غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4212 - 2013 / 9 / 11 - 19:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جــواب على تـفـسـيـرات و مـعـاتـبـات سـوريـة
يتساءل بعض من أصدقائي اليساريين الديمقراطيين الفرنسيين الذين يتابعون بنظارات محلية الأزمة السورية.. عن سبب ابتعادي الكلي عمن يقودون هذه الأزمة, أو هذه الثورة, أو هذه الانتفاضة.. أو الربيع العربي.. كما تسميه كل وسائل الإعلام المحلية والغربية, وكل وسائل الإعلام الخليجية التي تنتج النفط والغاز والفتنة الطائفية, ولا تنتج أية فكرة صحيحة حضارية علمانية.. يسائلني الأصدقاء.. وخاصة بعد تسعة وعشرين شهر على الأرض السورية.. وبعد انشغال العالم كله.. وخاصة كبرى الدول على إدارة وتوجيه هذه الحرب الخارجية ــ الداخلية التي أنتجت وسببت أكثر من مائتي ألف قتيل ومئات آلاف المصابين والمعاقين وأكثر كن أربعة ملايين مهجر مشرد.. غالبهم تحت الخيام.. وبينهم حوالي مليون طفل... لا يعرفون إن سيعودون بأي يوم من الأيام, إلى مدنهم وقراهم وأراضيهم المتفجرة المحروقة المنكوبة... يـسـألـونـنـي متسائلين مندهشين تعجبا, وأنا المقيم بفرنسا بشكل دائم, مشترك بتعاليمها ودراساتها السياسية وعاداتها الديمقراطية وحرياتها وفلسفاتها الثورية.. كيف لا أحارب الأســد ونظام الأسـد, كجميع وسائل الإعلام الفرنسية والأوروبية الكبيرة المعروفة الواسعة الانتشار؟؟؟... آه لو تعلمون أيها الأغبياء... هل تتذكرون لما كتبت من أقل ثلاث سنوات على صفحات هذا الموقع بالذات وعلى العديد من مواقع الإعلام الفرنسي الالكتروني.. أننا سوف نهرب من الدب (الأسـد) ومن يحيط به, حتى نقع في (الجب) الإسلام الراديكالي القاعدي الوهابي التكفيري, الذي لا خلاص منه عندما يهيمن سـرطانه الفكري والاجتماعي والتشريعي على قوم أو بلد... وما رأينا على الأرض السورية.. وما نرى حتى هذه الساعة من قتل وذبح وتفجير وتقطيع أعضاء وجثث وإجرام منهم ضد كل من لا يؤمن مثلهم من جماعات ومؤسسات دينية, حتى إسلامية معتدلة وغيرها... أبعدني بعد الأرض عن النجوم عن هذه الجماعات التي أتت من كل أصقاع الأرض, حتى تنقذنا...والتي أصبحت مشاركا فعليا رئيسيا بخراب البلد...
كل هذا لا يعني على الاطلاق بأنني كنت مناصرا للأسد ومن يحيط بــه. بالعكس كنت دائما ناقدا إيجابيا.. وكنت دوما من أول المنتقدين لكل التشريعات الذي كان يحاول تعميمها, أثناء ما سمي محاولات الإصلاح.. لأنها كانت تبتعد كليا عن العلمانية الصحيحة التي كنت أطالب بها وأنشدها لهذا البلد, والتي أبعدها والده قبله بتشجيع القبيسيات والجمعيات الإسلامية.. وبناء مئات الجوامع بدلا من الاهتمام بجامعات علمية علمانية حقيقية..واعتقال كل من يفكر أو تبقت لديه أبسط إمكانيات التفكير والنقد.. بدلا من فتح أبواب الحريات والديمقراطية.. أغلق جميع أبواب الفكر.. مما أدى إلى أسلمة البلد راديكاليا متطرفا..وانتشار السرطانات الطائفية.. واتساع من شاركوا بامتصاص كل خيرات البلد, حتى الانتفاخ.. وتشريع الفساد المفتوح, بدلا من القانون الواضح.. ... ثم بدأت بوادر من التململ والاعتراض ضد امتداد زمن الحاكم الواحد والحزب الواحد... ترافقها ظهور نتائج أمراض التعصب الطائفي.. وابتعدنا عن كل مبادئ التآخي الذي كان يسود على سوريا التي عاشت دائما عبر تاريخها على خلائط منسجمة متفاهمة مشتركة من الديانات والإثنيات.. حتى بدأت الدول الباحثة عن النفط والغاز.. تحفر وتبحث عن البترول والأحقاد الطائفية ونشر الغباء الطائفي.. وهنا اندلعت نيران الكراهية والانشقاقات التاريخية والإثنية الممزوجة بالغباء... وكان الربيع العربي!!!...
