|
الرواية والميثولوجيا ودبابة بول بريمر ....!
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 4219 - 2013 / 9 / 18 - 02:16
المحور:
الادب والفن
الرواية والميثولوجيا ودبابة بول بريمر ....! نعيم عبد مهلهل نهاية عام 2003 كتبت مقالاً في الزمان الدولية بعنوان ( الميثولوجيا من نرام ــ سين الى بول بريمر ) على شكل رواية لمشهدٍ معاصر ، وصدرت ضمن كتاب جمالي حمل نفس العنوان عام 2006 لحدثٍ أتحدث فيه عن صورة نشرتها الواشنطن بوست عن جندي امريكي يدخن سيكاراً كوبياً فوق دبابة على بوابة المتحف الوطني ــ منطقة علاوي الحلة في بغداد وهو ينظر بعدم اكتراث الى عشرات الناس وهي تسرق في موجودات المتحف الوطني من آثار والبعض بسبب ثقل بعضها وعدم معرفته بقيمتها أو انه ( يعرفها ) ويحطمها قصدا ومدفوع الأجر مخابراتياً .. انها تراجيديا الوجود العراقي المصنوع بقدرية تأريخيه مكتوبة بعناية رهبانية وملوكية وغامضة أنْ تكون أقدار هذه البلاد مرتهنةً بطوفانٍ في كل عصر....! هذه الشاكلة تكررت في ربيع الفيس بوك المصري بداية ثورة 25 يناير ...وسيتكرر في سوريا حيث هناك الآن اربعة آلاف موقع أثري مكشوفة ومن دون حماية ، وكأن الثورات في جدل حماستها ونشوتها تصنع من رعاعها الذين لا ينتمون اليها معاولا لتحطم الأثر على هامش الجهل والتعصب والغضب والتكفير او بواعز فتوى دينية تقول : كل مادفون تحت الأرض ، ملكاُ مشاعا للبشر..! .. رؤية رواية هذا الحدث بصفته الدرامية والميثولوجية تعطي للروائيين وكتاب القصة وحتى العرافيين مادة دسمة للتفاعل مع مقدار الألم الذي تناله هذه الامكنة المقدسة والتي تحمل ذاكرة الازمنة التي نحتاجها اليوم كثيرا لنتخلص من ازعاج الدبابات وناطحات السحاب الكونكريتية واحزمة الانتحاريين المخبولين. أضع هذه الرؤية أمام الروائيين وكتاب القصة من الذين يحملون غرام التعامل مع الزمن بالصيغة المتحركة والمطلقة ، أي اولئك الذين بأمكانهم مسك الزمن بأطراف اصابعهم مثلما يمسك بتهوفن مفاتيح البيانو ويستطعيون بوعي الموهبة الاتيان والذهاب بلحظة الزمن وفق رؤية الروائي الفرنسي سانت اكزبوري :اجعلها مكاتيب تفي بالغرض ، وتجعل ساعي البريد يرتاح في عمله. هي دعوة لجعل الميثولوجيا واحدة من قارئات العولمة ، ولن يستطيع اي مذهب ادبي ان يفعل ذلك مثلما تفعل الرواية فهي في دهشتها الوصفية التي تصل الى ابعد ما تريده اسئلة الحياة من اجوبة تشفي غليل القارئ والدارس والتمثال الذي تحطمُ جسده معاول السُراق والغرباء والمحتلين. أني أعقب هنا على سطحية ما يتناولوه في هذا الجانب أو ما يتحاشاه بعض النقاد في الخوض في هذه المساحة الخطرة من المنتج الروائي بشكلٍ عميق في مقالات عابرة اقرأها في الصحف اليومية ، وبعضها بدت سريعة واستعراضية وحذرة كعادته دوما ، كتلك التي نشرها الروائي العراقي الكبير ( محمد خضير ) ضمن مقالات متسلسلة في جريدة الصباح . وهنا أود مناقشته في هذا الجانب في محاولة بسيطة الى لفت انتباه المثقفين الى هكذا روي مهم يحمل همومه واشتغالاته القليلة من كتاب الرواية العراقية في اهتمام ربما ابتداه الصديق الروائي عبد الخالق الركابي في سبعينيات القرن الماضي مع روايته المهمة ( سابع ايام الخلق ) في تعاقب اجيال المكان ومحليته الموسومة بالميثولوجيا المتوارثة ولكنه اشتغلها بمستوى من الوعي الكبير داخل مشاعر الروائي وهو يرصد المكان وخصائصه واهمها ( الانسان وموجوداته وهاجسه وهذا التوارث والتعاقب الازلي .