هادي العزاوي
الحوار المتمدن-العدد: 4226 - 2013 / 9 / 25 - 19:40
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
أي أنسان منذ أن يوجد على هذه الارض ويعي وجوده كأنسان فهو متــورط. ونعني بذلك .. انه كأنسان لابد وأن يلتزم. لأنه لابد له أن يفعل ويكون له فعل.. حيث لايمكن له أن يوجد على هذه الارض (بدون فعل) مهما قل شأن هذا الفعل أو عظم..وهذا الفعل مهما صغر شأنه فأن له أنعكاسات وتأثيرات قد تكون سلبا أو أيجابا على الاخرين. وانطلاقا مما سبق فأن تحصيل الثقافة ونشرها هي ( فعل) كغيره من الافعال تترتب عليه ايجابيات وسلبيات عند الاخرين. فالمثقف يكون اشد تورطا من الاخرين ولايمكن ان يتنصل من مسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الاخرين. وهذه المسؤولية قد تكون أهم وأخطر, لأن فعل الثقافة يمس الاخرين وعلى نطاق اوسع من أي فعل آخر... مثلا... المقال والكتاب والنقد والتحليل والشعر الذي يكتبه المثقف يقرأه الآف الناس , بينما الافعال الاخرى غير الثقافية مهما عظمت قد لاتمس الا نفرا من الناس لاتتعداهم. ولهذا فأن المثقف بالضرورة هو ( ملتــزم) حتى وان تملص أو حاول التملص. انه ملتزم منذ اليوم الاول الذي اختار فيه مجال الثقافة لممارسة نشاطه. نأتي من جهة اخرى نقول.. ان الثقافة نفسها هي التــزام. اذ أن الثقافة بدون التزام كأنسان يجمع كمية من المعلومات دون ان ينشرها بين الناس . فالالتزام هنا يمثل ( أساس الثقافة) وهو ( أساس المثقف) وبدونه ليس هناك ثقافة ولا مثقف. ان أي مهنة قد تؤدى بشكل مقبول بغض النظر عن التزام صاحبها. لكن الثقافة والمثقف تستحيل ويستحيل دون التزام. هناك سؤال يتبادر الى الذهن ألا وهو: هل يمكن أن يكون هناك مثقف غير ملتزم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الاجابة بكل بساطة...... كلا والف كلا....حتى الذي يدعي عدم الالتزام ويلهث خلف الاساليب الجوفاء والاتجاهات العدمية أو اللامبالية ويخوض موضوعات هروبية لا علاقة لها بالحياة ... هو في حقيقة أمره (ملتــزم) .. نعم ملتزم بهذا الموقف الذي يتخذه وهو مسؤول عما يترتب عليه .. وهو نمط من أنماط الالتزام. اذ عندما يحتدم الصراع في المجتمع بين الحرية والعبودية فأن الموقف الحيادي الذي يتخذ هو في حقيقة الأمر نصرة (للأقوى) وهو في نفس الوقت التزام بهذا الموقف الحيادي . ان الذي يرفض محاربة الظلم وكبت الحريات وانعدام العدالة والمساواة, ويرفض تبني قضايا مجتمعه وكفاحه من اجل أقامة مجتمع عادل بدعوى (الحياد) يرفض الوقوف الى جانب المحتاجين اليه من أبناء مجتمعه , المحتاجين الى ثقافته في أنارتهم وحثهم نحو التقدم والازدهار. وهو بذلك يقف الى جانب الذين يظلمون مجتمعه ويكبتون حريته ويترفون على حساب فاقته وهذا هو (الالتزام بالظلم والظالمين ) من خلال موقف (المثقف الحيادي) انهم يجعلون منه هو نفسه ( المثقف الحيادي) تسلية لهم,, ويكون هو هنا ( بائع تسلية) للذين وقتهم كله تسلية.. أي اولئك العاطلين الذين يعمل لهم الآخرين.... اذن نؤكد... لا حياد في القضايا الاجتماعية... لا حياد في القضايا الأنسانية.. لا حياد في الثقافة. ان الذي يدعي عدم الالتزام فهو برفض الالتزام لأن ذلك ليس بمقدوره .. أي أنه لا يستطيع أن يلتزم بذلك النمط .. وانما هو يرفض نمطا من الالتزام وليس الالتزام... لأن هذا الرفض نفسه دليل على الالتزام بنمط آخر ألا وهو الحياد... اننا مادمنا في هذه الحياة وعلى هذه الارض فأن الانسانية جمعاء متورطة ولا سبيل للتنصل من مسؤولياتنا الانسانية... اما ضد العلاقات الظالمة,ضد الاستغلال,مع الحرية والديمقراطية والمساواة.. أو.. مع الظلم والظالمين,ضد الحرية والديمقراطية والمساواة.. لا حياد.. وكل من يؤجلون (الاختيار) انما يضيعون وقتهم .. وقد يختارون... ولكن في الوقت الذي تكون فيه القوى المتصارعة قد حسمت الموقف.. وربما ليس في صالحهم. هناك صعوبة برزت لا تقل أهمية عما ذكرنا خلال الفترة الاخيرة من خلال التغيير الذي حدث في مجتمعنا وفي اوساط مثقفينا منذ الاحتلال في 19 آذار 2003 ولحد الآن وأعني بذلك اولئك الذين يقرأون ويكتبون ويعتبرون أنفسهم مثقفون وهم سبع فئات ولا أريد أن أقول ثمانية لأن الفئة الثامنة من المثقفين جمعت بين الالتزام الذاتي والعقلانية .. أي بين حرارة العاطفة الثورية وبرودة العقل, وبالتالي فهي لا تشكل مشكلة أو صعوبة من ناحية الفهم الموضوعي للثقافة والامور الانسانية لأنها واضحة. لذا توجب علي ان ابين الفئات السبعة الباقية والتي تمثل صعوبة في الفهم الموضوعي للمرحلة الراهنة وهي كالاتي:
1- الفئة الاولى .... ( الالتزام العاطفي) هم الذين اعتنقوا الفكر أو الالتزام بالفكر بشكل عاطفي... ولم يروا في التغيير الذي حصل سوى ( أخذ الثأر) من مستغليهم. بعد تحررهم من مستعبديهم, أي أن المسألة (شخصية بحتة),على كل حال فقد كون هؤلاء في رؤوسهم فكرة ضيقة عن التغيير وعن الفكر وعن الالتزام.. ونصبوا أنفسهم أوصياء على الاخرين, يثورون اذا خرج أحد الناس عن تصورهم وخالف نظرتهم الضيقة, فينزلقون ويتهمونه بالخروج على الاخرين والواقع الجديد. معتبرين أن تصورهم للتغيير والتزامهم هو نفسه التزام الاخرين, ولابد أن يكون كذلك , أي بشكل (دكتاتوري) جديد ضمن مفهومهم القديم الجديد. ان العاطفة وان كانت مطلوبة الا أن عدم الوعي بها قد يحول الحوار العقلي الذي يهدف الوصول الى الحقيقة الى تعصب فكري خال من الشفافية وسماع الرأي والرأي الآخر. .
2-الفئة الثانية.... ( الالتزام الرجعي) هم الذين ضد الحرية والديمقراطية والمساواة وهم الرجعيون لأنهم يجرون المجتمع الى الخلف نحو التخلف .. هؤلاء المثقفون ينطبق على أنتاجهم ما ينطبق على الانتاج الرأسمالي...( أنتاج ما لا ضرورة لأنتاجه ترفيها لطبقة معينة وترك المجتمع في أمس الحاجة اليه) وهذا لم يك سعيا نحو الربح المادي وتحويل الثقافة الى تجارة وانما هو ( تغريب جوهر الثقافة) وهروب من مواجهة الواقع والقضايا الحيوية التي تهز المجتمع ورفض أتخاذ موقف منها. ان هؤلاء في الغالب أناس لا يريدون ا لاختيار بين الحل الثوري والحل الرجعي بل يماطلون في تسويف حالة الالتزام, غارقين في أمور تجاوزتها الحياة منذ أمد بعيد. وهذه الثقافة المترددة ( الرجعية) بدلا من أن يكون المثقف في مقدمة مجتمعه فأنه يتخلف عنه ليشده الى الخلف. ان من واقع ثقافة المثقف والتي تعني خبرات أجيال وأفكار عقول مختلفة الاهتمامات والمواقع يدرك أنه لا بديل عن التغيير للواقع المتخلف ,ولا بديل عن الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة, وان كل الحلول الاخرى هي بمثابة جرعات مسكنة لأمد محدود..
3-الفئة الثالثة.... (الالتزام المتجمد) هم فئة من المثقفين ليست معادية للتغيير بل قد تسلم في داخلها به, وحتى لمن يناقشها وتؤكد نبل وأهداف التغيير. الا أن هذه الفئة رأت في الممارسات العملية وتصرفات بعض الأفراد ممن يحسبون أنفسهم على التغيير وعلى المثقفين ( الطارئين) لايمتلكون نبل وخلق اهداف التغيير وما هم بمثقفين وقد أحتضنوا من قبل التغيير. وهذه الفئة بدلا من أن يقوموا الاعوجاج ويرفضوا وصاية اولئك (الطارئين) وفقا لالتزامهم الثقافي .. وقفوا بأرتياب للتغيير والثقافة عموما, وهنا تأتي صعوبة نقاشهم كونهم لا يستطيعون التحرر من سيطرة الاطار الواقعي والعمل بكل مشاكله الوقتية والخاصة بالمجتمع والثقافة والمثقفين عموما. لأنهم تجمدوا في جزئيات وليس في الكل والالمام به. وهنا تكمن صعوبة التعامل مع مثل اولئك المتجمدين.
