|
رَمَدُ العُيون في مقالة المدعو خلدون
هشام آدم
الحوار المتمدن-العدد: 4223 - 2013 / 9 / 22 - 08:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قرأتُ مقالًا لشخصٍ يُدعى (خلدون طارق ياسين) ردًا على مقالنا المنشور في العدد (4219) على موقع الحوار المُتمدِّن بعنوان (قراءةٌ في سِفر الوثنية) بتاريخ الثامن عشر من الشهر الجاري لهذا العام 2013 والحقيقة أنَّني لا أعرفُ من يكون خلدونٌ هذا، ولا مبلغَ عِلمه، ويبدو أنَّه أحد مُجاهدي الكلمة في هذا الموقع، حيث يُخصِّص جزءًا من مقالاته للردِّ على بعض ما يُكتبُ هنا. ويُعرِّف الرَّجل عن نفسه فيقول في سيرتِه الذَّاتية: (كاتب اسلامي ليبرالي يؤمن بان الدين والعلمانية غير مختلفين وان الاسلام هو دين العلمانية شرط ان تحترم العلمانية ثوابت الاسلام الاساسيىة)
ويُضيف: (شرفني الله بعقلية موسوعية بسبب قراءاتي الغزيرة وتعدد طبيعة المجتمعات التي ترعرعت في كنفها)
إذن، فنحنُ أمام كاتبٍ إسلامي ليبرالي موسوعي المعرفة، وليست لديَّ الرَّغبة في التَّوقف أمام هذا التَّعريف وإشكالياتِه الفكرية والأخلاقية، فللجميع الحق بأن يروا أنفسهم كما يشاؤون ويرغبون، وبالتأكيد، فإنَّ له الحق في الرَّد على مَن أو ما يشاء، ورغم أنَّي لا أُحبذ فكرة التَّراشق بالمقالات، إلَّا أنَّني مُضطر لذلك لسببين، أولهما رغبتي في الرَّد على بعض النِّقاط الهامة التي وردت في مقاله، مما رأيتُ أنَّها تستحقُ الرَّد، وثانيهما الرِّثاء لحال البعض ممن تلقفوا مقاله كما يتلقف الغريق طوقَ نجاةٍ، وترديدهم لعبارة: (تمَّ الرَّد على هذه المقالة)، وكأنَّ مُجرَّد الرَّد قد يكون ردًا فعلًا. وهي حالةٌ من الميكانيزما الدِّفاعية التي يلجأ إليها كثيرٌ من المُتدينين ليحصلوا على الرَّاحة النَّفسية، تمامًا كاستخدامهم لكلمة (شُبهات) لتوصيف النَّقد الذي يُقدَّم لدينهم، لأنَّ مُجرَّد كون النَّقد محض شبهة، يُضعفها، ولا يجعلها ذات بال. وأنا أكيدٌ أنَّ بعض الأخوة الذين تلقفوا ذلكَ المقال فعلوا ذلك ببراجماتية وانتهازيةٍ يُحسدون عليها، فطالما المقال يُدافع عن عقيدتهم فلا بأس أن يحتفوا به وبكاتبه، ولكنهم يُضمرون في دواخلهم أنَّ كاتبه كافرٌ لا محالة، لكونه ليبراليًا وعلمانيًا. إنَّها انتهازية الدِّين وأتباعه، ولا غرابة.
أبدأ مقالي هذا مِن نُقطةٍ أراها مُهمة، وهي احتجاجه بالمنهج العلمي في الرَّد على ما ذكرناهُ في مقالنا، فنراه يقولُ تارةً: (نأتي لتفسير هذه الاية المنطقي والعلمي) وتارةً يقول: (ان قولك هذا من الاقوال غير العلمية) وهو ما يجعلنا نشعر ببعض الطمأنينة، إذ طالما كان الاحتكامُ للمنطق والعلم، لا إلى الرأي العَقدي الإيماني، كانت النتائجُ أقربَ للإنصاف، وكان الحوار أقربَ للجدوى. وأنا أسألُ الكاتب: (هل مِن المنهجِ العلمي في شيء أن يبدأ الباحثُ بوضع فرضيةٍ كحقيقةٍ مُسلَّمة، ومِن ثمَّ البحث على ما يُعضِّدُها ورفض ما يتعارضُ معها؟) ماذا يعني أن تبدأ بحثك مُنطلقًا من عبارةٍ تسليمية مثل: (نجاسة الوثنية لا تليق بالأنبياء) أو الاعتماد على مُسلَّمة مثل جُملة: (ولذك ما ورد في تفسير الطبري بأنه كان على امر قومه اربعين عاما قول مردود وذلك بسبب اجماع الائمة على ان الانبياء كلهم لم يكونوا على الكفر قبل الايمان)(انتهى الاقتباس) وكذلك: (فبطل الاجماع يا صديقي الكاتب بأمرين أولهما رفض الإمام الرازي لها)(انتهى الاقتباس) فهل هذا من المنهج العلمي في شيء؟ رفض تفسيرٍ أو حديثٍ أو أثرٍ لأنَّه يُخالف إجماع الأئمة على أنَّ الأنبياء مُنزهون عن الوثنية؟ على أيّ حال، سوف أوجزُ ردِّي على ما جاء في مقاله قدر المُستطاع، وأبدأ بالنقطة الأُولى.
