|
الإنسان حيوان قاتل 10 - لماذا لا يحدث إنقلاب عسكري في أمريكا؟
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 4215 - 2013 / 9 / 14 - 18:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الإغتيال، كما سبق القول هو عمل ينطوي على نظرة وتصور للعالم "كما ينبغي أن يكون"، وكل ما أو من يعارض هذا التصور أو يرفضه أو يحاربه أو يحاول إصلاحه يجب أن يزاح من الطريق والقضاء عليه. والإغتيال يدخل بالضرورة تحت حقل الخيانة والخداع والمفاجأة، والمبرر"المباشر" عادة من الصعب تحديده بطريقة واضحة ويقينية. وكتب التاريخ، التي تتلخص في غالب الأحيان في تتبع تاريخ الملوك والأمراء والأسر الحاكمة، مليئة بقصص الإغتيالات في كافة العصور والأزمان. ففي العصر الفرعوني في مصر اغتيل الملك أخناتون من قبل كهنة المعابد الفرعونية بسبب فكرته الجديدة في التوحيد ورغبته في تصفية بقية الآلهة وتنصيب إله واحد هو آتون، وكذلك إغتيال توت عنخ آمون من بعده. ومن عمليات الاغتيال المشهورة في فترة قبل الميلاد هو عملية اغتيال فيليبوس الثاني المقدوني (382 - 336 قبل الميلاد) على يد أحد حراسه المقربين والمسؤولون عن حمايته، وهناك من يذهب إلى أن الاغتيال كان من تدبير زوجته "أوليمبياس" التي كانت أميرة لمنطقة البلقان، بينما يتهم البعض الآخر ابنه الإسكندر الأكبر والذي تولى الحكم بعده. وكانت الاغتيالات سلاحا منتشرا يمتلكه كافة أعضاء الطبقة الحاكمة والوسيلة الشائعة لتصفية الخصوم السياسيين في روما. وإغتيال يوليوس قيصرفي شهر مارس من عام 44 ق.م، التي سجلها المؤرخ اليوناني بلوتارخ، هذه الحادثة التي اشترك فيها أقرب الناس إلى قلب الامبراطور "بروتوس" الذي لم يكن أي شعور معاد تجاه قيصر، كانت حجته الوحيدة هي شدة حبه لروما. ويعترف أمام الجماهير الحاشدة حول جسد قيصر المطعون " لقد قتلت قيصر ليس لأني أحبه قليلا، بل لأني أحب روما أكثر ". بينما كان "عقل" المؤامرة والمسؤول المباشر عن مقتل قيصر، "كاسيوس" كان يمقت قيصر ويحسده على سلطته المطلقة، وهو متآمر ومخطط بارع وله قدرة كبيرة على إقناع بقية النواب بضرورة المشاركة في التخلص من الامبراطور. ونرى ببساطة ووضوح أن ثقافة الإغتيال ترتبط إرتباطا مباشرا بالعمليات والآليات السياسية المرتبطة بالسلطة، ونرى كذلك أن الأيدي التي تمسك بالخنجر ليست سوى وسيلة وأدوات في أياد أخرى، كالخنجر ذاته، تحرك وتوجه من قبل المنظرين والفقهاء والوزراء والنواب والشيوخ وأصحاب الرأي والطموح للوصول إلى درجات أعلى في سلم السلطة. إن ثقافة الإغتيال المنتشرة في المنطقة الموبوئة اليوم بالفكر الديني، ترجع كما سنرى فيما بعد، إلى وقت بعيد وإلى الفترات الأولى لتأسيس الدول والممالك وتكوين الكيانات السياسية. وقد استمرت هذه العقلية المتحجرة الغير قادرة على الحوار مع الآخر وغير قادرة على الإنفتاح على ممارسة السياسة بطرق يتفق عليها الجميع هي القانون العام الذي يسير السياسة المعاصرة في الكثير من بقاع العالم. عقل يرفض الإنسان الآخر كما هو ويطالبه بتغيير فكره وهويته ليتناسب مع النموذج الذي صاغه من أوهامه وأحلامه. عقل متشيئ منغلق على نفسه مثل حجر، لأنه يرى الآخرين كأحجار وكأشياء يمكن إزاحتها وتغيير مكان تواجدها أو تفتيتها وتحويلها إلى تراب، عقل يرفض أن يرى الآخرين كذوات واعية، بل مجرد أشياء تلتصق بها أفكار ورؤى يرفضها