|
تجسيد الحداثة : العفيف الاخضر نموذجاً 1 من 4
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 4212 - 2013 / 9 / 11 - 09:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تجسيد الحداثة : العفيف الاخضر نموذجاً
1 من 4
شكلت كتابات العفيف الاخضر السبعينية ( مقالاته في مجلة دراسات عربية ، ومؤلفاته السياسية خاصة كتابه : من كومونة باريس الى مجازر عمان ) صدمة حادة لما كنا اطلعنا عليه من افكار سياسية ، كنا نرى فيها البديل لما كان سائداً من وعي سياسي سماته : الأبوية والقمع وكبت تطلعاتنا المشبوبة... برر الوعي السياسي والحقوقي الموروث في نصوص قرآنية واضحة الدلالة : تفاوت الحقوق بين الذكر والانثى ، وبين الخواص والعوام ، ومنح الفقهاء ــ في تأويل لاحق ــ لأولي الامر ، الذين يتغلبون على الحكم بالسيف ، الحق المطلق في تقرير الشأن العام للرعية . فدلل ذلك على ان الاسلام لم يختلف عن الديانات السابقة في عدم تمكنه من تجاوز الافق الثقافي للعصر الذي ولد فيه . وهو أفق ثقافي محكوم ــ في احكامه وتشريعاته وفي نوع مؤسسات دوله ــ بحدود ثقافة المجتمعات الرعوية والعبودية والاقطاعية . فمؤسسة الخلافة التي جاء بها الاسلام لا تختلف في شئ عن المؤسسة الملكية للفرس ومؤسسة الامبراطور البيزنطية ، اذ كان يقف على رأس كل منهما ملك أو امبراطور عليم ببواطن امور الغيب ، وعليم بأمر تفسير النص الديني المقدس ( كما هو خليفة المسلمين ) . ولم يختلف الاسلام عنهما في نوع الضرائب التي فرضها على ارض البلدان المفتوحة او على افراد شعوبها الذين ظلوا على ديانتهم السابقة ، وجاءت بنية الدولة الاسلامية على اختلاف مسمياتها ( راشدية ، اموية ، عباسية ، فاطمية ، عثمانية ) ذات هيكلية مشابهة لهيكلية الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية . فالخليفة الاسلامي مثل الملك الفارسي ومثل الامبراطور البيزنطي : مالك للدولة وللتأويل الصحيح للنص المقدس في آن معاً ، والمتصرف المطلق ببيت المال ، اذ لا توجد هيئة رقابية مستقلة تراقب ذلك التصرف ، ولو كان الامر كذلك لما وقعت احداث الفتنة الكبرى . ولم يأتِ الاسلام بجديد حين منح في اجتماع السقيفة قبيلة قريش وحدها ــ دون قبائل العرب جميعاً ــ حقاً الهياً بتداول الخلافة استناداً الى حديث نبوي يقول بأنّ " الخلافة في قريش " . فحق الحكم لعائلة تنتمي لقبيلة محددة هو المفهوم المرتبط بشرعية الحكم لدى الامبراطوريتين البيزنطية والفارسية . وكانت هذه أول رواية للحديث بعد وفاة الرسول محمد بساعات ، ولكنها لم تسلم من الشك والتكذيب ، اذ رفضت عائلة النبي بشخص ابن عمه الامام علي ابن ابي طالب الاقرار بهذا الحق العريض الذي يشمل كل بطون وعوائل قريش ، وطالبت يان تكون الخلافة من حقها وحدها.. دامت هذه النظرة آلاف السنين ، وهي جزء من نظرة فلسفية الى الكون والحياة ، تحولت الى قناعة فلسفية تتوارثها الاجيال ، بحيث قرّ في اللاوعي الجمعي العام ان اي زحزحة لهذه العلاقة هي بالضرورة زحزحة لما استقر عليه الكون من نواميس ...
2 ــ.