أولًا: تناولَ الكاتب حديثَ جبريل الذي قدَّم فيه الرَّسول تعريفًا للإيمان والإسلام، وقد ركَّز الكاتب على نقطةٍ رآها جوهرية، وهي أشكال الوحي، وعلاقة ذلك بالحكمة المُترتبة على ذلك، فيقول: (العلة من هذه الحادثة بائنة في افهام الصحابة والعلة ذكرت في الحديثين الواردين بسندين مختلفين ولكن لماذا أغفل المحترم هشام من إكمال هذا الحديث هل هذا جاء من اجل اخفاء هذا العلة عن العوام ولكن يا سيد هشام ما هكذا تورد الأبل)(انتهى الاقتباس) وإنِّي لأتساءل: ما علاقة هذا الأمر بموضوع المقال؟ شاهدي من الحديث يكمن في تعريف الرَّسول للإيمان، وهو التَّعريفُ الذي يُغنينا عن تعريفات الفقهاء التي قد نختلفُ أو نتفقُ حولها، ولا علاقة للعلِّة هنا أبدًا، فسواءٌ كانت العلَّة إفهام الصَّحابة أو اختبار النَّبي أو أي علِّةٍ أُخرى، فالنتيجة النِّهائية المُتحصَّل عليها هي: (تعريفٌ نبويٌ للإيمان) فهل لو اختلفت العلَّة سوف نرفض التّعريف بناءً على ذلك؟ والسَّبب في استشهادي هذا، هو الرَّبطُ بين تعريف الإيمان الذي قدَّمه الرَّسول وبين كلمة الإيمان التي وردت في آية: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) ولكن دعونا نتوقف عن مسألة العِلَّة هذه، والتي أقحمها الكاتب دون داعٍ يُذكر، ولنأخذ ما ورد في نهاية الحديث، في قله: (فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) ودعونا نتساءل عن دور الرَّسول ودور جبريل، فهل تفقيه النَّاس في الدِّين هو من وظائف جبريل أم هي مُهمة الرَّسول ووظيفته؟ ألا نعلم أنَّ وظيفة جبريل محصورةٌ في نقل الوحي من الله إلى الرَّسول فقط؟ أم أنَّ له دورًا تعليميًا آخرًا كُنَّا نجهله؟ أعني: هل أرسل الله جبريلًا ذلك اليوم خصيصًا ليطرح تلك الأسئلة على النَّبي فيستفيد منها المُسلمون؟ أم أنَّ هذا الدَّور التثقيفي مُناطٌ بالرَّسول ضمن واجبه التَّبليغي؟ (فقط للمعلومية: حالات هيئة الوحي الواردة في الصِّحاح خاصة بالوحي القرآني)
ثانيًا: تناول الكاتبُ آية: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) بالتَّفسير، مُستندًا على المنهج غير العلمي الذي ينتهجه في قوله: (وهنا اريد ان اؤكد على اجماع الائمة الذي اورده الامام الرازي على انه لا يجوز ان يقال الرسل كانوا قبل الوحي على الكفر وهذا الاجماع باي حال من الاحوال لن ينفضه هشام آدم)(انتهى الاقتباس) إذن، فالمسألةُ بالنسبة إليه محسومةٌ سلفًا، وبالتأكيد فإنَّ المنهج في تأويل أو تفسير أيّ آية سيكون مُقيَّدًا بهذه المُسلَّمة العَقدية، وهذا الكلام ينسحبُ على الأئمة المُجمعين الذي يستدل بهم، ولا أدري إن كان الطَّبري خارج زُمرة هؤلاء الأئمة؟ ثمَّ أين هو هذا الإجماع الذي يقول به الكاتب نقلًا عن الرَّازي؟ ألم يقرأ في تفسير القرطبي قوله: (قال القاضي أبو الفضل عياض وأما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوة فللناس فيه خلاف)(انتهى الاقتباس) ألم يقرأ قوله كذلك: (وتكلم العلماء في نبينا صلى الله عليه وسلم-;- هل كان متعبدا بدين قبل الوحي أم لا -;- فمنهم من منع ذلك مطلقا وأحاله عقلا . قالوا : لأنه يبعد أن يكون متبوعا من عرف تابعا , وبنوا هذا على التحسين والتقبيح . وقالت فرقة أخرى : بالوقف في أمره عليه السلام وترك قطع الحكم عليه بشيء في ذلك , إذ لم يحل الوجهين منهما العقل ولا استبان عندها في أحدهما طريق النقل , وهذا مذهب أبي المعالي . وقالت فرقة ثالثة : إنه كان متعبدا بشرع من قبله وعاملا به -;- ثم اختلف هؤلاء في التعيين , فذهبت