|
رائحة الموت.... والحياة
خليل فاضل
الحوار المتمدن-العدد: 4223 - 2013 / 9 / 22 - 00:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تربت في دولة الإمارات، ولدت لأب فلسطيني وأم مصرية، تعشق فلسطين ومصر والإمارات، جاءت إلى القاهرة لتدخل كلية الألسن وتدرس الألمانية، ربما ـ لا شعوريًا ـ كانت تريد أن تفهم لغة ذلك الذي أذّل أوروبا وأمريكا قبل أن يتحالفوا عليه وينتحر: هتلر. تزوجت بعد فترة أخشوشنت فيها، عملت كمتطوعة في مستوصف رابعة العدوية تخدم المرضى وتقضي حقهم، فشلت في زواجها بعدما أحسّت أن ثورتها في 25 يناير 2011 كادت أن تفشل، تحولت المرأة الثلاثينية من النقيض إلى النقيض، صار اهتمامها بالسياسة أكبر وأكبر.. مَرَّت كما تمر كل يوم قبل فض اعتصام رابعة وبعد فضِّه من شارع الطيران بمدينة نصر، تذهب إلى عملها وتعود إلى بيتها، بعد فضّ الاعتصام بيومين عادت إلى منزلها وهي ترتعد، مشوشة الذهن غير قادرة على التعبير، سألتها أمها: أهي رائحة الموت! ردّت السيدة الصغيرة السن: - إنها روائح مكتملة يا أمّي، مزجٌ غريبُ فظيع من رائحة الموت: الجثث، بقايا الأرض المحروقة، الأسفلت النازف، مُخلفات الناس وبقاياهم، وما تبقى في الجو من الغاز المُسيل للدموع. ربتت أمها على كتفها، جففت المرأة دموعها، نظرت إلى أمها وقالت لها: - إنه البحث عن الحياة، الخروج من العزلة، كلنا أسرى الميديا، أسرى أخبار الاعتصام أسرى للشارع، للدم، للانتظار، للمذبحة القادمة، للقبض على الإرهابيين، لسقوط الضحايا. ابتسم المفكر وهي تحادثه، كان يعلم أن الأحرار ربما لا يستعملون حريتهم جيدًا، فوقعوا في أسر العزلة الصارخة، نحن كلنا ـ تقريبًا ـ باستثناء البلداء تماثيل الرخام، الذين لا يملكون أي احساس أو اي انفعال، عزلة غريبة صامتة تبدأ مع المغرب، توحش عندما توغل في صدر الليل مع أصوات المذيعين، النجوم المنتقدين الكُل (عمّال على بطّال)، الوطنيون الوحيدون في العالم، الجبارون. عزلة الليل في القاهرة الساحرة الصاخبة، المدينة التي كانت لا تنام، تـُضيئها المصابيح الصفراء ويقف على أبوابها وفي بطن دروبها العسس يفتشون كل شيء، يمنعون التجوال، يفصل كل هذا البشر الناس، المصريون عن الجنون شيئًا فشيئًا، يفصلهم عن الخليط البشري الذي تعودوه، الذين كانوا على المقاهي وفي المخابز والقطارات، أصبح الجميع محاصرون في مناطق فارغة من التفكير والروح والحياة، تأتينا في مضاجعنا لتداهمنا صور الجنود القتلى في رفح: الأوائل وطعام الافطار في أفواههم، والحاليين وهم مُقيدون من الخلف وظهورهم لنا، دمهم على الاسفلت .. تأتي رائحة الموت مرةً أخرى من الصورة لتقفز داخل أعيننا، تنام في الشبكية، تفرز صديدًا مؤلما في الذاكرة، وتتحول إلى شفرة وتاريخ ووصمة في العقل الباطن، ليس من السهل أن تمحي إطلاقًا. يحاول العلَم الذي يلف النعش، الضوء الساقط على الأكفان أن يعيد بسمة او يبعث حياة، لكن تظل رائحة الموت أقوى. اختفت دون عناء القوة التي نتصور أننا نتحلّى بها، ويتجلى لنا كالشمس ضعفنا، ويردد فتحي المسكيني تعبيرًا جديدًا (أخونة الموت)... نعم الموت ـ الآن