لأنها تضايقه وتزعجه وتمنع النوم عن عينيه، ويعتقد أن إزاحة هذا الشئ الذي لا قيمة له سيعدم هذه الأفكار ويمسحها من الوجود إلى الأبد. إنها عقلية بدائية مسطحة وتعيش على سطح الوجود تتغذى بقشرة الكينونة، وتموت قبل أن تتعرف على ألوهية الوعي البشري بذاته وبغيره. وأوروبا المسيحية مرت بدورها بهذه التجربة المريعة من فقدان البصر ومن تسلط الدين على المجتمع ومؤسساته السياسية والإجتماعية والفكرية. جوردانو برونو اتهمته محكمة التفتيش العليا في رومة عام 1592 بالهرطقة، وبعد أن قضى ثماني سنوات في السجن تم حرقه في روما يوم 17 فبراير سنة 1600، عاريا مكبلا وقطعة خشبية في فمه تمنعه من الكلام أو الصراخ، أمام جمهرة من الحجاج. جاليليوحوكم أيضا من قبل محكمة التفتيش الرومانية سنة 1632، اتهم بالهرطقة وحكم عليه بالسجن لإرضاء خصومه الثائرين، وفي اليوم التالي خفف الحكم إلى الإقامة الجبرية. وتم منعه من مناقشة الموضوعات المتعلقة بالفلك ونظرية مركزية الشمس ومنعت كتاباته من النشر والتداول. ظل جاليليو تحت الإقامة الجبرية في منزله حتى وفاته 8 يناير 1642، وتم دفن جثمانه في فلورنسا، وقدمت الكنيسة اعتذارا لجاليليو عام 1983. وإدانة جاليليو من قبل الكنيسة، أدى إلى توقف ديكارت عن نشر بعض أفكاره لخوفه من نفس المصير، وفي عام1643 م أدانت جامعة أوتريخت الهولندية الفلسفة الديكارتية ومنعت كتبه. وفي صيف 1656 نُبذ سبينوزا من أهله ومن الجالية اليهودية في أمستردام بسبب أفكاره الجديدة المتعلقة بالدين اليهودي والدين عموما وأن الله يكمن في الطبيعة والكون، وأن النصوص الدينية هي عبارة عن استعارات ومجازات غايتها أن تعرّف بطبيعة اللهّ. وقد تعرض بعد ذلك لمحاولة إغتيال من قبل أحد المتعصبين، والذي طعنه بخنجر، ولم ينقذه من الموت إلا معطفه السميك والذي احتفظ به طوال حياته. فاضطهاد الأفكار الجديدة فلسفية كانت أم دينية ارتبطت على الدوام بالسلطة التي ترفض التخلي عن رغبة التحكم في عقول البشر وأجسادهم. غير أن الذي يجب الإشارة إليه أنه في جميع الأحوال والظروف وفي أغلب الحالات تستند هذه الأحكام على سلطة مؤسسية ، الحكومة أو الكنيسة أو الجامعة لإضفاء الشرعية على هذه الأحكام ولتبرير الإضطهاد والملاحقة والمنع وحرق الكتب. وكان ذلك تقليدا عرفته أوربا منذ محاكمة سقراط المعروفة والتي حكم عليه فيها أن يشرب السم. وشرب سقراط السم بإرادته رافضا الهروب من عدالة جائرة حماية لسمعته وأفكاره ومعتقداته ولكن أيضا إحتراما لقوانين مدينته. فالإضطهاد، والذي يمكن يصل إلى درجة الحكم بالموت هو في نهاية الأمر نوع من "العدالة" لأنه يستند إلى أحكام وقوانين وإن كانت جائرة أو تعسفية. وفي العصر الحديث، ونظرا للتطور الصناعي والثقافي والتقدم التكنولوجي، إزدادت دقة وحجم وتنظيم عمليات الاغتيال وأصبحت "علما" يحتاج إلى إمكانيات كبيرة مالية وتقنية. وتجاوزت أسباب الاغتيال ونتائجه حدودها الداخليه وطابعها الاقليمي. ففي أوروبا تسبب اغتيال الدوق النمساوي فرانز فرديناند في 28 يونيو 1914 في سراييفو إعلان النمسا الحرب على صربيا ومن ثم اندلاع الحرب العالمية الأولى التي كانت مجزرة لم يشهد لها التاريخ مثيلا. أما في روسيا القيصرية فقد تم اغتيال 5 من القياصرة آخرهم نيقولا الثاني في 17 يوليو 1918 بعد الثورة البلشفية. وفي أمريكا، يعتبر اغتيال أبراهام لينكون في 15 