|
صفحات من -جامع كوابيس الأحلام (رواية قيد الانجاز)
رافع الصفار
الحوار المتمدن-العدد: 4203 - 2013 / 9 / 2 - 14:39
المحور:
الادب والفن
صفحات من "جامع كوابيس الأحلام" رافع الصفار رواية قيد الانجاز
ليس بعيدا عن ساحة الطرف الأغر (Trafalgar Square)، في بار صغير يتوسط أحد الأزقة التي تأخذ سالكها بإتجاه بيكاديلي سيركس (Piccadilly Circus)، جلس منزويا في ركن قصي يحاور كأس البيرة برشفات قصيرة وبتأملات طويلة غالبا ما تسحبه اليها خلسة لتلقي به في دوامات من أحلام تبدأ ولا تتوقف، وإن حدث ما يقطع عليه مسلسله اللذيذ ويعيده مرغما الى الواقع فإنه سرعان ما يعود اليه متعجلا بعد أن يتلفت حوله برما ومن دون أن يكلف نفسه عناء الرد أو التعليق. بيغ بن (Big Ben) تعلن عن الوقت بناقوسها الشهير، والماء يجري تحت جسر وستمنستر (Westminster Bridge) غير مبال بما يجري حوله، وجدران البرلمان تتراقص في الماء مع حركة الموج. ولم يطل إنتظاره عند الإفريز. رآها من بعيد عند الطرف الأخر من الجسر، فتحرك نحوها. شعرها يتطاير مع الريح حول رأسها، والنظارات السوداء تغطي نصف وجهها في محاولة منها على ما يبدو في إخفاء شخصيتها. وعندما لاحظ الساقي أن كأسه فارغة دنا منه ليسأله، لكنه لم يتنبه له في المرة الأولى، ولم يتنبه له في المرة الثانية، وتنبه له وهو يبتعد عنه فنادى عليه: - هل تسمح؟ تمنى وهو يدنو منها أن يأخذها بين ذراعيه ويضمها اليه لكنه لم يجد في نفسه الجرأة على ارتكاب فعلة كهذه رغم الشوق الذي يعتمل في داخله اليها. سأله الساقي وهو يضع الكأس الثانية على الطاولة أمامه: - هل تنتظر أحدا؟ قال بنبرة خلت من أي صدى: - ربما.. رفع كأسه وأخذ رشفة طويلة وعيناه تعيدان إستكشاف المكان من حوله. من عادة الإنكليز التجمع بشكل عشوائي في الممرات دون أن يعيروا إنتباها لمضايقة الآخرين، وقد تحول البار في تلك اللحظة الى سوق مفتوح يعج بالزبائن. سألها وهو يسير محاذيا لها وعيناه تنظران الى الأمام: - أين تركت الطفلة؟ - مع مربيتها ليس بعيدا عنه تجمع عدد من الشباب حول بار ثانوي وراحوا يمارسون لعبة لم يدرك معالمها تماما في بادئ الأمر. لاحظ أنهم يشربون أصنافا متنوعة: بيرة، ويسكي، جن، فودكا وغيرها. وكان كل واحد منهم يصب جزء من مشروبه، وبالكمية التي يراها مناسبة، في كأس واحدة فارغة، ثم يبادر أحدهم، من تقع عليه القرعة أو بحسب إتفاق ما بينهم، الى تناول ذلك الخليط العجيب برشفة واحدة من دون توقف. فينطلق صراخ وزعيق الجميع وسط حالة الاشمئزاز التي تستولي على الضحية وهو يقاوم رغبة جارفة في رفض ما دخل في جوفه. عاد يسألها وهما يسيران كغريبين: - لماذا لم تجلبي الطفلة معك؟ ردت عليه قائلة ومن دون أن تنظر اليه: - فيما بعد، ليس الان. مع كأسه الثالثة وبعد أن غادره الساقي وقع بصره وشدته اليها سيدة تصارع الزحام وتشق طريقها بصعوبة لتجلس في آخر المطاف الى الطاولة المجاورة، وعندما أدركت وهي تعدل هيئتها بأصابع كفيها بأن عينيه معلقتان عندها نظرت اليه متبسمة ثم أحنت رأسها له بحركة مؤدبة، فعلاه إرتباك مفاجئ وأشاح ببصره بعيدا عنها ليلقيه عند كأسه على الطاولة. وحالما صارا في الفندق وأغلق باب الغرفة، إندفعا يساعدان بعضهما على خلع ملابسهما بتعجل ولهفة مرتبكة ثم حملها بين ذراعيه الى السرير. رفع كأسه الى شفتيه، ورفع رأسه قليلا لينظر اليها تدفعه رغبة مكبوتة وفضول لم يعهده من قبل، فوجدها تتأمله بذات العينين المتبسمتين. وإرتعشت كفه قليلا رغما عنه، لكنه لم يتراجع مستمدا القوة من عينيها. وبرفق سحب ذراعه من تحت كتفيها وطبع قبلة على خدها قبل أن يغادر السرير بهدوء. أخرج