أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - الإنتفاضات العربية ونظرية المؤامرة















المزيد.....

الإنتفاضات العربية ونظرية المؤامرة


قصي الصافي

الحوار المتمدن-العدد: 4194 - 2013 / 8 / 24 - 08:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أثارت الإنتفاضات العربية الكثير من النقاشات والمناظرات الفكرية ، لا في أوساط المثقفين والمفكرين العرب فحسب ،بل في الأوساط الثقافية ومراكز البحث العالمية ، وقد صدرت الكثير من البحوث والدراسات القيمة، إلا أن الخطاب المؤدلج ونظرية المؤامرة كانت الأعلى صوتاً والأكثر قبولاً بين المواطنين العرب، فالقابعون في محراب الاديولوجيا يتفحصون العالم من نافذة ضيقة في محرابهم ، فتتراءى لهم حدوده تنكمش حتى تنطبق على حدود رؤيتهم، فإذا كان مسار الإنتفاضة يأخذ الإتجاه الذي تشير إليه بوصلتهم، يرتفع منسوب النشوة الثورية وتنتعش الآمال الراديكالية الحالمة، حتى ينهض المارد الراقد في الزوايا المعتمة من تأريخنا، فيمعن بتدمير البلاد وتقتيل العباد، عندها تتلمس مجسات البارانويا لديهم مؤامرة يحوكها الغرب، والجماهير الثائرة هي الأداة والضحية .

من السذاجة الإعتقاد أن القوى العالمية المهيمنة اقتصادياً وسياسياً على القرار العالمي ستكون محايدةً في حدث جلل قد يمس العصب الرئيسي لاقتصادها ونفوذها في المنطقة، إلا أن نظرية المؤامرة تسد منافذ التفكير والتحليل العلمي بتغيير وجهتنا من علم الإجتماع والتأريخ ونظريات الثورة إلى أقبية المخابرات والتصريحات والتقارير السياسية التي غالباً ما تتعرض للتلفيق والتحريف والتأويل،فنظرية المؤامرة غير معنية بإكتشاف الحقيقة، بل بصناعتها عبر الترويج لوجبات فكرية سريعة التحضير وسهلة الهضم . عند تفكيك الخطاب المبني على نظرية المؤامرة، لن تجد سوى بطاريات شحن عاطفي وخواء تام من الأفكار ، مما يجعل الخطاب غير مؤهل للمناظرة والتحاور. لقد كان ادمون بيرك من أشد المفكرين نقداً للثورة الفرنسية -خاصةً بعد انفلات اليعاقبة وامعانهم في التدمير ونشر الرعب والإرهاب- إلا أنه لم يقل بنظرية المؤامرة ويستريح ، بل قدم دراساته عن أهمية الحفاظ على المؤسسات الإجتماعية والدينية والسياسية للنظام الملكي والتي كانت -برأيه- ثمرة تجارب أجيال عبر العصور وفق تطور تدرجي وسلمي، وأن الثورات هي المارد الذي سيدمر كل ما انجزه الإنسان ليعود إلى بربريته ويبدأ من نقطة الصفر. تلك الرؤية اليمينية المحافظة أثبت التأريخ عدم صحتها بالطبع ، إلا أنه على الأقل ترك الباب مفتوحاً للحوار الفكري ولم يكتف بالقائنا في عتمة الشكوك والتآمر. الشك بالطبع أداة أساسية في المعرفة، على أن تكون مبتدأ لطريق الكشف المعرفي،لا أن يكون الشك هو المبتدأ والمنتهى والحقيقة كلها.

