|
خالد الأمين، ذلك الشاعر الشهيد
حسين الهنداوي
الحوار المتمدن-العدد: 4211 - 2013 / 9 / 10 - 16:56
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
"وعلى باب المدينة علّق الشرطي اعلاناً بان الارض ما عادت تدور.." هكذا كانت التحية التي استقبلني بها الشهيد خالد الامين في لقائنا الاخير ببغداد في الاسبوع الاخير من نيسان 1971، مستخدما مقطع شعر من قصيدة لي انتشرت بين الاصدقاء حينذاك، ثم سرعان ما انقلبت سيفاً علي في ذلك العام سلطه الجلاد. فحين عرفت خالد للمرة الاولى في صيف 1970، لم تخامرني ابدا فكرة انه كاتب مقدمة كتاب "رصيف سوق الأزهار" الذي ضم نخبة من روائع الشعر الفرنسي في ترجمة حميمة للشاعر المبدع أحمد الباقري نشرت في العام ذاك. بل لم اكن اعرف ان خالد الامين شاعرا مجددا خلاقا او حتى مجرد اديب هو نفسه. الادهى، انني لم اكن اعرف انه كان خالد محمود الامين ذاته. كل ما كنت اعرفه عنه انه الرفيق "عادل" المنحاز الى صف الطبقة العاملة بكل كيانه والمنتمي مثلي الى حركة ثورية يسارية، اممية الهوى انسانية الجوهر وعراقية الشرايين والاوردة، انما خاسرة سلفا، وغير واقعية قطعا رغم انها بدت ولا زالت بين انبل واجمل ما انجبه العراق من حركات سياسية في العصر الحديث، ورغم انها لم تكن، في التحليل الاخير، سوى صحوة عنفوان لشعب بأكمله مرت كنجمة صباح في سماء عراق الشجاعة والبراءة والثورية الحالمة ذاك.
خالد المناضل الشهيد: خلال نحو نصف عام قبل هربي من بغداد في 12/5/1971 الى المجهول كنا، خالد الامين وانا، نلتقي دوريا واحيانا اسبوعيا، يسبقنا انتظام اناقته وابتسامته وثقافته اللامعة وجدية اسئلة روح تجمع بين الثورية والرومانتيكية والسوريالية في آن، روح توحي بحب خاص وخالص للحياة والناس. وها انذا متأخرا اعرف انه كان كردي الاصل وكان طالبا في كلية الاقتصاد (هل مهم ان اذكر ذلك؟)، لكن عائلته كانت تقيم في الناصرية وانه امضى في بغداد أيام دراسته الجامعية. فللوهلة الاولى تخيلته رساما معماريا او طالبا في معهد المساحة العامة. وربما انا من توهم ذلك في لحظة او اخرى، كمجرد انطباع، وربما بإيحاء من الرفيق الذي رتب نظم اتصالي التنظيمي مع خالد الامين. لكنني لم أسأله ابدا عن هويته او عن عمله ولم اعرف ابدا انه كان قادما من الناصرية او على علاقة بها. أتذكر فقط ان صديقا مشتركا من الناصرية كان طالبا في كلية القانون صادفنا ونحن في اجتماع سريّ نذرع الشوارع. بيد ان علاقتنا الرفاقية كانت خاصة بعض الشيء. اذ لا اذكر اننا تحدثنا بمفردات الايديولوجيا اليابسة او بالشعارات. وضع تنظيمنا الطلابي ورفده بالاعضاء الجدد كان موضوعنا الاساسي في لقاءاتنا السرية العديدة التي لم تكن تدوم غير ساعة واحدة في الغالب وكان هو مسؤولي الحزبي خلالها وكان اللقاء في درابين الباب الشرقي عادة.. فالحذر من بطش الاجهزة البعثية صار شاغلنا الاكبر في تلك الايام التي اعقبت اعتقال مسؤولنا المباشر، عبد الجبار عبد الله، المتخرج للتو من الفنون الجميلة واللولب الحزبي المثابر الذي حطمه البعثيون تحطيما قبل ان تفجر جبهة التحرير العربية جمجمته بالديناميت بعد سنوات على جسر الكولا ببيروت حيث صرنا هاربين. بشاعة بطش سلطة البعث لم تكن بحاجة الى اجتهاد او دلائل. كنا نحسّ بانيابها يوميا. وكل جهامات قادتها كانت بذاتها بشعة كي تدل عليها صفرة الدم الذي يخترقها، بدءاً من ناظم كزار الى احمد حسن البكر الى صدام حسين الى مدير امن بغداد حازم محمد الرجب الى اصغر ضابط او عريف في الاجهزة الامنية ناهيك عن صغار الجلادين المرضى بالغريزة. خالد كان يكبرني بسنتين ربما، الا انه اعلى مباشرة في سلم التنظيم. ولعله كان بمستوى عضو المكتب الطلابي او محلية بغداد اثر اعتقال مسؤوليها في مطلع 1970 في ضربة ثانية للتنظيم بعد ضربة عزيز الحاج قبل عام من ذلك. وكنا نسميها ضربة 1970 وايضا "ضربة صلاح..." نسبة الى اسم قيادي في الحزب تعرض آنئذ الى الاعتقال والتعذيب مع آخرين، رجالاً ونساءً، من بينهم شعراء وكتاب ورسامون ومسرحيون وفنانون آخرون ونقابيون واكاديميون وطلبة جامعيون وكادحون وكسبة. كانت علاقة صداقة هي التي نمت بيننا سريعا اكثر مما هي علاقة تنظيم ايديولوجي صارم. وهي حالة شائعة في خلايانا الطلابية والعمالية النابضة بالحياة دون كلل تلك، وحالة ثورية خلبت افئدتنا وملأتنا بالنشاط والبهجة والحماس والحلم، رغم ان الانهيار المدوّي والمخجل لسكرتيرنا الحزبي الاول عبر الشاشة وعلى الملأ قبل اشهر من ذلك ظل محفورا في قلوبنا كجرح غائر. لكنهما، بهجة وحماس جعلانا عرضة لاختراق الجراثيم والطفيليات الغادرة من عملاء الاجهزة البوليسية والامنية، لا سيما واحد منهم وكان الاخطر اذ جعل بعض تنظيماتنا فريسة سهلة لانياب الذئاب الدموية في اجهزة صدام حسين وناظم كزار. تلك الجرثومة جاءتنا تحمل الاسم الوهمي (منصور) والاسم الصريح (سعد...)