|
مصر.. عندما ينادي خَصْما -الدولة المدنية- بها!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 4221 - 2013 / 9 / 20 - 21:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مصر.. عندما ينادي خَصْما "الدولة المدنية" بها! جواد البشيتي "رَمْزية" الصراع الحقيقي الدائر في مصر تتركَّز في شخصين، هما السيسي ومرسي. و"الرَّمْزية" هذه تَفْقِد معناها إذا ما فَهِمْنا وتَصَوَّرنا هذين الشخصين (اللذين لا ريب في أهميتهما السياسية في هذا الصراع) على أنَّهما "طرفا" الصراع المصري؛ فنحن في ثقافتنا السياسية، وفي طريقة تفكيرنا السياسي، والنَّظر إلى الشؤون السياسية، ولو كان بعضها من الأهمية التاريخية، نُصَغِّر ونُقلِّل كثيراً، لا بَلْ، نطمس ونمحو، الفَرْق بين "أطراف (وقوى)" الصراع وبين شخوصه من ممثِّلين وقادة. إنَّ السيسي، وعلى ما يُقال الآن هو "الرَّجُل الأقوى" في مصر، في "عضلاته السياسية والعسكرية (العسكرية بمعناها الدَّركي)"؛ وإنَّ كثيراً من الساسة والإعلاميين.. يَسْتَمِدُّون منه القوَّة والنُّفوذ؛ لكنَّ ما يُضْرَب عنه صفحاً هو "المَصْدَر" الذي منه يَسْتَمِد السيسي قوَّته ونفوذه. ليس الجيش؛ وإنَّما الفئة العليا من "البيروقراطية العسكرية"، والتي تضطَّرها مصالحها الفئوية الضَّيقة إلى الاشتغال بالسياسة أكثر من "السَّاسة الخالصين"، هي أَهم مَصْدَر يَسْتَمِد منه السيسي قوَّته ونفوذه؛ وهذه الفئة (المُنظَّمة جيِّداً، والتي تُحْكِم قبضتها على الجيش) لا خيار لديها، إذا ما أرادت أنْ تظل محتفظةً بمصالحها الفئوية الضِّيقة، محافظةً عليها، إلاَّ أنْ تَشْتَغِل بالسياسة بما يجعلها دائماً في منزلة من منزلتين: في منزلة "الرأس" من السلطة الفعلية (التنفيذية) في البلاد، أو في منزلة "الرَّقَبَة التي تُحَرِّك الرأس". وأنتَ يكفي أنْ تَفْهَم هذه "المؤسَّسة العسكرية العليا" هذا الفهم حتى يشق عليك، ويصعب، أنْ تَفْهَم حُكْم السيسي على أنَّه "انقلاب عسكري"؛ فـ "العسكر" في مصر، ومهما كان رئيسها "مَدَنيَّ الثياب"، كانوا دائماً حاكمها الفعلي، والمتحكِّم في شؤونها الكبيرة. وحتى تستتب الطريق، أقول إنَّه لوَهْمٌ يُعمي بصر وبصيرة صاحبه، أو القائل به، أنْ يُظَن أنَّ "البيروقراطية العسكرية المصرية"، وفئتها العليا على وجه الخصوص، على أنَّها جسم مصري بمنأى عن النفوذ القوي للولايات المتحدة في مصر؛ فالولايات المتحدة هي الحليف الدولي الأوَّل لهذه "المؤسَّسة"، و"المَصْدَر الخارجي" الذي منه تَسْتَمِد كثيراً من قوَّتها ونفوذها؛ وهذا لا يعني خُلوَّ هذه "الصِّلة القوية والوطيدة" بين الطَّرفين مِمَّا يُعكِّر صفوها؛ وها نحن نرى الآن شيئاً من "الخصومة العابرة (المؤقتة)" بينهما. وفي مصر كلها، وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير على وجه الخصوص، لا وجود لـ "مؤسَّسة ضديدة"، تُنافِس وتُصارِع "المؤسَّسة العسكرية"، وتَجْعَل "العسكر" في خشية دائمة منها، إلاَّ جماعة "الإخوان المسلمين"، وحزبها السياسي الذي استحدثته بعد تلك الثورة؛ فهذه الجماعة، وبصرف النَّظر عن "أهميتها الثورية" في ثورة الخامس والعشرين من يناير، هي "القوَّة السياسية المنظَّمة الكبرى" في المجتمع، والتي بما تتمتَّع به من نفوذ شعبي وسياسي، وبما تَخْتَزنه الغالبية الشعبية والانتخابية المصرية من كراهية لعهد مبارك، وبقاياه، استطاعت أنْ تَنْتَزِع كثيراً من السلطة في البلاد (الرئاسة والحكومة والبرلمان بمجلسيه) بواسطة "صندوق الاقتراع" الذي لا ريب في "صدقيته الانتخابية"، على وجه العموم، وإنْ شكَّك كثيرون، وجادلوا، وأنا منهم، في "صدقيته الديمقراطية". "البيروقراطية العسكرية المصرية"، اضطَّرت (ومعها حليفها الدولي الأكبر، الولايات المتحدة) إلى خَلْع مبارك، الذي لو ظلَّ راكباً رأسه لأحدقت المخاطر بـ "المؤسَّسة العسكرية" نفسها؛ لكنَّها، وهي التي كانت تَعْلَم عِلْم اليقين أنَّ "الانتخابات" هي مَعْبَر جماعة "الإخوان المسلمين" إلى السلطة، وأنَّ التعايش (أو التفاهم، أو التَّصالح) بينها وبين هذه "الجماعة" هو خيار طوباوي لا واقعي، شرعت تتهيَّأ، وتُهيِّئ الظروف والشعب، لعزل