أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رشيد لبيض - الثقافة الشعبية والاستبعاد الأكاديمي (تحليل الأسباب)














المزيد.....

الثقافة الشعبية والاستبعاد الأكاديمي (تحليل الأسباب)


رشيد لبيض

الحوار المتمدن-العدد: 4204 - 2013 / 9 / 3 - 17:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    




لعل الحديث بداية عن الثقافة الشعبية من داخل الأسرة الأكاديمية يحيلنا على استنتاج موضوعي مفاده إقصاء هذا المكون الثقافي إلى حد كبير من البحوث والأطاريح الجامعية، ناهيك عن استبعاده في الدرس الأكاديمي كذلك، هذا الموقف من الموروث الشعبي الذي يستمد قوته من الأحكام الجاهزة حول الثقافة الشعبية عموما، والتي تصب في مصب اعتباطيتها ولا موضوعيتها وأنها لا ترقى لأن تمثل موضوعا لاشتغال العلم.
لقد كرست هذه النظرة المتعالية والدونية من طرف الأكاديميين للثقافة الشعبية عامة وللموروث الشفهي خاصة ردحا غير يسير من الزمن جعلها مقابلا للثقافة العالمة، على اعتبار أنها تمثل ثقافة العلم والفكر وثقافة المركز، في حين تبقى الثقافة الشعبية ثقافة التخيلات والتهيؤات، ثقافة الهامش.
إن هذا التوجه الأكاديمي من داخل الجامعة العربية يعزى بلا شك إلى عوامل متعددة قد يتداخل فيها اللغوي بالاقتصادي بالاجتماعي وحتى السياسي، لكن الجانب اللغوي في اعتقادنا الخاص له هنا من الأهمية بمكان، لأن أحدا لا ينكر تلك العلاقة الجدلية بين اللغة والثقافة، فاللغة وعاء للثقافة، ونفترض هنا أنها تلعب دور البطل في تكريس التقابل بين النوعيتين الثقافيتين.
وتجدر الإشارة ونحن نخوض في مفهوم الثقافة الشعبية أن هذا المفهوم يشمل من العناصر ما هو أغنى بكثير من مجرد محاولة اختزال، إنه الأدب الشفهي بكل أشكاله، العادات، التقاليد، بل وأنماط التفكير. إنه بعبارة أشمل نظرة الإنسان إلى الكون، الإنسان الذي علمته تجارب الحياة وليس مقاعد المدرسة، وإذا كانت الفلسفة تمثل هذه النظرة في الثقافة العالمة، فإن الأشكال الأدبية الشعبية تمثل هذه النظرة الفلسفية الوجودية لدى هذا الإنسان البسيط، والتي لا تخلو من تعقيد قد يتجاوز نظريات فلسفية في تجريده.
وعندما نفترض أن الجانب اللغوي لعب دور البطل في هذا التمايز والتقابل بين الثقافتين العالمة والشعبية، فهذا يحيلنا على الأشكال الأدبية المتضمنة من داخل الثقافتين حيث هناك مثل شعبي يقابله مثل عربي فصيح، وهناك رواية أو قصة تقابلها حكاية شعبية، وهناك شعر شعبي يقابله شعرعربي فصيح، وهكذا دواليك. إنها في نهاية المطاف لغة تقابل لغة، وهنا بالضبط يتجسد الصراع الذي يمكن أن يشكل لنا مفتاحا لفهم التهميش الذي لحق الثقافة الشعبية من البحث الأكاديمي.
لقد جاء استبعاد الدراسة الأكاديمية للموروث الشفهي في اعتقادنا الخاص كانعكاس للاشعور جمعي عقدته الخوف من اندثار اللغة العربية كأساس للقومية العربية من جهة، و كمقوم أساس من مقومات الدين الإسلامي من جهة ثانية، فمنذ القديم والعرب يعملون جاهدين على خط الكتب وتسطير القواعد اللغوية التي من شأنها حفظ اللغة العربية أمام عوامل التعرية الزمكانية، وخصصوا كمّا هامّا من العلوم التي تهتم باللغة، كلّ هذا خوفا عليها من الإندثار، لأن بتلاشيها يتلاشى الدين، فهي مفتاح فهم النص الديني، وهي لغة القرآن والحديث، وهما أهم مصادر التشريع الإسلامي قبل الإجتهاد الفقهي، ومنه فكلّ محاولة للقضاء على اللغة العربية هي مسّ لركيزة أساسية من ركائز الدين الإسلامي.
