جمال عبد الفتاح
الحوار المتمدن-العدد: 4225 - 2013 / 9 / 24 - 13:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العالم الذى نعيشة اليوم يسودة النظام السياسى الاقتصادى الاجتماعى للراسمالية العالمية ـ العولمة الراسمالية ـ بقيادة الامبرياليات القديمة فى اوربا وامريكا واليابان , والبرجوازيات الصاعدة فى الصين وروسيا والهند والبرازيل وكوريا الجنوبية , وبلدان الرسمالية المتخلفة التابعة بدرجات مختلفة فى سلم التطور الراسمالى, محيط العالم الراسمالى .
منذ اكثر من نصف قرن لم تعد مراكز الراسملية العالمية , الامبرياليات القديمة , تقوم على نهب ثروات المستعمرات كما كان يفعل الاستعمار القديم فقط , بل وتقوم على تفكيك البنيات الاقتصادية والسياسية فى البلدان المتخلفة واعادة دمجها ـ كما حدث فى بلادنا فى السبعينات ـ بما ينسجم مع مقتضيات التراكم الراسمالى فى المراكز الراسمالية ,لتكتمل عملية الالحاق البنيوى للسوق الراسمالى العالمى , ليصبح معها شروط اعادة الانتاج لاتوجد فى تلك البلدان التابعة , وانما فى المراكز الراسمالية العالمية فى اوربا وامريكا واليابان .
ومع عولمة راس المال والانتاج والتجاره , وتطور قوى الانتاج بشكل غير مسبوق, تراجع التناقض التناحرى بين الامبرياليات , الذى ادى فى الماضى الى الحربين العالميين , لتصبح الية الحروب العدوانية المحلية وتفتيت البلدان كما حدث مع يوغوسلافيا وبلدان اوربا الشرقية والاتحاد السوفيتى السابق والبلدان العربية , تصبح لها دور جوهري فى صناعة التخلف . ولجم قوى الثورات الشعبية الطامحة الى الحرية والاستقلال والعدالة الاجتماعية على طريق الثورة الاشتراكية .
فلم يعد هناك راسماليات قومية فى البلدان المتخلفة على غرار ما حدث فى المراكز الراسمالية الكبرى منذ قرون . وانما هى راسماليات طفيلية تابعة , ولا تحمل مشروعا للنمو الراسمالى , كما هو الحال فى مرحلة صعود الراسماليات الاوربية والامريكية . وانما تكرس التبعية للعولمة الراسمالية , احد اهم الياتها فى السيطرة الاستعمارية الجديدة . لذالك فالراسماليات التابعة ليست فى حالة مواجهة مع المراكز الامبريالية , وانما هى مكملة لها . وهذا يؤكد ان نماذج باندونج , عبد الناصر , وسوكارنو اندونيسيا , وسيكوتورى غينيا . . الخ لن تعود ثانية , فالتطور الاقتصادى الاجتماعى التاريخى للراسمالية العالمية لن يعود الى الوراء . .
ونتيجة لهذا التطور , وفى هذة اللحظة من الصراع الاجتماعى العالمى , اصبحت معاداة امريكا الاستعمارية لن تاتى الا من الطبقات العاملة وفقراء الفلاحين وصغار الموظفين والعاطلين عن العمل والمهمشين فى بلدان العالم المتخلف , وضد الطبقات الراسمالية سواء فى البلدان المتقدمة او المتخلفة , ولم يعد هناك مكان ودور لما كان يسمى فى الماضى بالبرجوازيات الوطنية فى عملية النضال من اجل الاستقلال والتحرر الوطنى الذى كان مطروحا على الشعوب منذ الحروب الاستعمارية فى القرن التاسع عشر وحتى سبعينات القرن العشرين . وذلك نتيجة لتطور ونضج مرحلة الراسمالية العالمية , كاحد المراحل الكبرى من تطور البشرية . والسيطر الكاملة فيها لنمط الانتاج الراسمالى , والطبقات البرجوازية سواء فى المراكزالراسمالية , او فى بلدان المحيط الراسمالى المتخلف والتابع .
وعند هذة اللحظة من التطور التاريخى للراسمالية العالمية انتقلت مهمة التحرر من التبعية الاستعمارية الى الثورات الاشتراكية منذ عقود . اى كاحد مهمات الطبقة العاملة وحلفائها من الكادحين والفقراء فى نضالها التاريخى ضد الراسمالية العالمية من اجل مجتمع متحرر من الاستغلال والقهر والاستعباد والاستبداد , مجتمع يقوم على الاتحاد الطوعى والتحرر الانسانى . وانطلاقا من هذة الرؤية اصبح القضاء على التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية فى بلادنا , واحراز الاستقلال الوطنى اولى مهمات الثورة الشعبية الراهنة , وهى ثورة اجتماعية وسياسية كبرى بكل المقاييس , ثورة الطبقات الشعبية وفى مقدمتها الطبقة العاملة . ومن الواضح من تطور اوضاع الثورة على الارض خاصة وضع الطبقة العاملة من زاوية مدى وعيها الثورى المنظم , ومدى مشاركتها , انها حتى الان لا تتقدم كطبقة ثورية لقيادة قوى الثورة الشعبية , برغم دورها الحاسم فى الصراع كما اظهرت الثمانية عشر الاولى من الثورة حتى الاطاحة بالطاغية مبارك . وهو مايطرح حال اانتصار الثورة والاطاحة بالنظام القائم ـ المؤسسات واجهزة الولة والسياسات ورجال الحكم ـ وافامتها سلطة ودولة الطبقات الشعبية انها قد خطت خطوة كبرى على طريق الثورة الاشتراكية , والقضاء على التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية .
