أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فارس كمال نظمي - الاضــطرابـات الـنـفـســية الناجمة عن استخدام الحاسوب والانترنيت















المزيد.....


الاضــطرابـات الـنـفـســية الناجمة عن استخدام الحاسوب والانترنيت


فارس كمال نظمي
(Faris Kamal Nadhmi)


الحوار المتمدن-العدد: 1201 - 2005 / 5 / 18 - 12:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شهد العصر الحديث تحالفاً وثيقا ً بين العلم والتكنولوجيا ، إذ أصبح كلاهما يؤدي إلى تطوير الآخر في حلقة محكمة من التأثيرات المتبادلة غير النهائية . إلا أن هذا التسارع التكنولوجي في الوقت الحاضر وفي المستقبل سيخلق أجيالاً تصاب بما يسمى في الدراسات الاجتماعية بـ (( صدمة المستقبل)) Future Shock ، وهي المحنة البدنية والنفسية التي تنجم عن تحميل كل نظم التكيف البدني وعمليات صنع القرار في الكائن البشري فوق طاقتها . فالمجتمع البشري الحديث هو حصيلة ثنائية من الهيمنة والاغتراب التي يعرّض المجتمع التكنولوجي النفس الإنسانية لها ، إذ تشهد البشرية اليوم اضمحلال العلاقات الاجتماعية واختزالاً في زمنها وضغطاً متزايداً على حياة كل إنسان . فالعلم يسير بسرعة هائلة مصطحباً معه تكنولوجيا متطورة بوتائر خيالية ما تلبث أن تضع كل يوم ما هو جديد وأكثر عملية لحياة مستقبلية تبتعد كل البعد عن الاسترخاء ولو للحظات قليلة .
وفي ميدان تكنولوجيا المعلومات (أي ميدان استخدام الحاسوب وشبكات المعلومات) أصبح معروفاً أن الكثير من الناس يجدون أن تعلم استخدام الحاسوب يعدّ أمراً مخيفاً وصادماً ، مما يجعلهم يشعرون بالافتقار إلى القدرة المناسبة لتطوير مهاراتهم في هذا الميدان ، فيتجنبون بقوة استخدام الحاسوب . فقد وجد في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً أن ثلث طلبة الجامعات يعانون من الخوف المَرَضي (الرهاب) من التكنولوجيا Technophobia . كما وجد أن (60%) من طلبة الجامعات في اليابان يعانون من الحالة ذاتها بسبب أن القيم الثقافية اليابانية لم تسمح باستخدام الحاسوب في المدارس الابتدائية ، بل اقتصر استخدامه على المدارس الثانوية فقط ، مما دعا وزارة التربية اليابانية إلى تغيير سياساتها فيما بعد . وتحت ضغط هذه الحاجات ، باشرت مراكز البحوث في الدول المتطورة تكنولوجياً منذ سبعينات القرن الماضي بتأسيس إطار نفسي أكاديمي لدراسة تلك الاستجابات النفسية غير السـوية الناجمة عن تطور تكنولوجيا المعلومات ، مستحدثة مفاهيم جديدة دخلت القاموس النفسي للمرة الأولى ، ضمن تخصص معرفي جديد صار يعرف بـ ((علم نفس استخدام الحاسوب)) Computer Psychology . ويقف في مقدمة هذه المفاهيم المستحدثة مفهوم ((رهاب الحاسوب)) Computerphobia الذي يعني (( ممانعة يبديها الفرد لاستخدام الحاسوب ، تكون مصحوبة بالخوف أ والقلق . وتتألف هذه الممانعة من ثلاثة عناصر، هي : عدم استخدام الحاسوب ، وعدم التحدث عنه ، وعدم التفكير به )) . كما اشتقت مصطلحات أخرى مترادفة في مضامينها ، منها : ((قلق الحاسوب)) Computer Anxiety ، و ((ضغط الحاسوب)) Computer Stress ، و((النفور من الحاسوب)) Computer Aversion ، و((الضغط التكنولوجي)) Technostress . ويتم التعبير عن هذه الاضطرابات النفسية بطرائق مختلفة ، منها : حدة الطبع ، أو الصداع ، أو الكوابيس ، أو مقاومة تعلم تقنيات الحاسوب ، أو رفض شديد للتكنولوجيا .
وقد تـنوعت الدراسات العلمية التي حاولت الإحاطة بهذه الاضطرابات النفسية ، في افتراضاتها ونتائجها وطرائق بحثها . فقد أصبح معلوماً اليوم أن ازدياد معدل ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم وازدياد التقلصات العضلية ، كلها أعراض تصاحب استخدام الحاسوب بسبب أن الغدة الكظرية تزيد من إفرازاتها أثـناء التعامل مع الحاسوب . كما تم التوصل إلى أن نسبة مئوية عالية من الناس يشعرون أن الحاسوب سوف يطور نوعية الحياة من جهة ، إلا انهم يشعرون أيضاً من جهة أخرى أن تكنولوجيا الحاسوب أدت إلى انخفاض في عدد الفرص المتاحة لهم للعمل ، فضلاً عن إنها قللت من إنسانية المجتمعات . وفي مجال الطفولة ، تبين أن ازدياد استخدام شبكة الانترنيت لدى الأطفال يرافقه تحسن في سلوكياتهم نحو الآخرين ، لكن ازدياد استخدام الألعاب الإلكترونية يرافقه ازدياد في حالات سوء السلوك لديهم ، مع ظهور صعوبات شديدة في الانتباه عندهم داخل غرف الصف المدرسي . وقد ترافقت نتائج مثل هذه الدراسات مع ظهور تيار فكري بين بعض الباحثين الغربيين يحذر من مخاطر المعلوماتية . فعلى الرغم مما أتاحته تكنولوجيا الاتصالات من إمكانية الانتشار الكمي والنوعي للمعلومات على مساحة الكرة الأرضية ، إلا أن ((المعلومات لا تساوي المعرفة)) في نظر هؤلاء الباحثين ، ذلك أن عالم اليوم ركز على معلوماتية غير واعية بتأريخها ، وحدّ من المعرفة إلى الحد الذي أصبحت فيه المعرفة بحد ذاتها مهددة . فالمعلومات في عصر المعلومات أصبحت منفصلة عن تأريخها ، وسبباً في إحداث فجوة في المعرفة يصاحبها غياب النقد البنّاء .
وإذا كان "علم نفس استخدام الحاسوب " قد باشر دراساته منذ سبعينات القرن الماضي كما أشرنا إلى ذلك قبل قليل ، فأن المجتمعات النامية ما تزال تفتقر بشكل جزئي أو كلي لوجود هذا الحقل المعرفي لأسباب تتعلق بتخلفها العلمي والتكنولوجي . ونظراً للتطور النسبي الملحوظ الذي شهده المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة في ميدان استخدام الحواسيب وشبكات المعلومات ، فقد برزت حاجة ملحة لتـنمية ثقافة نفسية تلازم عملية التطور هذه وتصونها قدر الإمكان من التأثيرات السلبية التي يمكن أن تنجم عنها . وان أولى مستلزمات البدء ببناء هذه الثقافة هو أن يجد "علم نفس استخدام الحاسوب " مكانه الطبيعي ضمن المناهج الدراسية المقررة سواء في المرحلة الإعدادية أو الجامعية ، لتبقى الشبيبة العراقية على اتصال واعي بالتأثيرات الإيجابية والسلبية لثورة المعلومات وتقنيات الحاسوب ، بدلاً من التعامل الأعمى غير المأمون في عواقبه النفسية مع هذا النوع من التكنولوجيا ، فضلاً عن الدور الحيوي الذي يمكن أن تؤديه وسائل الإعلام في إشاعة المعطيات المعرفية الخاصة بهذا الميدان .
ان جرس التحذير الذي يقرعه علم النفس للتـنبيه إلى مخاطر الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تنجم عن استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات ، لا يعني الدعوة إلى الوقوف بوجه هذه الثورة التكنولوجية ذات المنافع المتعاظمة . فكل الاختراعات التكنولوجية في التأريخ كان لها إيجابياتها وسلبياتها على المستويات البيئية والصحية والسوسيولوجية والسيكولوجية . ومن هنا يبرز السؤال الفلسفي الآتي : (( هل إن الاختلال النفسي الاجتماعي الذي يشهده عالم اليوم هو نتاج حتمي للتطور التكنولوجي ؟ أم إنه نتاج للأسلوب الرأسمالي القائم على الاستغلال ، والذي يوظف تلك التكنولوجيا لتكديس أرباحه ، ولو على حساب استـنزاف الطاقة النفسية للإنسان ؟)) . إن التجربة الإنسانية اليومية المشتركة ، فضلاً عن معطيات فلسفة العلم ، يشير كلاهما إلى عدم إمكانية الجزم بأن التكنولوجيا (في ماهيتها) لا بد أن تمارس تأثيراً انفعالياً سلبياً في الإنسان ، بل إن الأمر يتعلق أكثر بالأسلوب الذي يتم به توظيف هذه المنتجات التكنولوجية في حياة الناس . ولهذا يكمن الحل في تنظيم العلاقة التـقـنية والنفسية بين الفرد والحاسوب بأسلوب يضمن الاستـثـمار الأمثل لطاقة الإنسان والآلة معاً ، بعيداً عن حلقات الاستغلال والقسر والاغتراب التي هي سمات النظام الاجتماعي المعاصر أكثر من كونها سمات متأصلة في ماهية الاختراعات التكنولوجية نفسها .



