ميساء البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4223 - 2013 / 9 / 22 - 19:42
المحور:
الادب والفن
الورقة الثانية
كعادتي حين أنوي الفرار من قومي والبدء برحلة جديدة نحو المجهول .. لقد فُطرت على الترحال .. وأيلول هو موعد الترحال في كل عام .. أنطلق من كوة صغيرة فتحتها في إحدى الجدران الخلفية للحياة .. أفرُّ منها كل عام مع أيلول .. نبتعد قليلاً عن القوم والديار .. أغيب في رحلة قد تطول وقد تقصر ولكنها رحلة قصيرة بكل الحالات .. دائماً أعود بخفيِّ حنين فالرحلات القصيرة ليست للمكوث .. إنما هيَّ عملية تفتيش سريعة في رئتي الهواء .. وتنقيب في ذرات الأكسجين .. هل ترَكتُ خلفي أحداً مقصياً .. منسياً .. منفياً .. مهجوراً على أبواب النسيان ؟
لا بد أن يكون هناك خلف تلك السحب البعيدة القريبة تلة مهجورة نسيها الزمان .. أو ثلة من الحجارة تكاد تصدأ من الهجران .. أيلول يصرُّ في كل عام أن نذهب إلى هناك .. إلى حيث التلة والثلة وكل معالم الهجر والنسيان .. يصرُّ على أن نمطر قليلاً من الحب في تلك الأرجاء .. أيلول الخريفي المزاج أحياناً يتقمص دور الربيع فيهدي في الخريف أزهاراً .. لا تعيش طويلاً .. لكنها تمنح الدفء والحنان لبعض الوقت .. وتترك بصمة جلية للعيان أننا كنا هنا قبل عام .. أو أعوام .. ونعود إلى الديار .. فيتركني أيلول على أبواب الخريف .. ويرحل هو إلى مكانه بين النجوم في سابع سماء ..
هذه المرة أنا مترددة .. خائفة بعض الشيء .. حائرة قليلاً .. لا أريد ترك قومي .. لا أريد ترك الديار .. شيء ما يمسك بتلابيب ثوبي .. يدعوني للبقاء .. هيَّ تلة مهجورة تشكو برودة الصدأ والنسيان .. وأيلول مثلي متأرجح بين إقدام وإحجام .. وأنا على أبواب الخريف لا أستطيع أن أعدهم أنَّ في جعبتي غيمة صغيرة لا تزال تمطر قليلاً من الحب على جبال من الجليد .. فهل يذوب الجليد بقطرات من الدفء والحنان ؟
تعبت .. وتعب أيلول معي .. وتعب الفرار مني .. والخريف مكشراً عن أنيابه كي لا أتأخر بالعودة فيحين فصل الشتاء .. وغيمة صغيرة جداً تغمزني بطرف عينها .. وتلقي إليَّ بمظلة الهروب .. وقلبي حائر .. متردد .. خائف ..
هل يذوب الجليد ببضع قطرات دافئة من الماء ؟
#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