاب
-
شجرة الفساد : من التقليم إلى الاجتثثاث
-
الكيان الصهيوني ـ موريتانيا : مَنّ يستخدم مَنّ ؟
-
ديمقراطية بوش : بئس المثل
-
يانواب التشريعي : الزمن دوَّار
-
سوريا : وسد الذرائع
-
النظام الرسمي العربي : طريق التهافت
-
المقدس بوش : ومربط الفرس
-
حزب فرنسا : يلبس عباءة الحريري
-
عباس : حدود المناورة
-
الانتخابات : وقبائل اليسار
-
اللاجئون : بين عباس وشالوم ومفهوم الوطن .
-
!!!الوطن:وشرط الحزب القبيلة
-
الحوار المتمدن : فضاء مشع يدافع عن الحق والحقيقة
-
حماس : خطوتان للوراء ، أم انحناءة للعاصفة ؟
-
الانتخابات : بين التمثيل النسبي والأغلبية المطلقة
-
مروان البرغوثي : قرار الربع ساعة الأخير
-
الانتخابات : عباس والبرغوثي وما بينهما
-
ديمقراطية فتح : الهرم مقلوبا
-
انتخابات رئاسة السلطة : ودعوى الطهارة السياسية
المزيد.....
-
السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته
...
-
نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف
...
-
-الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر
...
-
السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
-
نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران
...
-
نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب
...
-
كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
-
تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
-
-مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت
...
-
مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|