|
الفتوحات الإنسانية السورية
لمى الأتاسي
الحوار المتمدن-العدد: 4221 - 2013 / 9 / 20 - 01:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
رغم كل التشاؤم العام خصوصا بين صفوف شرفاء الوطنيين و هو ناتج عن صعوبة امكانية ايجاد جسور لقاء بيننا نحن السوريين الا اننا يجب الا نفقد الامل حيث انه رغم الظلام هناك بصيص ضوء، الجميع يعترف بان اطراف النزاع لم تعد طرفين للنزاع بل اكثر بالنالي فهي عمليا لم تعد ثورة ظاهريا بل حرب اهلية. السلام ما زال ممكن ما بين الإخوة المقتتلين ، ما بين قابيل و هابيل .. و الثورة الحقيقية هي ليست الثورة التي حرفت منذ اول لحظة و تم الاستيلاء عليها ، انما هي "ثورة عقول" على ما توارثناه من حقد و كره لبعضنا البعض ... هي ليست فقط ثورة اغلبية شعب مقموع و فقير على طبقة مخملية بل هي ايضا تحمل في طياتها عدة ثورات اخرى، فعلى سبيل المثال بنظر السوري اليزيدي ثورته هي للمطالبة ببساطة بحقه مثلا بان يتواجد و بان يعترف بوجوده بانتمائه الثقافي كجزء من الثقافة السورية و بأن يعرف بها و تحترم و بان لا يكفر، ببساطة ان ياخذ نفس حق المسلم او المسيحي اجتماعيا و ليس قانونيا فقط ، ثورته هي ثورة إضافية يطالب عبرها بحق انساني له بان يتواجد و ليس فقط ان يحكى عنه ضمن تعددية شكلية كما يسرد في خطاب الانشاء الحالي من السياسيين ان كان من صف الثورة او من صف النظام . بالتالي في العقل الباطني السوري هناك ثورات اخرى لا نفصح عنها هي اولها ثورة على ذاتنا تختفي وراء تلك الثورة التي تتميز بعنفها. غالبا ما نعلن عنها باسم اشياء اخرى لا علاقة لنا بها و هو ليس كذب منا بل عادة مكتسبة في مجتمعنا الشرقي تقتضي الا نعلن بوضوح و نواري. بمعنى اخر هناك ثورات تقوم حاليا و تختفي وراء الضجيج و العنف و رغم ان من يراقب من بعيد قد يظن بانه بعد ما جرى مستحيل ان نتعايش مع بعض ، لكنه مخطئ لان لب الثورة هو ارادة تعايش و الا لما قتل احد اخوه ، الأخ العدو، هذا الأخر يحاربه لكي يجبره على البقاء معه و قد يبدو منطق غريب، حب عنيف نواعا ما و لكن لولا ارادة التعايش لكان كل تجاهل الاخر و طالب بالانفصال و التقسيم. و لكن احد لم يطرح فكرة الإنسلاخ عن الأخر بل ل يطالب الاخر بأن يرضخ لشروطه و لا يتركه و شانه و هنا نقطة مهمة تؤكد على مدى تمسكنا ببعض. لا يوجد شعب عاقل مستعد ان يضحي بابنائه و احفاده بهدف الفناء و تحطيم بلده و لكن العنف الذي نشهده في سوريا ينتمي حتما لزمن أخر و هو من صفات المجتمعات البدائية الجاهلة بل ان هذ االعنف الغريب ياتينا حتما من عصور حيوانية ياكل البشر فيها قلوب بعض و تغتصب الفتاة امام ذويها في الشارع هذا الجنون كان حتما هي قبل اختراع النار حينما كانوا البشر وحوش و لكن لنعترف هو ليس وليد الثورة بل لنعترف بصدق بانه كان متواجد في كل مكان بسوريا منذ سنوات طويلة مختبئ وراء الابواب و كنا نمر بجانبه بصمت. هناك امثلة كثيرة لعنف تتميز به سوريا على تعدديتها فالعنف هو ضرب الاطفال في البيوت و المدارس ...اليس هذا عنف ؟ .. برنامج السالب و الموجب كشف القناع عن جزء بسيط و هو الفتيات اللواتي يربطهن ابهاتهن و يعنفن هذا ليس عادي و لكن كان مثله كثير.. تعنيف المراة في مجتمعنا باهانتها نفسيا و جسديا من اخوها و ابوها و زوجها في الاوساط الشعبية خاصتا و الغير شعبية كذلك ... اليس هذا عنف ؟ .. قتلها باسم جرائم الشرف لانها لم تطيع.. هو اكيد كذلك... و هناك عنف نفسي اهم من العنف الجسدي لا يهتم احد به في بلد قانون الغاب و الاقوى انه متواجد في كل شارع وليس متواري خلف الابواب فقط.. و لكنكم الان مستغربين تقولون اليوم صارخين (لتسكتوا ضمائركم لكي لا يفكر احد بما اقول الان ) :"هناك الاهم هناك اليوم الاطفال يموتون جوعا و ليس وقت هذا كله " .. و لكن في الماضي انتم لم تفكروا لحظة باطفال و نساء و رجال ماتوا قهرا ؟ اننا مجتمع مريض لربما حاليا يخرج قيحه و سيتعالج و لسنا بحاجة لتنظير خارجي لكي نعي هذا و كلكم تعلمون هذا ضمنيا و المثقفين نفسهم يعلمون اكثر و للاسف اغلبهم يرفض مواجهة هذا الواقع المرير ...اغلبهم يتجاهل هذا حيث ان كل مواضيع مجتمعنا هي "تابويات " اي مواضيع ممنوع الخوض فيها و الكلام عنها. اذا الانسان السوري كان غير حر و مهان و ولد هكذا و مات قبله اجداده هكذا ، انه الأن يرفض واقع نفسي اجتماعي سلوكي و لكنه لم يستعمل الكلمات المعبرة عن هذا الرفض ، لم يوجد بعد مرادف لحجم الثورة و هذا حتما لكبر حجم المعاناة لدى الإنسان السوري ... هذا الكم الهائل من الظلم لم تكرسه الاديان بل كافحته و لكننا توارثناه رغما عنها و ها هو الضغط يولد انفجار في سوريا. حمل السلاح و الهروب للامام لقتل اخ سوري هو اخر درجة وصلنا لها من الانحطاط و لا تحاولوا مقارنة ما يجري الأن بما حصل سابقا لاي حضارة في العالم، و لا تقولوا بان هذا الوضع يذكركم بسقوط غرناطة و نهاية الاندلس، لا نحن في العصور الحجرية فنحنا نزلنا الى الاسفل بل اننا لامسن قاع الانحطاط الانساني فلا تقل لي موالي او علوي و لا تقل لي سني ام ثائر بل قل لي انحطاط انساني. كلاهما افراز هذا المجتمع و ذهبوا لنفس المدرسة و اقر لهم النشيد البعثي و لم يكن الجندي او الشبيح الذي يحارب في الصف الاخر من الطبقة المخملية ، في البيت كلاهما ضرب و هو طفل و في المدرسة. و ربما والدته ضربت امامه و اخت كلاهما زوجت قاصر لرجل يكبرها بعشرات السنوات و من يدري ربما كلاهما قتل اخته بجريمة شرف.. لم ياتي العنف من الفراغ بل كان موجود. البارح كان الثائر صديق لهذا الشبيح كانوا يسهرون سويا و اما اليوم فرفعوا السكاكين على بعض حينما لم يجدوا سلاح و اطلق ثائرنا اللحية و نادى باسم الله و لكن لا اللحية و لا الصلاة غيرت متوارثاته الفكرية الظالمة و كلاهما يملك نفس الارث الفكري و اعلن البعض فتوحات اسلامية في غير عصرها .. انتهى عصر الفتوحات الاسلامية .. لانه لا يوجد تاريخ يعود للوراء ...يوجد الان في هذا العصر شيئ اسمه الفتوحات الانسانية. الاسلام ككل الاديان كان ثورة فكرية في وقته لكننا الان في زمن اخر و الثورة هي دائما فكرية على عقول نائمة. هذه الثورة هي ثورة بقاء او موت ككل الثورات العالمية قبلها لدى الانسان، كالاسلام في عصره، كالمسيحية في عصرها، اكتسب الانسان فيهم جديد ...و قرر اما الفناء اما النصر ... الان نحن نريد من الانسانية حقوق اكثر .. نحن كسوريين لم يعد ممكن ان نكمل وجودنا السوري بالظلم و بتعنيف الضعيف اي الطفل و المراة بينما دول العالم باشرت تكتب حقوق للحيوان. هذه الثورة تكشف كل يوم اقنعة و امراض مجتمعنا فهل هناك اكثر من الانحطاط الانساني الذي وصلنا له ؟
لا احد اليوم غير السوريين انفسهم بيده قرار انهاء العنف و ايجاد الحلول القرار لهم .. .. ان كانت كل الثورات التي انتصرت اتت بجديد فكري باختراع حقوق جديدة ، بمكتسبات اضافية لمن قام بها ا فهل يعقل ان تكون ثورتنا فاشلة حيث انها تريد نزع حقوق و في حال لم ينتصر فيها الفكر الانساني الحرو في حال لم تعطي جديد و لم تورث حقوق للسوري بل عنف فماذا يمكن ان نقول عنها سوى فاشلة ؟ لا نعلم ان كان هناك ثورات في تاريخ الانسانية فاشلة و لكن التاريخ لا يسرد قصص الثورات الفاشلة لان التاريخ يكتبه الاحياء و المنتصرين و لا يخرج الفانين بقلم من قبورهم ليقولوا لنا لا تدمروا بل عالجوا الجروح.
#لمى_الأتاسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين ديكتاتورية الأسد و ثورة اللاديمقراطية نختار حق -اللاختيا
...
-
من الرعاعية الى المواطنة الثورة السورية الممنوعة
-
الضربة العسكرية لا تكفي
-
القطب الواحد
-
إلى من باعوا الثورة و إلى من اشتروها منهم
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|