4-الفئة الرابعة...( الالتزام المثالي) هم الذين ينظرون الى التغيير نظرة (البدائيين) الى الساحر... هذا الساحر يستطيع في لمح البصر الاتيان بمعجزات.. لا ينظرون الى التغيير على أنه ... نضال ومكابدة ومخلفات سلبية من النظام المقبور وهناك محتل أجنبي أضاف سلبيات أكثر تعقيدا وهناك شعب يعاني الأمرين... وهم مع رفضهم الوصاية وعدم السماح للاخرين أن يعملوا من أجل رفاهية وأزدهار المجتمع ,مع ذلك يطلبون أن يتحقق كل شيء في غيابهم وبدونهم.. ولا يسألون أنفسهم عن دورهم في سلبيات الواقع المعاش وفي عملية صنع القرار... هؤلاء المثاليون ينحصر الامر لديهم في خيلرين نقيضين هما: أ- اما أن يصبح كل شيء في لحظات كما هو مرجوا من التغيير دون المرور بالمراحل الزمنية وحسابات الوقت والاحتلال ومخططاته...ب- انهم لا يرون غير السلبيات وعدم المشاركة في تقديم البديل وعدم السماح للاخرين بالعمل. هؤلاء المثاليون ليسوا معادين للتغيير وانما يطلبون منه أن يكون (عصا موسى السحرية أو خاتم سليمان) وهم في كل ذلك ومايحدث في المجتمع غير مشاركين ..وهم أخطر على التغيير.
5- الفئة الخامسة... (الالتزام التبعي) وهم فئة عجيبة غريبة .. هي قلبا مع التغيير, تؤمن في أعماقها بما طرحه التغيير من أسس ومباديء وحريات, لكنهم يخشون أراء الاخرين أو ما يسميه علم الاجتماع ( النقد الاجتماعي) أي أنهم يخافوا النقد الاجتماعي أو النقد من زملائهم المثقفين, وفي الغالب يخشون من فكرة تبيعية الحكومة. أعني.. كان المثقفون سابقا تبعا (للحكومة وسياسية حزب البعث) واغلب الذين يتواجدون ضمن الاطر الثقافية تابعين بالحقيقة للحكومة ومروجين لسياسة البعث (والقائد الضرورة) لذا فأن أكثر ما يخشوه هو أن يوصفوا بالتملق أو الوصولية أو الانتهازية. كونهم لا يستطيعون الا أن يفعلوا ذلك في أي زمان وأي مكان وتلك خطورتهم التي تجعلهم ( بائعي تسلية)
6-الفئة السادسة.....(الالتزام اللاشعوري) هم الذين تجري الاحداث أمامهم وهم لايشعرون. بل لا يزالون يعيشون على القديم , يتفرجون على الاحداث وكأنهم في مسرح أو أمام شاشة مرئية وكأن الامر لا يعنيهم.ان هؤلاء اذا لم يستيقظوا من نومهم ويتركوا كهوفهم لن يجدوا لهم مكانا في المجتمع متلهم مثل أهل الكهف,سيجدون أن عملتهم مرفوضة وما عليهم انذاك ألا العودة الى كهوفهم والنوم ثانية دون استيقاظ. ان هؤلاء ليسوا معادين للتغيير ,بل التغيير قام من اجلهم لكنهم لا يصدقون بعد على أنه الواقع وقد حدث التغيير أو ربما يعتقدونه (حلما) ....
7- الفئة السابعة والاخيرة ... ( الالتزام المتضرر) هم الاخطر في كل الفئات على التغيير وعلى الانسان وعلى الثقافة وعلى كل شيء يفيد المجتمع والمواطن. انهم اولئك الذين نتلمس لهم العذر, لأنهم هم الذين قام التغيير ضدهم... اعني.. (المتضررين) سواء بعودة ما بحوزتهم من عقارات لأصحابها والتي أخذت من اصحابها ظلما أو بتحرير المثقفين من سيطرة رأس المال أو الذي كان يملك الجاه والسلطان وأصبح بين ليلة وضحاها انسانا عاديا كغيره مطرودا ومطاردا لكثرة أعماله الشائنة .. هم المعادون للتغيير.. ان مثل هؤلاء لا يستطيعون التكييف مع الواقع وهضم الحقيقة. فهو يرفض أن يكون كغيره من الناس .. يريد أمتيازاته السابقة في ظل دكتاتورية النظام المقبور وهو الان حرم من سلطانه وجبروته. مشكلتهم أنهم لا يستطيعون الفصل بين المصالح الخاصة والعامة هم تعودوا على المصالح الخاصة فقط تربوا عليها. لقد حصلوا على الامتيازات الخاصة طيلة حكم الدكتاتورية والان عليهم أن يثبتوا جدارتهم وأستحقاقهم دون تأليه (القائد الضرورة) وهم لن يستطيعوا ذلك وهنا تكمن الخطورة.
هذه هي أزمة المثقف وازمة الثقافة عموما . ان من واجب المثقف الان هو أن يتلاشى أنانيا كي يكون متفاعلا أجتماعيا ليس همه أنتاج (ثقافة تسلية أو تبعية ) أنما أنتاج ثقافة تغيير الواقع المتخلف من اجل غــد أفضل وتحقيق مجتمع حر ديمقراطي لشعب مرفه سعيد...وذلك من خلال الالتزام بثقافة تغيير الواقع المتخلف ... اي الالتـــزام الــرديـكـالـي( الالتزام الثوري)
#هادي_العزاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