خيري حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 4196 - 2013 / 8 / 26 - 15:20
المحور:
الادب والفن
كأنّي بي أمضي نحو الرحيل ثانية، أراقص عقارب الساعة علّها تسمع دعواتي، علّها تسرع ببطء أو تقفز إلى الخلف.
كأنّي بي أسافر نحو العدم، فإذا بالشرق يفتح ذراعيه، يأخذني بحضنه، يشدّني نحو الهاوية لينقذني من عبثية الترحال.
كأنّي بي أعود إلى مسقط رأسي فإذا بآخرين قد احتلوا ما تبقّى من تفاصيل حياتي وعلاماتي الفارقة. نسيت مفتاح بيتي عند أوّل السلم، لم أفاجا حين أخبروني بأنّ درجات السلّم تفوق الألف، فهل أملك اليوم القدرة على الهبوط والصعود ثانية قبل انقطاع الوصل؟
كأنّي بي قد سقطت سهوًا في بئر بلا قاع، لم أجد مستقرًا في عمقه. سقطت في الهاوية حتّى بلغت شفا قبر تعثرت به، سألت عن صاحبه؟ قالوا سئم انتظار الموت فذهب يبحث عن رصاصة أو حبل مشنقة، لكنّه عاد صفر اليدين. قال بأنّه شهد الكثير من المجازر والمحارق الجماعية، واستعصى عليه الموت ليشهد نهايات القهر ثمّ استلقى في الحفرة يبكي. أشفقه ملاكُ الموت، قبّل جبينه وأغمض عينيه وانتزع امانة الرحمن ومضى بعيدًا في السموات. لم يبقَ في البئر سوى ذكرى مياه عذبة، جفّت قبل عقد من الزمان. توقّفت حسناوات الحيّ عن الاستحمام في مياهها، توقّفت قوافل العشق عن المرور في مضاربنا، غيّرت وجهتها نحو الشمال، لا ماء في الجنوب صاح قائد القافلة ناظرًا إلى الغيوم المتلبدة في الأفق، وما أن شرب حتى الثمالة حتّى أضاع طريق العودة نحو الجنوب. نسي سمرة وجهه وارتدى سترة صوفية ثمّ رمى البدويّ عباءته المطرّزة بخيوط الذهب ليس بعيدًا عن مضاربنا. بكى قائد القافلة حين سمع من بعيد صوت العتابا لكن الوقت قد فات ولا عودة إلى الجنوب، فالطرق مزروعة بأسئلة وجودية تتعذّر الإجابات عنها – كأنّي بي.
#خيري_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