نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 4218 - 2013 / 9 / 17 - 15:35
المحور:
الادب والفن
أبي يقول معقباً على روايات والدتي الخيالية : أنها تعيد محنتي مع الحياة بصياغةٍ أخرى ، بل أقول لكم ، هي تروي لكم لتبعد أسئلتكم عن أجفاني ، وحتماً أسئلة الأطفال الفقراء باعثها الأول الشعور الجوع .
أتخيل تلك الخاطرة على أديم ما اقرأ من روايات ، منذ السادس الابتدائي وحتى افياء بساتين ( بدرة ) ايام الجندية عندما لازمني ماركيز في دهشة مائة عام من العزلة أو تلك الحكايات العميقة في احساسها لفاقد البصر بورخيس ومنها قصة الخاتم .
غير أن ماركيز كان يوغل في صنع الغرابة الجديدة في مخيال القراءة وكان يُحفزنا لننتبهَ الى بساطة وغرابة وفنتازية ما حولنا ، فتحول عريف الفصيل لدي الى ثمرة مانجو ولكن لم تنضج بعد ، فيما تخيلت سبطانة المدفع 130 ملم خط العبور الى تجاوز هاجس الخوف من الموت ، أمام خدود مراسل الآمر فتصورتها انوثة عانس في دهشة أختيار من يمرون على الرصيف .
فعل الرواية بين ظل نخلة في بساتين ( بدرة ) وبين قبلة يطبعها بورخيس تحت اجفان سكرتيرته التي اقترن بها رغم فارق الخمسين عاما بينهما ، أو في احساس ماركيز بعطر القهوة الكولمبية التي تعدها زوجته ( مارسيدس ) فترة الاستراحة بعيدا عن الآلة الكاتبة الالمانية الصنع ، هو فعل الآنا المحفزة في أدراك الرغبة لكتابة رواية أعبرُ منها ذلك الضجر الأسطوري الذي تمنحه الحرب لجنودها المثقفين رواة كانوا أمْ شعراء أو كُتاب خواطر.
الفعل بشكله الروحاني يمثل الراحة البديلة عن طقوس تأخر الاجازات والشظايا القادمة من خلف سهل مهران وأشياء تأتي مع زخات مطر تلك الحكايات التي كان يسمعها ابي بأعجاب ولكن بعيدا عن دائرتنا التي نلتفُ فيها حول أمي لنسمع ، لقد كان يسمعها منها وهو يتدثر معها في فراش حنانه ودموعه وشكواه في غرفة نومها الطينية : من أن نصف غلته من الحنطة المسمومة بنترات الصوديوم حين خدعه البدو وباعوها اليه وهو لايريد أن يبيعها ويسمم الناس.
فقد ابي نصف مدخراته ونقصت الارغفة العشرة لتصير خمسة ولنشعر بالجوع اكثر.
الراويات التي كان ينسجها مخيال أمي عوض كثيرا عن الجوع ، وبورخيس وعزلة ماركيز عوضتنا عن رعب هاجس التفكير بالموت في الحرب. وكان علي أبدا أن اتخيل تلك المتعة في مقارنها الروحي والمادي وفي قدرتها على أضافة شيء لوجودنا غير هذا التراب المتعلق ببدلاتنا الكاكية. والفضل كله يعود الى الرواية بمحتويات عوالمها المختلفة ، فأذا كان الشعر يتحدث عن التفاصيل الرومانسية لوجه الانثى والوطن والوردة ، فالرواية حتما تذهب الى ما هو أبعد ، انها العين الثالثة التي استعان بها بورخيس كبوصلة ليذهب الى خد خطيبته الصبية ويُقبلهْ.......!
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