كل يخرج من ضلع الكل ولكن بهاجس جديد). الرواية التي تأخذ مادتها من الهاجس الميثولوجي هي من ضلع القدبم ـ الجديد الماثل امامنا والمتكرر في كل لحظة . هذه الدائرة الخصبة ، المجنونة والرومانسية والممتعة بفنتازيتها واخيلتها وغرائبيتها والحادها وآلهتها ، هي الوحيدة التي يمكنها أن تزود قراءها والذين يعيدون صياغتها والباسها قميص الحداثة بفيض لاينتهِ من الرؤى والمشاهد والفصول والاخيلة والحداثة. وعليه فأن تبويب المنتج الروائي في خانة الاهتمام والعناية والدراسة من قبل النقد يظهر لنا ( يوتيبيا ) جديدة لظاهرة كتابية علينا أن نفصلها ( نظرة ، وتدقيقا ) عن بقية ازمنة الروي ومفزاته . وهذا لايعني ابدا تشظية المنجز العراقي وتقطيعه وانما هو ايمان مني أن الكتابة الجديدة في عالميتها ينبغي أن تستغل مثل هذه الدهشة التي تملأ الواح وكتب التراث العراقي أكثر من أي حضارة في العالم وبأمكاننا صناعة ميثولوجيا متخيلةٍ ومرتبطةٍ بحدائق الامس الالهية الساحرة وربطها بكل ما يحدث اليوم من التلاسن السَمج في قاعة البرلمان ودردشة تويتر ودمعة المفخخة ومرورا بلحظة الحلم في الاشتياق لوطن بالنسبة لكاتب منفي كل عمره مثل سعدي يوسف وسلام ابراهيم وحميد العقابي وبرهان الشاوي ونجم والي وبلند الحيدري وهو في قبره...! أعود الى دبابة بول بريمير التي لم تحمي تراثنا في الأيام الأولى من التغيير ، فأتخيل المقطع الأخير من رؤيتي الروائية في مقال (( الميثولوجيا من نرام سين الى بول بريمر ) لأستعير موسيقى ألم كل الميثولوجيات المكتوبة في حزن العراقيين منذ احراق أور ( ماقبل التأريخ ) والى صمت ضحايا حقول الالغام والمقابر الجماعية . أتخيل الإنسان الأول ، الروائي العراقي الأول ، من خَلفَ آدم ( ع ) بعد موته . عاريا إلا من ذاكرة متسعة وبدون حدود لذهن المكان المسور بطابوقة البيت . مدى مفتوح ، وتعبير تسكنه الأشارة ، وطبيعة تزخر بالغموض والخوف والرهبة . شمس تسطع بقوة ، فتتغير في مواقيت الزمن ، ليل يهمن عليه وجلَ السكون وظلمة مكتئبة وسماء لامعة بأضوية براقة بعيدة ، فيما تظهر خيوط الهلال الاصفر ولتتحول بعد ليال الى دائرة من ضوء مبتهج ، ربما يستطيع ببهاءه ومغرياته الصفراء أن يدفع السكون والاطمئنان إليه ويغفوا قليلاً غير مذعور من عواء قريب او هسهسة مخلوق ما لايعرف حتى إسمه وطباعه . وبالرغم من كل هذا كان مجيء الصباح المتكرر هو مساحة الأمل الأولى التي رسمت بعض مشاعر الاطمئنان والفرح لديه ، لهذا كان يمضي الى التأمل في الموجود العالي ويتخيله بصور شتى . هذا التخيل انساه أشارات وكلمات الاب الاول لتظهر الرغبات الجديدة مع كشوفاتها ، بعون من الحجر ، واغراءات الأنثى وتعلم التدجين . وهكذا مشت الحياة الى مراحلها الاخرى لتصل الى خواطر الدبابات والصواريخ وقهقهات ماكروسوفت . غير أن البدء الذي خلق الوعي من خلال الخيال والأنشداد إلى سقف السماء ومكوناته يظل ، الرؤية الأبدية لكل خيارات الحضارات مهما سارت الى الامام وصنعت عولمتها بطرائق شتى ، مابين الإحتلال والغزو الثقافي وحمى وسائل الإتصال ، فليس هناك أروع من ذاكرة بابل وهي تصف البدء من خلال فم الأسطورة ، وتعجنه بتخيل جميل لنجد قراءتنا امام مذهل حقيقي لاتعوضه احدث برامج الكمبيوتر ولااجمل سيناريوهات الافلام . فالذي كتب الخليقة السومرية والبابلية وملحمة جلجامش ، هو عقل متفرد لم يتكرر حتى في شبيهٍ لراوي عظيم أنجبته الأرض منذ هوميروس وحتى نجيب محفوظ .
ليل بروكسل 12 سبتمبر 2013
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المدينة الرياضية وهمُ الخليج وكأسه
-
بورخيس ينظر اليها ...وماركيز يسميها أمرأة ( الرواية )*
-
الناصرية مفخخات وأوربا وداخل حسن
-
خاطرتان عن الرواية
-
حرب الجوامع والحسينيات
-
يا أولاد الحلال ( محدش شاف مصر ؟)
-
الفقراء والسياسة.......!
-
جنكيزخان في دبي بحزامهِ الناسف
-
البغدادية وحالة الرئيس الطلباني الصحية...!
-
يزورهُ القديس كل ليلة
-
قل لنار قلبي لاتنطفىء...!
-
المنابر لم تُحسمها بعد ...؟
-
موسيقى الدمعة في تفجيرات الناصرية
-
في مديح الراحل شيركو بيكاس
-
مُوسيقى المِفراس..!
-
رثاء الى فلك الدين كاكائي...!
-
عبد الستار ناصر ..من الطاطران الى موت في كندا ........!
-
القصيدة والمدينة ( الناصرية كافافيس )
-
أساطيرُ مسماية* ( الرزُ بالحنين ..مطبكْ سَمك ْ*)
-
فرات الناصرية ، وراين دوسلدورف ...!
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|