علبة بيرة من الثلاجة وتحرك بإتجاه الشرفة كي يختلي باحتسائها مع المشهد الذي يطالعه من هناك، نهر التايمز ومبنى البرلمان وساعة بيغ بن والجسر، وقبة القديس بول تتوسط الأفق البعيد. حالما وضع الساقي كأس النبيذ الأحمر أمامها، أخرجت علبة السجاير من حقيبتها، لكنها لم تتخل عنها. ظلت على ما يبدو تبحث في محتوياتها عن علبة كبريت أو ولاعة، وعندما أدركت عدم جدوى بحثها رفعت رأسها نحوه، وبدا التساؤل واضحا في عينيها، ولم يكن عصيا عليه إدراكه على الفور، فتكور الرد بين شفتيه: أنا لا أدخن، لكنه لم يفلح في النطق بحرف منه، ورآها تنهض من موضعها وتتوجه نحوه، الحقيبة مع السيكارة المحشورة بين السبابة والأوسط في يد وكأس النبيذ الأحمر في اليد الأخرى. علقت الحقيبة بظهر الكرسي المجاور له، ثم دفعت كفها مع السيجارة في وجهه وهي تسأله: - عندك كبريت؟ لم تتعجل رده. سحبت الكرسي الى الوراء وجلست عليه، وعيناها تراقبانه كأنهما عينا صقر. فتح ذراعيه مرتديا قناع البلاهة، ويبدو أنها أدركت ما يرمي اليه على الفور، فرفعت ذراعها تدعو الساقي اليها، ثم استدارت اليه وفاجأته بسؤالها: - هل أنت اسرائيلي؟ جاء صوتها مفاجئا. نهض واقفا واستدار ناحيتها. كانت تقف خلفه نصف عارية تتكئ بذراعها على إطار الباب وعيناها اللتان لم تتخليا عن نعاسهما بعد تطالبانه برد سريع. - لماذا تركتني وجئت لتجلس لوحدك قال وهو يحاول أن يحضنها بين ذراعيه: - لم أرغب بمضايقتك بعد أن غفوت على ذراعي. قالت بنبرة منفعلة وهي تدفعه عنها: - كان المفروض أن تبقى معي وتتركني أنام على ذراعك. رفع ذراعه بالعلبة ونظرة استعطاف تطل من عينيه. - هذه.... حالما أشعلت سيجارتها استدارت ناحيته من جديد. - لم تقل لي، هل أنت حقا اسرائيلي؟ تزاحمت الكلمات وهي تتدافع في غير إنتظام نحو شفتيه. قال أخيرا وهو يغالب تلعثمه: - و..لماذا .. اسرائيلي؟ بعد أن سحبت نفسا عميقا من سيجارتها، وأطلقت سحب الدخان في وجهه قالت: - لا أدري، تبدو مثلهم، أعني..اليهود. رفع كأسه ليأخذ منها رشفة طويلة متأنية وليحرص في نفس الوقت على جمع كلماته ورصفها بعناية فائقة قبل أن يطلقها. - أنا من بابل، واليهود عاشوا معنا لآلاف السنين، فلا غرابة إن كان في عروقي دم يهودي ولو بالخطأ. طبع قبلتين على خديها وهو يحاول أن يضمها اليه، لكنها ظلت تدفعه عنها بكلتا ذراعيها. - ابتعدعني.... عندما وقعت عليه القرعة للمرة الثالثة وضع كفه على معدته ورفع ذراعه الأخرى معترضا بينما تعملق القرف على وجهه وفي عينيه وأطلق نواحا متقطعا: - لا، لا، لا..... واندفع أصحابه يعزفون له سيمفونية الصخب والزعيق: - هيا، هيا، هيا...... لم تخف دهشتها وهي ترمي في وجهه سؤالها مع سحابة ثقيلة من الدخان: - بابل هذه في الإنجيل، أليس كذلك؟ - بالتأكيد قالت وهي تضحك: - وهل خرجتَ من الإنجيل؟ شاركها بإبتسامة باهتة وهو يرد عليها موضحا: - بابل كانت ومازالت موجودة على الأرض. سألته بإهتمام وفضول مفاجئ: - أين؟ - في بلاد ما بين النهرين، الميسوبيتاميا، أو ما يعرف في الوقت الحاضر بإسم العراق. - إذن أنت عراقي؟ وتوقفت لتطفئ عقب سيجارتها بحركة بارعة، وقد وجد الشاب نفسه أخيرا أمام خيار واحد لامناص منه. رفع الكأس وقربها من شفتيه وعيناه تعلنان بشاعة الحدث القادم وأصحابه يواصلون جوقة الصخب والزعيق. ألقى نظرة مستكشفة حوله قبل أن يعود اليها. - هل تسمحين لي بسؤال؟ ردت عليه بلا إكتراث: - تفضل وكعادته لم يتعجل ترتيب الكلمات المتزاحمة في رأسه. قال بعد أن أدرك صعوبة طرح السؤال بشكل مباشر: - أولا، أنا لا أمانع في التحدث معك، ولكن.... - ولكن ماذا؟ رفع ذراعيه وهو يطيل النظر في عينيها بجرأة غير مسبوقة من جانبه قبل أن يبادر الى القول: - حتى هذه اللحظة، لم أتشرف بالتعرف عليك... شربت آخر رشفة نبيذ ورفعت ذراعها مع الكأس بإتجاه الساقي قبل أن تلتفت اليه لتقول: - إسمي آنا، وأنا مديرة التسويق في إحدى الشركات المتخصصة في مجال الحاسب الآلي. وسكتت لتستل سيجارة أخرى من العلبة الحمراء. قال وهو يلون كلماته بخلطة من مشاعره المتضاربة: - الى متى نبقى على هذه الحال؟ لم ترد عليه. أضاف قائلا وهو يحاول أن يضمها اليه رغم تمنعها: - أليس من حقنا أن نعيش حياتنا ونستمتع بها كالآخرين؟ ظلت على صمتها، وذراعاها مضمومتان الى صدرها لتصنع منهما حاجزا تصده بهما عنها، بينما عيناها تسرحان عبر باب الشرفة في الأفق البعيد حيث تنتصب قبة القديس بول. استدارت اليه لتقول: - وأنت، لم تعرفني بنفسك، أعني ما إسمك وماذا تفعل في لندن؟ البيرة أولا. قال محدثا نفسه وهو يرفع ذراعه ملوحا للساقي. قال لها: - ما رأيك لو تجلبين الطفلة ونخرج الى مكان ما حيث نتناول العشاء سوية؟ هزت رأسها علامة الرفض القاطع، ثم قالت بنبرة فيها شيء من الحدة: - لا، هذا غير ممكن. - لماذا؟ ابتعدت عنه خطوتين لتفتح ذراعيها في الهواء ولتقول بنبرة تقريرية مبررة: - أولا هذا يتعارض مع موعد نوم الطفلة، وثانيا ليس محبذا على الإطلاق أن نتواجد معا في مكان عام. بدا الحبور واضحا على وجهه وهو يرى كأسه ممتلئة من جديد. قال بعد أن أخذ رشفة طويلة من السائل الذهبي اللذيذ: - يمكنك أن تناديني ب (رافا)، وأنا هنا لحضور مؤتمر. تبسمت وهي تحدق في وجهه بعينين يفيض منهما فضول جارف. قالت والإبتسامة تتسع بين شفتيها: - وفي أي مجال تعمل يا سيد رافا؟ لم يتردد هذه المرة وهو يقول لها: - أنا أستاذ متخصص في علم اللغة وأعمل في إحدى الجامعات في دولة الإمارات العربية المتحدة. - لكنك عراقي يطبيعة الحال؟ طوقت أصابع كفيه الكأس الباردة، بينما صدى السؤال يطلق صفيرا غريبا في أذنيه. - يصعب تحديد أو تأكيد ذلك. سحبت كرسيها نحوه بحركة مفاجئة، ثم سألته: - لكنك قلت لي قبل قليل بأنك من العراق؟ رأى أحد الشبان يغطي فمه بأحد كفيه ويتحرك على عجل بإتجاه التواليت، والأمر كان واضحا له ولآخرين غيره، أما صحبه فلم ينقطعوا عن مواصلة صخبهم وزعيقهم الذي يصم الآذان. قالت وهي تتحرك بإتجاه الغرفة: - خلال ساعات أو أقل من ذلك سينتشر الخبر على صفحات الانترنت ومنها الى القنوات التلفزيونية وبعدها تأتي الصحف والمجلات: سياسي عراقي مرموق يتناول العشاء مع فنانة ومغنية إسرائيلية في أحد مطاعم لندن.. سار خلفها وهو يتأمل قوامها المثير دون أن يبدي رد فعل مباشر. عادت تقول بتلك النبرة الواثقة: - وسيكون الخبر موثقا بالصور الملونة والتي من شأنها أن تدحر أية شكوك حول عدم صحته. جلست على حافة السرير، وألقت ذراعيها بين ساقيها المنفرجتين، وجاء ليجلس الى جانبها. قال كأنه يحدث نفسه: - يصعب تحديد أو تأكيد ذلك. سألته: - لماذا؟ - لا أدري. أرى الأمر صعبا عليَّ بعد كل هذه السنين التي قضيتها بعيدا عن وطني. - ها أنت تعترف بأنه وطنك. - ربما، لا أنكر ذلك، لكنها مجرد كلمة أمست من دون معنى. فاجأته بسؤال آخر غير متوقع. - أين تسكن؟ ركبته رغبة خفية في المماطلة. تحسس غلاف الكتاب الراقد في حضنه بأنامل رطبة، وعيناه تتأملانها بنظرات يطل منهما إستفسار خجول، ولم يقاوم. - كينسنغتون غراند هوتيل قالت: - سيتهمونك ويتهموني معك بالتجسس، وتلك هي أولى التهم ولن تكون الأخيرة. قال وهو يحدق في لوحة معلقة على الجدار: - ما عاد الأمر يهمني كثيرا - لكنه يهمني. وعندما نظر اليها مستفهما، تداركت بقولها - لن أتركك تضحي بكل شيء - إسمعيني... لكنها لم تكن تصغي اليه، وقد إنطلق الرنين قويا من حقيبتها. أخرجت الموبايل وقربته من أذنها ثم انطلقت تتحدث بنبرة غير معبرة: - نعم، تفضل..