ـ يمرح في كل مكان بشهية عجيبة، كانوا يزيدون العدد بترك الناس تموت، الكل يبحث عن العدد، "الكفار الانقلابيين"، أنصار الشرعية الشكلية، وليس الفوز الإحصائي في الانتخابات، الذي اعتبروه تفويضًا شرعيًا للحكم بتعطيل الدولة. هذا المفهوم الاحصائي في 30/6 وفي 26/7 والتفويض لمكافحة العنف والإرهاب المُحتمل، وممكن ان نقول الآخر و"ابتذال الموت"، "دفع الناس إلى الموت المجاني" .. اختفت بداهة الحياة وبداهة الموت، راحت وولّت، اختفت كل تلك الخيوط التي تشدّ أجزاء المصريين داخل لُحمتهم المُتصلة. تحرر المصريون من أشياء كثيرة بعد 25 يناير 2011، لكنهم أصبحوا يعيشون تحت هيمنة قوة غامضة، هل حَرَمنا حلمنا وسذاجتنا عن ممارسة حياة طبيعية، ثورة طبيعية، ونتائج طبيعية، إن سخط البعض على الآخر صار خطرًا على الجميع. لنا أن نتدبر أمورنا جيدًا ان نبتعد ـ بالفعل ـ عن (ثقافة الموت)، أن نبحث ونفتش وندعم القيم المبدئية والدلالة الأساسية للحظة، لحظة اختلاط رائحة الموت برائحة الحياة، بصوت الهليكوبتر والرصاص والأنين والغاز ورائحة السجن داخل البيت والزنزانة. لابدّ لنا من تحريات كبرى حول - ثقافة الحياة ـ أن نتامل القانون بروح النص، أن نعتمد العدل وبين جناحيه الرحمة، ألاّ نستخف بالناس في معاشهم وحلِّهم وترحالِهم، أن نحاول، ونحن نحاول (غوث البؤس)، أن نقبل (بانحطاط الانسانية؟). لا داعي للاستهتار، فمن بين كل مصائبنا هناك ما يثير الاحترام والشفقة، يجب أن نحمي بشكل مجتمعي حضاري الناس ـ بعض الناس ـ من أنفسهم، من كرههم، من غضبهم، من شماتتهم ومن حقدهم، من رغبتهم المجنونة في التشفّي والغلّ ..إن الغموض الذي يلفنا صار يزعجنا ويشوشنا. إن الفوضى سائدة في مصر، وتبدو أنها أكثر استفحالاً وسط المدرعات والدبابات، لابد من أن تتشكل ـ فورًا ـ صورًا حاسمة تتم على هامش المحافظة على الأمن والأمان، لا إقصاء لمن ابتعد عن العنف، ولا رغبة عبيطة في ضمِّه لصفوف عدوه وهو جريح. لنا أن نتصور مصرًا فاضلة، لها أسس صلاح وعدالة اجتماعية، حق إنساني للعلاج والطعام والهواء النظيف والصحة والعلاج والتعليم. كل جزئية من مصر الفاضلة تخرج من رائحة الموت، تشتمل على قيمة رمزية للجحيم الاجتماعي الذي نعيشه. ولنا في هذا الاطار أن نتساءل عن كنه علاقاتنا بالغرب عمومًا، أيا كانت صحة المصدر المتداول على صفحات الفيس بوك وغيرها، فإن تلك الدراسة الخطيرة المسربة من أروقة البنتاجون، تؤكد على وجود مخطط يقضي بتفتيت الدول العربية قبل عام 2015، تحوي الدراسة مع تحفظنا على صدقها، لكن الإشارات والدلالات، بجانب الفيديو المرفق بها يؤكد أن الأمر جدّ خطير، دراسة بحثية عميقة أشرف عليها 120 خبير استراتيجي سياسي وعسكري معظمهم أمريكان، صنفت الجيش الإيراني والسوري والمصري والسعودي والباكستاني كأقوى جيوش تمتلك أسلحة بعد الجيش العراقي (رحمه الله)، وفي بحث من 432 صفحة تشير الدراسة إلى كيفية تفتيت تلك الجيوش تمهيدًا لاحتلال بلدانها كخطوة لاحقة، تشير الدراسة إلى التكنيك المتبع في محاولة تفتيت الجيش المصري، بافتعال كل ما يمكن أن يدخله في مواجهة مع شعبه، بما