طائفة إلى أنه كان على دين عيسى فإنه ناسخ لجميع الأديان والملل قبلها -;- فلا يجوز أن يكون النبي على دين منسوخ . وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين إبراهيم -;- لأنه من ولده وهو أبو الأنبياء . وذهبت طائفة إلى أنه كان على دين موسى -;- لأنه أقدم الأديان . وذهبت المعتزلة إلى أنه لا بد أن يكون على دين ولكن عين الدين غير معلومة عندنا . وقد أبطل هذه الأقوال كلها أئمتنا -;- إذ هي أقوال متعارضة وليس فيها دلالة قاطعة , وإن كان العقل يجوز ذلك كله)(انتهى الاقتباس)
إذن، فهنالك أقوالٌ كثيرةٌ ومُتباينةٌ وتم إلغاؤها جميعًا على رأي واحد، وهو القائم على المُسلَّمة العَقدية، وربما لاحظ القارئ قول القرطبي: (وإن كان العقل يجوز ذلك كله)! ما يهمني هو إثبات وهمية هذا الإجماع الذي يقول به الكاتب، فلو كان ذلك صحيحًا لما وجد الأئمة من الأقوال ما يتعارض حتى يُبطلوه، رغم جواز وإمكانية ذلك عقلًا، كما قال القرطبي. ويهمني أيضًا التأكيد على ظاهرةٍ غريبةٍ تتمتع بها العقلية الإسلامية، فأي عالمٍ إسلامي يظلُ عالمًا جليلًا ومأخوذًا أو مُستشهدًا بكلامه، طالما أنَّه لم يُعمِل عقله، فيَخرج عن القاعدة المُسلَّمة، فإن حدث فهو متروكٌ وغير ثقة، حتى وإن كان علامة عصره كابن الكلبي أو الطَّبري. وعلى ذكر ابن الكلبي، فقد أورد الكاتب بعض الآراء حوله وعنه، وهو تدليسٌ واضحٌ، وفي مُقدمة كتاب (الأصنام) نجد المُحقق يقول: (وقد اتفق جميع أرباب الدِّراية على القول بأنَّ ابن الكلبي كان واسع الرواية والمأثور عنه شيء كثير. ولكنه مع ذلك لا يتهجم على العلم ولا يرمي الكلام على عواهنه)(الأصنام، ص12) ولكن ورغم كل هذا العلم، ورغم اتفاق أهل الدِّراية بأنه لا يرمي الكلام على عواهنه إلَّا أنَّهم يرفضون رواية أنَّ الرَّسول أهدى للعُزى شاةً عفراء. لماذا؟ لأنَّ هذا يتعارض مع المُسلَّمات العَقدية، فهل هذا هو المنهج العلمي والمنطقي؟
ثالثًا: أيضًا فيما يخصُ ابن الكلبي نجد الكاتب يُنكر قولي بأنَّ أهل الحديث يرفضون الأخذ أو النَّقل عنه لكونه شِيعيًا، فيقول: (ان رأي العلـــماء السنة في الكلبي رحمه الله ليس فيها مما يذكره صاحب كاتب المقال)(انتهى الاقتباس) وأورد بعضًا من الأقوال في مدح الرَّجل وعلمه، فهل لم يقل أحدٌ عنه ذلك؟ نقرأ في مُقدمة كتاب الأصنام ما قاله المُحقق بشأن الطَّعن فيه، فيقول: (وكيف لا يتشدد أهل السُّنة مع أمثال ابن الكلبي وهو مشهورٌ عندهم بالرَّفض والغلو في التَّشيُع! لهذا قال السَّمعاني عن الكلبي: إنَّه يروي الغرائب والعجائب والأخبار التي لا أصول لها. وسبقه الإمام أحمد بن حنبل صاحب المذهب فإنَّه كان يكرهه، وكان يقول في حقه: مَن يُحدِّث عن هشام؟ إنَّما هو صاحب سمر ونسب ما ظننتُ أحدًا يُحدثُ عنه!. هذا هو القول الفصل والرأي الصَّواب ولذلك نصَّ الذهبي في طبقات الحُفَّاظ على أنَّه متروك الحديث.)(الأصنام، ص14) وفي تفسير القرطبي في تفسير آية 52 من سورة الحج نقرأ: (وَأَمَّا حَدِيث الْكَلْبِيّ فَمَا لَا تَجُوز الرِّوَايَة عَنْهُ وَلَا ذِكْره لِقُوَّةِ ضَعْفه وَكَذِبه)(انتهى الاقتباس) وفي خاطري سؤالٌ لخَّصهُ المُحقق في الصفحة التَّالية مُباشرةً، فقال: (هذا وأنا لا أدري كيف أجمع أهل الحديث على تجريح هشام مع أنه كثير الاحتياط في نقل الأخبار)(الأصنام، ص15) فهل هو علامةٌ ثقةٌ فنأخذ عنه أم هو صاحب سمر وكذَّاب ومتروك الحديث؟ لا ندري! ولكن لا تتعجبوا، فهذا هو (عِلم) الجريح والتعديل الذي لا يستند على أي منهج علمي أو منطقي إلَّا المُسلَّمات العَقدية. مِن الواضح هنا أنَّ الكاتب اعتمد في رأي علماء أهل السُّنة عن ابن الكلبي على ما نقله نصًا من موقع موسوعة الويكيبيديا، وربما كان صاحبُنا لا يرى بأسًا أن ينقل من الموسوعات! وسُؤالي للكاتب، بما أنَّه اطلع على كتاب الأصنام واستشهد بمقطعٍ مما جاء فيه: (لماذا لم تتحر الدِّقة والأمانة في النَّقل؟ لماذا لم تذكر رأي المُحقق في تجريح أهل السُّنة لابن الكلبي؟ والأهم من ذلك: لماذا تُنكر أنَّهم رفضوه لكونه شِيعيًا رافضيًا وأنتَ تقرأ هذا الكلام في الصفحة 14؟ ألم يُشر المُحقق إلى ذلك صراحةً؟)
رابعًا: في أوَّل بادرةٍ للكاتب لإظهار منهجه (العلمي) في قبول ورفض الرِّوايات قال: (وهنا أضع أكثر من علامة استفهام حول كلمة بلغنا التي سبقت الحديث ونريد أن نسأل الكاتب الجهبذ هل يقبل أهل الحديث هذا السند (قد وردنا) وهل تقبل ان اتيك انا بسند (قد بلغنا) قل لي بربك يا صاحب المقال المنيف كيف يقيم اهل الجرح والتعديل هذا السند الرهيب هل إذا رد أهل السنة هذا الحديث ردوه لتشيع الكلبي وهو المقدوح عند الشيعة أنفسهم ام ردوه لغياب السند)(انتهى الاقتباس) هل السَّند هو المنهج العلمي لديك؟ الحقيقة أنَّ هذا من غريب الحديث، فابن الكلبي يحكي قصة إهداء الرَّسول شاةً عفراء من باب السِّيرة والأثر، وليس من باب الحديث عن الرَّسول، فكيف تُطالبُ بتطبيق قواعد الحديث على الآثار والسِّير؟ ثم هل كُل كلامٍ قاله الرَّسول، حتى ولو كان قبل البعثة، يُعتبر من الحديث؟ أليس الحديث مُرتبطًا بالنُّبوة؟ وعلى أي حال، فأرجو أن يكون صاحبنا قد سمع بأحاديثٍ وآثارٍ وردت في كُتب أهل السُّنة مُستخدمةً صيغة (بلغني) و (بلغنا) ولم يجد أحدٌ من علماء أهل السُّنة غضاضةً في قبولها: (1) عن بن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة - أن أباه قال له: يا بني بلغني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدمت عليه أقبية وهو يقسمها فاذهب بنا إليه فذهبنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منزله فقال: يا بني ادع لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعظمت ذلك وقلت: أدعو لك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا بني إنه ليس بجبار فدعوته فخرج وعليه قباء من ديباج مزور بالذهب فقال: يا مخرمة هذا خبأناه لك فأعطاه إياه. (صحيح البُخاري) (2) قَالَ الْوَلِيدُ : وَقَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ : عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تَكُونُ فِتْنَةٌ تَشْمَلُ النَّاسَ كُلَّهُمْ ، لا يَسْلَمُ مِنْهَا إِلا الْجُنْدُ الْغَرْبِيُّ "(جامع الأحاديث للسيوطي) (3) بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من ألف شهر.(موطأ الإمام مالك) (4) عن صالح بن كيسان قال قال بن شهاب بلغنا أن أهل الكتاب كانوا أول من قال لعمر الفاروق وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم ولم يبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر من ذلك شيئا ولم يبلغنا أن بن عمر قال ذلك إلا لعمر كان فيما يذكر من مناقب عمر الصالحة ويثني عليه قال وقد بلغنا أن عبد الله بن عمر كان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أيد دينك بعمر بن الخطاب. (الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد ج3 ص270) (5) بَلَغَنَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَانَ فَتُرِكَ (تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي) (6) وَقَدْ بَلَغَنَا عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ : أَنَا لَا آخُذُ عَنِ الْمَوْتَى ، وَإِنَّمَا آخُذُ عَنِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ (فتح الباري شرح صحيح البخاري) (7) حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُقَيْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : بَلَغَنِي عَنْ رَجُلٍ حَدِيثٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا ثُمَّ شَدَدْتُ رَحْلِي فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ : قُلْ لَهُ جَابِرٌ عَلَى الْبَابِ . فَقَالَ : ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . فَخَرَجَ فَاعْتَنَقَنِي . فَقُلْتُ : حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَخَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَهُ . فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : يَحْشُرُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً فَذَكَرَ الْحَدِيثَ . وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ (فتح الباري شرح صحيح البخاري)
خامسًا: في تعليقه على حديث: (عن نافع بن جبير بن مطعم قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على دين قومه، وهو يقف على بعير له بعرفات، من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقاً من الله عز وجل له) لمَّا لم يجد للحديث مخرجًا للطعن فيه بالسند، لجأ إلى التدليس بالاحتمالات، والاحتمالُ ظن، والظَّن ليس من المنهج العلمي في شيء، فيقول: (وهذا يحتمل امورا منها ان الراوي قصد بان النبي لم يكن مفارقا لملة قومه في حجه هذا اي قبل بعثته وهذا هو الأرجح , وان المقطوع بصحته في هذا الحديث هو ركوب النبي على البعير في عرفات وكان يدفع معهم بتوفيق من الله وهنا نسأل كيف يوفق الله رجلا كان على دين الوثنية اما غير المقطوع به هو (كان على دين قومه) فهو رأي الراوي التي تسقطه الاسانيد الأقوى والأبلغ التي تثبت ان الرسول لم يسجد الى صنم البتة في حياته)(انتهى الاقتباس) نلاحظ هنا هُروب الكاتب وراء حُجة المُسلَّمات العَقدية (الرَّسول لم يسجد لصنمٍ قط) وهكذا هم مُجاهدوا الكتابة، يتمترسون خلف ثلاث خطوطٍ دفاعية مألوفةٍ ومعلومة، ولم يُوفِّر كاتبُنا إحداها، بل استخدمها جميعًا في مقاله: (1) اللغة والاستفادة من الثراء اللغوي في العربية، والاعتماد على أنَّ كل كلمةٍ لها أكثر من معنى، واستخدم الكاتب هذا الحاجز لتفسير كلمة (ضلال) وكلمة (إيمان) (2) لعبة الأسانيد والطَّعن فيها باستخدام الجرح والتعديل، ويعرف أهل الحديث أنَّ صحة الأسانيد ليست شرطًا لصحة الحديث فيجب أن يخلو المتن من الشُّذوذ والعلَّة لقادحة، وكلها منافذ للهروب والمراوغة. ولهذا وجدناه يقول عند كلامه عن قصة الغرانيق: (قصة الغرانيق وردت عند (بعض كبار) المفسرين باسانيد صحيحة ولكن الاجماع لم يتحقق)(انتهى الاقتباس) فحتى الأسانيد غير مهمة، ولكنها تُصبح كذلك طالما كان الطَّعن فيها مقدورًا ومُمكنًا. (3) حجة المُسلَّمات العَقدية، فلو لم يجد مخرجًا لغويًا ولا مخرجًا لتضعيف الحديث أو الطعن فيه، فإنَّه يرفضه بحجة أنَّ كلام البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم ليس مُقدسًا، وليس مُنزهًا. ولهذا تجاهل الكاتب قصة الرَّسول مع زيد بن عمرو بن نفيل والتي تكشف أنَّه كان يذبح على النُّصُب للأصنام. وهي واردة في صحيح البخاري، باب ما ذُبح على النُّصُب.