حال انتصار الثورة على الوكلاء المحليين لامريكا , وهم جماعة الاخوان الرجعية فاشية الطابع وحلفائها من السلفيين والجماعات الارهابية المسلحة , والعسكر ورجال دولة مبارك . ستكون السلطة بيد الطبقات الشعبية من عمال وفقراء الفلاحين والحرفيين وفقراء المدن والعاطلين عن العمل والشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى , اى سلطة ودولة الديموقراطية الشعبية الثورية , وعليها ان تحقق المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لهذة الطبقات والفئات الكادحة . وقد جسدتها ثورة 25 يناير الشعبية فى العدالة الاجتماعية والعيش والحرية والكرامة الانسانية والاستقال الوطنى . وهذا يتجسد فى المهام التالية بعد الاستيلاء على السلطة :
1 ـ مصادرة واستعادة الثروات والاراضى المنهوبة من رجال اعمال ورجال دولة مبارك ومن قبلة السادات والقادة العسكريين والشرطة, وكل المؤسسات الاقتصادية التابعة للمؤسسة العسكرية , واستعادة شركات القطاع العام المخصخصة , والشركات الاحتكارية الكبرى , على ان تكون ملكيتها اجتماعية اى للشعب وليست للدولة كما كانت فى العصر الناصرى , وان تكون ادارتها للمنتجين فى كل وحدة انتاجية فى اطاراقصاد انتقالى , مختلط ومخطط , يكون هدف الانتاج فية من اجل تلبية الاحتياجا ت الاساسية للسكان , وليس الربح اولا كما فى الراسمالية ,
2ـ الارض حق لمن يزرعها , واقامة تعونيات للمعدمين وشباب العاطلين وفقراء الفلاحين فى الملكية والادارة والعمل والانتاج والتسويق سواء فى الارض القديمة او الجديدة او اراضى الوقف اواراضى الاصلاح , والغاء بيع الاراضى للشركات او الافراد سواء عرب او اجانب , على الا تزيد الملكية الفردية عن 5 افدنة , وان يسطر الفلاحين على التمويل والسياسات الزراعية وتعديل قيمة ايجارات الاراضى الزراعية لصالحهم وصالح المجتمع .
3 ـ ان تتحدد السياسة المالية وميزانية الدولة فى : حد ادنى للاجور 3000 الاف جنية والاقصى للدخل 20000 جنية دون بدلات او حوافز , والغاء المستشارين بعد سن المعاش , وادماج الصناديق الخاصة بالوزارات والهيئات بما فيها المؤسسة العسكرية فى ميزانية الدولة , ورفع الضريبة على الارباح الصناعية والتجارية والدخل عموما لتصل الى 60 %, وفرض ضريبة على الارباح المالية , وعلى العقارات الفخمة , وان يكن حق العمل والتعليم والصحة والسكن والغذاء مكفول للجميع , ضمن فرص متساوية من قبل الدولة الثورية والمجتمع , واسقاط كل الديون الخارجية سواء كانت لدول عربية اواجنبية .
4 ـ اقامة محاكم ثورية لكل من قتل او عذب الثوار او المواطنين طوال عهد مبارك او العسكر او الاخوان , ومحاكمة كل من نهب او افسد او خان , وبعد تحقيق السلطة الثورية لاهداف الثورة , ياتى دستور الدولة الجديدة فى ظل موازين قوى جديدة لصالح قوى الثورة , عندها تكون المساواة الحقيقة والاخاء دون تمييز على اساس الدين او الجنس او العرق او الوضع الاجتماعى , فذلك التمييزالطبقى مولد لكل التمييزات الاخرى , وعندها تصبح الحرية والكرامة الانسانية للجماهير الشعبية وحقوق الانسان حقيقية , وليس مجرد كلمات فى اوراق تسمى دسنور . وتكون الديموقراطية الاجتماعية المباشرة شكل الحكم فى الدولة الجديدة .
ان بناء الجمهورية الديموقراطية الشعبية على الاسس السابقة لن تكون الا فى مواجهة الاستعمار الامريكى والعولمة الراْسمالية , اى ضرب اسس التبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية , من اتفاقيات كامب ديفيد , وكل القواعد العسكرية اللوجستية ومخازن السلاح الامريكية فى بلادنا , والغاء التدريبات المشتركة مع الجيش الامريكى وتغيير مصادر التسليح ,والغاء المعونة العسكرية والمدنية الامريكية والاتجاة للاعتماد على الذات فى تصنيع السلاح ضمن بناء قاعدة صناعية وعلمية واسعة وقوية , وانتاج ما يكفينا من القمح لضمان تحقيق استقلالنا الوطنى , وتوجية تجارتنا الخارجية لدول الجنوب فى اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية . وان تعتمد سياستنا الخارجية الوقوف بحزم مع الثورات العربية وحقوق الشعوب فى التحرر الانسانى والثورة ضد الراسمالية العالمية , وعندها فقط نبنى استقلال وطنى حقيقى لتنتصر الثورة الاشتراكية .
#جمال_عبد_الفتاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