يفتته في أقل من عشرة أشهر (لمزيد من التفاصيل تابعوا تصريحات رئيس الـ CIA السابق (جيمس وولسي) في 2006 (سنصنع لهم إسلامًا يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات ثم يتم انقسامهم على بعض لنحرات تعصبية، ومن بعدها نحن قادمون للزحف ولسوف ننتصر). المشكلة ان الأمريكان لا ينظفون وراءهم، ويحضرني هنا تلك المشاركة على النت (في اليابان تدخل دورة المياه بالبصمة، وعند الخروج تمرر إصبعك ( وفي السقف ليزر، يحددك) إذا كان الحمام نظيفًا فتح لك الباب إذا كان قذرًا ـ ترجع يا قذر لتنظفه ـ حتى يفتح لك الليزر الباب) .. ليزر الأمريكان يفتح الباب حتى لو كانت حماماتهم مليئة بالجثث، كل الجثث في رابعة والكرداسة وأبو زعبل ورفح، مشكلة الأمريكان انهم لا ينظفون وراءهم، يتركون فضلاتهم السياسية، المخابراتية وشبه العسكرية في كل مكان طُردوا منه وسحقوا فيه: فيتنام، بيروت مثالاً) مشاركة أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي (صورة لسيدة متشحة بالسواد أمامها كفن يحوي جثة مكتوب فوقها: مصر أصبحت كلها أموات: من مات شهيدًا، من مات نفسيًا، من مات ضميره) ..هذا هو المأزق وهذا هو الخطر، وصلني بريد الكتروني من امرأة شابة في منتصف الثلاثينات من عمرها قالت فيها (لقد اكتشفت جوايا سفاح، ليلة أمس وأنا أبكي بحرقة وألم العاجز، عندما رأيت المجندين القتلى، والعسكريين الموتى في حنين لم تهتز في شعرة، وأنا أرى أموات رابعة شعرت أمس برغبة في تملك سلاح أفجر به دماغ واحد أو كل القتلة، لكن أريد أن عذبه أولاً.. حتى يحس بألم ضحيته، مثل سفاحي قسم كرداسة. مصيبة إن كنت صرت لاإنسانة). عودة إلى رائحة الموت، المرأة التي تحمل معها عبق دولة الإمارات، فلسطين، مصر، رابعة، مدينة نصر، واللغة الألمانية، رائحة الحياة وهي تدندن مع المذيع الساخر وهو يغني مع اغنية سمير صبري القديمة (هتروق وتحلى) .. صحيح هل من الممكن أن تروق وتحلي، يمكن ولكن بأي ثمن؟! ربنا يستر، فالثمن ليس بالضرورة أن يكون روحًا ودمًا، لكنه عمرٌ يُسرق كما يَسرِق نشال محطة مصر الكُحل من العين.
#خليل_فاضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة حوار البوعزيزي وبائع البطاطا
-
مقتل بائع البطاطا قصيدة
-
قصيدة محمد الجندي
-
ساعة الحظر
-
عصفور البدرشين
-
الحُسَيْني أبو ضَيْف
-
الشخصية المصرية إبّان ثورة 25 يناير وما بعْدها
-
التحليل النفسي للحالة المصرية الآن
-
قُبَّعة الخواجة
-
سيكولوجية الدم فى مصر الآن
-
الفسيفساء في مواجهة الخفافيش ملامح الشخصية المصرية .. في ثور
...
-
القلق المستَبِدّ وضراوة الإشاعة
-
سيكولوجية رجل الأمن فى جمهورية الخوف (مصر سابقاً)
-
مظاهر الاكتئاب في المجتمع العربى
-
سيكولوجية المرأة العربية....
-
كَرْبْ ما بَعْدْ الصَدْمَة تداعيات ما بَعْدْ الحرب مصر ولبن
...
-
الأبعاد السيكولوجية لعقوبة الإعدام
-
بعض الآثار النفسية لانتشار المدارسة الأمريكية في مصر
-
سيكولوجية أمناء الشرطة في مصر
-
محاولة لفهم المعادلة الحكومية المصرية الصعبة
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|