|
مدرسة دنهاخ الفنية وشاعرية اللون الرمادي
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1206 - 2005 / 5 / 23 - 08:29
المحور:
الادب والفن
شَهِدَ الفن التشكيلي الهولندي عصره الذهبي في القرن السابع عشر، لكن الكوارث الاقتصادية، والهزات السياسية العنيفة المتتالية التي عانت منها الأراضي المنخفضة هي التي قللت من أهمية الأدب والفن والإبداع بصورة عامة. غير أن الفنون الجميلة سرعان ما انتعشت وتم إحياؤها من جديد في حدود عام 1830، هذا التاريخ الذي يُطلق عليه الآن اسم الحقبة الرومانسية في الفن الهولندي. كانت الأعمال الفنية التي تلقى رواجاً كبيراً في تلك الفترة هي المناظر الطبيعية، واللوحات التي تعكس التاريخ الوطني للبلاد. وكان أندرياس شخيلفهاوت رسام المناظر الطبيعية بامتياز، وبالذات المشاهد المُصوَّرة في فصل الشتاء، وأيضاً اللوحات المرسومة بين الغابات الكثيفة، والكثبان الرملية الممتدة بين مدينة دنهاخ وضاحية شخيفننجن هي اللوحات التي كانت تجد طريقها إلى منازل الأثرياء، وصالات العرض، والمتاحف الفنية التي تزدحم بها المدن الهولندية الغارقة في الترف، والنعمة، والرفاهية. وكان الأسلوب المُتبع هو تقليد أساليب فناني القرن السابع عشر العظماء، ومحاكاة نزعتهم الرومانسية. كانت الدروس الفنية التي يتلقاها الرسامون المبتدئون تعتمد على مناهج مدرسية بسيطة لا تنطوي على مراحل أو مستويات متفاوتة، الأمر الذي أدى إلى إصابة العديد من الرسامين الشباب بالاحباط، بحيث تناثروا في أماكن مختلفة لكي يحصلوا على الدروس التي يرغبون بها. وهكذا ترك خيرارد بلدرز أكادمية دنهاخ للرسم وأكمل تعليمه الفني مع الرسام السويسري كارلس هوبيرت. بينما درس بول غابريل مع رسام المناظر الطبيعية بي. سي. كوك كوك. ولم يكن جوزيف إسرائيلز مقتنعاً بالأكادميات الموجودة في خروننجن وأمستردام لذلك غادر إلى باريس وبدأ يأخذ دروساً في إستوديو بيكو، وغادر ياكوب مارس أكادمية دنهاخ ليدرس مع إرنست هيبرت في باريس، بينما درس أخوه ماتياس مع قيصر في أونتويرب، وغادر هندريك فيلهيلم ميسداخ خروننجن ليدرس مع فيلم رولوفز. في عام 1830 وجد فنانون من طراز روسو، وداييز، وترويون، وكورو طريقهم إلى باربيزون، وهي غابة كثيفة الأشجار بالقرب من " فاونتين بلو ". وكان التأكيد مُنصباً في أعمالهم على رسم الطبيعة، كما كانوا يرونها هم أنفسهم. وهذا ما منح مدرسة باربيزون شهرة كبيرة. هذا النموذج الفني أتبعه في عام 1850 عدد من الفنانين الهولنديين الذين تجمعوا في منطقة أوستر بيك لكي يرسموا المناطق الريفية المحيطة بهم. وقد تأثر هؤلاء الرسامون برسامي مدرسة باربيزون. " وفي حالات عديدة درسوا معهم " وضاهوا هؤلاء الرسامين من خلال تسجيل انطباعاتهم بواسطة الضربات السريعة للون. ثم انتقل جي دبليو بلدرز رسام المناظر الطبيعية المشهور، والد خيرارد إلى أوستربيك في عام 1825 وجذب إليه العديد من التلاميذ أمثال أنتون موف والأخوين مارس في صيف ذلك العام، فضلاً عن الزوار المنتظمين للمنطقة أمثال فيلم رولفز وبول غابريل. وبعض هؤلاء الرسامين زاروا باربيزون من أجل تطوير مواهبهم وتقنياتهم الفنية في رسم المناظر الطبيعية خاصة، والحياة الريفية بصورة. وبين عام 1850 و 1860 ذهب كل من إسرائيلز، وياكوب مارس، وفيسنبرُخ إلى هناك لمزاولة رسم المناظر الطبيعية أيضاً. مدرسة دنهاخ الفنية أُسست هذه المدرسة الفنية عام 1860 في مدينة دنهاخ " لاهاي "، وقد ضمّت العديد من الأسماء الفنية التي تنتمي إلى أعمار وخلفيات متنوعة. وقد اتجه فنانو هذه المدرسة إلى الطبيعة، والهواء الطلق، تماماً كما فعل جماعة " باربيزون " واتخذوا من الرسم الحر طريقة لهم. ومن أبرز الأسماء التي ساهمت في تعزيز مكانة " مدرسة دنهاخ " داخل هولندا وخارجها نذكر جوزيف إسرائيلز، فيلم مارس، ياكوب مارس، فيلم دو زفارت، هندريك فيلم ميزداخ، بول جي. سي. غابريل، بيرنارد. جي. بلومرز، هندريك .