، سنعرف متأخرين جدا انه مجند، وكذلك اقرباء له في بغداد وفي الناصرية، لدى المخابرات التي نجحت في زرعه جاسوسا فتاكا. منصور ذاك، وكان جباناّ الى درجة مذهلة في لحظات تفردنا به، تسلل الى تنظيمنا البغدادي قادما من الاردن على اساس انه عضو متمركس في حزب قومي اشتراكي معارض وفدائي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ذات السمعة الطيبة لدينا، الا انه سرعان ما تسلق اعلى فاعلى بفعل غباء قيادتنا العليا التي قربته ضاربة ابسط مبادئ الحذر والتحذيرات عرض الحائط. فقد نشط في بغداد والناصرية، المدينة اليسارية بالفطرة والادبية في آن، مستفيدا من تسهيلات استثنائية من مدير الشعبة الثانية في مديرية امن بغداد، سعد الاعظمي، الذي اكتشفنا انه كان المشرف على الشبكة التي اتخذت من "المخبز الحديث" في الحيدرخانة ببغداد ملتقى لها وكمينا. فـ (منصور) هو الذي اوقع بخالد الامين في مطلع 1972، كما تأكد لي بعد سنوات طويلة من مصادر التنظيم، اذ كان يعرف بوصوله الى الناصرية وبالتحديد الى نادي الموظفين فيها فاتجه الي تلك المدينة ليشارك باختطافه باشراف قريب له هو العقيد عبد العزيز الحديثي مدير امن الناصرية في ذلك الوقت. ومن الناصرية حيث تعرض خالد الى ضرب مبرح وتعذيب اولي، نقل الى بغداد ليلاقي تعذيبا منهجيا همجيا لفترة طويلة تحت الاشراف المباشر لابشع جلادي سجن مديرية امن بغداد سعد الاعظمي المكلف بملف مناضلي القيادة المركزية خاصة وتولى بنفسه الاجهاز على عدد منهم اغتيالا او تحت التعذيب الجسدي. وعلى الارجح كان الشهيد خالد الامين احد الذين اسلموا الروح بين يديه. بيد ان هناك اشارات الى نقله الى معتقل قصر النهاية "لاستكمال التحقيق" وهناك غيّب الى الابد، وقيل بعد تمزق ساقيه، وقيل في حامض الهيدروكلوريك (التيزاب) او خلال حفلة اقامها لنفسه فريق من الذئاب البشرية ضمت ناظم كزار وزمرة جلاوة قصر النهاية واعدم في نفس الايام ايضا عدة قادة نقابيين من اعضاء التنظيم نفسه لعل ابرزهم محسن ناجي بصبوص وﻣ-;-ظفر ﻣ-;-ﻴ-;-ﺮ-;-ﺍ-;-ﻥ-;- ﺍ-;-ﻟ-;-ﻔ-;-ﻴ-;-ﻠ-;-ﻲ-;- وعلي حسين الغزي وشاكر النعماني. ويبدو ان تصفية خالد الامين جسديا تزامنت مع التصفية الجسدية لنجم آخر من ابناء الناصرية هو السياسي البارز فؤاد الركابي الذي مات في سجن بعقوبة ذبحا بالسكين على يد منحرف اخلاقي جلبته السلطات البعثية لهذا الغرض ثم اعدم سريعا وبشكل مريب لطمس جريمة قتل الركابي الذي لم يشفع له كونه اول رئيس لحزب البعث نفسه في العراق. ولقد تعرضت شخصيا قبل ثمانية اشهر من استشهاد خالد الامين، الى الاختطاف والتعذيب لساعات تحت انظار الجلاد سعد الاعظمي نفسه الذي تمتع ببذاءة فريدة في كيل الشتائم لضحاياه. الا انني تمكنت من الهرب وسارعت الى ايصال خبر اعتقالي الى رفاق واصدقاء في مطبعة ببغداد حيث كنت اعمل، قبل ان اركب الريح فجرا هاربا الى مقر لنا في جبال كردستان حيث ستفشل كل حيل الاعظمي لتصفيتي او لاستخدامي فخّاً ما فاقم من حقده وشعوره بالغباء على اضاعتي من بين انيابه. فالتنكيل البعثي الدموي المفرط وغير المبرر بخالد الامين، وبكل اعضاء تنظيم القيادة المركزية في الواقع بعد انقلاب 17 تموز 1968، كان ظاهرة سائدة، كما كانت سائدة ومؤلمة بموازاتها مشاعر التشفي التي غمرت بعض، وليس كل، قادة الجناح اليميني في الحزب الشيوعي حيال رفاق "الجناح المنشق". ولعل قوة وجماهيرية التنظيم بين الشباب والمثقفين والعمال كان سببا اساسيا الى جانب رعب قادة البعث من شعار العنف الثوري الذي اعتمدته القيادة المركزية شعارا لها. والحال ان حزب البعث بقيادة صدام حسين اقام استراتيجيته على مبدأ الاغتيالات والعنف وعلى شعار كسب الشباب. والمضحك المبكي ان صدام حسين والبعثيين اعربوا حتى قبل انقلابهم ذاك عن اعجابهم ببطولة ووطنية جماعة القيادة المركزية وشجاعة مناضليها كما عبروا في اكثر من مناسبة عن احترامهم لثورية مبادئه السياسية ولا سيما الدعوة الى الوحدة العربية ورفض قرار تقسيم فلسطين التي تفردوا بها. الا ان هذا الاحترام قوبل بمزيد من البطش والتنكيل في السجون البعثية. لكن التنكيل كان يتضاعف ويصبح انتقاما شخصيا، بفعل دونية ما، اذا عرف الجلاد ان السجين شاعر او كاتب او فنان او مثقف او نقابي. والحال كانت الثقافة موضوعا شيقا لدى كل اليساريين العراقيين وخاصة انصار القيادة المركزية.