نعم، بالتأكيد. هل سبق أـن التقينا؟ لا أدري، لا أتذكر...، ماهو طلبك بالتحديد؟ اليوم؟ لا، لا هذا غير ممكن. دعني أراجع مفكرتي وسوف أرد عليك فيما بعد، ولكن ليس اليوم، لدي إرتباطات عديدة. حسنا، حسنا، باي...... تدافعت الأسئلة في رأسه تطارد إجابات مبهمة يصعب تحديد أبعادها وهويتها ليبقى بذلك معلقا في ضباب حيرته المدلهمة. سحب إحدى ذراعيها وشدها الى صدره وقال: - أنا لا أنوي العودة... أدركت مبتغاه في الحال، فاستدارت ناحيته وسألته بنبرة دب فيها شيء من الهلع: - تنوي ماذا؟ فرش كفيه على جانبي كأسه، وعلى الرغم من رغبته الجارفة في فتح بوابة التساؤلات، إلا أنه لم يجرؤ على كسر الصمت من دون سبب مباشر. وجاء سؤالها التالي ليطمس جانبا آخر مما خيل له أنها الحقيقة. - هل لديك أية ارتباطات الليلة؟ وحار في الصيغة المناسبة التي يمكن أن تصلح جوابا يرضي الطرفين. قال وهو يبتلع ما علق في بلعومه ويصعب إزدراده: - في الواقع، أنا لم أحاول الإتصال بأحد من معارفي... وفضل أن يترك النهاية سائبة، بينما سارعت هي من جانبها الى التعليق في محاولة منها الى جسر الهوة قبل إتساعها، وبنبرة بدت أكثر جدية مما يتطلبه الموضوع. - لا مانع عندي من مرافقتك إذا أردت ذلك.. ووجد نفسه يسقط في فخها رغم إدراكه لأبعاد الصورة الجديدة. قال لها وهو يرسم تكشيرة زائفة على شفتيه: - يسعدني ذلك حقا. ولم تمنحه فسحة يمارس فيها حرية التأمل والتفكير. سألته: - هل أنت جائع؟ تفحص كأسه ونظر الى ساعته في محاولة منه الى إدراك تفاصيل المعادلة الجديدة التي إخترقته بالطول والعرض، ثم قال: - الى حد ما... وعندما لاحظت إستغراقه في دوامة صمته، عادت تسأله: - تنوي ماذا؟ قل لي.. سحب نفسا عميقا، وذراعها ما تزال معلقة الى صدره بين كفيه. قال بنبرة ظل اليقين فيها مزعزعا بعض الشيء: - أنا لا أنوي العودة الى العراق. سحبت ذراعها كالملدوغة، وانتفضت واقفة على قدميها وهي تصرخ به: - هل أنت مجنون؟ نظر في وجهها مرتبكا وقال متسائلا: - ما رأيك بكأس أخيرة قبل أن نفكر بالأكل؟ - لابأس، وأنا أعرف مطعما في الجوار يقدم وجبات شهية. قال محدثا نفسه: لعل صحبتها تخفف بعض الشيء من وحدته. وتبسم لنفسه وهو يتأمل لحظة التأزم في عالمه الآخر اللذيذ. - هل أنت مجنون حتى تفكر بهذه الطريقة المجنونة. لكنها لم تستفزه بصراخها وهو يعرف مدى حبها له. أجابها بنبرته الهادئة: - إهدئي، إهدئي يا حبيبتي. نعم، قد يحق لي أن أفكر بالطريقة التي تناسبني، لكن القرار في مثل هذه الأمور لن يكون منفردا على الإطلاق. رأيك مهم وأساسي بالنسبة لي. عندما أحضر الساقي كأسي البيرة والنبيذ، أخرجت آنا الموبايل من حقيبتها وبادرت الى القول: - إعطني رقمك. مرة أخرى يفاجأ بسؤالها وتركبه الحيرة. - في الحقيقة الرقم جديد ولا أتذكره.. ويخرج الموبايل من جيبه. تقول بذات النبرة المنفتحة: - حسنا، خذ رقمي. وتملي عليه رقمها، ثم تقول: - اتصل بي الآن. ظل في موضعه عند حافة السرير متسربلا بهدوئه المعتاد. أضاف قائلا: - لا أرى معنى لحياتي وأنت وطفلتي بعيدتان عني. بدا واضحا من حركات أطرافها أنها تصارع كي تغلق المنافذ أمام غضبها المتفجر. عادت لتجلس الى جانبه على حافة السرير. طوقت رقبته بذراعيها، ووضعت رأسها على صدره. قالت بنبرة أخرجتها بكل الرقة التي تقدر عليها: - لا أتمنى غير ذلك.. ورفعت رأسها لتضيف بنبرة مختلفة: - ولكن... إثنان من الشباب قررا على مايبدو الإنتقال الى لعبة من نمط أخر. وقفا