#فارس_كمال_نظمي (هاشتاغ)       Faris_Kamal_Nadhmi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة العلمية والصحة النفسية للمجتمع
- ثقافة السلاح تنخر شخصية الطفل العراقي
- سيكولوجية الانتخاب لدى الفرد العراقي
- سيكولوجية البطالة لدى حملة الشهادات الأكاديمية في العراق
- المنظور الماركسي للحب بين الجنسين
- رؤية نفسية في صور تعـذيب السجناء العـراقيين في أبو غريب : سا ...
- العنف الجنسي ضد المرأة العراقية
- سيكولوجيا الفوضى المرورية في المدينة العراقية
- التحليل النفسي لشخصية العسكري الأمريكي في العراق


المزيد.....




- السيسي وولي عهد الأردن: ضرورة البدء الفوري بإعمار غزة دون ته ...
- نداء عاجل لإنهاء الإخفاء القسري للشاعر عبد الرحمن يوسف والإف ...
- -الضمانات الأمنية أولاً-..زيلينسكي يرفض اتفاق المعادن النادر ...
- السلطات النمساوية: هجوم الطعن في فيلاخ دوافعه -إسلاموية-
- نتنياهو: انهيار نظام الأسد جاء بعد إضعاف إسرائيل لمحور إيران ...
- نتنياهو: ستفتح -أبواب الجحيم- في غزة وفق خطة مشتركة مع ترامب ...
- كيلوغ المسكين.. نذير الفشل
- تونس تستضيف الدورة 42 لمجلس وزراء الداخلية العرب (صور)
- -مصيركم لن يكون مختلفا-.. رسالة نارية من الإماراتي خلف الحبت ...
- مصر تعلن بدء إرسال 2000 طبيب إلى غزة


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فارس كمال نظمي - الاضــطرابـات الـنـفـســية الناجمة عن استخدام الحاسوب والانترنيت