أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - لا أندم على خسارتي وإنما أندم على كسبي














المزيد.....

لا أندم على خسارتي وإنما أندم على كسبي


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4195 - 2013 / 8 / 25 - 16:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في هذه الحياة,وبالذات في هذا الوقت العصيب والغريب والمخيف,لا أندم على الذي خسرته وإنما أندم على الذي كسبته,وأخشى أن يكون كسبي من تعب غيري.

لملمتُ كل أشيائي وحملتُ كل أحلامي ووضعتها في حقيبةٍ صغيرة وحملتها على ظهري,ووضعت فيها كل الأشياء التي كسبتها استعدادا لإلقائها في البحر حتى لا تعود إليّ وغسلتُ وجهي بماء المطر الذي أسير تحته, واستجمعتُ كل قواي للنهوض من بين الركام ومن تحت أنقاض العمر وكان الغبار الأبيض يصبغ لي شعر رأسي بلونه الذي يجعل عقارب الساعة تتحرك باتجاه غروب الشمس وشروقها, ثم احترت فيها فهل هي من المكتسبات التي كسبتها في حياتي أم هي من الأشياء التي خسرتها, على كل حال لا أريد منها أي شيء, ثم نظرتُ إلى السماء فوجدتها باكية وغاضبة وتخجل من أن تقول عن علتها أو أن تكشفها للناس,كانت السماء بعيدة ومكتظة بالسكان وكانت الأرض تموج موجتها الأخيرة وكانت كل الطرق التي تؤدي إلى نافذة السماء مغلقة وكل الخطوط الهاتفية المحمولة مشغولة جدا ومن الصعب جدا أن تجد خطا مفتوحا,وكان من الصعب أن تجد إنسانا يبحث عنك بين الزحام,هنالك لا أحد يفكرُ إلا في نفسه,الكل يقول:مصلحتي الشخصية فوق كل اعتبار,لن أعيش لغيري...سأعيش لنفسي,وهذه من الأشياء التي كسبتها وندمت عليها لذلك سأتخلى عنها ومعها كل أحلامي الطائشة.

ومرت الأيام بسرعة,ومرت السنين بسرعةٍ,ولملمت الشمس خيوطها الذهبية,وراحت تنسج للعروس ثوبها الذهبي من الخيوط التي جمعتها وخبأتها في الثقب الأسود, هذا الثقب الذي أرعبني كثيرا والذي لديه القدرة على ابتلاع المجرة بأكملها لِما يملك من جاذبية قوية..في حين وقف القمر على الجهة الأخرى يبحث عن ثقب جديد يُضيع فيه شبابه وأيامه الحلوة كما فعلت أنا, فأنا أضعت شبابي وفقدتُ حيويتي وأنا أناظر بالنجوم وأتطلعُ في السماء وما زال القمر يبحثُ عن عروسه التي سيقدمها البحرُ له,اعتقادا منه من أن البحر يخشاه ويخاف منه ولذلك سيقدم له العروس على أساس أنها قربانٌ مقدس,وهذا ما كسبه القمر وندم عليه, وراحت الشمس تصفق بيديها وبانت ابتسامتها, وراحت بخيوطها العنكبوتية تزيد (الطين بلة) حيث أنها زينت رأس العروس وبقي الإله يتخبط في مكانه ليبحث له عن مجزرة عشق جديدة يندم عليها وتفوح منها رائحة العطر ورائحة البهارات ألذيذة, تماسكت الجبال من رهبة المكان وبدأت الجبال بالانهيار رغم أنها تماسكت جيدا ولكن كل تماسكها لم يمنعها من الانهيار فانهرت أنا خلفها وانهالت دموعي وسقطتُ على الأرض التي لم يصل إليها أحد من قبلي إلا وعاد منها حزينا أو مذبوحا, هذا الطريق وعرٌ جدا وطويلٌ جدا وضيقٌ جدا وبعيدٌ جدا,هذا الطريق لا يعود منه أحد,وكل ما كسبته منه في النهاية ندمتُ عليه وأريد الآن التخلص من كل مكتسباتي,فأين هي مكتسباتي لأتخلص منها؟.