وإذا كانت اللغة العربية بهذا المعنى قد ارتبطت بالمقدس الذي منحها قوة الحضور المادي والمعنوي، الأكاديمي والاجتماعي، فإن اللغات العامية العربية ومنها الدارجة المغربية، قد تم النظر إليها على أنها مجرد انحدار وتدهور للغة الأم، (العربية الفصحى) وهنا ننوه بالدراسة العلمية الميدانية للساني الفرنسي المتميز (شارل فرغسون) حول الإزدواجية اللغوية بالمجتمع العربي، حيث قال بشيوع نوعيتين لغويتين بهذا المجتمع، نوعية عليا وأخرى دنيا في التمثل الاجتماعي للخطاب اللغوي. إلا أن هذه النوعية الثانية استمدت دونيتها من أطروحة تقليدية تجعلها مجرد انحطاط للفصحى، لا لغة قائمة بذاتها.
إن هذا التمثل الأيديولوجي للازدواجية اللغوية من داخل المجتمع العربي في واقع الأمر قد يكون له بالغ التأثير على الاستبعاد الأكاديمي لدراسة الأدب الشعبي كرافد محوري ومفتاح لفهم الثقافة الشعبية، وذلك أن كلّ محاولة لإدخال المتن الشعبي إلى اهتمامات البحث العلمي سيكون بمثابة اعتراف موضوعي بأحقية هذا المجال الثقافي من نصيب الدراسة العلمية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن هذا الاستبعاد قد يكون تأطر بالتخوف من شبح اندثار اللغة العربية، وإحلال اللغات العامية محلها كتوجس ظاهري يخفي خلفه تخوفا على الدين الإسلامي لا على اللغة في حذ ذاتها.
وختاما، نشير أن هذا التحليل المتواضع لا يدّعي التفسير الوحيد والأوحد لإشكالية استبعاد الثقافة الشعبية من البحث الأكاديمي، وإنما يقدم فرضية مدعومة بتحليل حجاجي قد يصيب وقد يخطئ، ثم إننا حصرنا موضوع تحليلنا في جانب من جوانب الثقافة الشعبية فقط، وهو الأدب الشعبي وهذا مما قد يآخذنا عليه القارئ، إلا أن هذا الإختزال جاء في إطار حصرنا لموضوعنا وخدمة منّا لفرضية انطلاقنا، ثم لابد وأن نسجل ملاحظة أخرى أساسية قد يسجلها علينا القارئ كذلك، وهي الوضع العالمي للثقافة الشعبية من داخل الجامعة، الذي لا يمكن إغفاله ونحن نتحدث عن الإقصاء والتهميش من داخل الجامعة العربية، والذي يمكن أن يشكل فرضية مبررة منطقيا لهذا التأخر الأكاديمي، إلا أننا وكما أشرنا سالفا أن هذا المقال لا يدعي شمولية التفسير بقدر ما يحاول تسليط الضوء على زاوية معينة قد تفيدنا في عملية الفهم، ومنه التفسير، كما أننا لا نتغيّى من خلاله تقديم أجوبة بقدر ما نروم طرح إشكالات، قد تؤهلنا بشكل جماعي للتفكير في قضايا ثقافتنا الشعبية.



#رشيد_لبيض (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاغتصاب والشرف في المتخيل الاجتماعي المغربي


المزيد.....




- عُقدت في بيت وزير خارجية سلطنة عُمان.. مصدر مطلع يصف أجواء م ...
- الجيش الاسرائيلي يطلب إخلاء 5 أحياء في النصيرات قبيل هجوم كب ...
- مسؤولة أممية: مقتل 100 شخص في هجمات على مخيمين للنازحين
- القوات الروسية والطاجيكية تدمر مجموعات مسلحة خلال تدريبات مش ...
- الخارجية الجزائرية: أبلغنا سفير باريس باحتجاجنا الشديد إثر ح ...
- نائب أوكراني يعترف بأن العديد من الأسلحة الغربية أثبت فشله ف ...
- ضبط كميات كبيرة من حبوب -الكبتاغون- في مستودعات بمدينة اللاذ ...
- السيسي يبدأ جولة خليجية تشمل قطر والكويت
- وزارة الأمن الداخلي الأمريكي تخضع موظفيها لاختبارات كشف الكذ ...
- -سيلفي- للرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيبان ...


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رشيد لبيض - الثقافة الشعبية والاستبعاد الأكاديمي (تحليل الأسباب)