أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود روفائيل خشبة - ضرورة أن نتفلسف














المزيد.....

ضرورة أن نتفلسف


داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 4217 - 2013 / 9 / 16 - 15:32
المحور: الادب والفن
    



لا أعرف عن شعب تـُمتهن عنده الفلسفة بمثل ما تـُمتهن عندنا ولا أعرف عن لغة تـُمتهن فيها الفلسفة كما تـُمتهن فى عاميتنا المصرية، فنحن إذا أردنا أن نقول عن شخص ما إنه يتكلم كلاما عبثيا عديم القيمة والجدوى قلنا إنه يتفلسف، وإذا شرع شخص ما فى حديث لا نستسيغه ولا نرى طائلا من ورائه قلنا له "بلاش فلسفة". وهذا يدل على موقف خاطئ من الفلسفة وعلى فهم خاطئ لطبيعة الفلسفة ودورها فى الحياة الإنسانية.
الواقع أنه إذا كان الخطأ فى فهم طبيعة الفلسفة ودورها فى الحياة الإنسانية يرجع عندنا إلى عوامل تاريخية بعيدة المدى فإن هذا الخطأ يعزّزه ويقويه أن الفلسفة الأكاديمية الحديثة تشارك إلى مدى بعيد فى نفس هذا الخطأ إذ تصوّر الفلسفة باعتبارها علما على شاكلة العلوم الطبيعية الموضوعية لها مجالها الخاص تزوّدنا فيه بمعرفة موضوعية يقينية. والغريب أن الأكاديميين يصرّون على هذا الفهم برغم أن واقع الفلسفة وتاريخها على مدى أكثر من ستة وعشرين قرنا من الزمان يكذّبه ويقطع بخطئه.
دعونى أقل ما هى الفلسفة التى أعنيها حين أقرّر أن الفلسفة ضرورة للحياة الإنسانية السويّة وأنها ضرورة للتقدّم الحضارى. الفلسفة التى أعنيها هى إعلان العقل عن حقه فى أن يسأل، أن يسأل فى كل شىء وعن كل شىء، أن لا يقبل أى مقولة على أنها صدق وحق إلا بعد أن يمحصها ويمتحنها من كل الوجوه، وأن يعود بها إلى أسسها الأولى ومبادئها الأولية. الفلسفة هى إصرار العقل على أن يرى فى وضوح، إصراره على إزالة ما يعتور فكرنا ومفاهيمنا من اختلاط وتشابك وغموض، إصراره على إنارة كل الأركان المعتمة وكشف كل مستور ومخبوء. الفلسفة ببساطة توق العقل للفهم. للفيلسوف شعار واحد ومبدأ واحد: أريد أن أفهم.
الفلسفة ليست علما تخصصيّا ولا تنطوى على معرفة ما هو واقع فى مجال معيّن. وعلى هذا فالفيلسوف ليس من شأنه ولا هو فى مقدوره أن يشير عليك بما هو صواب أو ما هو مفيد فى أى مجال عملى. إذا أردت إنشاء جسر يفيدك المهندس لا الفيلسوف وإذا أردت التصدى لوباء يفيدك الطبيب لا الفيلسوف. فما حاجتنا للفيلسوف إذن؟
كل حضارة تقوم على أسس معينة، على شبكة من النظم والعلاقات البينية وعلى معطيات من المبادئ والقيم والغايات. لكن الحضارة الحيّة كائن حى، وككل كائن حى تتغيّر وتتبدّل، تموت فيها أشياء وتولد أشياء. نحن كأفراد نتغيّر على الدوام، كل خلايا جسمنا تموت وتحل محلها خلايا وليدة، وإذا توقف مولد وموت الخلايا نموت الموت النهائى، يموت الشخص. كذلك الحضارات، إذا لم تتجدّد تموت.
السلوك الذى كان فى زمن ما، فى مجتمع ما، صالحا لتدعيم السلام الاجتماعى ودفع المجتمع للتقدم، يصبح فى زمن آخر وفى أوضاع اجتماعية مختلفة منبعا للظلم وسببا للتخلف. ما كان عدلا فى القبيلة لا يعود عدلا فى المجتمع الحضرى، وما هو عدل فى إطار الأسرة ليس هو العدل فى المدينة. كل القيم وأنبل المُثل متى صيغت فى صورة محدّدة تلائم زمنا وظروفا وأوضاعا معيّنة تلحق بها حتما النسبية الملازمة بالضرورة لكل ما هو محدود ومحدّد ويتحتم أن يتغيّر فى مسيرة الزمن. والحضارة التى تحاول أن تعيش فى أوضاعها المتغيّرة بالمفاهيم التى كانت من قبل وعلى الأسس التى كانت من قبل تتجمّد وتنحدر. لكى يبقى المجتمع المتحضر حيّا وفاعلا ومتقدما يجب على الدوام أن يُخضع كل معطياته ومسَلـّماته للمساءلة والنقاش والمراجعة. هذه وظيفة الفلسفة: المساءلة والمراجعة والإصرار على الرجوع بكل شىء لأسسه الأولى ومبادئه الأولية.
الفلسفة بهذا المفهوم ليست مهنة أو وظيفة ولا يمكن أن يقوم بها فرد أو مجموعة محدودة من الفلاسفة المتخصصين، بل يجب أن تكون الفلسفة مزاجا عامّا يشيع بين كل المواطنين. لكى يحيا المجتمع المتحضر يجب أن يمارس المساءلة الفلسفية كل أفراد المجتمع.
الفلسفة بهذا المفهوم ضرورة للإنسان الفرد، لأنه لا يكون إنسانا حتى يمارس العقلانية التى يتميّز بها الإنسان من حيث هو إنسان، كما هى ضرورة لجموع أفراد المجتمع لأن حيوية ونشاط العقلانية هى الضمان الذى لا غنى عنه للحيلولة دون انحدار المجتمع للجمود والتخلف.
ترى هل أقنعتك بشىء؟ هل أوضحت لك شيئا؟ لا يهم. المهم أن أكون قد أثرتك للتفكير ولأن تحكم بعقلك على ما أقول، فهذه وظيفة الفلسفة.
القاهرة، 16 سبتمبر 2013