المجتمعات العربية لم تبتكر نمط التفكير بالمؤامرة، فنظرية المؤامرة كان لها حضورٌ دائمٌ عبر التأريخ وفي مختلف المجتمعات، إلا أن المجتمعات التي قطعت شوطا في المدنية لم تعد نظرية المؤامرة تتمكن من إحتلال عقلها الجمعي،بل بقيت محصورةً ضمن فئات محدودة،غالباً ماتكون ذات توجه يميني محافظ . إذا ما عدنا إلى التأريخ الأوروبي القديم حتى منتصف القرن العشرين سنجد لنا اسوةً سيئة بهم، إذ كانت نظرية المؤامرة تنشر الفتنة والإنقسام، و ربما تثير حروباً لامعنى لها، فقضية درايفوس مثلاً تعتبر مثالاً نموذجياً لنظرية المؤامرة في فرنسا التاسع عشر، وقد عملت على إنقسام المجتمع الفرنسي وكانت رمزاً للتمييز ضد الأقليات الدينية وخاصةً ضد اليهود، وهي القضية التي يخجل من ذكرها الفرنسي المعاصر. كان دريفوس ضابطاً يهودياً في الجيش الفرنسي، لفقت له القيادة تهمة التجسس لصالح ألمانيا عام 1894، فحكم عليه بالسجن المؤبد، وبعد مضي خمسة اعوام ألقي القبض على الجاسوس الحقيقي والذي أطلق سراحه رغم ثبوت الأدلة وإنكشاف التزوير ضد دريفوس، من هنا بدأ الإنقسام بين أصحاب نظرية المؤامرة الذين يرون أن اليهود مجبولون على الخيانة، وأنهم يضمرون مؤامرة لتدمير البلد، وفي الجانب الآخر أؤلئك الذين يدافعون عن براءة دريفوس وتأمين المساواة في الحقوق والمواطنه، ومن الناشطين في هذا الفريق كتاب كبار مثل اناتولي فرانس وأميل زولا ، ولم ينته الإنقسام وحالة الفوضى إلا في عام 1906. من المعروف أيضاً أن هتلر قد إستثمر الكراهية ضد اليهود لتحريض الشعب الألماني ضدهم،بإدعائه أن خيانات اليهود ومؤامراتهم كانت سبباً لهزيمة ألمانيا في الحرب ألعالمية الأولى. أما في الولايات المتحدة فقد كانت المكارثية الأكثر ايلاماً والأبلغ درساً، فقد تعطلت الحياة الديمقراطية وساد الرعب والقلق وأنتهاك حقوق الإنسان من 1950 إلى 1956، وكانت تلك الفترة أشبه بالكابوس. تمكن السناتور جوزيف مكارثي -وبدعم من التيار اليميني المحافظ في الحزب الجمهوري -من إقناع قطاعات واسعة من الشعب والحكومة بأن الشيوعيين قدتسللوا إلى أهم المراكز في المؤسسات، وهم يتجسسون لصالح الإتحاد السوفيتي، لتنفيذ مؤامرتهم بالقضاء على النظام الديمقراطي، وتسليم أميركا للسوفيت، وحكمها على الطريقة الستالينية. شكلت لجان التحقيق في كل أماكن العمل وجميع المؤسسات ، ومنحت صلاحيات مطلقة بالسجن والطرد وإنزال العقوبات، ليس بحق المشكوك بهم فقط، بل بكل من يتستر على معلومة، أو يمتنع عن تبليغ شكوكه بخصوص اصدقائه أو أقاربه. راح ضحية المكارثية الكثير من خيرة الكتاب والمثقفين وأساتذة الجامعات ونجوم هوليوود، ناهيك عن حالات الإنتحار للكثير من المواطنين الذين ادركوا أنهم قد خدعوا وتورطوا في التبليغ عن اصدقائهم المقربين . كانت المكارثية درساً لم تعد بعده نظرية المؤامرة قادرة على تعبئة الناس، بل إنحسر تأثيرها ليشمل فئات محدودة من المجتمع كالتروثرزThe Truthers الذين يعتقدون بأن الحكومة الأمريكية تآمرت على الشعب فنفذت انفجارات 11 سبتمبر. أما البرثرز The Birthers فإنهم يروجون أن اوباما ليس من مواليد أميركا وهو مسلم يريد تدميرها. لعضوة الكونجرس السابقة ميشيل بوكمان تصريحات نارية في قلب الكونجرس مفادها أن الإخوان المسلمين قد تسللوا عبر الحزب الديمقراطي لتنفيذ حكم الشريعة الإسلامية في أميركا ، كما أن عضو الكونجرس السابق ألن وست يدعي أن 81 شيوعيا في الكونجرس تسللوا عبر الحزب الديمقراطي. إذاً فنظريات المؤامرة مستمرة حتى في المجتمعات المتطورة، لكنها لم تعد قادرةً على إختطاف العقل الجمعي كما يحصل في مجتمعاتنا ، فلماذا بقيت بهذه الفعالية لدينا؟.