تقوم اصول المنظومة الفكرية التي تحدرت الينا من الماضي البعيدعلى مفهوم اجماع الامة ، أي ان يًسلّم الجميع بتابعيتهم لرأي الحاكم في ما يتخذه من قرارات وما تصدر عنه من فتاوى . والاجماع مفهوم سياسي شكل عملياً ارضية قامت عليها كل دول العالم القديم ، وشكل العمود الفقري لثقافته السياسية ومنها ثقافة الامبراطوريتين المجاورتين . لم تستطع تعاليم الاسلام تجاوز تابعية الشعوب المطلقة لحكامهم فيما قرره القرآن من علاقة بين النبي وبين باقي المسلمين تقوم على التابعية المطلقة ، او فيما رسمته مؤسسة الخلافة من علاقة بين الخلفاء وبين محكوميهم . وواصل الفقه ( فقه كل الطوائف الاسلامية ) القياس عليها خاصة بعد ان تؤسس الطائفة دولتها فتعد كل خروج على مفهوم الاجماع ( الذي لا يعني عملياً سوى طاعة امامها ) : هرطقة وبدعة يجب اجتثاثها بالسيف ( وهذا ما يفسر لنا انعدام وجود المعارضة في تجربة الحكم الاسلامية ، وانعدامها حتى حين تنجح احدى المعارضات المسلحة في بناء دولتها الخاصة )... لم تخرج احزاب الانقلابات العسكرية ( 1952 ــ 2011 ) عن هذا المعنى في ما استنته من قوانين وتشريعات ، وفشل شعارها الشهير : " تركيب المعاصرة على الاصالة ‘‘ في ان يكون مرجعية فكرية للتنمية والتحديث (يمكن عد احداث الربيع العربي خاتمته المأساوية ) فهذا الشعار قام على تلفيق مواءمة بين الاصالة التي يقع مفهوم الاجماع في القلب منها ، وبين مفهوم المعاصرة الحديث الذي جاءت به الحضارة الصناعية الحديثة والذي يقوم على مفهوم الفردية . تبلور مفهوم الاجماع في الممارسة التاريخية للمسلمين على فكرة اجماع الامة على شخص بعينه وتفويضه تصريف شؤونها ، وفقاً لما يراه مذهبه الديني من غير الالتفات الى ما تضمه الامة من مذاهب وطوائف دينية أخرى . يتضمن مفهوم " تركيب المعاصرة على الاصالة ‘‘ للمتمسكين به في ايامنا ، بعداً دفاعياً وتخندقاً ضد (الوافد ) من المفاهيم والافكار السياسية التي تعترف بتمايز مصالح الجماعات والفئات والطبقات الاجتماعية داخل الامة الواحدة ، لهذا اتسمت الفترة القومية بالاحتكار السياسي وبالاستبداد التي جسدتها فكرة الزعامة التي استعادت مفهوم الاجماع حول شخص الزعيم لكن بمفردات حديثة كالزعيم الضرورة والزعيم الملهم من السماء ....
3ــ.
يرى العفيف الاخضر بأن التنظيمات اليسارية كانت تنظر الى اعضائها كما لو كانوا ملكية شخصية للتنظيم يكلفهم باداء الكثير من النشاطات الخطرة التي قد تنتهي بموتهم ، ولهذا تُعلي هذه الاحزاب ــ كما لو كانت تنظيمات دينية ــ من مفهوم البطولة ومن مفهوم الشهادة . والشئ المحبب الى قلوب القادة منها هو مفهوم الاجماع ايضاً ، ليصبح العضو الحزبي جزءً من تنظيم يدعو الى وحدة اعضائه الحديدية ، كما لو كان يريد ان يحل محل الامة بمعناها الفقهي القديم : كجماعة من المؤمنين يشدهم الى بعضهم الايمان بتأويل محدد للمقدس . وكما لوحت امة الفقهاء القديمة بمفاتيح الدخول الى الجنة للمؤمنين بمعتقداتها ، لوحت احزاب اليسار بجنة المساواة المستقبلية لكن الممارسة الفعلية في العلاقة بين قمة هرم التنظيم وبين قاعدته يكذب ذلك ( تقدم الاحزاب الحاكمة في العراق اليوم نموذجاً على ذلك ، فقد اغرقت جميع الاحزاب اعضاءها وقتلاها بامتيازات ما انزلت بها الديمقراطية من سلطان ، تتساوى في ذلك احزاب اليسار والاحزاب الاسلامية محاكاة لتجربة حكم الاحزاب الشيوعية التي تمتع اعضائها بامتيازات خاصة جعلت منهم مواطنين من الدرجة الاولى مقابل جماهير العوام الذين كانوا فعلياً بلا امتيازات : أي مواطنين من الدرجة الثانية ) . لم يكن مسموحاً لعضو التنظيم القيام بأي نشاط خاصة اذا كان فكرياً او ادبياً فنياً باستقلال عن موافقة الحزب وهو في ذلك يشبه العضو في طائفة الامة المؤمنة . يرى العفيف الاخضر بأن الحداثة كمنهج فكري لم تتبلور في التاريخ الا عبر نقد التصورات والمفاهيم الموروثة