أبريل 1865 في مسرح فورد بداية سلسلة من الإغتيالات السياسية في الولايات المتحدة،حيث ثم اغتيال 3 رؤساء أمريكيين آخرين، آخرهم جون كينيدي حيث تم إطلاق النار عليه في يوم الجمعة 22 نوفمبر 1963 أثناء زيارة لمدينة دالاس، واتهم "لي هارفي اوزوالد" بقيامه بالعملية، غير أنه في أقل من يومين من إتهامه، أطلق "جاك روبي" النار عليه في مركز الشرطة. وحتى اليوم لا نعرف من هو القاتل ولا من هو وراء عملية الإغتيال ولا أسباب ودوافع هذه العملية. بينما فيما يخص لينكولن، نعرف أن الممثل المسرحي "جون ولكس بووث" هو الذي قام بإطلاق رصاصة على رأس لينكون أثناء مشاهدته لعرض مسرحي، ونعرف أنه كان عنصريا ورافضا للقانون الذي يلغي العبودية الذي أصدره لينكولن في 1 يناير 1863. بسبب الاختلافات الفكرية والإقتصادية العميقة بين الأطراف المتصارعة في الحرب الباردة للسيطرة على العالم وتقسيمه، شهدت الحقبة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تطورا نوعيا وكميا في الاغتيالات السياسية. وأصبحت أمريكا تمارس الإغتيال والإنقلابات العسكرية بطريقة مباشرة وأوتوماتيكية وبدون ضوابط أخلاقية أو قانونية، لدرجة أنه في أمريكا الجنوبية، التي كثرت فيها الإنقلابات العسكرية، كان الناس يتندرون عن هذه الظاهرة بنكتة معروفة: لماذا في رأيكم لم يحدث أي إنقلاب عسكري في الولايات المتحدة الأمريكية؟ والجواب بسيط ومقنع: لأنه في أمريكا ليس هناك "سفارة أمريكية".ومن أبرز محاولات الاغتيال في هذه الفترة، المحاولات التي نجى منها "فيدل كاسترو" عدة مرات، مخططة من قبل وكالة المخابرات المركزية وبالتعاون مع معارضين كوبيين، واستعملوا في إحدى هذه المحاولات الفاشلة، "سيجارا" تم حقنه بالسم. كما قامت وكالة المخابرات الأمريكية باغتيال القائد الثوري تشي جيفارا والرئيس التشيلي سلفادور أليندي والعشرات غيرهم. وأخيرا قرر الرئيس الأمريكي جيرالد فورد في عام 1976 إصدار القرار رقم 12333 يمنع مساهمة الحكومة الأمريكية بكل مؤسساتها في عمليات الاغتيال، وذلك كطغطية قانونية أمام المنظمات الدولية، غير أن الولايات المتحدة الأمريكية ما تزال حتى هذه الساعة تستعمل سلاح الإغتيال ضد من تعتبرهم أعداء أمريكا، وهناك لجنة سرية من كبار المسؤولين الأمريكيين في الإدارة الأمريكيه مسؤولة عن وضع قوائم اغتيالات، ثم تبلغ الرئيس الأمريكي بمحتواها، وهو الذي يصدق ويعطي أوامر التنفيذ، وقد تضم هذه القوائم مواطنين أمريكيين أو من أية دولة أخرى.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسان حيوان قاتل 9 - المظلة البلغارية
-
الإنسان حيوان قاتل 8 - أسطورة اوزيريس
-
الإنسان حيوان قاتل 7 - القاتل بالجملة
-
الإنسان حيوان قاتل 6 - القتلة الجياع
-
الإنسان حيوان قاتل 5 - السن بالسن والرقبة بالرقبة
-
الإنسان حيوان قاتل 4 - لاتغضب بدلا من لا تقتل
-
الإنسان حيوان قاتل 3- دمشق .. مسرح الجريمة
-
الإنسان حيوان قاتل .. 2 - الجثة رقم 1
-
الإنسان حيوان قاتل 1 - الغاية والوسيلة
-
توكل على الله والدولة
-
ملل ..
-
ليبيا .. في إنتظار الكارثة
-
خرائب الوعي .. 26 - تحت ظل الشجرة
-
الفقر عدو الوطن ..
-
الجهل
-
خرائب الوعي .. 25 - البحر
-
تجارة الكلام
-
أول مايو .. عيد الأناركية
-
الجوع .. كارثة طبيعية
-
الله .. وبعرة الجمل
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|