|
الإنسان حيوان قاتل 8 - أسطورة اوزيريس
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 4211 - 2013 / 9 / 10 - 13:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
جاء ذكر قصة اغتيال أوزيريس بواسطه أخيه ست في عدة نصوص جنائزية منقوشة على الجدران في غرف الدفن الملكية بالأهرامات المصرية عشرات القرون قبل الميلاد. وتحتوى هذه الكتابات القديمة، المُكوَّنة في العديد منها من نصوص دينية، على تعاويذ وصلوات مختلفة، تسرد عادة لمحات من الحياة بعد الموت للملوك وللأسر الحاكمة، ومن ضمن ما ترويه أسطورة إيزيس وأوزوريس التي تضيء هيكلية النظام الملكي وكذلك بعض تفاصيل الحياة الآخرة، كما أنها تحكي قصة أول عملية اغتيال في التاريخ. ملخص الأسطورة أن "جب" إله الأرض و"نوت" آلهة السماء أنجبو أربعة أطفال: ست وأوزيريس وأخواتهما إيزيس ونيفتيس. تزوجت إيزيس من أخيها أوزوريس الذي كان حاكما على مصر، وغار منهما ست الذي حاول التخلص من أوزيريس وقتله للإستيلاء على السلطة. وقد اقامت الالهه بعد ذلك محاكمه لست وادانته علي جريمته ومنحت حكم البلاد لحورس، إبن إيزيس وأوزيريس، واصبح ست حاكما للصحراء، واعادت الالهه الحياه لاوزوريس ولكنه رفض ان يكون ملكا علي الارض وفضل ان يكون حاكما وقاضيا للعالم السفلي بعيدا عن عالم البشرية وبعيدا عن الشر. بعض نسخ الأسطورة تقول أن دافع ست لقتل أخيه يعود إلى رغبته في الإنتقام من أوزوريس الذي قام بإهانته والتعدي عليه جسديا بركله بقدمه أمام الحاشية، وفي رواية متأخرة، رغبة ست في الإنتقام تعود إلى حادثة من نوع آخر، وهي وجود علاقة غرامية وجسدية بين أوزوريس وأخته الثانية نيفتيس زوجة ست. وربما يكمن الصراع الحقيقي بينهما في رغبة أوزيريس في تغيير الحياة ونمطها في مصر، حيث أن إيزيس التي كانت أول من يكتشف زراعة القمح وأعطت السنابل الأولى لأوزيريس، قرر أن ينشر هذه الفكرة في كل مكان، فقام بتعليم البشر الزراعة وكيفية حرث الأرض وسقايتها وصناعة المحاريث والآلات الزراعية واستعمالها لتقليب الأرض وتخصيبها وزراعة القمح والشعير وعلمهم صناعة الخبز والنبيذ والبيرة، ثم عاد أخيرا إلى مصر ليحكمها ويواصل تحويلها وزراعتها، وهنا استيقظت النوازع الشريرة في قلب أخيه ست الذي يبدو أنه كتم حسده وغيرته لسنوات طويلة. فاقام حفلا كبيرا بحجة تهنئة ايزيس واوزوريس والإحتفال بزواجهما، وكان قد أمر بصناعة صندوق ذهبي في شكل تابوت مزين بالنقوش ومرصع بالجواهر الثمينة ذو مقاييس محددة ودقيقة بحيث يناسب قامة أوزوريس. وأخبر المدعووين ان هذا التابوت سوف يكون من حق من ياتي علي مقاسه بالضبط ويكون هدية له من الملك. و بدأ الضيوف واحدًا تلو الآخر بالتناوب على الإستلقاء في الصندوق - التابوت دون نجاح يذكر، فالصندوق لم يناسب أي منهم، سوى أوزوريس في نهاية المطاف، حين جاء دوره واستلقى في الصندوق الذهبي، أغلق ست وأعوانه التابوت عليه وأحكموا غلقه ثم صبوا عليه الرصاص، ورموه في النيل . طفا الصندوق، وبداخله أوزوريس، وحملته مياه النيل إلى البحر تقوده الأمواج والتيارات البحرية حتى حجزته أغصان شجرة الطرفاء النحيلة وأعاقته عن مواصلة الحركة واستقر عند شواطئ مدينة بيبلوس. وبقي هناك زمنا، ونمت شجرة الطرفاء الصغيرة بشكل غير طبيعي وبسرعة مذهلة لملامستها للتابوت الذي يحمل الجثة المقدسة حتى احتوت الصندوق بكامله واختفى كلية داخل جذعها. وحين رأى ملك بيبلوس الشجرة الضخمة، اندهش لنموها غير المألوف وأعجب بضخامة جذعها، فأمر بقطع الشجرة لاستعمال خشبها لصناعة عمود يزين به قصره ويكون دعامة للسقف. وما أن تمت عملية صناعة العمود ونصبه وسط القصر، حتى بدأت تنبعث منه رائحة شذيه وعطر نفاذ يعبق في كل أنحاء القصر. وداع صيت هذا العطر السحري في كل أنحاء البلاد حتى وصل مسامع إيزيس في مصر والتي أدركت على الفور معناه ومصدره. ذلك أن إيزيس عندما علمت بمقتل زوجها، ذهبت للبحث عن جثته مع أختها نيفتيس، خوفاً