خالد المثقف اليساري: في اللقاءات السياسية مع خالد الامين كنا نتطرق دائما، وإن عابرا، الى اخبار ادبية وفنية خلال حديثنا "الرسمي" عن النضال ضد الفاشية البعثية وتأييد الثورة في اهوار الجنوب وكردستان وظفار وفلسطين وفيتنام التي كانت، بعد العلاقة التنظيمية، القضايا التي نتبادل الكلام العابر فيها لزوما. وخالد، كما كتب عنه صديقه عادل الخياط، "كان في فترة الستينيات والسبعينيات فتى مشرق المحيا يتميز برشاقته واخلاقه العالية وثقافته الفنية وموهبته التي تجلت من خلال قصائده او ما يطرحه من آراء واعية". اما الفن والادب فكان ثمة تفاهم تلقائي على المواقف بيننا، الشعر امتلك فسحة اكبر انما عابرة هي ايضا، وقد اعطيته اكثر من مرة قصائد لي كنت قد نشرتها هنا او هناك. كنا نتخاطب باسمائنا المستعارة لكنه كان يعرف اسمي الصريح ويعرف انني متخرج من قسم الفلسفة للتو واعمل في مطبعة في باب المعظم كانت تطبع مجلتين متضادتين أحب اليساريون كلاهما آنذاك: "الاخبار السوفييتية" و"العاملون في النفط" وكنت مصححهما معا. وانطباعي، الذي تبلور لاحقا بل متأخراً وبعد اطلاعي على بعض نصوصه، ان خالدا كان ينتمي الى تلك الثقافة المتمردة والواقعية ووذات النزعة العالمية في آن، التي تميز بها في العراق عدد من اهم مبدعي نهاية الجيل الستيني دون غيرهم، اذ تأثر معظمهم بموجات، ولا اقول تيارات، الشعر الفرنسي الستيني خاصة والذي ظل يساري الهوى حتى في حالتيه الوجودية والسوريالية ومن هنا عدم قطيعته مع الماركسية التي تنزع، في التحليل الاخير وكأي ايديولوجيا، الى تحجيم طاقة الحرية في الفن. ويبدو ان جماعة شعراء الناصرية في الستينيات، عكس جماعتي البصرة وكركوك المتأثرتين بالشعر الانكليزي عادة، كانت اكثر ميلا الى الشعر الفرنسي من غيره ما يفسر تأثر بعض ادبائها وفنانيها مبكرا بالوجودية والسوريالية وبقية التيارات الأدبية والفنية الفرنسية، ففي الشعر مثلا، كانت الغلبة في التأثير على شعرائها للفرنسيين رامبو وبودلير ومالارميه وسان جون بيرس واراغون خاصة. بداهة، من الصعب الفصل بين ادباء البصرة والناصرية، باستثناء ان الناصرية كانت ترتبط ببغداد ايضا ما جعلها تستقبل الافكار والتقنيات الابداعية المختلفة التي كانت، بعد سقوط النظام البعثي الاول في 1963، تصل اكثر فاكثر كل عام عبر الكتب المترجمة عن مختلف اللغات الأوربية ولا سيما الانكليزية والفرنسية، كما عبر العديد من المجلات، سواء العراقية منها كالعاملون في النفط والاقلام او القادمة من مصر ولبنان كمجلة "شعر" و"الآداب" و"الأديب" و"الفكر المعاصر" و"القصة" و"المعرفة" و"الهلال" و"السينما والمسرح" وسواها حتى ان الناصرية راحت تنافس بغداد والبصرة في ابداع حالة جديدة واصيلة في خصبها وتفردها. وخالد الامين نفسه سبق ان اصدر في الناصرية، وقبل مجيئه الى بغداد، مجلة طافحة بروح الحداثة الستينية تحمل اسم (المدينة). وقد ساعدت على تلك الحالة حركة ثقافية اتخذت من الجمعيات والمقاهي الادبية اليسارية ميدانا لتبلور تعددية توجهاتها كان ابرزها في الناصرية مقهى عزران العريقة ومقهى ابو احمد ولاحقا جمعية الآداب والفنون التي غدت بعد فترة وجيزة من عودة البعثيين الى السلطة في 1968 مرتعا للمخبرين. خالد الامين الشاعر، كان احدى ثمرات تلك الحالة الثقافية، كما يؤكده ما وصلنا من قصائده الشعرية ونصوصه الاخرى لا سيما مقدمته لمختارات من الشعر الفرنسي المعاصر ترجمها أحمد الباقري وصدرت عن منشورات دار الاديب العراقي عام 1970 بعنوان «رصيف سوق الازهار». وكما لاحظ نقاد قبلنا فان