وتفكيكها ، وتشكلت منظومتها الفكرية عبر عملية النقد والتفكيك ، ولم تحل في التاريخ مرة واحدة . ولهذا كانت كتاباته في الوقت الذي توجه فيه مدافع نقدها للموروث الفكري والسياسي : الهرمي البيروقراطي ، كانت تؤسس لمنظومة فكرية بديلة . فالنقد الذي مارسه العفيف الاخضر السبعيني لم يكن مقصوداُ لذاته : النقد من اجل النقد ، بل كان المنهجية الوحيدة امام تبلور منظومة فكرية للتنمية والتحديث الشاملين ، اذ في منهجية النقد وحدها يمكن تلمس ارهاص منظومة فكرية بديلة . كان نقد العفيف يقوم على استنتاج تاريخي صحيح يرى بان لكل حضارة منظومتها الفكرية الخاصة : فكما انتجت الاديان لحضاراتها الزراعية منظومتها الفكرية التي شرعنت انشطار المجتمع الى خواص وعوام ، أو الى احرار وعبيد ، لكل منهما وظيفة مرسومة في الحياة : وظيفة خواص المجتمع وسادته : الحكم وتشريع القوانين واتخاذ قرارات الحرب والسلام ، ووظيفة عوام المجتمع وعبيده : الكدح وانتاج الثروات والقتال في الحروب ، نرى هذه الثنائية شاخصة على شكل تشريعات وقوانين ومؤسسات في جميع الحضارات الزراعية : السومرية والبابلية والفارسية واليونانية ( كانت تجربة اثينا الديمقراطية تدور في هذه الثنائية فلم تشمل بها : العبيد والنساء والغرباء المستقرين على ارضها ) والرومانية والهلينية الى الحضارة الاسلامية . وهذا التقسيم الثنائي ينطلق من نظرة محددة للكون والطبيعة تستل منها وتتحدد في ضوئها دور ووظيفة الانسان في الحياة ، وفي كل هذه الحضارات كانت الامتيازات تمنح الى اللامنتجين ، كذلك انتجت الحداثة لحضارتها الصناعية منظومتها الفكرية التي اختلفت فيها زاوية النظر الى الكون والحياة والى دور ووظيفة الانسان في الحياة . تعاظم في منظومة الحداثة الفكرية حضور الذات الفردية ، تجلى ذلك في افساح المجال امامها للتفكير الحر الذي قاد الى تحسين شروط الحياة عن طريق الابتكار ، وعن طريق مزاولة النقد لموروثها الذي لم يعد ــ بعد نزع غلاف القداسة عنه ــ حاملاً لهوية الجماعة أو لأصالتها . أصبحت أصالة الجماعة وهويتها مرتبطتان بهم تحسين شروط الحياة الذي تمليه روح المنافسة وتكثير الارباح والذي أخذت فيه العبقرية الفردية دوراُ رائداً في مجالات الابتكار التكنولوجي والابداع الفكري والفني . هكذا تكرس تدريجياً التفكير بمواجهة تحديات تحسين شروط العيش على هذه الارض ، على حساب تكريس الذات للتفكير فقط في هموم ما بعد الحياة . وهكذا أخذت الفردية في منظومة الحداثة الفكرية تتطابق تدريجياً مع مفهوم الحرية ، وعلى حساب حرية ( الهويات والاصالات ) الجماعية للدرجة التي يمكن القول معها : بان الحرية هي المرجعية الاولى للدولة ــ الامة الحديثة ، وان الدين الذي يتم عادة اختزاله في فكرة وحدة الجماعة التي لم تتحقق عملياً الا بالسيف : هو المرجعية الاولى للتنظيمات الدولتية السابقة على دولة ــ الامة في التاريخ .
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشاهدات بغدادية المجلس الاعلى وتقاعد البرلمانيين
-
مرسي والمصير المحتوم
-
الاخوان وشرعية الانجاز
-
لماذا انتفض الشعب ضد الاخوان
-
درس الثورة المصرية الجديد
-
نداء من العامة الى الخاصة
-
مشاهدات بغدادية / 12
-
مشاهدات بغدادية / 11 خطة القبض على الاوهام
-
مشاهدات بغدادية / 10 / 1 الزعيم قاسم 2 جمعة الخيارات المفت
...
-
مشاهدات بغدادية 9 عن الحدث في الحويجة
-
مشاهدات بغدادية / 8 شهادة عن الانتخابات
-
مشاهدات بغدادية / 7 قانون المرور
-
في ذكرى ميلاد الحزب الشيوعي العراقي
-
في ذكرى ميلاد الحزب الشيوعي
-
مشاهدات بغدادية / 5 الكرد والوعي الامبراطوري
-
مشاهدات بغدادية / 6 أفكار حول الاقتصاد العراقي
-
الانتخابات المحلية
-
لقاء سياسي
-
هل ذهبتم الى هناك ؟
-
مشاهدات بغدادية 4 قناة حوار التونسية وبيع البقدونس
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|