#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاث ملاحظات عابرة: المادة 219 والإقصاء ومذابح الأرمن
- إلى أعضاء لجنة الخمسين
- السلفيون، ماذا يريدون؟
- لماذا علماؤنا يفشلون؟
- أفلاطون: قراءة جديدة
- هوامش على مواد تعديل الدستور
- نحن والغرب
- رسالة مفتوحة إلى يسرى فودة
- دفاعا عن البرادعى
- التيار الإسلامى فى لجنة الدستور
- نقط فوق الحروف
- إلى باسم يوسف: كلمة هادئة
- زمن الفعل
- حدود التنظير
- كل منا له دور يؤديه
- حول الإعلان الدستورى
- الثبات على المبدأ وتجمّد الرأى
- لنحذر الباطل المتدثر بالحق
- فى أعقاب 30 يونية
- فى انتظار 30 يونية


المزيد.....




- عن عمر ناهز 64 عاما.. الموت يغيب الفنان المصري سليمان عيد
- صحفي إيطالي يربك -المترجمة- ويحرج ميلوني أمام ترامب
- رجل ميت.. آخر ظهور سينمائي لـ -سليمان عيد-
- صورة شقيق الرئيس السوري ووزير الثقافة بضيافة شخصية بارزة في ...
- ألوان وأصوات ونكهات.. رحلة ساحرة إلى قلب الثقافة العربية في ...
- تحدث عنها كيسنجر وكارتر في مذكراتهما.. لوحة هزت حافظ الأسد و ...
- السرد الاصطناعي يهدد مستقبل البشر الرواة في قطاع الكتب الصوت ...
- “تشكيليات فصول أصيلة 2024” معرض في أصيلة ضمن الدورة الربيعية ...
- -مسألة وقت-.. فيلم وثائقي عن سعي إيدي فيدر للمساعدة بعلاج مر ...
- رايان غوسلينغ ينضم لبطولة فيلم -حرب النجوم- الجديد المقرر عر ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود روفائيل خشبة - ضرورة أن نتفلسف