لقد جربت هذه الطريق عدة مرات,وأكثر من عشرين مرة سلكته بلا عوده,يا لخيبة الأمل!!,وكل الجروح التي في صدري منه وكل الندوب التي في باطن كفيّ منه,وكل الحروق التي أصابت وجهي منه,وكل التيارات التي جرفتني كانت هي منبعها الوحيد,لذلك أنا ضائع وتائه وأعيش في متاهة أبدية أبحث فيها أحيانا عن لقمة الخبز وأحيانا عن زاوية أو ركنٌ بعيد أصلي فيه لله وأرقص فيه لله, فكله مثل بعضه البعض,فهذه الحركات في الصلاة لله وهذه الحركات في الرقص لله,وكلنا نمارس رياضة الصلاة أينما ذهبنا, وتوحدتُ في هذا العمر وعشتُ حياتي كما هي اليوم ورميت كل الذي معي في قاع البئر وفي وسط مياه البحر لكي لا أجدها مرة ثانية,أنا خائف جدا من الأشياء التي أكسبها,وأظن بأن الخسارة غير المشروعة لي أفضل من الكسب المشروع لي..أضعتُ الكثير وخسرتُ الكثير وما زلت ُأخسر كثيرا وأكسبُ قليلا وكل شيء خسرته لم أندم عليه وكل شيء كسبته ندمت عليه, فأنا لا أندم على الذي أضعته وإنما أندم على الذي كسبته من صنع يدي وقلبي وعقلي ولساني.

كانت الأصواتُ عالية وكنت وما زلت سعيدا بخسارتي,الخسارة تفرح قلبي,والخسارة تجعلني نشيطا,الخسارة تريح ضميري من الداخل وتريحني من التفكير,أما الشيء الذي يتعسني حقا فهو التفكير في المكسب فأنا أي شيء أكسبه أشعر بسببه بالتعب الشديد وأتعب من كثرة التفكير فيه,ويجنُ جنوني وأنا أقول:كيف كسبت ولماذا كسبت؟من المؤكد أن هنالك أناسٌ يتألمون بسبب كسبي لذلك لو خسرت يكون أفضل لهم لأنهم سيفرحون بسبب خسارتي وسيملئون بطونهم وأجوع أنا,أنا ليس مهما أن أشبع,المهم أن أرتاح من التفكير,لذلك لا أريد أن أكسب أريد أن أعيش الخسارة عدة مرات,وكانت النفوسُ يوم خسرت مرهفة الحس ولديها حساسية زائدة تنبع من عواطفها الكبيرة وليست كما هي اليوم,كانت أقوى من الظروف وكانت تستقوي على الظروف أما اليوم فالظروف أقوى منها والظروف هي التي تستقوي عليها,كانت الحياة مختلفة ومتآلفة وكنت أيام الخسارة أفرح كثيرا وأنام وأنا مرتاح,أما اليوم فكيف سأنام وأنا أكسب!؟لا أريد أن أكسب,وكانت الأرض ترشح بالعطر وكان العطر يفوح من كل الجهات وكان الماء يصعدُ من الأرض إلى السماء ابتهاجا بخسارتي, وكان الليل قد أنزل ستارته وبدأت العتمة عندما مد الغراب جناحه وحجب عنا نور الشمس وخيوطها الذهبية,وكانت الريح تعوي وتصفر وكأن في فمها آلة نفخٍ موسيقية,وكانت السماء ملبدة بالغيوم وفجأة وبدون سابق إنذار انتشر الصمت في كل المكان وانقطع التيار الكهربائي وساحت الألوان من على اللوحات الزيتية وامتلأت الأرض بالزيت وبالعنفوان,كان يوما مشهودا له بالبكاء وكان يوما تغوص فيه الأحزان في أعماقنا,ماذا فعلنا؟لماذا يعاقبنا الإله من خلال الكسب؟ لماذا يزمجرُ فينا؟ولماذا يسعى خلفنا؟,لماذا أنت يا إله البحر تتبعنا؟لماذا؟ أرجوك خذ من جيوبنا وأعطهم لعلهم يفرحون بخسارتنا.... والصمت ساد في كل المكان وكنت أنا وحدي من يتكلم ولا أحد يتكلم مثلي أو قبلي أو حتى معي, كنت أشعرُ وكأنني أعيش في نادي الصُم والبُكم,إذا كسبت لا يأتيني النوم الهانئ وإذا خسرت أنام وأنا مرتاح جدا.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهمة خالد الكلالدة
- ابتسامة الموناليزا
- أوهام السعادة
- الشهادات الجامعية في العلوم الإسلامية
- الإسلام والعقل والعلم والمنطق
- طريقة صنع نبيذ العنب
- موازنة الأردن
- لا يوجد عندي عيد
- هل الطلاق شريعة سماوية؟
- خطأ علمي في القرآن
- رأيتُ فيما رأيت
- حكمة من التوراة
- ما الفائدة من ختم القرآن
- القرآن هو السبب
- هل القرآن فعلا كتاب الله؟ 2
- هل القرآن فعلا كتاب الله؟
- أمريكيا والإسلام
- التعب الفكري
- نشرنا الغسيل
- أنا مليونير حقيقي


المزيد.....




- الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
- بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند ...
- لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
- قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب ...
- 3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
- إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب ...
- مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
- كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل ...
- تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
- السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - لا أندم على خسارتي وإنما أندم على كسبي