سوسيولوجيا الأسرة: مقاربات نظرية

الصديق درعي

الحوار المتمدن-العدد: 4219 - 2013 / 9 / 18 - 22:29
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

الأسرة : La famille
إن التعريف الأكثر شيوعا للأسرة هو كونها : جماعة متميزة بالإقامة المشتركة و تشارك البالغين من الجنسين و الأطفال الناتجين عن البالغين من الجنسين أو الذين تم تبنيهم (Murdock , 1949 [(1 [. و تعد مؤسسة العائلة " الأقدم و الأعرق من بين جملة المؤسسات التي يقوم عليها المجتمع البشري ".( 2) ، لكنها عرفت هي الأخرى تغيرات عدة تبعا لتغيرات المجتمع . و قد تناول علماء الإجتماع الأسرة و العائلة بالدراسة و التنظير ، و من بين أهم المنظورات النظرية حول العائلة ما يلي :
-;---;-- الوظيفية :

إذا كانت الوظيفية تستلهم البعد البيولوجي في مقاربتها للظواهر الإجتماعية باعتبار كل عنصر يلعب دورا أو بالأحرى وظيفة للحفاظ على تكامل النسق ، فإن هذه المقاربة نفسها هي التي طبقتها على العائلة ، إذ يرى أنصار هذا الإتجاه أن العائلة النووية ، مثلا ، تؤدي أدوارا و تلبي احتياجات تخصصية في المجتمعات الحديثة (3) . فتالكوت بارسونزTalcott Parsons يعتقد أن للعائلة دورين أساسيين ينحصران في "التنشئة الإجتماعية الأولية" و " تحقيق الإستقرار في الشخصية(4)
-;---;-- المقاربات النسوية :
إن التناسق الذي تحدثت عنه الوظيفية سيلقى ردة فعل. و تعد المنظورات النسوية إحدى هذه المنظورات التي قلبت النظر على أنها نموذج للإنسجام و التناغم و المساواة والتكامل . ففي عام 1965 دعت الباحثة النسوية الأمريكية Betty Freidan إلى النظر في ظاهرة العزلة و الملل التي سيطرت على كثير من ربات البيوت الأمريكيات ، و تلت ذلك أصوات تحدثت عن "الزوجة الأسيرة " ) Gavron , 1966 ( ، بعد ذلك ، وخلال السبعينات و الثمانينات تحدثت هذه المقارباتعن ما تعانيه النساء داخل البيوت ، وسعى علماء الإجتماع النسويين إلى اَختبار فرضية " العائلة المتوازنة " (Young and Wilmott , 1975)(5 ). هذا وقد تحدثت أيضا هذه المنظورات عن عدم المساواة في الأشغال البيتية و كذا علاقات القوة و الإغتصاب الجنسي داخل العائلة .
-;---;-- المنظورات الجديدة في علم اجتماع العائلة :
إن التغيرات التي أصابت الأسرة بسبب العولمة و ما نتج عنها من تغيرات جذرية أصابت جل المجتمعات . و ترى إحدى الدراسات (1995,Back and Beck-Gernsheim ) أن واحدة من أهم السمات التي تميز مجتمعنا المعاصر هي تضارب المصالح بين العائلة ، العمل ، الحب و السعي إلى تحقيق الأهداف الشخصية . هذا إضافة إلى محاولة البحث عن الحب مرات عدة و هذا ما يفسر الطلاق و الزواج مرة أخرى أو التصالح أو ما يمكن أن نصطلح عليه " الحرب بين الجنسين " (6). هذا فيما يخص الإتجاهات النظرية التي تناولت العائلة ، لكن إذا ما عدنا إلى المفهوم نفسه فإنه يثير إشكالا ، خصوصا على مستوى اللغة العربية ، فنجده أحيانا بمفهوم الأسرة و أحيانا أخرى بمفهوم العائلة ،مما خلق لدينا اضطرابا حاولنا إزالته في الأسطر الموالية .
و عموما ، تشير عدة دراسات حول موضوع الأسرة في المجتمعات الناطقة بالعربية إلى ضعف كبير في الإهتمام بالجانب المفهومي (7 ) . و بالعودة إلى زهير حطب فهو يحدد :" كلمة أسرة في معناها صورة مصغرة للحياة الإجتماعية في العصر الجاهلي ، حينما كان الناس مرتبطين بالقبائل و العشائر و البطون (...) ، من هنا فإن كلمة أسرة هي في نطاق معنى الفعل أسر ، و لعلها صيغة أخرى للفعل أزر ، بمعنى ناصر و قوى و شدد بتبديل السين بالزاي ، و هذا أمر معروف و كثير الحدوث في اللغة العربية (...) . أما كلمة عائلة فمستحدثة مشتقة من فعل عال ، و تكشف لنا عن المعنى المراد بها ، كونها مجموعة من الأفراد الذين يعيلهم معيل أو كاسب " (8) . من هنا ، و اَعتمادا على ما سلف فكلمة أسرة تدل على أصغر وحدة اَجتماعية في سلم النسب ، في حين أن كلمة عائلة تدل على الجماعة القرابية الكبيرة أو العائلة الممتدة كما يذهب إلى ذلك الطاهر لبيب (9)، هذا و يشير د.العياشي العنصر إلى أن الأسرة و العائلة من حيث دلالتهما السوسيولوجية " فإن الأسرة تشير إلى نظام علاقات الإرتباط و الإلتزامات التي بين مجموعة من الأفراد ( تتشكل من الزوجين و أبنائهما غير المتزوجين ) على أساس القرابة أو الزواج أو التبني " ( 10 ) . و عموما فإن الباحثين يجمعون حسب العياشي العنصر على استخدام لفظ العائلة و اعتبارها وحدة الدراسة و العنصر الحاسم في عملية تشكيل القيم و نشرها على مستوى المجتمع ، ليعود ويشير إلى أن مفاهيم الأسرة و العائلة ، باَعتبارهما مفاهيم محورية ، اَستخدمت بشكل إنتقائي و حصري أو بطريقة المزاوجة بينهما في مختلف الدراسات التي تناولت الموضوع (11)
__________________________________
1- LAROUSSE , Dictionnaire de Sociologie , Ed du France Loisirs , Paris avec l autorisation des Editions Larousse-Bordas , N°, Ed, 34514 – D.L : janvier 2001 , Raymond Boudon , Philipe Besnard , Mohamed Cherkaoui ,Bernard-Pierre Lécuyer , Article de Jean Kellerhals , p 97.
2- أنتوني غدنز ، علم الاجتماع، ترجمة وتقديم : الدكتور فايز الصياغ ، المنظمة العربية للترجمة ، مؤسسة ترجمان ، توزيع : مركز دراسلت الوحدة العربية ، ط 4، ف 7، ص 258.
3- المرجع نفسه ، ص 258
4- م.نفسه
5- المرجع السابق ، ص 260
6- م. نفسه، ص 262-263
7- مجلة عالم الفكر ، العدد 3 ، المجلد 36 ، يناير-مارس 2008 ، مقال د.العياشي العنصر " الأسرة في الوطن العربي " ، ص 284.
8- م.نفسه.
9-م. نفسه
10-م. نفسه
11- م. نفسه، ص 287

#الصديق_درعي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات