محمد فيصل يغان
الحوار المتمدن-العدد: 4216 - 2013 / 9 / 15 - 23:23
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
النمط البياني المدرسي
لننتقل الآن إلى طرف آخر من أطياف النمط المعرفي, إلى البيان المدرسي ونرى كيف أنَّ الآلية العقلية نفسها وعناصرها التي بيناها في المقال السابق, تقبع في صلب تركيبة العقل البياني العربي الإسلامي كما يعرّفها ويقدمها لنا الجابري في سلسلة نقد العقل العربي, ونرى مدى تطابق المفاهيم والأدوات (وظيفيًا) في هذا النمط مع النهج الأرسطي.
لنبتدئ أولاً بإشكالية الموقف من اللفظ والمعنى أو بالأصح اللغة والفكر.
بالأساس فإنَّ اللغة هي الوعاء المادي للفكر ولا انفصام بين الاثنين. فمبادئ العقل الأساسية عند تشكلها, تشكلت مع اللغة وباللغة, وانعكست بذلك عليها, وأصبحت بذلك أساس قواعد تطور ونمو اللغة, فالنحو والمنطق إذن صنوان لهما نفس المنابع العقلية.
يقوم الموقف البياني من هذه الإشكالية (اللفظ - المعنى) كما يوضح لنا الجابري, على أساس أسبقية اللغة (اللفظ) على الفكر (المعنى). في مقابل الموقف (العقلي) لأرسطو, والقائل بأولوية الفكر على اللغة.
هذا التناقض الظاهري, يخفي خلفه حقيقة كون الموقفين مثاليين وتبريريين. مثاليين كونهما يجهلان العلاقة الجدلية ما بين اللغة والفكر المجرد وكون اللغة تظهر مع الانتقال من التفكير الحسي إلى التفكير التجريدي والعام (دون أن يعني هذا انفصال الفكر عن الواقع المادي), بوصفها الوعاء المادي للفكر. فلا تفكير بدون لغة ولا لغة بدون تفكير تجريدي, وعلى قدر ما يكون ارتباط اللفظ بمعنى ما محدد اعتباطيا (من لغة الى اخرى), بقدر ما هو محدد ومشروط (في اللغة الواحدة) اجتماعيا وتاريخيا, باللغة الموروث - دراسات لغوية في ضوء الماركسية,مجموعة مقالات, دار ابن خلدون - ما يعطي للغة ثباتا نسبيا في الأسس (النحو) يفسر من قبل البعض بشكل خاطئ على أنّه دليل لانفصال اللغة عن الفكر. إذن يشترك الموقفان البياني والأرسطي بكونهما يفصلان اعتباطيا بين اللغة والفكر وبين اللفظ والمعنى.
أمّا الصفة التبريرية في موقف أرسطو, فتقوم جزئيا على تبرير الواقع الاجتماعي بناء على مفهوم العقل الكوني, وهو مفهوم مركزي في رؤية أرسطو للكون والمجتمع. أمّا تبريرية الموقف البياني فتنبع من رغبة تبرير حكر الفقه الإسلامي والفكر بشكل عام على العرب الأقحاح أبناء اللغة, وكونهم الأَولى في استنباط معاني النصوص الواردة بها وبالتالي الأَولى بالحكم و التشريع. ويعكس هذا الموقف التبريري الشعور القومي الذي بدأ يتبلور في عصر الأمويين وتثبت في عصر العباسيين.
أمّا بخصوص الرؤية للعالم, يقول الجابري: (والسلطة المعرفية التي تحكم الرؤية البيانية للعالم – نقصد الرؤية العالمة التي كرسها النظام المعرفي البياني بعد اكتمال تدوينه وتقنينه – هي أساسا سلطة الزوج: الجوهر/ العرض) - بنية العقل العربي - فالوجود هنا هو للجوهر والتحول هو للعرض. ويوضح لنا الجابري بأنّ البيانيين بنوا تصورهم للعالم الطبيعي والإنسان (على صورة تمكنهم من الاستدلال به على أطروحاتهم ووجهات نظرهم في جليل الكلام) وجليل الكلام هنا (موضوعه تأكيد الوحدانية لله وإثبات القدم لذاته وصفاته وأفعاله) . أي أنَّ هناك تصورا مسبقا لجليل الكلام (مقدمات), وأنَّ هذا التصور حقيقي بالمطلق, فمنه ينطلق العقل وإليه يعود وبتوجيه منه (وبعبارة أخرى إنّ المعرفة العقلية في الحقل البياني تقوم كلها إمّا انطلاقا من أصل, وإمّا انتهاء إلى أصل, وإمّا بتوجيه من أصل. وفي أغلب الأحيان تجتمع هذه الثلاثة في عملية بيانية استدلالية واحدة) .
هذه صفة النمط المعرفي البياني – المدرسي الرئيسة, فهو ينتظم ضمن مدرسة محددة, لها منطلقاتها المعرفية المقننة, ولها أساليبها المقننة لإنتاج المعرفة ولها رموزها ومراجعها التراتبية, والأهم أنَّ لها دورا (تبريريا) سياسيا واجتماعيا محددا من حيث إنّها تخدم وتمثل فئة أو طبقة معينة تماما كما رأينا في فكر أرسطو.
مقدمات النمط المعرفي البياني لا تتجاوز المقدمات التالية: القرآن, السنة, الإجماع واجتهاد العلماء (القياس). لنطابق هذه المقدمات مع مقدمات أرسطو.
كما سبق وبينا, فإنَّ البديهيات (المقدمات العامة) هي مشتركة في كل العقول البشرية, فإن كانت لدى أرسطو مبوبة ومقننة, فذلك لكون نقطة الانطلاق لديه هي تقديم وصف لمنهج عمل العقل البشري ولأسباب بيداغوجية كما ذكرنا سابقا, في حين تكون هذه البديهيات متضمنة في النمط البياني المدرسي, كون نقطة الانطلاق هي (المقدمات والمسلمات التي يضعها المعلم). وإن شئنا المطابقة من منظور آخر, طابقنا القرآن والسنة مع البديهيات, والمقدمات الأخرى مع المقدمات والمسلمات التي يضعها المعلم.
لا نحتاج إلى كثرة تمحيص لنرى التطابق الكامل بين مجموعتي المقدمات, ففي كلا النمطين يجد العقل نفسه أمام مجموعة مقدمات (بغياب التجربة والطبيعة السكونية للمنهج, تكون قائمة على الحدس) ينطلق منها باتجاه واحد, نحو نتائج تتناسب وهذه المقدمات, وفي كلتا الحالتين, يقوم العقل بتفعيل نفس القدرات الذهنية والمبادئ المتاحة له ضمن منهج يتناسب والمقدمات, فالبيانية وبرهانية أرسطو, كلتاهما بالتعريف مدرسية.
يًظهر راندال في كتابه تكوين العقل الحديث الطابع الجدالي للأرسطية بقوله (كذلك كان المنطق الأرسطوطاليسي طريقة تستعمل في جعل الخصم يقر بمبدأ عام ثم بخطأ نتائجه التي يتوصل اليها بالاستناد إلى ذلك المبدأ. ومنطق كهذا هو دون ريب أداة مدهشة من أجل عرض مبادئ تقليدية مسلم بها والذهاب بها إلى نتائجها البعيدة, كما في الفقه واللاهوت المستند إلى الوحي. ومن هنا جاء رواجه بين فلاسفة القرون الوسطى واعتمادهم عليه. ولكنه لم يكن ليأتي بالشيء جديد الذي لم يعرف قبل) .
ونشير هنا إلى (بيانية) ابن رشد حسب جورج طرابيشي (ابن رشد المصنف كبرهاني لدى الجابري): (والواقع أنّه عندما يغدو "نهج أرسطو", بما هو كذلك, هو "فيصل التفرقة" بين ما هو برهاني وما هو غير برهاني, فإنّ ابن رشد, في التزامه المطلق بهذا المعيار في محاكمة فلاسفة الإسلام, لا يثبت بذلك لابرهانية الفارابي او ابن سينا, بقدر ما يثبت أنّه هو نفسه يقرأ البرهان الأرسطي "بعين بيانية". وبالفعل, إنّ الآلية الذهنية الأساسية في "النظام المعرفي البياني" ليست شيئا آخر في نهاية المطاف سوى التسليم المسبق بالصفة البرهانية لمذهب بعينه أو لقول بعينه دونما الحاجة إلى برهان. وعلى حد تعبير الشاطبي, كما سنرى, فإنَّ البيان هو بالتعريف ما برهانه قائم فيه. وبهذا المعنى نقول إنّ احتكام ابن رشد اللامشروط إلى الأقاويل الأرسطية لتفريق ما هو برهاني عما هو غير برهاني في أقاويل الفلاسفة السابقين أو اللاحقين, يغدو هو نفسه "موقفا بيانيا") - جورج طرابيشي, نقد نقد العقل العربي, وحدة العقل العربي الإسلامي -. هكذا نرى تداخل البيان في البرهان الأرسطي في نفس النظام المعرفي الذي ينطلق منه ابن رشد, والصبغة المدرسية الصارخة لفكر ابن رشد كما يبين لنا ج. طرابيشي في المرجع المذكور: (...وإذا شئنا أن نستعير مصطلحا هذه المرة من خارج نطاق الحضارة العربية الإسلامية, فإنّنا نستطيع, بالإحالة إلى الحضارة اللاتينية المسيحية, أن نحدّ العقل الرشدي بأنّه عقل سكولائي. فهو عقل يرجع دائما إلى مقدماته, ولكنه لا يرجع أبدًا عن مقدماته.)
أمّا التبريرية في النظرة البيانية إلى العالم, فهي جلية واضحة عند انتقال النمط البياني لمعالجة الطبيعة, فنجده يؤسس معرفة الطبيعة على مبدأ الجوهر الفرد (بما يخدم أطروحاتهم ووجهات نظرهم في جليل الكلام) القائل بأنّ الأشياء تتكون من أجزاء ذرية متناهية العدد وغير قابلة للقسمة أكثر ومتماثلة, وتواجدها في الشيء هو من باب التجاور والتلازم, ولا تملك علاقات تبادل تأثير بين بعضها البعض (مثل الأجزاء المكونة للدولة الإسلامية العربية في حينه). وبخصوص الأعراض (حركة, سكون, الخ) التي تنتاب هذه الجواهر وبالتالي وجودها, فهي غير دائمة, فالأعراض لا تبقى زمانين ويجب أنْ يخلقها الله في كل أزمان وجودها, فوجود الله ضمانة وجود الأشياء كما نعرفها (كالدولة الإسلامية العربية التي هي ضمانة استمرار الحياة المدنية في أجزاء الدولة المبعثرة), التطابق في توظيف العقل تبريريا (من خلال آلية المماثلة بين نظام الطبيعة والنظام السياسي القائم) واضحة. أمّا محاولة الجابري إرجاع مفهوم الجوهر الفرد (ومفهومَي الزمان والمكان) عند البيانيين إلى علاقة رومانسية مع ظروف الصحراء, وحياة بدو الجاهلية, فهي برأينا لا تستوي مع الحس السليم , فمبدأ العلية مثلا, يمكن استخلاصه من الحوادث اليومية في حياة البدو في الصحراء العربية ما قبل الإسلام, أمّا استكمالها بالغائية فنتيجة طبيعية لقصور المعرفة والربط العلي البسيط بين ظاهرة طبيعية وأخرى (الأنواء وأحوال الطقس مثلا), وهذه السمة لا تقتصر على بدو الجاهلية, بل هي سمة عامة عند كافة الشعوب ومرهونة بدرجة تطور المعرفة. أضف إلى ذلك كون الرؤية للعالم عند بدو الصحراء مشوشة نتيجة تعدد مصادر التأثير الثقافي بتعدد مراكز المعرفة (العالمة) في المحيط, وبعد هذه المصادر جغرافيا وندرة الاحتكاك الثقافي معها.
بإيجاز, فإنّ الفكر الإسلامي (وبضمنه وكإحدى مراحله) النمط البياني, نشأ وترعرع في كنف الدولة الإسلامية, وقد تأسس أصلاً لمهمة الدفاع عن الدولة الإسلامية العربية الناشئة في وجه (جاهلية) جزيرة العرب بداية, ومن ثم عن الدولة القائمة في عصر التدوين في وجه أعدائها الجدد القادمين من بلاد الفتوحات وبحوزتهم ذخيرة فكرية, أرقى بكثير مما كان لدى عرب الجاهلية. وكان على هذا الفكر تبرير وجود وشكل الدولة, وأيضا الدفاع عن المحتوى الديني الذي تتمثله هذه الدولة, وقد وظف لهذا الغرض الآليات المتاحة للعقل البشري من علية وغائية وقياس ومماثلة الخ, حسب ما أملته طبيعة المهمة.
كما هو الحال مع البرهان الأرسطي, نجد أنّ النمط البياني يوظف العلية كواسطة لتحقيق الغاية, وأن الغائية هي الأساس. كما يشترك النمطان في كونهما ينطلقان من مقدمات تشكلت في لحظة الحدس, وفي كون النمطين يفتقران للنظرة الجدلية إلى الرؤية والمنهج, وكلاهما يوظف المماثلة حين تتطلب الظروف ذلك. أما الاختلاف في المنطلقات شكلا, فهو دليل لصالح كونهما إنتاج عقل بشري واحد ولكن في ظروف تاريخية وموضوعية مختلفة.
أمّا بالنسبة لمفهومَي الزمان والمكان, فكلا النمطين لم يصل إلى درجة التجريد التي تسمح بفصل الزمان والمكان عن المادة كمفهومين مستقلين, مع الإشارة إلى أنّ الربط ما بين المادة والزمان والمكان فيهما هو بدائي, ولا يرقى بأية صورة إلى ترابط الزمان-المكان مع المادة في العلوم الحديثة.
إذن ما هي حقيقة النمط البياني وما هو الموضوع الذي فرض استخدام العقل-الأداة بهذا النمط؟ للإجابة على هذا التساؤل نعود لأصل اللغة, فأصل اللغة أنَّها النظام الثاني للإشارة والذي يحدد المنعكسات في الوعي البشري. واللغة في الأصل وُضعت للاتصال, أي لأغراض الحياة العملية والعلمية وكنظام إشارة يتم التعامل معه من خلال آليات الفكر الموزون.
في ضوء هذا التحديد لطبيعة اللغة, يظهر البيان على أنّه نقل للغة من مجال الاتصال إلى مجال التواصل, و التواصل هو على مستوى الفكر الحدسي وقائم بالأساس على رموز تحمل في طياتها معانيَ ذاتية تتجاوز ما تم الاصطلاح عليه, وهكذا فإنّ فنون اللغة والقدرة على فهم وتوظيف هذه الفنون تصبح شرطا سواء لإنتاج الخطاب أو فهمه. وهدف هذه الفنون البلاغية هو بالأساس الالتفاف على الفكر الموزون وتمرير الرسالة إلى المستوى الحدسي, وهنا يتضح تقارب وتداخل العرفان بالبيان. فكلاهما يرمي إلى هذا التعامل المباشر مع المستوى الحدسي للفكر وتجاوز المحاكمة العقلية التي يجريها الفكر الموزون, مع فارق التزام البيان بعقلانية اللغة (النحو) وتجاوز هذه العقلانية في شطحات النمط العرفاني للفكر.