من ألا تستطيع روحه أن تعود إلى جسده، فلا ينتقل إلى العالم الآخر، وجابت الأرض سعيا وبحثا عن جثه زوجها دون طائل، وتقول الاسطورة ايضا انها استمرت فى البكاء حتى عطفت عليها تماسيح النهر وعاونتها على ايجاد جثة زوجها وتحديد مكانها في جذع شجرة بيبلوس. فذهبت إلى بيبلوس متنكرة في هيئة إمرأة عادية من عامة الشعب وتمكنت من دخول القصر كمربية لإبن العائلة الملكية، حتى نالت ثقة الملكة فكشفت عن هويتها وتمكنت من استعادة الصندوق الذي يحتوي جثة أوزيريس وخبأته في مستنقعات الدلتا. غير أن ست الذي كانت له عيون وآذان في كل مكان من مصر،علم بالامر وتمكن من سرقة الجثة وقطعها إلى أربع عشرة قطعة وزعها على كل أقاليم مصر. لم تستسلم إيزيس وتمكنت من جمع أشلاء زوجها جميعها، إلا جزءا واحدا، وهو عضوه التناسلي الذي أكله السمك في النهر، وربما هذا هو السبب في تحريم أكل السمك عند قدماء المصريين كما يقول بعض المؤرخين. بكت إيزيس وانتحبت ليلا ونهارا، واستعملت دموعها للصق الأشلاء بعضها ببعض وإعادة بناء جسده كما كان. وصنعت له عضوا ذكريا من الذهب، أو من الخشب حسب روايات أخرى، واستعانت بقوة الآلهة لإعاده الروح إليه لفترة من الوقت. وولدت أيزيس بعد ذلك ولداً وهو حورس، وأصبح أوزوريس ملكاً في مملكة الموتى. أما إيزيس فكانت تخشى على ابنها "حورس" من عنف وكراهية "ست"، فقامت بتربيتة في أحراش الدلتا سراً حتى شب وصار رجلا ليعود إلي الوادي ويطالب ست بعرش أوزيريس ودمه .. وأصبح ملكا بدوره وقاتلا لقاتل أبيه. ولا شك في أن هذه الأسطورة لم تتخذ هذا الشكل المبسط والنهائي إلا بعد عدة تطورات وتغيرات في التفاصيل على مر العصور والأزمان كأي أسطورة عرضة للثقافة السائدة وتقلباتها السياسية والإجتماعية وأهداف الذين يوظفون النص وأغراضهم المعروفة أو المجهولة. غير أنه لا بد من ملاحظة التشابه الكبير في البناء السردي بين هذه الأسطورة وبين قصة هابيل وقابيل. ولا شك بأنها المصدر والنموذج الذي ساهم في تشكيل أسطورة قابيل، رغم الإختلاف الجوهري بين عملية القتل المباشر الذي تمليه العاطفة وفقدان الإتصال بالواقع والمرتبط زمنيا وجغرافيا باللحظة الحاضرة، وبين الإغتيال الذي تمليه دوافع سياسية أو إجتماعية وينفذ بطريقة منظمة وبخطة عقلية مدروسة لأهداف مستقبلية.
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسان حيوان قاتل 7 - القاتل بالجملة
-
الإنسان حيوان قاتل 6 - القتلة الجياع
-
الإنسان حيوان قاتل 5 - السن بالسن والرقبة بالرقبة
-
الإنسان حيوان قاتل 4 - لاتغضب بدلا من لا تقتل
-
الإنسان حيوان قاتل 3- دمشق .. مسرح الجريمة
-
الإنسان حيوان قاتل .. 2 - الجثة رقم 1
-
الإنسان حيوان قاتل 1 - الغاية والوسيلة
-
توكل على الله والدولة
-
ملل ..
-
ليبيا .. في إنتظار الكارثة
-
خرائب الوعي .. 26 - تحت ظل الشجرة
-
الفقر عدو الوطن ..
-
الجهل
-
خرائب الوعي .. 25 - البحر
-
تجارة الكلام
-
أول مايو .. عيد الأناركية
-
الجوع .. كارثة طبيعية
-
الله .. وبعرة الجمل
-
المثلية الجنسية .. حق من حقوق الإنسان
-
هوموفوبيا
المزيد.....
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف يمكن لواشنطن مساعدة إسرائيل
-
زيلينسكي يقرّر سحب الأوسمة الوطنية من داعمي روسيا ويكشف تفاص
...
-
إسبانيا: السيارات المكدسة في شوارع فالنسيا تهدد التعافي بعد
...
-
تقارير: طالبان تسحب سفيرها وقنصلها العام من ألمانيا
-
لبنانيون يفضلون العودة من سوريا رغم المخاطر - ما السبب؟
-
الدوري الألماني: ثلاثية كين تهدي بايرن الفوز على أوغسبورغ
-
لحظة سقوط صاروخ إسرائيلي على مبنى سكني وتدميره في الضاحية ال
...
-
سلسلة غارات جديدة على الضاحية الجنوبية في بيروت (فيديو)
-
مصدر مقرب من نبيه بري لـRT: هوكشتاين نقل أجواء إيجابية حول م
...
-
فريق ترامب الانتقالي: تعليق القضية المرفوعة ضد الرئيس المنتخ
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|