خالد الامين كتب مقاطع رائعة الى حد إنها بدت أحياناً أجمل من القصائد الفرنسية ذاتها. اذ أن ما يثير في تلك المقدمات لغتها الشعرية العالية واسلوب بناء جملها اضافة الى الوعي العالي المبكّر الذي تمتاز به عقلية صاحبه كما كتب الاديب منذر عبد الحر مرة. وهو ما يدعمه الشاعر علي البزاز بقوله ان خالد الامين كتب مقاطع رائعة الى حد إنها بدت أحياناً أجمل من القصائد الفرنسية اذ كتب عن بيير ريفيردي مثلاً «سهل وخطر كبصمة إبهام» وعن سان جون بيرس «فخم وملوكي، كأنه دولة من الشعراء» وعن بريتون «أنت هنا وفوراً، مع واحد من أندر محرري جوازات المرور. صوت الخطأ الجسيم، لغة التجنيد تشترط أسلوبها وكذا التطوع». وبصدد تلك المقدمة، يخامرني اليقين بان مجرد ايكال كتابتها اليه من قبل احمد الباقري يكفي للتدليل على اعتراف كبير بموهبة الكتابة لدى خالد الامين كما يرى الاديب حسين مرجان. فاحمد الباقري الذي ولد في الناصرية عام 1941، وبدأ خطوته الابداعية الاولى على صفحات مجلة الاداب اللبنانية منذ 1962 عبر قصة قصيرة عنوانها "اللصان"، أحد رموز جيل الستينات الأدبي في الناصرية والعراق وكاتب كبير ومتعدد المواهب، ما زال يبدع في الشعر والقصة والرواية، وكذالك في المسرح، اذ أصدر مؤلفات ادبية عديدة، منها ترجمات لقصائد من الشعر الفرنسي الحديث وكذلك الأميركي، وكتب رواية "ممر الى الضفة الأخرى" عن تجربة الكفاح المسلح في اهوار جنوب العراق, عبرت بذاتها عن مكانته المعنوية المتميزة. ويذكر الشاعر عبد شنان في مقال له ان الباقري "لم يكتب للحرب في فترة حكم النظام السابق، ولم يمجد الدكتاتورية يوماً في كتاباته، بل أضطره شظف العيش الى إمتهان بيع السجائر على الأرصفة، وعاش معاناة الفقر، الا ان صورته ظلت ناصعة في الأدب وفي مواقفه الإنسانية". وعن تجربته تلك مع خالد الامين، يقول احمد الباقري في مقابلة صحفية معه مؤخرا: "كان خالد الأمين مثل أخي الذي فقدته إلى الأبد ولا تزال الغصة ماثلة في نفسي والحرقة تمزق دخيلتي كلما تذكرته وتذكرت علاقتنا الأدبية الحميمة عندما ترجمت قصائد من الشعر الفرنسي ونشرتها في كتاب "رصيف سوق الأزهار", وكان خالد يكتب مقدمات لهذه القصائد بلغت مستوى رفيع ضاهت القصائد المترجمة، مشفوعة بثقافة خالد الأمين الواسعة واطلاعه الكبير على الشعر الفرنسي الحديث. بالنسبة لي لم يمت خالد فهو حي في نصوص مقدماته، وهو مقيم في ذكرياتي التي لن تمحوها رياح النسيان مهما اشتد هياجها، فهو وجه الشاعر الرقيق الذي غرق في بحر الشعر كما هو تموز الذي غاب في العالم الأسفل ليظهر في الربيع بحلته القشيبة المزدانة بأزهار الحياة، وجه خالد الأمين وجه خالد خلود الشعر والنضال من اجل كرامة وسعادة الإنسان".
هذه الصورة ذاتها كرسها بطريقته الخاصة صديقه الحميم الفنان الراحل عزيز عبد الصاحب في مقابلة اجراها معه الاعلامي العصامي ناظم السعود، حيث قال ان "الكتابة عن خالد الامين يعني الكتابة عن العنفوان. كان عزاً من الاسود كما يصف لوركا احد اصدقائه.. كانت حياته قصيرة ولكنها مزدحمة.. مشبوبة.. حياة مليئة بالشعر والعنفوان والجمال.. تعددت فيها القراءات.. لم يكن (مؤدلجا) ولكنه اصر ان يبقى شيوعياً وينحاز الى حركة (الكفاح المسلح) ومنتمياً لخبز الفقراء. كانت قراءاته متنوعة.. متناقضة.. كان يقرأ البيان الشيوعي والبيان السوريالي لـ(بريتون) في وقت معاً. مع مختارات الشعر العربي تلك التي جمعها ادونيس ممزوجة بالتفسير الصوفي لاي الذكر الحكيم.. وحياة الحلاج.. مرتبك في السلوك.. عميق في الاختيار.. ارستقراطي النزعة".