هذه السمة للغة التواصل يسميها الجابري في معرض تقديمه لأسلوب الجاحظ بيداغوجية بيانية (ومن حقنا أنْ نسمي تلك الطريقة في الكتابة بـ"البيداغوجيا البيانية" ليس فقط لارتباطها بتصور الجاحظ للبيان وممارسته له بل لأنَّها الطريقة التي نجدها في المؤلفات الأدبية اللغوية البيانية مثل "الكامل" للمبرد, بل بوسعنا القول إنَّ أصول هذه البيداغوجيا البيانية بيداغوجية التنويع, والقفز من موضوع إلى موضوع, تمتد إلى الشعر الجاهلي, (ديوان العرب) وإلى القرآن نفسه حيث بلغت أرقى مستوياتها وظهرت كمظهر من مظاهر إعجازه البياني) ونجد في نفس السياق أنّ البلاغة حسب الجاحظ هي الكلام حين (يسابق معناه لفظه ولفظه معناه) وما (صنع في القلوب صنع الغيث في التربة الكريمة) و(ما لا يمتنع معه من تعظيمها – أي المعاني- صدور الجبابرة) وأيضًا هو (تزيين تلك المعاني في قلوب المريدين بالألفاظ المستحبة في الآذان المقبولة عند الأذهان رغبة في سرعة استجابتهم ونفي الشواغل في قلوبهم) - وبنية العقل العربي - وهذه النصوص المقتبسة من الوضوح من حيث إنَّ البلاغة وفنون اللغة عموما تهدف وبشكل واع إلى الالتفاف حول الفكر الموزون إلى الفكر الحدسي مباشرة بما يعفينا من المزيد من الشرح.
إذن فالبيان هو نقل النزاع من حلبة الاتصال إلى حلبة التواصل, إلى البلاغة وفنون اللغة العربية التي لا يجيدها إلا العرب الأقحاح, وإلى حلبة إعجاز القرآن والذي وإن كان قد أدّى دوره في مقارعة الجاهلية في الجزيرة العربية, إلا أنّه تم استحضاره مرة أخرى لمواجهة العلوم اليونانية التي تسلح بها القادمون الجدد إلى كنف الإسلام في عصر التدوين. وهكذا وُظف البيان كسلاح ذي حدين, فعند مواجهة العلوم اليونانية البرهانية, ينقل البيان الصراع إلى حلبة التواصل حيث البلاغة وفنون اللغة هي السلاح وليس المنطق. أمّا في مواجهة العرفان والغنوص, فيعود بالصراع إلى حلبة الاتصال من حيث كون النحو منطق اللغة هو الحكم, وليس آليات الإشراق والتواصل الروحاني الغنوصية.
هكذا يتضح بجلاء أنَّ نشأة النمط البياني كان خيارا عقليا واعيا لأسباب سياسية وإيديولوجية وليس خاصية طبيعية للعقل العربي المسلم, فابن وهب مثلا وحسب ما يقدمه الجابري عنه, يبدو أنَّه استطاع أنْ يؤسس لنظرية سلوكية في المعرفة موازية وبشكل لافت للنظريات الحديثة, فبيان الاعتبار وبيان الاعتقاد لدى ابن وهب تتوازى مع الحس وتشكل الإدراك بالنظام الأوّل للإشارة لدى بافلوف, وبيان العبارة عند الأوّل يقابل تشكل الوعي بالنظام الثاني للإشارة (اللغة) عند الثاني. وفي هذا المضمار نجد أنّ ابن وهب قد وظَّف العقل الأداة بشكل علمي وبما يتلاءم مع طبيعة الموضوع المعرفية, ومن جانب آخر وبشكل واع ومقصود, يوظف نفس العقل الأداة بيانيا عند نقله للصراع إلى حلبة التواصل والحدس من خلال جعله للعبارة (اللغة) صنفان, صنفًا (يتساوى أهل اللغات في العلم بها) – قارن مع لغة الاتصال- وصنفًا تختص به اللغة العربية أي البلاغة وفنون اللغة العربية – قارن مع لغة التواصل - وهكذا ينتقل ابن وهب وعن قصد إلى النمط البياني عند البحث في هذه الفنون.
إذن فالبيان له جذور في العرفان وفي البرهان كما لهذين الأخيرين جذورا في النمط المدرسي البياني, والتمايز بمعنى سيادة نمط من الأنماط ليس سوى لحظة فكرية تفرضها متطلبات وطبيعة الموضوع. فالعقل المنتج لهذه الأنماط واحد, ونمط توظيف العقل كما قلنا يحدده الموضوع.
#محمد_فيصل_يغان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