مرسي، ولتسديد ضربة قوية إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، مُسْتَثْمِرةً كثيراً من "رأسمالها" في "انقسام شعبي"، اتَّسَع وتَعاظَم لخوف وتطيُّر كثير من المصريين، ومن القوى والجماعات السياسية، وغير السياسية، المصرية، من حُكْم، وطريقة حُكْم، مرسي؛ وكان لها ما أرادت، بعد، وبفضل، ارتدائها رداءً شعبياً، حاكته هي في المقام الأوَّل، وأطلقت عليه اسم "ثورة يونيو". وإذا كانت جماعة "الإخوان المسلمين" تَفْهَم "الدولة المدنية" على أنَّها الدولة التي لا يحكمها "العسكر"، ويمكن أنْ يحكمها حزب سياسي (مدني) مشتق من جماعة دينية هي جماعة "الإخوان المسلمين"، فإنَّ "الخصم الآخر" لـ "الدولة المدنية"، وهو "العسكر"، يَفْهَم "الدولة المدنية" على أنَّها الدولة التي لا تحكمها جماعة "الإخوان المسلمين"؛ لأنَّها تظل جماعة دينية، وإنْ حَكَم عنها حزب سياسي استحدثته هي، ويمكن أنْ يحكمها السيسي (مستقبلاً) إذا ما استقال من منصبه العسكري، ورشَّح نفسه لانتخابات الرئاسة، مرتدياً ثياب مدنية؛ وكأنَّ "الدولة المدنية" تستمدُّ معناها، لا بَلْ كل معانيها، من الزِّي المدني لرئيس الدولة! كلاهما، في صراعه ضدَّ الآخر، يَنْتَصِر لـ "الدولة المدنية"، والتي تظل في مصر مطلباً وهدفاً، لا قوى حقيقية لهما على أرض الصراع السياسي؛ ومع ذلك، يظل حًكْم السيسي (بما يُمثِّل، ومع مَنْ يُمثِّل) مَصْدَر التهديد الأعظم، ليس لثورة الخامس والعشرين من يناير فحسب، وإنَّما لمصر، بأمنها واستقرارها، وبوحدتها، ومكانتها العربية والإقليمية والدولية؛ ولن تعود مصر إلى السَّيْر في مسار الخلاص الذي أرادته لها ثورة الخامس والعشرين من يناير إلاَّ بإكراه "العسكر" على مغادرة الحكم والحياة السياسية إلى غير رجعة، وبتمخُّض الأزمة التاريخية في التيار الإسلامي عمَّا يشبه "الأردوغانية"، وبظهور قوى حقيقية لـ "الدولة المدنية"، وللقيم والمبادئ الديمقراطية، وللعلمانية غير الزائفة.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعضٌ من حقيقة -الحقيقة-!
-
شيء من -الجدل- ينعش الذِّهْن
-
الصراع السوري في -تركيبه الكيميائي الجديد-!
-
عِشْ ودَعْ غيركَ يَعِشْ!
-
بشَّار الذي فَقَدَ ترسانتيه -المنطقية- و-الكيميائية-!
-
كَمْ من الولايات المتحدة يَقَع في خارج حدودها؟
-
طاغوت
-
-عناقيد المجرَّات-.. لماذا لا تغادِر أماكنها؟
-
معنى -الضَّرْبة-.. ومعنى -المبادرة-
-
-مبادرة- تقول لبشار: سَلِّمْ تَسْلَمْ!
-
أوباما.. ما بين -الذرائعية- و-السببية-!
-
المدافعون عن -هولوكوست الغوطة-!
-
-الغوطة-.. دَرْسٌ في السياسة الدولية!
-
أخطر ما تمخَّض عنه -جَدَل الضَّرْبة-!
-
قبل ساعات من الضربة!
-
-الفقر- و-وعي الفقر-.. -الطاغية- و-شيخ الطاغية-!
-
تفجير طرابلس!
-
-الثورة المصرية-.. ظواهر ميدانية تطلب تفسيراً
-
الثورة المصرية.. نتائج وتوقُّغات
-
التناقُض المُدمِّر لثورات -الربيع العربي-!
المزيد.....
-
-لماذا لا تقوم بعملك يا سيناتور؟-.. حشد أمريكي غاضب بعد ترحي
...
-
مسؤولون لـCNN: خفض عدد القوات الأمريكية في سوريا إلى النصف خ
...
-
موسكو: كييف تستخدم التعبئة لصالحها
-
الذكرى الـ 80 لبدء معركة برلين
-
الإمارات: القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع لا تمث
...
-
وزير الداخلية التركي يكشف عدد السوريين الذي عادوا إلى بلادهم
...
-
-بوليتيكو-: تسريح موظفين في وزارة الدفاع الأمريكية بسبب إدار
...
-
وزير خارجية مصر: جهودنا لم تتوقف لإنهاء الحرب -الظالمة- على
...
-
قازان.. طائرة Tu-144 السوفيتية الشهيرة تتحول إلى متحف
-
نجيب بوكيلة لن يستطيع -تهريب- من تم ترحيله خطاً للولايات الم
...
المزيد.....
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
-
الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف
/ هاشم نعمة
-
كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟
/ محمد علي مقلد
-
أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية
/ محمد علي مقلد
-
النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان
/ زياد الزبيدي
المزيد.....
|