متقابلين على جانبي البار الصغير الذي رص عليه عدد كبير من كؤوس البيرة ناهز ما يقرب العشرين أو أكثر ولم يتمكن من حسابها بشكل صحيح لكثرة المتفرجين والمشجعين حولهما. صعد أحد الواقفين قرب الشابين على كرسي كي يتولى مهام التحكيم حسبما خيل له ولكي يتمكن، وهذا واضح، من السيطرة على مجريات المشهد. تتلخص المسابقة أو هكذا فهمها، في أن يتبارى المتنافسان في شرب كؤوس البيرة والفائز من يشرب أكبر عدد منها ضمن الوقت المحدد. طلب الحكم من الشابين أخذ حالة الإستعداد، ثم رفع ذراعه في الهواء وأسقطها فجأة مع صرخة تلخصت بكلمة - الآن.. وإنطلق الشابان في رفع الكؤوس وشرب البيرة بأقصى سرعة يمكن تخيلها أو توقعها وصرخات المشجعين والمتفرجين تلاحق المتنافسين وتطالبهما بتقديم المزيد. سحبته آنا فجأة من ذلك الهرج بقولها: - مجانين.. ولم يعلق مباشرة. رفع كأس البيرة كي يستمتع برشفة منه قبل أن يبادر الى القول: - شباب، ويحلو لهم أن يستمتعوا بوقتهم بالطريقة التي تناسبهم. قالت دون أن تبدي اكتراثا بما يقوله: - أنا جائعة. رغم صفير الخواء الذي إقتحم رأسه، أجابها بنبرة ودودة: - دقائق لا أكثر. ندفع الحساب ونغادر. سحبت ذراعيها عن رقبته وأضافت قائلة: - ليس صحيحا أن تضحي بمستقبلك السياسي بمثل هذه البساطة وأنت على أعتاب مرحلة حاسمة من حياتك. لم يتكلم، كأنه ينتظر منها أن تقول المزيد. عادت تقول: - حبيبي، حياتك ليست ملكك. ملايين العراقيين وغير العراقيين يعتبرونك أملهم الوحيد في وضع النهج الديمقراطي على المسار الصحيح والتصدي للهجمة الدينية الشرسة التي توشك أن تبتلع المنطقة بأكملها. رفع رأسه اليها والإستغراب مع شيء من الدهشة يطل من عينيه، بل لعل طيف إبتسامة لاح حول شفتيه. سألها: - ألا تبالغين في هذا؟ ردت عليه بنبرة حاسمة: - لا أنا لا أبالغ. عاد يسألها: - ألا ترين معي بأن الحقيقة أو الواقع أمر مختلف تماما؟ - أنا لا أرى ذلك، بل أدعوك الى قراءة الواقع من جديد. - وكيف أقرأه؟ - أن تكون على يقين تام بأنك على أعتاب مرحلة حاسمة. سألته آنا وقد صارا الآن في الشارع تحت لوحة النيون الخاصة بالبار: - هل نمشي أم نأخذ تاكسي؟ ماذا تفضل؟ - المطعم في الجوار، أليس كذلك؟ - نعم، ليس بعيدا من هنا. طوق خصرها بذراعه اليسرى وشدها اليه وهو يقول: - المشي بعد كؤوس البيرة يبعث على الإرتياح. هيا بنا. وتحركا ليخرجا من دائرة الضوء المنبعثة من لوحة نيون البار ولينزلقا تدريجيا داخل عتمة شحيحة الضوء تبتلع الأجساد والأشكال الساكنة والمتحركة وتحيلها الى أشباح هلامية. قالت آنا وهي تشد بجسدها اليه: - المكان شديد العتمة. لا أكاد أرى شيئا. سألها وهو يضغط بذراعه على خصرها: - هل أنت خائفة؟ ولم يسمع ردها. شعر بشيء ثقيل يسقط على أم رأسه، راح بعدها يغوص في عتمة من نوع آخر بترته تماما عما يدور حوله. عادت تقول كأنها تثبت حقائق غير قابلة للنقض: - أنت الآن زعيم التيار الليبرالي في العراق، وتقع على كاهلك مسؤوليات ومهام جسام.. - قد يبدو معقولا لو تقولين واحد من الزعماء، أما زعيم فأظنك تبالغين.. - لا، لست أبالغ. أنت رقم واحد بشهادة الجميع، أما الآخرون فهم إما منضوون تحت خيمتك أو هم عديمو القيمة قلما يرد ذكرهم في الإعلام. وقبل أن تعطيه الفرصة كي يرد أو يعلق على كلامها، وقد بدا ذلك واضحا في عينيه وفي حركة ذراعيه أضافت تقول: - القناة الثانية والقناة الرابعة بالإضافة الى ثلاث صحف إنكليزية مرموقة تطلب لقاءات صحفية وتلفزيونية معك. سألها مستفسرا وقد ركبه فضول مفاجئ: - زيارتي خاصة وغير معلن عنها، فكيف عرفوا بوجودي في إنكلترا؟ قالت وهي تدرك تماما بأنها ذاهبة الى فخ محتوم: - لا أدري، ولكن واضح أن لديهم إتصالاتهم الخاصة.. طرح سؤاله الثاني: - وأنت، كيف عرفت برغبتهم؟ أطبق عليهما صمت حذر إخترقه صفير متواصل لقارب يمخر في نهر التايمز. وظل صدى الصفير يتردد في أذنيه دون توقف. وسمعها تسأله وهي تدنو بوجهها منه: - هل تسمعني؟ كان وجهها مشوشا ولم يتبين ملامحه. والصور في رأسه تصطدم ببعضها وترسم خطوطا متعرجة ومتشابكة. قال من دون أن يملك زمام كلماته: - ماذا يجري؟ أين أنا؟ إقتربت منه وجوه أخرى، لكنها ظلت مشوشة، وانطلق اللغط يحفر في رأسه المتصدعة. تداعت الكلمات من بين شفتيه كأنها تأوهات غير خاضعة لضبط أو تصنيف: - صداع..رأسي..ماذا يجري.. صداع.. من أنتم؟ أين أنا؟ إمتدت اليه الأيدي. قامت بثنيه وطيه، ثم حملته تلك الأيدي وسارت به عبر دهليز طويل تسطع فيه مصابيح شديدة التوهج. وماعاد يشعر بشيء، صار خفيفا، كأنه يحلق في الهواء، بعدها راح الضوء الساطع يشح ويخفت تدريجيا حتى حلت عتمة هادئة، بينما الأيدي التي تحمله تحاول جاهدة حشر جسده المطوي داخل علبة ضيقة. سكتت أحاسيسه تماما. بعد إعلان النتائج مباشرة، سارعت الأحزاب الشيعية الى عقد إجتماع طارئ لها، وبناء على توجيهات صارمة صادرة عن جهة خفية معلومة، وتماشيا مع تفسيرات قضائية مدسوسة، أعلنت تحالفها وتوحيد قراراتها، وصارت بذلك الكتلة الأكبر في البرلمان وإمتلاكها أحقية تشكيل الحكومة بحسب ما يزعمون مدعومين بقرار من القضاء. أما الدكتور عبد المهدي المهدي زعيم الحزب الليبرالي الفائز في الإنتخابات، وهو عالم آثار معروف عمل أستاذا لأكثر من عشرين سنة في عدد من الجامعات الأمريكية والبريطانية، فيلخص الموقف ببضع كلمات ذات دلالة كبيرة. يقول الدكتور في تصريح له إلى إحدى القنوات التلفزيونية: - هم تماما مثل ذلك الرجل الذي ظل يكذب حتى صار يصدق نفسه، بعدها راح يطالب الآخرين بتصديق ما يقول. ويضيف في لقاء صحفي: - خلافا لكل الأعراف الدستورية والإنتخابية المتعارف عليها في كل الدنيا، جاءوا هم ببدعة تثير السخرية. فنحن أصحاب الحق الإنتخابي، ونحن، لا هم من يُفترض أن يُكلف بتشكيل الحكومة، بغض النظر سواء كنا سننال الثقة في البرلمان أم لا، فهذا موضوع آخر، لكن فكرة فوزنا على ما يبدو قد أرعبتهم وأرعبت أسيادهم. بادرت الفتاة المسؤولة عن إدارة اللقاء الى سؤاله: - لكنك سارعت الى التخلي عن حقك الانتخابي.. لم ينفعل رغم نبرة الإتهام التي تضمنها السؤال. - قرار التخلي عن حقنا الإنتخابي جاء نابعا من إحساسنا بالمسؤولية تجاه شعبنا ووطننا، أولا من أجل إنقاذ العملية السياسية التي وصلت الى نفق مسدود، وثانيا قبلنا بالتخلي مقابل مجموعة من التعهدات يلتزم الطرف الآخر بتنفيذها. - وهل التزم الطرف الآخر بتنفيذ تعهداته؟ - للأسف الشديد لم يفعلوا، بل نقضوا كل العهود والمواثيق. عادت الفتاة لتسأل الزعيم الليبرالي: - وكيف يبدو لك الوضع العام في العراق بعد الذي جرى؟ - كارثي. الأوضاع تنحدر من سيء الى أسوأ، ونحن بحاجة الى معجزة لإنقاذ العملية السياسية. في الحال بادر أحد رجالات الحزب الشيعي الحاكم الى الرد وبقوة على تصريحات الزعيم الليبرالي: - يؤسفني جدا أن أقول بأن كلام الدكتور المهدي غير متوازن على الإطلاق، وإدعاءاته كلها باطلة جملة وتفصيلا. لا أدري عن أي حق إنتخابي يتحدث ونحن الكتلة الأكبر في البرلمان، وقد جاء تفسير المحكمة الدستورية ليحسم المسألة نهائيا. أما حديثه عن نقضنا للمواثيق والعهود، فمن المهم أن يكون الجميع على بينة وأن يدركوا تماما بأننا ملتزمون بالدستور وبنصوصه وهو المرجع والأرضية الوحيدة التي نعمل عليها، ولا يُعتد بكل ما هو مخالف لذلك.
وقبل خروج الدكتور المهدي في زيارة خاصة وغير معلنة الى إنكلترا تحدثت بعض الصحف المحلية وعدد من القنوات التلفزيونية عن محاولة إغتيال تعرض لها الدكتور المهدي وتمكن من الإفلات منها في اللحظة الأخيرة حسبما ورد في حيثيات الخبر، لكن الكتلة الليبرالية لم يصدر عنها ما يؤكد أو ينفي الخبر. سألته زوجته وهما في السرير وكانا ما يزالان يلهثان: - ما مدى صحة الخبر الذي تحدث عن محاولة إغتيالك؟ ردعليها بنبرة ناعمة: - لا أظن أن الوقت مناسب للحديث في هذا الموضوع. سحبته من ذراعه وهي تقول: - حدثني. إستدار على جنبه الأيمن ليواجهها وإنحنى على وجهها ليطبع قبلة على شفتيها بينما إندفعت كفه لتداعب نهديها، وكانا عاريين. قال بنبرة أقرب الى الهمس: - ربما فيما بعد. وجاء ردها مفاجئا. سحبت جسدها بقوة لتنتصب جالسة في السرير، ثم إنحنت ناحية الجهة الأخرى لتلتقط علبة السجاير من على الطاولة المجاورة. أخرجت سيجارة وأشعلتها بعود كبريت توهج مرتعشا على وجهها ورقبتها ونهديها. بدت هادئة تماما، لكنها لم تلتفت اليه رغم أنه لم يرفع عينيه عنها وظل متسربلا بهدوئه المعتاد وإبتسامة حب ترفرف بين شفتيه. قال معلقا: - الأمر لا يستحق كل هذا ياحبيبتي. لم ترد عليه، فأغمض عينيه. العتمة تبعث فيه شعورا بالإرتياح، بينما الضوء يربكه ويشوشه. كانت تمسك بيده، وعطرها يملأ رأسه. سألها وهو غارق في عتمته اللذيذة: - أين أنا؟ تمدد الصمت للحظات قبل يأتيه صوتها عذبا كخرير الماء: - إفتح عينيك وستعرف في الحال. قال وهو يحاول أن يرسم لها صورة في خياله من خلال صوتها وعطرها ولمسة يدها: - الضوء الساطع يؤذي عيني. عاد الخرير يداعب أذنيه من جديد. - ما رأيك لو أطفئ الضوء؟ - سأكون ممتنا. - بشرط أن تفتح عينيك. - سأفعل. وبعد أن تركته، وابتعد عطرها، قال كأنه يحدث نفسه: - أريد أن أراك. لعلها سمعته، أو لعلها لم تسمعه، لكنها عندما عادت اليه وطوقه عطرها من جديد، قالت له: - هيا إفتح عينيك. لكنه ظل مترددا. سمعها تكرر طلبها، وصوتها الذي يشبه خرير الماء يأتيه من بعيد: - هيا إفتح عينيك. ركبه خوف غريزي من مفاجأة غير متوقعة. سألها: - هل الستائر مغلقة؟ - نعم الستائر مغلقة. هيا إفتح عينيك - ولا يوجد ضوء ساطع؟ - ولا يوجد ضوء ساطع. رآها وهو يفتح عينيه في الضوء الشحيح كأنها ملاك بجناحين تحلق حوله في السرير والإبتسامة العريضة ترسم محياها الساحر. عاد خرير الماء يتدفق من بين شفتيها: - هل تراني الآن؟ - إن كنتِ ملاكا فأنا أراك بالتأكيد. شع وجهها بهالة سحر ملائكية. ردت عليه قائلة: - إسمي فانيسا، وأنا الممرضة المسؤولة عن متابعة حالتك. أضافت بعد لحظة توقف قصيرة: - هنالك ممرضة أخرى إسمها سيندي تشاركني المهمة. - وأين أنا؟ - في المستشفى طبعا، أين يمكن أن تكون؟ بعد أن إرتدى ملابسه، جاء ليقف خلفها وهي منشغلة بتجفيف شعرها أمام المرآة، وراح يتأملها ويتحدث معها بنبرة فيها الكثير من الخنوع والاستسلام: - ناتالي، أرجوك، إسمعيني. ما تفعلينه.. ويسحب نفسا عميقا ثم يضيف: - ..من أجلي.. ويسكت للحظة قبل أن يقول: - ..قد يكون له عواقب.. غير جيدة. ولم يجرؤ أن يلفظ كلمة "وخيمة". إستدارت ناحيته وفي عينيها نظرة تنبئ بهبوب عاصفة إستوائية تقتلع النخيل من جذروها. ردت عليه بنبرة متشنجة: - وماذا عما تنوي أنت أن تفعله؟ تسمر في موضعه ولم يتكلم. واصلت كلامها: - ما تنوي أنت أن تفعله سيقوض كل شيء. وفي محاولة منه لإمتصاص غضبها قال بهدوئه المعتاد: - إطمئني ياحبيبتي. لن أفعل شيئا لاتوافقين عليه. جلبت مجموعة من الأوراق وجاءت لتجلس على كرسي الى جانب السرير. سألته: - كيف تشعر الآن؟ - لا بأس. - في الواقع المستشفى بحاجة الى بعض المعلومات. - حسنا، إسأليني. - أولا، نحن لا نعرف إسمك.. - رافائيل جرجيس - وهل أنت من سكنة لندن؟ - لا، أنا في زيارة لحضور مؤتمر. - ماذا عن جنسيتك؟ - أنا عراقي - لم نعثر على أية وثائق معك تدل على هويتك. - جواز سفري في الفندق. توقف ليجمع أنفاسه المتقطعة وقد غلبه لهاث مفاجئ. قالت فانيسا: - لابأس، لا بأس، هذا يكفي الآن في المطار تمكن عدد من الصحفيين أن يفلتوا من طوق حمايته والإقتراب منه. سأله أحدهم وقد بدا متعجلا: - هل تعتبرون أنفسكم داخل أم خارج الحكومة؟ - لايحق لك إطلاقا أن تطرح هكذا سؤال. فالكل يعلم بأننا في الحكومة. لدينا وزراء ولدينا نائب لرئيس الوزراء. - وما هي درجة فاعليتهم؟ - صفر، ليس لديهم أدنى فاعلية. تدخل صحفي آخر ليسأله بذات النبرة المتعجلة: - وما أسباب سفركم المفاجئ؟ - ليس مفاجئا. أما الأسباب فهي زيارة خاصة لإجراء بعض الفحوصات الطبية. طوق خصرها بذراعيه وسحبها اليه. سألها: - ماذا عن برنامج الغد؟ - في المستشفى. السيد جيمس بالدوين أكمل كافة الإجراءات المطلوبة. سحب ذراعيه عن خصرها وألقاهماعلى كتفيها وهو يسألها بنبرة إستغراب: - أية مستشفى؟ ومن يكون جيمس بادوين؟ - حارسك الشخصي، وسيكون برفقتك طوال اليوم تتشكل سحابة حيرة في عينيه وعلى وجهه. - لا أكاد أفهم شيئا. مستشفى وحارس شخصي، هلا توضحين الأمر لي؟ طوقت عنقه بذراعيها، واندفعت تطبع قبلة على شفتيه وهي تقول: - دعني فقط أذكرك بما قلته للصحفي في مطار بغداد قبل مغادرتك ثم أضافت وهي تدفع بشفتيها الى رقبته أسفل الأذن مقلدة طريقة كلامه: - لإجراء بعض الفحوصات الطبية عندما فتح عينيه أخيرا لم يجدها في الغرفة، والضوء الشحيح ينبعث من مصباح صغير معلق على الجدار فوق الباب المغلق. لكن إحساسا غريبا ظل يراوده ويملؤه يقينا بأنه ليس وحيدا. غلبه شعور بالإرتياب، فسحب نفسه قليلا الى الأعلى ورفع رأسه متلفتا ومستكشفا أرجاء المكان، فلم ير شيئا بإستثناء كتل معتمة خرساء. وتنبه الى وجود زر جرس على طاولة مجاورة عند متناول يده، فلم يتردد في الضغط عليه. في اللحظة التالية إنشق الباب عن ملاك تنبعث منه وتتوهج حوله هالة ضوء ساطع تخطف الأبصار، ولم يتبين شكل القادم نحوه. قال وهو يرفع كفه ليغطي بهاعينيه: - هلا أغلقتِ الباب رجاء؟ الضوء الساطع يؤذي عيني. عندما دنت منه بعد أن أغلقت الباب، تأكد له بأنها ليست فانيسا، وحاول أن يتذكر إسم الفتاة الثانية التي تتولى رعايته فلم يفلح. سألته وهي تمسك بيده لتقيس نبضه على ما يبدو: - كيف تشعر الآن؟ قال وهو يتفحصها بعينين متأنيتين: - أريد أن أذهب الى الحمام. بعد أن طبعت قبلتين على خديه قالت كأنها تملي عليه أمرا لايقبل جدالا: - حضورك الى الحفل أمر مستحيل، فهو بمثابة إنتحار سياسي. - إطمئني، لن أحضر. - حسنا سنكون على إتصال، ويستحسن أن تبكر في الذهاب الى النوم - كما ترغبين...
#رافع_الصفار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رشوة
-
إنتفاضة
-
العراق بعيون أجاثا كريستي - 3
-
العراق بعيون اجاثا كريستي - 2
-
العراق بعيون أجاثا كريستي - 1
-
عندما تصطادني الكلمات - 6
-
عندما تصطادني الكلمات - 5
-
عندما تصطادني الكلمات - 4
-
عندما تصطادني الكلمات - 3
-
عندما تصطادني الكلمات - 2
-
عندما تصطادني الكلمات
-
حالة تمرد
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|