جي. فيسنبرُخ، يوهانز بوزبوم، فيلم رولوفز، أنتون موف، و ديفيد. أي. سي. آرتز. وقد استمرت هذه المدرسة حتى عام 1900، ثم بدأت بالانهيار، وانتهت المدرسة بموت الفنان هندريك فيلم ميزداخ عام 1916. ساهمت " جماعة أوستربيك " مع مدرسة دنهاخ الفنية في رسم المناظر الطبيعية، وحياة الصيادين التي شكلت تقليداً فنياً في وقتهم، بحيث أدار هؤلاء الفنانون ظهورهم للثيمات والموضوعات الأكاديمية الصارمة التي كانت تعتمد بشكل كبير على التاريخ أو تستمد موضوعاتها من المثيولوجيا القديمة. ولم يقدسوا وجهات النظر التقليدية التي كانت تهيمن على الفن الأكاديمي ومنهجياته الصارمة، ولم يتخذوا منها مثالاً لتوجهاتهم ونزعاتهم الفنية والجمالية، وإنما صبغوا رسوماتهم بصبغة أكثر واقعية، مُحاكين جماعة باربيزون الفرنسية التي انفتحت على الطبيعة والهواء الطلق. وبدلاً من هذه العودة القسرية إلى التاريخ رسموا صوراً واقعية للمناظر الطبيعية التي تحيط بهم، ورصدوا حياة الصيادين الذين يركبون البحر، وبالمقابل صوروا النساء اللواتي ينتظرن عودة الأزواج أو الأحباء أو الأخوة من متاهات البحار، كما رسموا مشاهد كثيرة من سواحل بحر الشمال عند " شخيفننجن " والشوارع العشوائية التي تظهر وتغيب عند حافات السواحل الرملية. كان أغلب فناني " مدرسة دنهاخ " يمتلكون حساسية فائقة، ومعرفة عميقة بتأثير الضوء و" الأتموسفير " مُسترجعين تقاليد رسم المناظر الطبيعية التي بلغت ذروتها في القرن السابع عشر. ومن بين زعماء هذه المدرسة أنتوف موف، وجوزيف إسرائيلز. قد يبدو الشيء الأكثر أهمية في هذه الحركة أن مجمل فنانيها كانوا يستعملون الألوان الكابية، المعتمة، وهي في الغالب " الألوان الرمادية أو ظلالها " وقد أشار أحد النقاد الفنيين إشارة مهمة جداً حينما قال " بأن هذه المجموعة تستعمل الدرجة اللونية أكثر من اللون ذاته " وقد أثنى هذا الناقد على " شعرية اللون الرمادي " الذي صبغ أغلب الأعمال الفنية على مدى نصف قرن تقريباً. ثم وقع الفنانون أنفسهم تحت تأثير الانطباعيين والمدرسة الانطباعية التي بسطت نفوذها على أوروبا تحديداً وأغلب بلدان العالم، فصارت الألوان فاتحة جداً، وأكثر وضوحاً من ذي قبل، كما تخلصت الفرشاة من صرامتها الإخراجية، وأصبحت أكثر استرخاءً وحرية وسلاسة. ثم بدأ أساطين هذه المدرسة بنشر المبادئ والقيم الفنية الانطباعية في عموم المدن الهولندية.
ترجمة وإعداد / عدنان حسين أحمد
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سلسلة أغلى اللوحات الفنية في العالم - 2 -: - صبي مع غليون -
...
-
سلسلة أغلى اللوحات الفنية في العالم: - بورتريه د. غاشيه - لف
...
-
المخرج السينمائي سعد سلمان ﻟ - الحوار المتمدن -: الشع
...
-
المخرج خيري بشارة لـ - الحوار المتمدن -: في الفيلم التسجيلي
...
-
المخرج السينمائي قاسم حَوَلْ لـ - الحوار المتمدن -:عندما تسق
...
-
المخرجة الأمريكية - مصرية الأصل - جيهان نُجيم: أشعر أن هناك
...
-
لماذا لم تندلع الثورة الذهبية في أوزبكستان، البلد الذي يسلق
...
-
الأصولية والإرهاب: قراءة في مستقبل الإسلام والمسلمين في هولن
...
-
المخرج فرات سلام لـ - الحوار المتمدن -:أتوقع اقتراب الولادة
...
-
موسوعة المناوئين للإسلام - السلفي - والجاليات الإسلامية - ال
...
-
التراسل الذهني بين فيلمي (ان تنام بهدوء) و(معالي الوزير) الك
...
-
الرئيس الجيورجي ميخائيل ساكاشفيلي والثورة الوردية: حليف أمري
...
-
فرايبيرغا، رئيسة لاتفيا الحديدية: تتخلص من تبعية الصوت الواح
...
-
-المخرج فرات سلام في شريطه التسجيلي الجديد - نساء فقط
-
صمت القصور - فيلم من صنع امرأة: كشف المُقنّع وتعرّية المسكوت
...
-
في زيارته الثالثة لأوروبا خلال هذا العام جورج بوش يحتفل باند
...
-
سمفونية اللون - للمخرج قاسم حول: شريط يجمع بين تقنيات الفيلم
...
-
الروائي بختيار علي لـ - الحوار المتمدن -: النص لا يخضع لسلطة
...
-
في جولته الجديدة لكل من لاتيفيا وهولندا وروسيا وجيورجيا جورج
...
-
التشكيلي سعد علي في معرضه الجديد - المحبة في مدينة الليمون -
...
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|