أريدُ أن أتساءل: لو ادعى قاتلٌ بأنَّه لم يقتل قط بعد توبته، فكيف يكون كلامه حُجةً على غيره؟ كيف يُمكن أن نستشهد بكلام الرَّسول بأنَّه يكره الأوثان لنرفض به هذا الكمَّ من القصص والآثار؟ ويضحكُ الكاتبُ من استشهادنا بصلاة الرَّسول في الكعبة للأصنام، ويراه دليلًا على جهلنا، وهو لعمري أمرٌ يدعو للحيرة. أفلا يقول بأنَّ (الإيمان) في آية (ما كنتَ تدري ما الكتاب ولا الإيمان) تعني الصلاة؟ ألم يقل حرفيًا نقلًا عن الرَّازي: (فنقول لك ما قاله الرازي ان الايمان هنا هو الصلاة)؟ فكيف تُؤكد، بعد ذلك، أنَّ الرَّسول كان يُصلي في الكعبة؟ أم تُراك لم تنتبه إلى تحديدنا لمسألة صلاته بقبل تشريع الصَّلاة أصلًا؟ ألم تقرأ قولي: (دعونا نأخذ في عين الاعتبار أنَّ الدَّعوة المكيَّة استمرت في مكة لمدةٍ تقارب الثلاثة عشر عامًا، كانت السَّنوات الثلاث الأولى منها سريَّةً، فنحنُ أمام عشر سنواتٍ من الدَّعوة الجهرية، ونعلم أنَّ الصلاة لم تُفرض إلَّا بعد حادثة الإسراء والمعراج، أي قبل عامٍ ونصف العام من الهجرة. فنحن الآن أمام ثمان سنوات ونصف، تقريبًا، من الدَّعوة الجهرية التي لم تكن فيها الصَّلاة الإسلامية قد فُرضت بعد، ولو قاربنا هذه التواريخ بتاريخ الهجرة الأولى إلى الحبشة، والتي كانت بعد خمس سنواتٍ من البعثة، أي قبل أن تُفرض الصلاة، فسوف نجد من الأحداث التي وقعت في هذه الفترة ما يُؤكد أنَّ الرَّسول كان يُصلي فيها داخل الحرم)(انتهى الاقتباس) علمًا بأنَّ تشريع الصَّلاة إلى الكعبة كان في وقتٍ لاحقٍ بكثير. فإذا قبِلنا بتفسير الرَّازي بأنَّ الإيمان هو الصَّلاة، فهل كذب الله عندما قال بأنَّ الرَّسول لم يكن يعرف الصَّلاة قبل أن تُشرَّع الصَّلاة؟!
الأمر الآخر، هو الخلط الغريب الذي وقع فيه الكاتب في كلامنا عن ما قبل البعثة وما بعدها، فنراهُ يقول: (فلو كان النبي يتجه الى الاصنام في صلاته لما قارعه عتاة قريش اذا)(انتهى الاقتباس) فصراع محمدٍ مع قريش كان بعد البعثة، ومقالي لا يتناول هذه المرحلة، بل مرحلة ما قبل البعثة، وهذا يتضح من سؤالي المُباشر في المقال: (ما كانت ديانة محمَّد وعقيدته قبل الإسلام؟)(انتهى الاقتباس) ولعلَّه خلط في الأمر بسبب إيرادنا لحادثة الغرانيق، وهذه نفردها في نقطةٍ مُستقلة.
سادسًا: جاء إيرادنا لحادثة الغرانيق للإشارة إلى فكرة (الأمنية) والتي بدورها تُشير إلى حنينٍ إلى الماضي، أي إلى ما قبل البعثة، وهو ربطٌ رأيناه مُهمًا لفهم التَّطور الفكري لدى محمد في مسألة الدِّين والتوحيد. وأنا قد أتفهم لهُ انفعالهُ النَّاشيء عن حماستِه الدِّينية، فلا بأس، ولكن لنتكلَّم عن حادثة الغرانيق قليلًا، لأنَّي أراهُ تعامل معها بسطحية لا تليقُ بموسوعي مثله، فيقول: (ولعل من المضحك ان لو قبلنا هذه الرواية السخيفة كيف للمشركين ان يؤمنوا بوحي الشيطان المزعوم هذا اذ لو راجعت سورة النجم لرأيتها تشبب بالشرك وبالأصنام)(انتهى الاقتباس) ويُورد تصورهُ السَّاخر للآيات في حال صحة القصَّة، فيقول: (ولكن ان صدقنا رواية اهل مكة بان النبي قال عن اللات والعزى بانها الغرانيق العلى فتكون السورة التي قالها الرسول الكريم كالاتي (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى{19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى{20} تلك الغرانيق العلى التي شفاعتهن ترتجى ومن ثم يكمل الى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى{21} تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى{22} إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى{23} والان اعيروني عقلكم ايها القراء الكرام وتعالوا وقولوا لي أي غبي من المشركين تفوت عليه هذه الجملة فكيف يرضى ان يقول النبي عن اصنامه تلك اسماء سميتموها ما انزل الله بها من سلطان)(انتهى الاقتباس)