خالد شاعر الحداثة الجديدة: بداهة، من الصعب جدا لمقال سريع كهذا ان يقدم تقييما متكاملا هنا عن شعر خالد الامين. واعتقد ان التقييم المكتمل والموضوعي لن يمكن انجازه ابدا ربما نظرا لفقدان معظم شعره ونهائيا كما يبدو. فهو لم يعرض او يترك قصائده الا لعدد قليل من الاصدقاء المقربين جدا كالشاعر عبد الرزاق رشيد الناصري والمسرحي عزيز عبد الصاحب (الذي أكد انه وظف جوانب من حياة الشهيد خالد الامين في مسرحيتيه "زوار الليل" و"ليلة خروج بشر بن الحارث حافيا")، وكذلك احمد الباقري. كما انه رفض النشر في الصحافة الادبية او المجلات ولم يروج لشعره في لقاء او مهرجان اذ لم ينشر الا قصيدة واحدة هي «القلب البديع» التي ظهرت في مجلة «العاملون في النفط» عام 1968، بالمقابل، افاد البعض ان عائلته قامت بأحراق كل كتاباته وقصائده خوفا من انتقام السلطة الفاشية بل احرقت حتى مكتبته الشخصية. وهو امر غير مؤكد ولا يفسر حتى اذا حصل، ضياع قصائده وكتاباته الاخرى التي لم تكن في مكتبته الشخصية. ومع ذلك، فان قراءة قصائده الثلاث المتوفرة حاليا وانتماءاتها التاريخية (وهي «القلب البديع» و«منفضة الأصابع المحشوة بالأصوات» و«الغرف»)، تسمح لنا بالاستنتاج بانه كان شاعر نثر مستقر الادوات الفنية ينتمي الى مرحلة ولادة تيار قصيدة النثر الجديدة في العراق، وربما احد مؤسسيه. وفي مقالة حديثة عن العلاقة بين شعره وشعر صديقه الشاعر المتميز الراحل عقيل علي الذي عرفه عن كثب وزامله وكان معجبا ً أيضا ً بكتاباته، يرى الشاعر علي البزاز ان خالد الامين شاعر قصيدة نثر مجدّ، لا استرخاء في قصائده ولا انتظار، فيما ذهب خليل مزهر الغالبي الى مقارنة خالد الامين، لجهة جمعه بين جمالية البناء الشعري والشهادة من اجل المبادئ، بالشاعر الشهيد الآخر انما الاسباني والخالد فيديريكو غارسيا لوركا مؤلف مسرحيتي "عرس الدم" و"بيت برناردا البا" ذائعتي الصيت عالميا، والذي ولد بغرناطة عام 1898 واعدم على يد الفاشيين برئاسة الجنرال فرانكو عند بداية الحرب الاهلية عام 1936. لكنها مقارنة عاطفية بطبيعة الحال في رأينا. فنحن نرى ان نصوص خالد الأمين، اذا اقتصرنا على دراسة متمعنة لقصائده الثلاثة المتوفرة بين ايدينا الآن وفي مقدمتها قصيدة «القلب البديع» المنشورة في مجلة «العاملون في النفط» عام 1968، تسمح بحد ذاتها، الاستنتاج بانه احد مؤسسي قصيدة النثر الجديدة في العراق وبين اكثر شعرائها موهبة برغم الانقطاع المبكر والمباغت والعنيف لتجربته الشعرية بفعل اغتياله ما يجعلها بالتالي غير مكتملة. وهذا الاستنتاج يدعمه ليس فقط حقيقة ان قصيدة النثر الجديدة في العراق لم تكن قبل 1968 ذات اهمية تذكر في المشهد الشعري العراقي الذي كانت قصيدة التفعيلة التي بدأها السياب ونازك الملائكة والبياتي تهيمن عليه كليا فيما بدت قصيدة النثر السابقة، عند حسين مردان مثلا، قد اعلنت النضوب سلفا. بل يدعمه ايضا واقع ان تلك القصيدة الجديدة ولدت بتأثير مباشر من رواد قصيدة النثر العربية الجديدة وهم تحديدا الشعراء الملتفون حول مجلة "شعر" اللبنانية من دعاة الحداثة التي تميزت بها ولا سيما شوقي ابو شقرا وأنسي الحاج ومحمد الماغوط وأدونيس ويوسف الخال وفؤاد رفقه والسيّاب وسركون بولس وغيرهم، والذين كان يدعمهم في العراق وينشر لهم بحماس الاديب الفلسطيني المقيم في العراق والمشرف الاساسي على مجلة "العاملون في النفط"، الروائي الراحل جبرا ابراهيم جبرا الذي كان شاعر قصيدة نثر وينشر في مجلة "شعر" هو نفسه. ومن جهتنا لا نستبعد ان يكون مشروع احمد الباقري بترجمة نماذج الشعر الفرنسي في «رصيف سوق الازهار» واختيار خالد الامين لكتابة مقدمتها جاءت بالهام من مجلة "شعر" ذاتها التي عملت على نشر الكثير من النصوص الشعرية لشعراء فرنسيين كبار أمثال رامبو وريفيردي وأبولينير ولوتريامون قام بترجمتها شعراء عرب وخاصة شوقي ابو شقرا الذي حصل على جائزة المجلة عن ديوانه الثالث "ماء إلى حصان العائلة" (1962) الذي نال شهرة واسعة بين شعراء الحداثة في العراق الستيني ذاك. كما لا نستبعد تأثيرا محتملا لعدد من المؤلفات المترجمة عن الفرنسية لعل اهمها كتاب مثير بمنهجه بعنوان "الادب الفرنسي الجديد" (Panorama de la nouvelle littérature française) لمؤلفه الناقد الشعري غاتيان بيكون (Gaëtan Picon) الصادر بطبعته الاولى الفرنسية في باريس عام 1950 وبطبعتين اوسع في 1958 و1960، وعن الاخيرة صدرت ترجمته الى العربية عن دار عويدات في بيروت عام 1963 والذي ضم دراسات مهمة عن عدد من اهم الشعراء الفرنسيين الجدد وخاصة بيير ريفيردي وجول سوبرفيل وسان جون بيرس وبيير سان جوف واندريه بريتون وبول ايلوار وانطونين ارتو ورينيه شار وهنري ميشو الى جانب عشرات القصائد المترجمة.