*********
وصلت منذ ساعة متأخرة من مساء البارحة, والساعة الباكرة من هذا الصباح, قرار السيد باراك حسين أوباما, الذي قرر تأجيل افتراسنا, ساعات, أو أياما أو أشهرا معدودة.. وطلب من الكونغرس الأمريكي, تأجيل القرار بضرب سوريا وتفجيرها.. تأجيل القرار وعدم التصويت.. ولكن التصويت ممكن بأية لحظة... حسب الحاجات والشهوات والرغبات والمفاوضات والعرض والطلب المرافق للمفاوضات والمشاورات بين العرابين وبياعي ومشتري المصالح, ودافعي نفقاتها الباهظة بالأموال, والرخيصة بالأرواح.. وتخطيط خريطة الشرق الأوسط الجديد.. حسبما سعى اليها السياسي المخضرم الألماني المولد, والأمريكي الجنسية.. وأحد أنبياء ومخططي الصهيونية العالمية واطلاعاتها التوسعية الاحتلالية الاستعمارية في أواخر القرن الماضي المدعو هنري كــيــســنــجــر, أكبر مستغل لغبائنا العربي الإسلامي الجيناتي... وأول من خطط لجميع أجندات تفتيتنا وتفجيرنا, دولة تلو الأخرى, دافعا إيانا أن نقتل بعضنا البعض, مثيرا مفجرا عصبياتنا الدينية الطائفية والإثنية النائمة... دون أن يكلف هذا أمريكا فلسا واحدا. ومن تلك الأجندة الرهيبة انطلق ما سمي ــ ألف مرة خطأ ــ الربيع العربي, قي بدايات القرن الواحد والعشرين.. وتتالت نكباتنا واحدة تلو الأخرى... بمخطط موزون مجهز كساعة سويسرية, على متفجرات رهيبة... وانتشر الموت والتفتيت والتفجير في كل مكان بمشرقنا التاريخي, وفي العالم العربي المخنوق من سنين مريرة طويلة.. بلا روح.. بلا أية حكمة ولا ذكاء ولا تحكيم. حيث اعتقد حكامنا (قــشــة لـــفـــة) أنهم آلهة خالدون... وظنوا أن ســاعـة الزمن ويقظة الشعوب لمطالب العيش الإنساني, كبقية البشرية.. أمــرا مستحيلا.. لا يمكن أن يقترب... فتسلل الطامعون والمتآمرون والراغبون بتغيير العبيد والأسياد والخرائط.. فتسللوا من نوافذ وسراديب هذه المطالب الشرعية.. وأدخلوا منها كل محترفي القتل والثورات والأحقاد الطائفية, وحتى الآلاف من خريجي السجون من بلاد عربية صحراوية نفطية, لا تفقه حتى معنى كلمة ديمقراطية, وتعتبرها كفرا ورجسا من عمل الشيطان الغربي.. أطلقتهم داخل الأرض السورية لينشروا كل ما يرفضونه في بلدانهم المعتمة الحزينة..
أتراهم يعلمون.. أخوتنا وأبناء عمنا الهائجون الصارخون, الذين يطالبون بضرب سوريا وتهجير ما تبقى من شعبها.. وقتل كل من تبقى على الأرض... يطلبون حتى ما رفضته شعوب أمريكا وأوروبا... أما هــم يريدون الرقص على الجثث... ومشاهدة دمار أرض الشام التي باركتها ــ زمنا ــ كل الآلهة... أرض الشام أم اللغات والحضارات... التي أصبحت اليوم بلد انتظار الاغتصاب والموت والتهديدات من رعــاع الأرض وقواديها..........
***********
بــلــد مولدي اليوم.. بلدي اليوم تشبه فتاة صغيرة مخطوفة, محاطة بمجموعة من الساديين يريدون افتراسها, وأمروها أن تخلع ثيابها كلها.. حتى كلسونها.. قائلين أنهم لن يفترسونها فورا.. ولكن الشهوة الحيوانية حاضرة.. وعدد المفترسين يتراكم ويتحضر.. وسوف يفترسونها كلهم.. بعد لحظات أو ساعات أو أيام أو أشهر.. الافتراس جـاهز.. تأجل.. لمتى؟؟؟!!!...
والآدهى والمحزن والمخجل والمؤسف.. أن البعض من الموالين يعتبر هذا التأجيل الموقوت, بعض راحة ونصر بسيط... صفقوا ورقصوا له.. كأهل الفتاة والمتفرجين... إنهم متربصون منتظرون لكلمات أوباما.. متى يعودون ويقررون اغتصاب ســوريــا؟؟؟...
حتى فابيوس.. فابيوس المغمور.. فابيوس الوزير الفرنسي المنبوذ حتى داخل حزبه... يتعنتر رافضا مشارطا منتكفا.. يريد الضرب فورا بلا انتظار... ويعطينا بنفس الوقت دروسا بالإنسانية والعفة.. وحماية أطفال ســوريــا... آه وألف آه يا مسيو فابيوس...وهل يتذكر الفرنسيون؟؟؟...
يا للغباء... ويا لـلـتـعـاســـة!!!.........
متى تــســتــيــقــظــوا أيها الأغبياء؟؟؟.................
للقارئات والقراء الأحبة كل مودتي وصداقتي واحترامي.. وأصدق تحية مهذبة.. حــزيــنــة.
غـسـان صــابــور ــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