لا أعلمُ ما هو دليلهُ أنَّ الآيات كانت بهذا الشَّكل أصلًا حتى يستسخف الفكرة؟ ألم يقرأ الآية جيدًا؟ فليقرأ ولتقرؤوا معي مُجددًا: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ) وأرجو أن تُركِّزوا في قوله: (فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ) هل ألغى الكاتبُ جُزئية النَّسخ والإحكام؟ هذا يعني أنَّ الآيات لم تكن بنفس هيئتها قبل الإحكام، وبعد الإحكام تغيَّرت الآيات لتُصبح على ما هي عليه الآن، وهو أمرٌ لا يحتاجُ إلى كبير ذكاء، فليس مِن الحكمة أن يسخر المرءُ قبل أن يفهم. الآن هل وقعت حادثة الغرانيق أم لم تقع؟ هل لم تقع على الإطلاق كما قال الرَّازي: (الامام الرازي رفض هذه القصة رفضا قاطعا فقال (هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين، أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول.)(انتهى الاقتباس) أم وقعت ولكن على لسان الشَّيطان وليس النَّبي كما قال القشيري: (انكار الامام القشيري لرواية الغرانيق فقد قال قال القشيري: كانت لنبينا صلى الله عليه وسلم سكتات، في خلال قراءته عند قراءة القرآن، عند انقضاء كل آية، فتلفظ الشيطان ببعض الألفاظ، فمن لم يكن له تحصيل توهم أنه من ألفاظ الرسول. هـ. وقال ابن البنا: التمني هو التلاوة التي يُتمنى فيها، فيتلو النبي وهو يريد أن يفهم عنه معناها، فيلقي الشيطان في فهوم السامعين غير المعنى المراد)(انتهى الاقتباس)؟ أمَّا عن التَّفاسير المُعتمدة عند المُسلمين، والتي عدَّدها على النحو التالي: (1) تفسير ابن عربي (2) تفسير التستري (3) تفسير السامي (4) تفسير القشيري (5) تفسير الامام احمد بن عمر
فهل يعتقدُ الكاتبُ، فعلً، أن أحدًا مِن عامة المُسلمين قد سمع بها، ناهيك عن كونها مُعتمدةً لديهم أكثر من التَّفاسير التي استشهدتُ بها؟ إليكَ يا عزيزي التَّفاسير المُعتمدة فعلًا: (1) تفسير البغوي: أورد قصة الغرانيق أنَّها وقعت على لسان الشَّيطان. (2) تفسير الجلالين: أورد قصة الغرانيق أنَّها وقعت على لسان الشَّيطان. (3) تفسير الطَّبري: أورد قصة الغرانيق أنَّها وقعت على لسان الشَّيطان. (4) تفسير القرطبي: أورد قصة الغرانيق أنَّها وقعت على لسان الشَّيطان. (5) تفسير ابن كثير: أورد قصة الغرانيق أنَّها وقعت على لسان الشَّيطان. (6) تفسير الكشَّاف للزمخشري: أورد قصة الغرانيق أنَّها وقعت على لسان الشَّيطان. (7) تفسير الطَّبرسي: أورد قصة الغرانيق أنَّها وقعت على لسان الشَّيطان. (8) تفسير فتح القدير للشوكاني: أورد قصة الغرانيق أنَّها وقعت على لسان الشَّيطان. (9) تفسير الخازن: أورد قصة الغرانيق أنَّها وقعت على لسان الشَّيطان. (10) تفسير الوجيز للواحدي: أورد قصة الغرانيق أنَّها وقعت على لسان الشَّيطان. (11) في ظلال القرآن للسيد قطب: ذكر ما ذكره المفسرون من إلقاء الشيطان في كلام النبي.