لشعور التوجس من الآخر جذور قبلية لم تتلاش تماماً من لاوعينا الجمعي، فإبن القبيلة ينظر الى القبائل الأخرى كمشاريع غزو مؤجلة ،إن لم يبادر بغزوها فإنها ستسبقه إلى غزو قبيلته، أي أن الآخر يثير الريبة على الدوام ، فديمومة وجوده مرهونةٌ بما يخفي من مخططات تآمر تؤمن رزق القبيلة . نمط التفكير هذا يمثل وسيلة حمائية للقبيلة، يفرضها نمط العيش القائم على الغزو كمصدر أساسي للريع الإقتصادي. ومن الطبيعي أن يتلاشى هذا ألشعور تدريجياً مع الإستقرار وبناء المدن والتحول للزراعة والصناعة والتجارة بدل الغزو ، ألا اننا لم نستطع تأمين وسائل حمائية جديدة ( تطور تكنولوجي وأقتصادي يمنحنا مكانة وتحصيناً في العالم المعاصر ، شبكة مصالح متبادلة تديرها دبلوماسية ناجحة ، تماسك إجتماعي وثقافي ..ألخ ) ولذا كانت الغزوة الكبرى هذه المرة والتي احتلت فيها بلداننا ونهبت ثرواتها بلا رحمة. هنا كانت نقطة العودة إلى التشرنق والحذر من الآخر إلى حد البارانويا، خاصةً أن خطابنا التحرري قد هيمنت على صياغته تيارات الفكر القومي والإسلامي بكل مزايداتها وطلاسمها الايديولوجية ، فكان خطاباً متشنجاً يقوم على تضخيم الذات القومية والدينية وقدسية التأريخ، وذلك عن طريق إنشاء علاقة رومانسية بين العربي و "ماضيه التليد"، وفرض عزلة ثقافية بحجة الحفاظ على ألهوية المعرضة لخطر الغزو الثقافي ( إنتبه إلى كلمة الغزو). الخطاب القومي (المهادن للاسلاموي لدوافع سياسية ) لم يكن قادراً على التمييز بين الثقافي الإنساني والسياسي الإستعماري وإن ادعى غير ذلك، فمن منظوره كل مايصدر عن الغرب يستهدفنا، فتحرر المرأة مؤامرة للنيل من تقاليدنا ، والحرية الدينية مؤامرة لخلق الفرقة بيننا، وديمقراطيتهم لا تناسبنا انما يراد بها تفكيك مجتمعاتنا " المتماسكة جداً جداً " ، كما أن لنا طريقنا الخاص إلى الديمقراطية (قال بذلك البعث والناصريون وغيرهم ، فاتضح أن طريقنا الخاص يفضي إلى بناء جمهوريات الرعب) ..وهكذا قائمة المؤامرات المزعومة لا تنتهي . أما الخطاب اليساري فإن انفتاحه الجزئي على الثقافة الإنسانية كان إنتقائياً بحكم انغلاقه الأيديولوجي، كما أنه لم يسلم من هاجس المؤامرة لارتهانه لمفردات الحرب الباردة، علاوةً على أنه لايمتلك خيارات واسعة في أجواء الهياج العاطفي الذي يثيره الخطاب القومي وشعاراته الشعبوية. أما الصوت الليبرالي فقد كان خافتاً ، فالطبقة البرجوازية -وهي الحامل الإجتماعي لهذا الخطاب- كانت من الوهن بحيث لم تتمكن من تحقيق استقلالها كطبقة لها خصائصها واخلاقياتها ، فقد كانت لضعفها تابعاً للطبقة الرأسمالية في البلد المحتل أيام الإستعمار، وتابعاً للديكتاتوريات الحاكمة بعد الإستقلال بسبب المحسوبية وأنعدام قوانين تنظم السوق الحرة.

خلاصة القول أن نظرية المؤامرة تنتعش في مجتمعاتنا لعمق جذورها في ثقافتنا القبلية،ولان هناك شبه إجماع للتيارات الفكرية والسياسية في تأريخنا الحديث على صياغة خطاب تحرري متشرنق ومهووس بالشك . وختاماً الشك أداة هامة لإثارة الأسئلة المنتجة للمعرفة، إلا أن نظرية المؤامرة تسد منافذ السؤال وتقدم الشك كبديل عن المعرفة.



#قصي_الصافي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنتفاضات العربية ونرجسية المثقف
- المقدس بين الدين والعلمانية
- -الثائر- آكل لحوم البشر
- الحرية والإنسان بين دستوفسكي وايريك فروم
- دستويوفسكي مفكراً
- العولمة والبطالة وانعكاساتها على العالم العربي
- كاميراتنا ....كاميراتهم ..والصراع المعرفي
- اليوتوبيا بين الفكر والارهاب


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي الصافي - الإنتفاضات العربية ونظرية المؤامرة