و«القلب البديع»، قصيدة خالدة الامين، كاملة المقومات الشعرية وناضجة وتوحي بذاتها الى ان قصائد اخرى، عديدة جدا ربما، سبقتها في الوجود لنفس الشاعر: لبعض السفر أحتاجك لكن ما فعل طيش الذاكرة ؟ وأيّ زنخ يُثيره الليل بهذا النهار البتول ؟ بل يا للصراخ الكالح المقوّس لربما الملائكة... لولب الآونة والسير دون رجعة هو أصعب الملاحظات .. هذه اللحظة على مستوى البناء الحداثي تقترن بروحية تكاد تعلن ريفيتها بذاتها رغم تواصلها الثابت والخفي مع جمالية داخلية نادرة في قصائد ابعض اهم شعراء تلك الفترة:
كيف تجرَّدت من الأعضاء التي شغلتها لكن أيّ جزع يصنعه الطقس الأبيض بسلّة من دخان وددت لو أثقب غرفتي لأسيل نحو الشجر، حزيناً، وبغبرة خفيفة لأني أعلم اليوم ليس ثمة بلل في هذه الساقية بل ولا حتى نافذة تشرق منها زهرة الليل فما نفع الديوك المعطرة وما نفع البحر بالزوارق التي تكفّر عن نفسها؟ ها نحن دفعة امام قدرية رافدينية ظلت اور وسيدوري وبعدها الناصرية وذي قار وبغداد وارض السواد كلها وقبائل الشمال والجنوب تحملها كالدرة فوق الرأس والعيون: نحو الوراء... يتقدم الآتي، هذا نصيب الكل وولّى الفجر الذي نصعد إليه وها هو الانتظار يبدأ نقطة... نقطة وبَجَلَبَةٍ واحدة. وكما لو انها نبوءة عظيمة تمور في كيانه ذي المظهر المترف والجميل لم ينس خالد الامين ان يهتف حاملا صليبه نحو ذات القدر دائما: إلى أيّ الغرف ذات الويل... يقودني بعنق غيرك لاحقت أرياف الإعدام عزلة مغطاة بأفخم الانكسارات تجري دون توقف ضد حافة الفضاء هي مياه الحديقة وهي هذا المساء ذو العضلات والأكفان الزرق بينما زجاج الفاقة وحده الذي يصنع محطةً لعشب مثير. في قصائده الاخرى، التي وصلتنا، يستقر الصوت الشعري تماما ويتعمق ويتنقل بحرية اكبر، بيد ان جمالية الصورة تتراجع امام شبح الفكرة اليومية الذي يبدو ضاغطا ومقلقا بشكل مثير كما تدفعنا الى الاعتقاد به قصيدة "منفضة الأصابع المحشوة بالأصوات" حيث السؤال: أتنسى الابوه ؟ أتنسى افتتاحات المدن .. والعوائل الوديعة وتلويث الرجال ، واحتلالنا الحدائق. هنيئة الرقبة التي تحمل رأس البلاد وهو بلا صوت .. ولا أحد وهو يطرد جثته عن ثواب الحصيرة انها المرحلة الستينية بداهة هي التي ستترك بصماتها المحتمة على شعر الحداثة كما على كل مواسم الحياة في هذه المنطقة التي وجدت تعريفا جديدا لها في قصائده، تعريفا يغالب الضياع: يا مجد العربة .. " أتشفى ؟ " ويا عواء الجنود .. يا ضرع النباح أيتها الشعوب المطرودة كالكلاب تحت أبنية المشانق لكن نفس الشعر عند خالد الامين يظل نابضا لجهة مخيلته الحداثية الواعدة والمعلنة عن شاعر واثق الجذور والادوات والحرية الداخلية اصلا، وفي قصيدته التي تركها عند صديقه عزيز عبد الصاحب يتوهج كل هذا المعطى دفعة واحدة:
كسروا البحيرة على المصباح مهرة السجن، قلة النافذة.. رتبتُ ذهناً صار الاستحواذ في اللجوء هوى هذا لأجل الحب كله.. لأجل ضوء كثير الدماء، ولغيمةٍ في الفؤاد توقفت كانت عثرة في الوردة أذكر غرفتي.. وكيف.. لم كان الهواء صغيراً؟
بلا ريب، لا تمنحنا هذه المقاطع الشحيحة فسحة كافية تسمح بفحص حجم وماهية الاضافة او على الاقل المشاركة الفعلية التي قدمها هذا الشاعر لقصيدة النثر الجديدة في العراق. والحال كل المؤشرات تقودنا الى الاستنتاج بان قصائد اخرى كثيرة مما كتبه خالد الامين لم تصلنا بعد. ما يعني، من جديد، ان السؤال الجوهري الذي طرحه يوما الشاعر ناظم السعود ما زال قائما: اين هي فعلا قصائد الشاعر الشهيد الكثيرة المخطوطة؟ نعم، ينبغي البحث عنها كجزء من اعتراف بالجميل له دون قصد آخر في هذا الشأن. اما عن علاقته بشعراء جيله من شعراء قصيدة النثر، وبعقيل علي، الشاعر المبدع الذي اصبح راحلا هو الآخر، فثمة تقاطعات تبدو لي اكيدة. ولا اتحدث عن علاقة شخصية لا اعرف عنها شيئا، انما عن علاقة شعرية تتمثل في اشتراك متزامن في وجهة واحدة لتجربة قصيدة النثر الجديدة كما في المنابع والتقنيات. لكن هذا لا ينبغي ان يقودنا بالضرورة، على الاقل لحد الآن، الى خوض الجدل هل أن عقيلاً أخذ او لم يأخذ شعرا لخالد الامين كما اوحى البعض باصرار احيانا. فشعر الواحد منهما يختلف، كما يبدو لي، في روحه عن شعر الآخر ما يوجب، في رأينا، عدم منح ذلك الجدل قيمة تاريخية او ادبية. فخالد وعقيل من "الشعراء العراقيين الملعونة حياتهم" اذا جاز لي استعارة تعبير للشاعر علي البزاز، الا ان شعرية عقيل مختلفة تماما لجهة اللغة والتعقيد على صعيدي الاداة والمخيلة واكاد اقول النزعة الباطنية، ومتأخرة زمنيا الى حد استطيع اعتبار عقيل علي احد رموز قصيدة النثر السبعينية، بينما تنتمي قصائد خالد الامين الى خريف الستينات. وفي كل حال لا يمكن اجراء دراسة مقارنة بين ثلاث او اربع قصائد لخالد، متباينة الاعماق والادوات، مقابل اكثر من ثلاث مجموعات كبيرة نسبيا لعقيل علي (هي "طائر آخر يتوراى" و"جنائن آدم" والمجموعة الكاملة) حازت نجاحا عربيا باهرا. وفي كل الاحوال يظل المجد للمدينة التي انجبت الاثنين، الناصرية نفسها، التي قدمت كل هذا الكم البديع من الادباء والفنانين وايضا الشعراء الكبار، واستاذانا الكبيران صلاح نيازي ومصطفى جمال الدين منهم، مدينة كل تلك الرموز اللامعة، لكن المنسية غالبا، على خارطة الحداثة الشعرية العربية بتياراتها المختلفة في نصف القرن الاخير. انتهى
ملحق ثلاث قصائد نادرة للشاعر السهيد خالد الامين 1- قصيدة «القلب البديع» منشورة في مجلة «العاملون في النفط عام 1968» لبعض السفر أحتاجك لكن ما فعل طيش الذاكرة وأيّ زنخ يُثيره الليل بهذا النهار البتول بل يا للصراخ الكالح المقوّس لربما الملائكة... لولب الآونة والسير دون رجعة... هو أصعب الملاحظات لأني أعلم... كيف تجرَّدت من الأعضاء التي شغلتها لكنما أيّ جزع يصنعه الطقس الأبيض بسلّة من دخان وددت لو أثقب غرفتي لأسيل نحو الشجر، حزيناً، وبغبرة خفيفة لأني أعلم اليوم ليس ثمة بلل في هذه الساقية بل ولا حتى نافذة تشرق منها زهرة الليل فما نفع الديوك المعطرة وما نفع البحر بالزوارق التي تكفّر عن نفسها نحو الوراء... يتقدم الآتي، هذا نصيب الكل وولّى الفجر الذي نصعد إليه وها هو الانتظار يبدأ نقطة... نقطة وبَجَلَبَةٍ واحدة. إلى أيّ الغرف ذات الويل... يقودني بعنق غيرك لاحقت أرياف الإعدام عزلة مغطاة بأفخم الانكسارات تجري دون توقف ضد حافة الفضاء هي مياه الحديقة وهي هذا المساء ذو العضلات والأكفان الزرق بينما زجاج الفاقة وحده الذي يصنع محطةً لعشب مثير. أنت للسنين التي بلا براءة ... وللقتلة الذين بلون الأقمار انتهى
----------------------------
قصيدة: "منفضة الأصابع المحشوة بالأصوات" - 1970 (نشرها الاديب منذر عبد الحر في 1/7/2005) أتنسى الابوه ؟ أتنسى افتتاحات المدن .. والعوائل الوديعة وتلويث الرجال ، واحتلالنا الحدائق. هنيئة الرقبة التي تحمل رأس البلاد وهو بلا صوت .. ولا أحد وهو يطرد جثته عن ثواب الحصيرة يا مجد العربة .. " أتشفى ؟ " ويا عواء الجنود .. يا ضرع النباح أيتها الشعوب المطرودة كالكلاب تحت أبنية المشانق أنت للسنين التي بلا براءة ... وللقتلة الذين بلون الأقمار ثم للأحباء والحبيبات .... إنما الأراضي .... تساوي البيوت والرفوف حيث تبرص الأمطار وتساوي الرضّع ونحن الآن عليها اثمن وأنت بين الخيانة والتوبة مجاذيف خجولة وخلف إبهامك تجري مواقع العمليات وملاحظات الانحطاط ولعق المدن والهجرة من غرفة لغرفة رحيلك أم البساط أم الزنج الوسادة أم رأسي منذ ألف عام ينطق على الأعمدة أم التنهدات الصغيرة في رئة البنات أم الزاوية التي تدخلها الصحراء في سفينة حليبية المح الحمامة الابتهالية وأنت كالزلزال تهدجين بين ظمأ الأعضاء ويقارب جدل العيون استنكاف البرهان وتحبذ لو تسترح من تسميات الإسراف أو قنص الانزواء والركض خلف التماثيل أتوسل توهم التفسير وأتمايل بين النجوم وأنا وحيد ، وصغير ، واستثنائي . أقول : ما بال الباب اعتذرت تقول وهل ذراع السفر غير عواطف خاسرة يا فوهة الندم أيتها العيون الكوخية بيننا المزاج المعمق ، والخطأ المبهم واللغة أنت وأنا الإصغاء أين تمضي ... كيف تموت خسرنا وتشققت أسافل الجسارة ------------------------- 3- قصيدة "الغرف" 1970 (نشرها الاعلامي ناظم السعود نقلا عن ارشيف الفنان المسرحي الراحل عزيز عبد الصاحب). في ليلة قبل كل الليالي حيث الطيور فيها تجلب من النسيان عبرت نسمة مقتدرة انحراف الكراسي يا غرفتي بعدها ثأروا بالممرضة كسروا البحيرة على المصباح مهرة السجن، قلة النافذة.. رتبتُ ذهناً صار الاستحواذ في اللجوء هوى هذا لأجل الحب كله.. لأجل ضوء كثير الدماء، ولغيمةٍ في الفؤاد توقفت كانت عثرة في الوردة وحتى تكشف حيلة البادىء أولاً، أنا اتممت شتائي كي أفديك، لكنما الرضوان هذا أظلمَّ، وحصار الاضافة أُهمل في الخطر ظلت منطقة الفؤاد خالية العدالة أن تأتي، فهل يحاول إصبعاً وحيداً ان يؤشر ضد الهجمة؟ وهل خارج التنفس توجد بقعة لأثنين؟ كنا نجسُّ موضع السماء لاننا فقدنا المقدمة: ـ “جميع البنات، صانع القلب.. قبة المنضدة او الشط يعبر الفضة”. نسيان زمان.. انت تلقين فيه بحيرة من العمر هو مجد تبعثر في غمار الطاولة الايام التي تنزهت فوق هذا الصدر، مثل طلاب المدارس.. حان لها ان تسأل من عَلٍ: الى أين يا رئيس الورد؟ فنحن لم نحفظ العمر أرضاً لاستقرار الطرق مرة الرمل تردد في الوقت، صارت الغرف هواية انما امتنعت.. او .. لم ألحق.. ثم انما.. ثأروا بالممرضة فلنعكس الصرخة يا فؤادي.. يا فؤادي.. بسيطاً في ان أضاء وأهجر انحسرت قفة السرير.. انحسرت حشوة الوجه.. وانا مثل قلعة مصدورة وفي حداد حتى أخمص الفؤاد.. ـ “شيء.. زينة الرحم.. تأسيس الأرض او كل البعاد يأتي” ـ ثم يأتي ملوك الجو لمراقبة الحطبة تشجعني هذه رغبة.. بأسمها أموت.. وتصير غنمي وباء.. أذكر غرفتي.. وكيف.. لم كان الهواء صغيراً؟ لمَ الابواب في النظر مع الخوف تدرك؟ لا أنساك يا ضريح الفواكه.. وحدي بأثوابي التي كالثلج لم ننس المياه الخاطفة.. ولا الاوراد التي تشبه الميناء نصير خدم العنادل ونرضى.. ونضحي بالشجن والتفاسير الصحيحة لكنما نزعوا النجمة عن لطافة المياه وحبسوا السمكة على ضلع العروسة الان كل مظلة تقترب.. هي وجع القلب في المنظر
انتهى المقال
#حسين_الهنداوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ازمة الاسلام السياسي الاخواني بعد خلع محمد مرسي
-
رحيل شاعر كردستان الجميل، عاشق الفرات، شيركو بيكه س
-
بيادر الصمت
-
قصر النهاية.. الرمز الاكبر لفاشية البعث
-
حارس اصالة لغة الضاد، الاديب الكبير مهدي شاكر العبيدي
-
بغداد منحت الفلسفة اليهودية عصرها الذهبي
-
فلسفة الجدل والصراع تفقد رائداً متمرساً
-
يا موسم البرتقال
-
بعث
-
أخاديد
-
في المنطقة الخضراء..
-
ننسون
-
مقدمة لمجموعة صلاح نيازي الشعرية -ابن زريق وما شابه-
-
ناوكليكان..* في ذكرى شهداء القيادة المركزية
-
دمُ بابلَ نور..
-
الى أحمد أمير
-
أثر الحلاج في كتابات رامون لول
-
العراق.. العراق
-
في ذكرى فنان العراق الخالد مؤيد نعمة
-
عبد الكريم قاسم في آخر مقابلة صحفية
المزيد.....
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|