وغيرها كثير جدًا من كُتب التَّفسير التي تروي القصة، هذا إضافةً إلى إيرادها في كتاب (أسباب نزول القرأن) للواحدي ص319 فأيّ حجَّةٌ بعد كُل ذلك؟ هذه النتيجة، ببساطةٍ، تدحض زعمهُ الذي قال به: (وبهذا يسقط الاجماع المزعوم ونثبت ان كبار المفسرين والمحققين قد رفضوا تلك الرواية رفضا قاطعا)(انتهى الاقتباس)، وربما يحتاجُ كاتبُنا الموسوعي إلى إعادة النَّظر والقراءة حول هذا الموضوع. واسمحوا لي أن أتناول أخيرًا بعض النقاط السَّريعة بإيجازٍ شديد:
صدَّر الكاتبُ مقاله بعبارة (نجاسة الوثنية لا تليق بالأنبياء) والحقيقة أنَّ اعتقادنا بأنَّ شخصًا ما نجسٌ لأنَّه مُختلفٌ عنَّا عَقديًا لهو بذرة العُنصرية (التَّمييز على أساس ديني) ولا أفهم كيف يكون الكاتب ليبراليًا وعلمانيًا وهو يحمل هذا الفِكر العُنصري البغيض؟ ولكن لماذا الاندهاش، فهي التَّربية القرآنية، لأنَّ المُسلمون تربَّوا على رؤية غير المُسلمين في درجةٍ أدنى منهم مرتبة، ولا أرى فارقًا، مِن هذه النَّاحية، بين عُنصرية اليهود الذين يعتقدون بأنَّهم شعب الله المُختار، وبين المُسلمين الذين يرون بأنَّهم خير أُمةٍ أُخرجت للناس! ولكن هل يعلم الكاتب، وكُل مُسلمٍ يقول بنجاسة المُشركين، أنَّهم يتهمون والدَ وأُم نبيهم بالنَّجاسة؟ فهل الرَّسول ابن نجس وابن نجسة؟ ألا يُفكِّر هؤلاء القوم قبل أن تأخذهم الحماسة الدِّينية؟
وماذا عن إجماع الأئمة على عصمة الأنبياء من الشِّرك قبل البعثة والنُّبوة؟ هل تُراهم نسوا قصة أبيهم إبراهيم؟ لا أملكُ هنا إلَّا أن أعتمد على قصص القرآن عنه، وإلَّا فالجميع يعرف ما فعله إبراهيم عن ذهابه إلى مصر. ألم يعبد إبراهيم الشَّمس والقمر وكوكبًا آخر، وعبَّر القرآن عن ذلك بلغةٍ فصيحةٍ فقال على لسان إبراهيم: (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين) (فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين) (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون)
إنَّ القرآن يُقدِّم لنا عرضًا جميلًا ورائعًا عن سذاجة التفكير الدِّيني، مُتجسدًا في التفكير الإبراهيمي السَّاذج والسَّطحي. إنَّ هذه الآيات تدل على أنَّ إبراهيمًا عبد أحد الكواكب (على الأقل حتى وقت أُفولها)، ثم عبد القمر (على الأقل طوال الليل وحتى بزوغ الشمس وأفول القمر)، ثمَّ عبد الشَّمس (على الأقل حتى غربته) ثم يقولون بأنَّه أبو المُوحدين، وينسون في غمرة هذا التبجيل الأعمى أنَّ نوحًا وآدم وأبناءه كانوا من قبله موحدين! فأين هي هذه العصمة التي بنا عليها أئمة التَّدليس إجماعهم؟
نقطةٌ أخيرة: انتهجَ الكاتب نهجًا انصرافيًا في نقد مقالنا، بأن راح يُمارس التدقيق اللغوي حول ما كتبنا، فنقرأ مِن كلامه في ذلك: ( فيقول ان اهل التفسير مجموعون (والصواب مجمعون))(انتهى الاقتباس) وهي، لعمري، انصرافيةٌ لا انصرافيةَ بعدها، وأنا إذ أشكره على هذا التدقيق أقول: إن أردتُ أن انصرفَ مثل انصرافيتكَ، لخصصتُ مقالًا لأشرحَ وأُبيِّن لك فيه الفارق بين همزتي الوصل والقطع، فلا يكاد سطرٌ مِن مقالك يخلو مِن أخطاء فادحة في رسم الهمزات.
#هشام_آدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءةٌ في سِفر الوثنية
-
محاولة لقراءة التاريخ الإسلامي بعينين
-
زواج عتريس من فؤادة باطل
-
هكذا تكلَّم يهوه 1
-
يا فتيات العالم المختونات .. افتحوا
-
لماذا الله غير موجود 2
-
ما الغاية من حياتنا وما الهدف منها بلا دين؟
-
هولي بايبل يحرق مراكب العودة - 2
-
بين محمَّد ومُسيلمة الكذاب
-
هولي بايبل يحرق مراكب العودة
-
دردشة فقهية: حدّ الرِّدة في الإسلام
-
عن العلمانية مرَّة أخرى
-
الحواس التوأمية للإنسان
-
انفجار .. فجأة .. صدفة .. تطوّر
-
السَّببية مقبرةُ الإله
-
فنتازيا التطوُّر
-
دردشه فقهية: تعدد الزوجات
-
خرافة التكليف الإلهي للإنسان
-
كوانتم الشفاء
-
شرح وتبسيط لنظرية التطوّر
المزيد.....
-
الجيش السوري يسقط 11 مسيرة تابعة للجماعات التكفيرية
-
بالخطوات بسهولة.. تردد قناة طيور الجنة الجديد علي القمر الصن
...
-
TOYOUER EL-JANAH TV .. تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر ا
...
-
أنس بيرقلي: الإسلاموفوبيا في المجتمعات الإسلامية أكثر تطرفا
...
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|